الثلاثاء، 13 مايو 2014

من كتابنا: دحض القول بوجود آيات قرآنية منسوخة، 2012 (6)

من كتابنا: دحض القول بوجود آيات قرآنية منسوخة، 2012 (6)

قال تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{106}، هذه الآية وردت في سياق كشف نوايا ومقاصد أهل الكتاب بعد ما تبيَّن لهم أن القرءان قد جاء ناسخاً لما عندهم وكانوا يظنون ومازالوا إلى الآن يعتقدون أن كتابهم لا يمكن أن ينسخ، فالقرءان هو آية الله التي جاءت ناسخة لما عندهم، والآية تبين سنة إلهية وهى أن الآية الناسخة هي أفضل بصفة عامة مما نُسخ أو أُنسى، فالقرءان خير مما لديهم فهو ناسخ لما عندهم منسٍ لما لديهم، ولقد استمرت الآيات من بعد تكشف أمر أهل الكتاب.
وهي أيضاً تبين للمشركين من أهل مكة الذين كانوا يظنون أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام أن الآية القرءانية التي تنزل على الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هي أفضل مما لديهم، وبالتالي فإنه من الخير لهم اتباع القرءان، والآية حجة على الضالين من أهل اللاسنة الذين يؤمنون إيماناً راسخا بأن المرويات الظنية يمكن أن تنسخ آيات القرءان، وقد يستبشع المسلم الباقي على أصل الفطرة هذا القول ولا يصدقه، ولكن للأسف هذا هو الواقع المرير.
فتلك الآية بريئة مما افتعلوه من مفهوم للنسخ، ولقد كان النسخ كما اصطلحوا عليه من أبرز وأخطر الإلقاءات الشيطانية التي ساهمت في انهيار الأمة والقضاء عليها وفى تحريف الدين، وهو إلي الآن العقبة الكئود في سبيل تطهير الدين وإنقاذ الأمة، ولقد حاول القائلون بالنسخ ليّ عنق الآية لتلائم ما زعموه فقالوا إن نسخ الآية يعنى نسخ حكمها مع بقاء رسمها في الكتاب ليتعبد به، مع أن النص هنا يتكلم عن نسخ الآية ذاتها وليس عن نسخ حكمها فهم بذلك يزعمون أن النص الحقيقي للآية يقول: ما ننسخ من حكم آية أو ننسه نأت بخير منه أو مثله، وهم بذلك يستدركون على ربهم ويحرفون معنى النص ودلالاته، كما أن التعبد بآية تتضمن حكما إنما يكون بإنفاذ هذا الحكم وليس بمجرد النظر إلي رسمها أو التكرار الببغائي لها أو بالتغني بها علي الناس ليتصايحوا إعجابا ويجودوا بدريهماتهم ثم ينصرفوا إلي حال سبيلهم.
ومن كل هذا يتضح أن الآية ليست بقطعية الدلالة على المعنى الذي أرادوه مع خطورة الزعم الذي افتعلوه، وبالتالي يصبح زعمهم لا قيمة له أصلا، إنهم بزعمهم هذا يجعلون الكتاب المبين غير مبين بل يجعلونه مصدر حيرة وتخبط ولبس، وهو يصبح بالضرورة بحاجة إلى ما يبينه رغم النص فيه على أنه مبين وتبيان لكل شيء، هذا مع العلم بأن القول بأنه توجد آيات ناسخة وآيات منسوخة يتضمن تفريقاً بين الآيات والتسليم بوجود اختلافات وتناقضات فيما بينها.
والدليل التاريخي واضح وضوح الشمس، فما إن ظهر هذا الزعم في أواخر القرن الثاني الهجري إلا وأخذ رجال الكهنوت يتنافسون في استعراض عضلاتهم اللافقهية واللغوية أو بالأحرى جهالاتهم لاكتشاف الآيات المنسوخة حتى أوصلها بعضهم إلى مئات الآيات ثم تمادوا حتى تفوق بعضهم على نفسه واكتشف أن نفس الآية قد تحتوى على أجزاء منسوخة وأجزاء غير منسوخة أو قد ينسخ آخرها أولها أو أن الآية السابقة تنسخ اللاحقة ثم تمادوا إلى أن زعموا بأن المرويات الظنية تنسخ الآيات المحكمة، ثم تمادوا إلى أن زعموا أن إجماعهم يمكن أن ينسخ الآيات!!، وهكذا أصبح القول بالنسخ هو أول ما يبادر إليه كل من تخيل اختلافاً في القرءان بل وأصبح هو الحل الأهون والأسهل لكل من وجد آية تناقض ما فقهه هو من آية أخرى أو تناقض ما عليه مذهبه، وكل ذلك وعلماء الأمة ومعها باقي الأمة في غمرة ساهون وقد تركوا رجال الكهنوت يصدون الناس عن كتاب ربهم ويحولون بينه وبينهم.
وإلى الكهنوت والنفايات البشرية وعبيد النسخ هذه الأسئلة: كيف يكون مجرد رسم بعض الكلمات وصيغتها اللفظية آية يتحدى بها الله تعالي الإنس والجن؟ أم كيف يمكن أن يتعبد الإنسان بترديد عبارة ينكر أن يكون لها أي حكم أو مضمون أو مدلول بالنسبة إليه؟ وهل لديهم من نص قطعي الورود والدلالة يستندون إليه في زعمهم بأن المرويات يمكن أن تنسخ الآيات؟ أم كيف تُحكَّم المرويات الظنية أو إجماعهم المزعوم في كتاب الله تعالي الذي يؤمنون هم بأنه قديم غير مخلوق؟ ألا يتضمن مسلكهم هذا كفراً بالآيات أو على الأقل تكذيباً لها؟ إن أمثال هؤلاء قد حقّ عليهم القول: (رُبَّ قارئ للقرءان والقرءان يلعنه)، ولقد أوقع الزعم بالنسخ تلك الأمة في الظلمات والمهالك ودفعها إلى إهمال العمل بكثير من الآيات التي تعتبر مفخرة لهذا الدين وهى أسمى ما يمكن أن يحكم الحضارة الإنسانية مثل تلك الآيات التي تتضمن حرية الاعتقاد والتسامح والإخاء الإنساني والتعايش السلمي وحرية الإرادة والاختيار والدعوة إلى الله تعالى بالوسائل السلمية الشريفة السامية مثل الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وتجعل القتال مشروعا فقط لرد العدوان ومقامة الاضطهاد الديني ولاسترداد الديار المنهوبة، ولقد ضرب الكهنوت بكل تلك الآيات عرض الحائط بالزعم بأنها منسوخة بآية السيف التي اختلفوا هم فيها، وهكذا قسموا العالم إلى دارين لا ثالث لهما دار إسلام ودار حرب، وأعطوا المبرر لطواغيتهم ليسلوا السيوف على كل من جاورهم من الأمم دون أن يكلفوا أنفسهم عناء إعداد الدعاة وإرسالهم إلى تلك الأمم التي كانت متعطشة إلى اعتناق رسالة سماوية، وفى حين أن هؤلاء الطواغيت كانوا يحاربون الإسلام في البلاد التي ابتليت بتسلطهم وينكلون بالعباد المخلصين ولا يعملون علي الدعوة إليه بين الشعوب التي أخضعوها فإنهم شنوا على العالم كله حروبا باسم الإسلام فألَّبوا الأمم عليه وصدوهم ببغيهم عنه، ولقد دفع المسلمون وهم الآن يدفعون من كرامتهم ودمائهم ثمن أخطاء أسلافهم.
-------
إن كثيراً من آيات القرءان يكتسب معاني جديدة بالنظر إلى ما سبق تلك الآيات من آيات وبالنظر إلى ما لحقها بالإضافة إلى معانيها الخاصة بها، ولذا فبالنظر إلى الآية: {أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ{108} البقرة، فإنه يتبين أن قوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانوا يلحون دائما عليه في أن يأتيهم بآية مادية حسية أي بأمر خارق للعادة والمألوف يكون برهانا على صدق رسالته، ولقد فصَّل القرءان بعض ما كانوا يطلبونه، لذلك فإن الآية رقم 106 من سورة البقرة تبيِّن أيضاً أن ما نسخ هو استخدام أمثال تلك الآيات كبرهان على صدق الرسالة، ولقد صرح القرءان بذلك وفصَّله في آيات أخرى، ولا يعنى هذا بالضرورة أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن مؤيدا بالآيات المادية بل كان مؤيدا بها، ولكنه لم يقصد بها التحدي والإلزام رحمة بأمته، وإنما كانت تثبيتا لمن آمن وحلا لمشاكل عارضة وتبشيرا بحتمية انتصار الدعوة وظهور دين الحق، ولقد سكت عنها القرءان لأنه كان فاتحة عصر تمام استخلاف الإنسان في الأرض؛ عصر العقل، ووجودها في الكتاب كان سيدفع الكثيرين خاصة في هذا العصر مثلاً إلى الكفر به، فكان السكوت عنها من مقتضيات كون هذه الرسالة رحمة للعالمين.
=======
إنه كان مما يهدف إليه إحداث القول بالنسخ كما اصطلحوا عليه أن يحرروا أنفسهم من الالتزام بالآيات القرءانية التي حفظها الله تعالي للعالمين فلم يستطيعوا لها محوا ولكي يمرروا عن طريق المرويات الموضوعة والمحرفة إلي الدين ما يريدون وأن يعيدوا صياغته وفقاً لأهواء الأعراب والمنافقين والسلاطين والمغضوب عليهم والضالين، والذي تولي كبر ذلك هو الشيطان الرجيم؛ فهو الذي وزَّع عليهم الأدوار وألقي إليهم الأقوال، وهو لم يكن ليسلم بالهزائم التي تلقاها علي أيدي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسابقين الأولين، ولقد أدي القول بالنسخ عملياً إلي نسخ الكتاب ذاته لحساب المرويات الظنية التي أصبحت تشكل باعترافهم 80% من مادة الدين، ومن أبرز التحريفات التي ألحقوها بالدين نتيجة القول بالنسخ أن صوروه دين عدوان دائم علي الآخرين وذلك لإشباع نزعاتهم العدوانية ولنهب موارد الشعوب المجاورة واستحياء نسائهم، وهكذا أصبح المسلم ينشأ على أنه من الواجب المقدس عليه الاعتداء على الشعوب المجاورة إن لم يكونوا مسلمين وإن كانوا مسالمين، ثم تطور الأمر إلى ضرورة العدوان على المجاورين طالما اختلفوا معه في المذهب، وكذلك من نتائج القول بالنسخ المكانة المهينة التي وضعوا فيها المرأة  اتباعاً لتقاليد الأعراب وتعاليم أهل الكتاب التي تسربت إلى التراث الديني تحت اسم المرويات، ومن النتائج تلك الصياغة الأعرابية العدوانية التي جعلت من المسلمين خطراً علي الناس أجمعين وألَّبت الناس ضد الإسلام والمسلمين، ومن أخطر نتائج ما أحدثوه أن حملوا المسلمين على اتخاذ كتاب الله مهجورا.
=======
كان من أهداف إحداث القول بالنسخ بالمعنى الذي اصطلحوا عليه والنفخ فيه أن يجعلوا الناس في حِلّ من ضرورة الالتزام بالنصوص القرءانية التي هي قطعية الورود والدلالة والتي حفظها الله تعالي للعالمين ولكي يمرروا عن طريق المرويات الموضوعة أو المحرفة إلى الدين ما يريدون وأن يعيدوا صياغة الدين وفق أهواء الأعراب والزنادقة وأهل الكتاب والطواغيت والمنافقين، ولقد كان الشيطان هو المنسق العام الذي تولي كبر هذا الأمر فحال بذلك بين الناس وبين الكتاب الذي جاءهم نوراً وهديً من ربهم، ولقد كان القول بالنسخ من الأمور التي استرهبوا بها الأمة وحالوا به بينها وبين كتاب ربها وأتاحوا الفرصة لاستنبات طبقة الكهنوت وازدهارها.

=======

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق