السبت، 31 مايو 2014

خلاصة الموقف من المرويات ج1

 
خلاصة الموقف من المرويات ج1
 
هذه خلاصة مركزة للموقف من المرويات ستكون -إن شاء الله تعالى- متبوعةً بأجزاء أخرى للمزيد من التوضيح:
 
1-               من الثابت أنه كان ثمة نهيٌ صارم في العصر النبوي عن كتابةِ أي شيء إلا القرءان، وبذلك التزم الخلفاءُ الراشدون وخيرُ القرون من المسلمين، وقد تصدوا بقوةٍ وحزم لكل من حاول أن يجعل كتاباً في الدين مع كتاب الله تعالى، وحقائقُ التاريخِ الدامغة تقول بذلك، ولقد التزم المسلمون بالنهي النبوي طوالَ أكثرِ من قرنين، ولم يجرؤ أحد على مخالفته، ولذلك لا يوجدُ أي كتاب موثق (مثل القرءان الكريم) معتمدٌ يتضمنُ أقوالَ الرسول أو سيرتَه ويكون مجمعاً عليه، ولا يمكن لأعتى شيطان مريد أن يجادلَ جدالا حقيقيا في شيء من هذا أبداً.
2-               الشرطُ الشرعي المقررُ للإلزام في أي أمر من أمور الحياة كالتداين مثلا هو وجود وثيقة مكتوبة بحضور شهود حقيقيين عدول، والإلزامُ في المجال الديني أشد خطورةً بكثير خاصة وأن الرسالة المحمدية هي الرسالة الخاتِمة، والله تعالى يرسل رسله مزودين بالبينات والحجج والبراهين وبسلطان مبين لكيلا يكون للناس عليه حجة، ولا توجد أيةُ وثيقة حقيقية تنصّ على أقوال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، والمقصود بالوثيقة القولُ المنسوب إليه موقعا عليه من الشهود الحقيقيين بأمرٍ من سلطة شرعية وباعتماد منها.
3-               الرسول كان ملزما ومأمورا بالبلاغ المبين، ولذلك كان يجب أن تصلَ كل أوامر الدين لكافة المسلمين إما في كتب موثقة وإما بالتواتر الحقيقي المانع لأي اختلاف، وإقرارُ جامعي المرويات أن أكثر مروياتهم آحادية وأنهم كانوا يضربون أكباد الإبل ليحصلوا على بعضها عند واحد في أقصى الأرض يُدينهم ويُقيم الحجج عليهم، فالإسلام ليس ديانةً سرية، وعملهم هذا يجعل ما جمعوه آثاراً تاريخية وليس أحكاماً دينية ملزمةً للعالمين!!
4-               الإسلامُ لم يبدأْ من الصفر في العصر النبوي؛ ذلك ظن الذين كفروا، ولكن الرسالة المحمدية كانت تتويجا لرسالات الأنبياء السابقين الذين كانوا مأمورين بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصيام والركوع والسجود....الخ، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان مأمورا في القرءان باتباع ملة ابيه إبراهيم عليه السلام، وكيفيات أداء بعض العبادات كالصلاة والحج ترجع إلى هذه الملة، وقد تم إجراء بعض التعديلات فيها بالرسالة المحمدية، ولقد انتقلت العباداتُ العملية بالتواتر العملي المجتمعي الجماهيري، فلقد أدَّاها مع الرسول عشرات الألوف نقلوها إلى مئات الألوف، نقلوها إلى ملايين، ودونها أئمة "الفقه" قبل مولدِ جامعي الآثار والمرويات، ولم يكن للمتسلطين أية مصلحة في المخاطرة بتحريف كيفيات الصلاة ولم يرو التاريخ أن أيهم حاول ذلك إلا ما كان من فعل بعض مجرمي الأمويين، وقد تصدَّت الأمة لهم في حينه، بل كان للمتسلطين مصلحةٌ مؤكدة في حمل الناس على الغلو في أمر العبادات العملية وتوثينها.
5-               لا يمكن إلزام العالمين إلى يوم الدين بتراث شفهي ظل ملقى على قارعة الطريق لأكثر من مائتي سنة يضع فيه من يضع ويحرِّف فيه من يحرف ويدلس فيه من يدلس، خاصة وأنه قد عصفت بالأمة فيها فتن مظلمة مدلهمة وكان هناك الكثيرون ممن يكيدون لهذا الدين، كان هناك المنافقون والموتورون، وكان هناك فئات تتصارع وتريد أقوالا دينية تجتذب بها الأنصار، بل كان هناك تجارٌ يريدون الترويج لبضاعتهم، وكان هناك أيضاً بعض من أراد جذب الناس لأداء بعض العبادات بالتفنن والمبالغة في وصف ثوابها من النعيم وعدد الحور العين!! وقبل كل ذلك كان هناك الشيطان الرجيم الذي كان يسخر جنوده للإلقاء في التراث الديني وتحريفه، فلم يرد أي نص على أنه اعتزل العمل بعد نزول الرسالة الخاتمة.
6-                من الثابت أنه لأسباب لا مجال لذكرها الآن أن الوضع والتحريف في المرويات كان هو القاعدة، وأن وجود مروية صحيحة كان هو الاستثناءَ النادر، فكان الموضوعُ والمحرف من المرويات حوالي مائة ضعف الصحيح منها كما أقر الجامعون بذلك، ولقد قال البخاري إنه كان يحفظ حوالي 600000 مروية لم يصحح منها إلا حوالي 6000، أي أن النسبة 1%، ورُوي كلام مماثل عن غيره.
7-               ولقد ظهر فجأة بعض العجم في أزمنة متقاربة في القرن الثالث الهجري وأسندوا إلى أنفسهم –دون تكليف من سلطة دينية رسمية- مهمةَ جمع ما هو متداول من آثار وتمحيصها وفق معايير وضعوها بأنفسهم وطبقوها بأنفسهم في إطار مذهبهم، ولم يقم بذلك مثلا أحد من عرب المدينة الذين كانوا بالتأكيد أعلم بالآثار من هؤلاء العجم بحكم أنهم أحفاد من رووها، أما نتائج عمل هؤلاء فلم تعتمدها من بعد أية سلطة رسمية، ولا يجوز القول بأن الأمة قد تلقت عملهم بالقبول، ذلك لأن الأمة كانت قد تمزَّقت من قبل، وعامة الناس لم يكن لهم أي شأن بعمل هؤلاء الرواة، ولا يوجد حتى ما يثبت أن الكتب المتداولة الآن منسوخة عن النسخ الأصلية التي كتبها جامعو المرويات، أما من يسمونهم بأصحاب الشأن، ولم يعينهم أحد أصحابا للشأن فهم لم يُجمعوا أبداً على تلقي هذه المرويات بالقبول، كما أنه ليس من حق أتباع مذهب واحد أن يزعموا أنهم الأمة ويطبقوا الحرم Excommunication على كل أتباع المذاهب الأخرى.
8-               جُلُّ المرويات التي جمعوها كانت مرويات آحادية لا تحقق الشرط الشرعي اللازم وهو وجود شاهدي عدل على الأقل، فزعموا أن كل من قالوا إنه "صحابي" هو عدل ويمكن القبولُ بشهادته لوحده، وهذا القول (باطل X باطل)باطل، فلا قيمة له، فلا توجد مرتبةٌ دينية اسمها الصحبة، وآيات القرءان تقوِّض تعريفَهم واصطلاحهم، وتعريفهم يتضمن ادعاء صفات إلهية لعلماء الجرح والتعديل، والآية الآتية تدحض ما يُسمَّى بعلم الجرح والتعديل وتجتثه من جذوره وهي: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ }التوبة،101 فالآية تنفي عن الرسول العلم بالمنافقين، فلا يمكن أن يكون جامعو المرويات الذين أتوا بعد الرسول بأكثر من مائتي سنة عالمين بما لم يعلمه هو في عصره، ولا يمكن أن يعلموا ما تخفي صدور من جاء من بعدهم! ولا يمكن أن يكون المنافقون الذين أسهبت في وصفهم آخر سور القرءان نزولا قد تبخروا فجأة بعد انتقال الرسول، بل من البديهي أن أعدادهم تضاعفت.
9-               وضع كل محدِّث لنفسه مجموعة من القواعد للحكم على المرويات، وطبقها بنفسه، ولا يوجد ما يضمن الكمال المطلق لهذه القواعد ولا في أسلوب تطبيقها، ولا يمكن لأحد ادعاء العصمةِ المطلقة لجامعي ونقاد المرويات، وكل ذلك يقلل من مصداقيةِ عملهم ويجعله مشوباً بأخطاء فادحة كما أن ذلك يقلل إلى أدنى حد من احتمال صحة المروية.
10-           تصحيح المرويات كان يستند إلى بعض الأباطيل وعلى رأسها تعريفهم لمن يسمونهم بالصحابة وما رتبوه عليه من القول بعدالتهم والتي أبطلوا بها الشروط القرءانية الواجبة للأخذ بالقول وهي وجود البرهان المبين أو الآية البينة أو الكتاب الموثق بمحضر شهود حقيقيين عدول، وتعريفهم للصحابة باطل بطلانا مطلقاً، فهو ليس بمصطلح ديني، ومن يحاول أن يُعمِله يختلس لنفسه سلطات إلهية ويزعم لنفسه ما نفاه الله تعالى عن نبيه ويزعم لنفسه أو لغيره القدرة على الاطلاع على السرائر، واستعمال هذا المصطلح لتصحيح مروية يتضمن دوراً باطلا، وهو خلف!
11-           ليست الخطورة فقط فيما قبلوه من الخطأ بل أيضاً فيما استبعدوه مما يُحتَمل أن يكون صحيحا، فإذا كانوا قد صححوا على سبيل الخطأ مئات المرويات فقد رفضوا خطأً أيضاً عشرات الألوف منها، وكان الرفض أساساً لأسباب مذهبية وخوفاً من بطش الحكام، ورفض هذا العدد الهائل من المرويات الصحيحة يؤدي لا محالة إلى خلل في معرفة الأوزان النسبية للأوامر الدينية ويجعل من المستحيل تكوين صورة صحيحة للدين عن طريق ما تبقى من المرويات.
12-           لم يرد في القرءان أيُ تبشير بظهور هؤلاء الجامعين لكي يتمَ فرضُ الإيمان بهم وبأفعالهم على الناس، ولا يجوز لأحد إحداث عقائد لا أصل لها في القرءان وبالأحرى لا يجوز له إلزامُ الناس بها، وأقصى ما يمكنه قوله هو: "هذا هو رأيي في هذه المسألة والذي ترجح عندي"! وبالطبع فلكل إنسان الحق في اختيار ما يؤمن به، ولكن ليس له أن يزعم أن اختياره هو الاختيار الوحيد الصحيح.
13-           من الثابت بالقرءان الكريم أن الدين لم يكتمل إلا قبيل انتقال الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وأن التشريع كان يتدرج بالناس، فلم تُفرض عليهم الأوامرُ دفعةً واحدة، لذلك قد توجد مروية صحيحة بالفعل ولكن لا يجوز العمل بها خاصة وأن جامعي المرويات لم يدوِّنوا معها بصفة عامة زمن صدورها ولا ملابساتها.
14-           كل ما سبق ذكره يعني أنه لا يمكن أن تمثل المروياتُ الدينَ تمثيلاً صادقا ولا أن تُظهِر الأوزان النسبية لأوامره.
15-           ومع كل ذلك فلابد من معرفة أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان منوطاً به مهام عديدة بالنسبة لقومه، وهي ثابتة بنصوص آيات القرءان الكريم، فهو كان يعلِّم قومه ويزكيهم ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ويبشر وينذر ويدعو إلى الله ويحكم بينهم ويبين لهم ما غمض عليهم، وقد كان منوطاً به أن يحقق فيهم وبهم المقصد الدين الأعظم بأن يجعل منهم الأمة الخيرة الفائقة، فلابد أنه فعل أفعالا وقال أقوالا بمقتضى ذلك.
16-           وقد كان يعلمهم القولَ القرءاني في كل مسألة باعتبار أنه أعلمُ الخلق به وبمنهجه في إيراد الحقائق، فالقرءانُ بالفعل مبين ومبيِّن وتبيانٌ لكل شيء لمن كان على درجة عالية من العلم والرقي الذهني والوجداني، فلابد أن الرسول كان يبيِّن لهم ما غمض عليهم، لكل ذلك فلا يمكن أبداً أن يكون كلُّ هذا التراث باطلا بطلانا مطلقا، وهذا هو السند القرءاني المنطقي الأول الذي يبرر النظر في المرويات، ومع لذلك لابد من معيار دقيق وصارم للحكم على المروية، هذا المعيار القرءاني المنطقي هو ضرورةُ اتساقها مع دين الحق المستخلصِ من القرءان الكريم وإمكان اندراجها في إطاره، ودين الحق ممثل في منظومات سننه وقيمه وسماته وأركانه ومقاصده، والتأكيد على ذلك لأن القول القرءاني بخصوص أية مسألة موزع –وفقا للنهج القرءاني- على آيات عديدة، فنحن نأخذ بالمروية التي تحقق هذا الشرط حتى وإن ضعَّفها الرواة، كما نرفض المروية المتعارضة مع القرءان الكريم رفضا تاما، أما المرويات التي تتعرض لأمور لم يرد لها ذكر أو أصل في القرءان فتُعتبر من الأمور غير المطروحةِ أصلا، ويُترك أمرها للعلماء المتخصصين في اللغات ومقارنة الأديان والتاريخ...الخ، والأمة بالطبع ليست ملزمة بانتظار نتائج أبحاثهم، فلا يمكن لدين الحق أن يكون معلقاً بمثل هذه الأمور.
17-           لا يجوز رفضُ مرويةٍ منسوبةٍ إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ رفضاً مطلقاً دون تقديم أسباب قوية كتعارض لا يمكن دفعه مع القرءان الكريم أو مع أي عنصر من عناصر دين الحق المستخلص منه.
18-           يجب التمييزُ بين المرويات المتعلقة بأمور دينية وبين المرويات المتعلقة بمحض وقائع تاريخية، فهذه يكون الحكم عليها لعلماء التاريخ المتخصصين.
بالطبع سيرفض إبليس ومن اتبعه من شياطين الإنس والجن مجرد النظر في هذه الخلاصة، وسيرفضون بكل قوة عرض المروية على دين الحق المستخلص من القرءان الكريم!! ولن يتركوا المسلمين ليخرجوا من الهوة السحيقة التي تردوا فيها والتي تجعلهم الآن شر أمة أخرجت للناس!! وسيرفضها أيضاً –لأسباب شتى- من كفروا كفرا مطلقاً بالمرويات مثل من يسمون بالقرءانيين!!
وتمحيصُ المرويةِ إنما يكون باستعمال معايير دين الحق المستخلص من القرءان الكريم، ذلك لأن الناس عادة لا يجيدون التعاملَ مع القرءان، وهم عادة ما يكون لديهم رأي مسبق ثم يحاولون انتزاع آية من سياقها ليستنطقوها به صارفين النظر عن كل الآيات الأخرى التي تعالج نفس المسألة! وكل الناس –إلا قليلا- يقعون في هذا الإثم المهلك!!


ومشكلةُ الأمورِ الدينية هي أنها مجالٌ لاختبار الإنسان وتحديدِ مصيرهِ النهائي، ويتشابكُ فيها أشدُّ الأمور تعقيدا في الوجود، وما لا حصر له من شياطين الإنس والجن فضلا عن الاعتبارات الشخصية والأمورِ الدنيوية تدفعُ أكثرَ الناس بعيداً عن الحق، بل وتجعلُ منهم أعداءَ طبيعيين له.
وفي كل الأحوال لا يجوز أن يقارنَ أي كتابٍ بكتاب الله تعالى أصلا، ولا أن يوضعَ معه في معادلة واحدة أبدا، فكما علا الله تعالى على خلقه فقد علا كلامه على كلامهم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق