الأحد، 12 أبريل 2015

سورة الأعراف 127-128

سورة الأعراف 127-128


وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)

الآية 127 هي أولا حجة على بعض المجتهدين الجدد الذين قالوا إن فرعون كان من قوم موسى، وهي تدل على ما هو معلوم عنهم من أنهم قلما يقرؤون القرءان أو يتخذونه إماما، وإنما يحاولون أن يفرضوا عليه آراءهم المسبقة!
والملأ هاهنا يحرضون فرعون (وهو ملك مصري من أسرة الرعامسة، وهي الأسرة 20) على موسى مع أنهم طالبوه من قبل بأن يعطيه المجال ليظهر ما عنده، عندما قالوا: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (38)} الشعراء
وهذا يبين حيرتهم واختلافهم في أمره، ومن المعلوم أن بعضهم كان مؤمنا، والآية تدل على أن فرعون كان مؤمنا بآلهة المصريين، ولم يكن قد أعلن بعد أنه ربهم الأعلى وأنه ما علم لهم من إله غيره، وقد قرر هاهنا استئناف قتل أبناء قوم موسى واستحياء نسائهم.
والآية 128 تبين أن الله تعالى هو المالك الحقيقي للأرض، وإنما استخلف الإنسان فيها ليقوم بعمارتها، فللإنسان حق الانتفاع وليس له حق الملكية، ولو كانت له الملكية الحقيقية لما انتزعت منه بالموت مثلا.
والله سبحانه يورث الأرض من يشاء، أي أن وراثة الأرض تتم بمقتضى نسق من القوانين والسنن معلوم عنده، فمن توافق مع تلك السنن فقد استحق أن يورث أرضا، ومن كان معاندا لها مضادا لها أو جهل العمل وفق مقتضياتها فتقاعس عن عمارة الأرض التي استخلف فيها أو أفسد فيها أو سعى في خرابها فإنما أضاع بنفسه حق الاستخلاف المنوط به وحُق عليه أن يُستبدل به من هو أولى وأجدر منه بالقيام بحقوق الاستخلاف، وتلك سنة إلهية شاء الناس أم أبوا رضوا بها أم لم يرضوا ولا عبرة في هذا المجال بطول التواجد أو السبق بالعيش في أرضٍ ما، فالأرض لمن يحسن استعمارها ولمن يقوم بحقوق الاستخلاف فيها، بيد أن هذا لا يعطى لأمة قوية حق العدوان على أمة ضعيفة أو محاولة إخراجها من ديارها فإن الله تعالى لا يحب المعتدين، وهذا يعني أن من لا يعمر أرضاً ولا يعد القوة اللازمة للدفاع عنها سيسلط عليه من هو الأقدر علي استعمارها فينال الأول بذلك جزاءه العادل في الدنيا ويقتص الله تعالي من الثاني في الآخرة وربما في الدنيا، فالله سبحانه قد أجرى سننه ولن يوقفها أو يبدلها محاباة لأحد.
أما الجزاء الأوفى فسيكون هنالك يوم الدين فتكون السيادة هنالك لنسق القوانين الخاص بالمجازاة على ما اعتنقه المرء من عقائد وما اكتسبه من سجايا باطنية، وهذا يعني أن لمنظومة السنن الكونية التي اقتضتها كل منظومة الأسماء الحسني السيادة فيما يتعلق بأمور الدنيا، أما السيادة في اليوم الآخر فهي لما اقتضته منظومة أسماء الرحمة والهدي والإرشاد التي مجالها هو الكائنات المخيرة.
والآية تبين أن الاستعانة بالله تعالى والصبر والتقوى من لوازم وراثة الأرض، فمن اجتمعت فيه هذه الصفات مع العمل بمقتضياتها هو من الوارثين للأرض، والمقصود بالصبر متانة البنيان النفسي بالنسبة للفرد وقدرته على مواجهة الصعاب والتحديات وعوامل الإحباط.
والعاقبة إنما هي للمتقين، والمتقي هو الذي اتقى وداوم على ذلك حتى أصبحت التقوى سجية راسخة له، والتقوى هي جماع الصفات التي يقتضيها الإحساس الصادق بالحضور الإلهي بكافة الأسماء الحسنى، وحُق للمتقين أن يكونوا فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.


*******

هناك تعليقان (2):

  1. نور على نور .. اللهم اهدنا الى النور وارزقنا اتباعه ولا تكلنا إلى أنفسنا فلا قبل لنا بذلك الا بك سبحانك

    ردحذف