الاثنين، 5 مايو 2014

من كتابنا: دحض القول بوجود آيات قرآنية منسوخة، 2012 (1)من كتابنا: دحض القول بوجود آيات قرآنية منسوخة، 2012 (1)

من كتابنا: دحض القول بوجود آيات قرآنية منسوخة، 2012 (1)

إن أكثر المحسوبين على الإسلام يؤمنون بما يسمونه بالنسخ، وهم يقصدون به أنه توجد في القرءان آيات منسوخة، والآية المنسوخة عندهم هي آية تم إلغاء حكمها إما بآية أخرى وإما بأثر أو مروية مما يسمونه بالسنة، وهذا القول منهم باطل، ولم يأتوا عليه بأوهى دليل، وهو يتضمن لا محالة كفرا بالآية التي يقولون بأنها منسوخة فضلا عما فيه من تجديف وسوء أدب.
أما نحن فنقول إنه لا توجد في القرءان أية آيات منسوخة، بل توجد فيه آيات ناسخة لبعض أحكام الشرائع السابقة من حيث أن الدين عند الله واحد هو الإسلام الذي بدأ رسميا برسالة إبراهيم عليه السلام، واكتمل وخُتِم بالرسالة المحمدية؛ فهي تتويج لهذا الدين وبها تمَّ واكتمل.
أما الحكم المنسوخ فلا يوجد نص عليه في القرءان، وإنما هو يُدرَك من فحوى الخطاب، وعلى سبيل المثال كان المسلمون يصلون تجاه قبلة معينة قبل أن ينزل الحكم الناسخ لذلك والذي يتضمن الأمر بالتوجه شطر المسجد الحرام، فلا توجد في القرءان آية تأمرهم بالتوجه نحو القبلة القديمة، وإنما توجد في القرءان الآيات التي تأمرهم بالتوجه نحو المسجد الحرام.
أما حقيقة القبلة القديمة فلا تعني المسلمين في شيء، وليس من الصعب استنتاج أنها كانت نفس قبلة أهل الكتاب؛ أي بني إسرائيل، أي هي المسجد الأقصى، وكان موجودا في إيلياء أو أورشليم التي سيسميها المسلمون من بعد بيت المقدس، فهو الهيكل أو المعبد أو ثاني بيت وُضِع للناس وبارك الله حوله.
ولم تكن هناك مشكلة بالنسبة للمسلمين عندما كانوا في مكة، فكان يمكنهم الجمع بين القبلتين، ولكن المشكلة نشأت بعد الهجرة إلى المدينة والتي تقع شمال مكة، فلا يمكن الاتجاه شمالا وجنوبا في نفس الوقت، وهذا ما كان يحز في نفوس المؤمنين، وكان تغيير القبلة أمرا مقدرا عند الله تعالى فمن البديهي أن تكون القبلة العالمية هي البيت المبارك للعالمين في مكة؛ فهو أول بيت وُضع للناس.
وبذلك يتبيَّن الأمر؛ القرءان ليست به آيات منسوخة؛ فلا توجد آية تأمرهم باتخاذ المسجد الأقصى أو أي مكان آخر قبلة، وإنما توجد الآيات الآمرة بالتوجه شطر المسجد الحرام، وهي ناسخة للحكم السابق غير المنصوص عليه في آية قرءانية.
-------
إنه يجب العلم بأن للقرءان منظومة سمات ثابتة بآياته قطعية الورود والدلالة، هذه السمات لها الحكم والتقدم على كل ما يُقال بخصوص القرءان، ذلك لأن هذه السمات هي من مظاهر أسماء مَنْ القرءان كلامه، والقول بالنسخ مضاد تماما لمنظومة السمات هذه، فهذا القول بذلك هو من كبائر الإثم ومن الكفر المبين لتعارضه مع سمات ومقتضيات القرءان الكريم.
ولقد سمَّى الله تعالي ذلك الكتاب ببعض أسمائه الحسنى فقال إنه علي حكيم وكريم وحكيم وعظيم ومجيد ومبين ومهيمن، كما قال بأنه الصدق والحق وأنه لا اختلاف فيه وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالقول بالنسخ هو مضاد تماماً لكل هذه الأسماء كما هو مضاد لكون الكتاب هدي للمتقين وبرهاناً مبينا، ومضاد لكونه لا اختلاف فيه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
فالقول بالنسخ يعني السماح لكل من هبَّ ودب ولشياطين الإنس –وهم كثر- لكي يضربوا آيات الكتاب بعضها ببعض ولكي يفتعلوا اختلافاً فيها ويتيح المجال لرجال الكهنوت وسدنة المذاهب ليتسابقوا فيما بينهم وليستعرضوا عضلاتهم أو بالأحرى جهالاتهم وسخافاتهم علي آيات ربهم، ولقد بلغ بهم الشطط أن جزؤوا الآية الواحدة إلي أجزاء منسوخة وأجزاء غير منسوخة !!
كل هذا رغم أنه ليس لديهم نص قطعي الدلالة يثبت مزاعمهم بخصوص النسخ أو يتفق مع اصطلاحهم عليه، والقول بالنسخ بالمعني الذي اصطلحوا عليه كان من كبائر الإلقاءات الشيطانية التي لوثت وشوهت التراث الإسلامي وتسببت في ظهور تلك المذاهب المحرفة التي قوضت بنيان الأمة.
والقرءان هو أولاً الكتاب المهيمن على غيره من الكتب، فليس ثمة من مصدر للعلوم الدينية أعلى من القرءان ليقرر شيئاً ما بخصوصه، وليس فيه هو أي دليل قطعي على أن أية آية من آياته هي منسوخة، والقول بالنسخ يتناقض مع عناصر منظومة السمات القرءانية المنصوص عليها في القرءان ويلقي بظلال قاتمة من الشك على الدين كله لأي ناقد محايد، فالقول بوجود آيات قرءانية منسوخة هو إلقاء شيطاني وإفك مبين.
إن الله تعالى قد تحدى الإنس والجن بآيات القرءان بمنطوقها ومعناها وفحواها ومقتضياتها والعلوم والأحكام الواردة فيها، وليس بمجرد رسمها، إن قيمة الآية ليس في وجود رسمها مرقوماً في المصحف أو في مجرد التلفظ بها وإنما بما تتضمنه من معلومات وتعليمات وأوامر وأحكام ومعان وقيم، لذلك فمن الكفر والنفاق بل ومن الإجرام أن يجردوا الآية من كل ذلك ومن روحها لمجرد أنهم لم يفقهوا معناها أو لظنهم أن فيها اختلافا عما تصوروه أو لاختلافها مع مروية أو مع إجماع مزعوم، ومن التمادي في الإجرام أن يكفِّروا أو يزندقوا من أنكر قولهم بالنسخ أو أن يشبهوه باليهود بينما هم يشكلون النسخة المذهبية الأعرابية من هؤلاء اليهود، ومن أعجب الأمور أن يقولوا إن القرءان قديم وإنه صفة إلهية وأنه أنزل إلى السماء الدنيا كاملاً في ليلة القدر ثم يقولون إن بعض آياته منسوخة وأن المرويات الظنية بل إجماعهم يمكن أن ينسخها.
ومن صور التدليس والخداع أن يقول رجال الكهنوت إنه لم ينكر النسخ إلا فلان وفلان واليهود وكأن اليهود طائفة اسلامية وإنما قصدوا الغش والخداع والتدليس علي الناس، ذلك لأن اليهود عندما أنكروا النسخ فلقد كان هذا دفاعا عن شريعتهم وعن خلودها، إذ هم يعتقدون ولا يزالون يعتقدون أن الكتاب السماوي الوحيد هو التوراة وأنه غير قابل للنسخ، وهم بالتالي لم يعترفوا بالانجيل ولا بالقرءان، ومن التدليس المشابه زعمهم أنه لم ينكر حجية خبر الآحاد إلا فلان وفلان والسمنية مع أن السمنية هذه هي طائفة دينية هندية لا شأن لها بالمسلمين.
-------
إن القرءان الكريم هو المصدر الأوحد لكل أمور الدين الكبرى، وهو المصدر الرئيس لأمور الدين الثانوية، فهو المصدر الأعلى للعلوم والمعارف الدينية، ولا يوجد مصدر أعلى منه ليقرر شيئاً ما بخصوصه ولا ليصنِّف آياته، إنه لله تعالى وحده حق الحكم على آيات كتابه وتصنيفها؛ فهو كلامه هو وليس كلام غيره، وهو سبحانه لا يخشى أحداً من خلقه.
وعلى سبيل المثال فلقد ذكر سبحانه أن في كتابه المنزل آيات محكمات وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، قال تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}آل عمران7، ولكنه لم يذكر أبداً أن في كتابه آيات منسوخات، وذلك رغم أن القول بأن في الكتاب المنزل آيات منسوخات لا يقل في الأهمية والخطورة عن القول بأن فيه آيات متشابهات، فلا يوجد أي دليل قطعي في القرءان على أن فيه آيات منسوخات، بل يمكن بكل يسر وسهولة دحض أي استدلال على أن فيه شيئا من ذلك، ومن المعلوم أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال فقد بطل به الاستدلال حتى في أهون الأمور، ولقد تمكنا بفضل الله تعالى وبكل يسر وسهولة وبدون مجهود يذكر من دحض كل حججهم بخصوص الآيات التي زعموا أنها منسوخة وأثبتنا أن تلك الآيات لها حقانيتها وحجيتها ومصداقيتها الكاملة، وأن يجب العمل بها، بل وأرسلنا هذا التحدي العام لكل شياطين الإنس والجن ومن يتبعهم ممن لم يعرفوا للقرءان الكريم الذي هو كلام الله قدره: ائتونا بآية قرءانية كاملة تستطيعون القطع بأنها كلها منسوخة!!!!!
=======

هناك 3 تعليقات:

  1. حفظك الله وجزاك خير الجزاء على هذ التحقيق .من المعلوم أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال فقد بطل به الاستدلال حتى في أهون الأمور

    ردحذف
  2. حفظكم الله و رعاكم وكتب أجركم..
    كلام منطقي اللهم وفقنا لما تحب وترضى به عنا

    ردحذف