الخميس، 23 أبريل 2015

الركن الديني التاسع ج1

الركن الديني التاسع ج1
الالتزام بالأوامر الدينية والقيم الإسلامية في كل الأمور الحياتية وفي التعامل مع كافة الكيانات الإنسانية

الالتزام بالأوامر الدينية والقيم الإسلامية في كل الأمور الحياتية وفي التعامل مع كافة الكيانات الإنسانية وهي الإنسان نفسه والأسرة والأمة والأفراد والكيانات الأخرى والخارجية وكل ما يمكن أن يستجد من كيانات، ومن الأركان الفرعية لهذا الركن:
1.                  احترام حقوق وكرامة الإنسان، وهذا يتضمن مراعاةَ واحترامَ وأداء كافة الحقوق الشرعية الواجبة عليه لأي إنسان آخر أو لأي كيان إنساني، كما يتضمن احترامَ كرامةِ الإنسان من حيث أنه إنسانٌ مكرمٌ وحاملٌ للأمانة ومستخلفٌ في الأرض ومفضل، فيجبُ أن يتأسَّى الإنسان بربه في ذلك، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة30، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70،  {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}الأنعام165، {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً}الأحزاب72، وهذا يتضمن التزام الإنسان بمراعاة واحترام وأداء كافة الحقوق الشرعية الواجبة عليه لأي إنسان آخر أو لأي كيان إنساني، الوفاء بالكيل والميزان، الوفاء بالعهود وبالعقود، الالتزام بالمواثيق، الشهادة بالقسط، ألا يبخس الناس أشياءهم، إيتاء اليتامى حقهم والإقساط إليهم، ومن ذلك أيضاً تخليص الرقاب من الرق والعبودية والإصر والأغلال، واحترام حقوق الآخرين وكرامتهم يعني بالضرورة أن العدوان علي تلك الحقوق من كبائر الإثم ومحرم تحريما باتاً، ومن العدوان القتل والسرقة والزنا والقذف والاختلاس والافتراء والتطفيف والتعذيب وقول الزور.... الخ، وكل هذا يقتضي من الإنسان الإحسان إلى كافة الكيانات الإنسانية كالأفراد الآخرين والأسرة والمؤسسة التي يعمل بها أو ينتمي إليها والأمة والبشرية جمعاء.
2.                  إعطاءُ كل ذي حق حقه، وهذا يتضمن القيام بالواجبات نحو كل الكيانات الإنسانية الأخرى، فالفرد ملزم بالقيام بالواجبات نحو والديه (بر الوالدين) وأقاربه (صلة الرحم) ونحو من يعول ونحو كل الكياناتِ الإنسانية التي هي أكبر منه والتي تحتويه كعنصر من عناصرها كالأسرة والمؤسسة التي يعمل بها والأمة وكل ما يمكن أن يستجد من كيانات، ومن القيام بالواجبات تجاههم الدعوة إلي الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق، وهذا يتضمن أيضا أن يؤدي لكل إنسان آخر ما عليه له من حقوق كاملة بدون منّ أو مماطلة، ويجب العلم بأن الإنسان هو خليفة وحامل للأمانة ومكرم ومفضل.
3.                  تأدية الأمانات إلى أهلها، {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} النساء58، وهذا يتضمن أن يؤدي كل إنسان ما أؤتمن عليه أو ما لديه من أمانة إلى صاحب هذه الأمانة وإلى من هو أحق بالأمانة، ومن ذلك إسناد كل أمر إلى من هو أهل له، وهذا يتضمن أداء ما عليه من حقوق تجاه الكيانات الإنسانية والإحسان إليهم.
4.                  القيام بالواجبات نحو الأسرة التي هو عضو فيها، وأوجب الحقوق حقوق الوالدين، فيجب الإحسان إليهما وبرهما، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }الإسراء23، {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }النساء36،  {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً }الإسراء26،  {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }الروم38، من ذلك أيضاً القيام بالواجبات نحو الزوج والأبناء وصلة الرحم والإحسان إلى ذوي القربى، فأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض.
5.                  الحكمُ بما أنزل الله؛ أي الحكمُ بالعدل والقيام بالقسط والقيامُ لله والشهادةُ لله والشهادة بالقسط وإعطاءُ كلِّ أمر وزنَه الشرعي والحكمُ على كل فعل إنساني بما حكم الله تعالى عليه به والتوصيفُ الشرعي للأمور، والعمل وفق مقتضيات القيم والمبادئ والمثل التي تتضمنها المنظومة الأمرية الرحمانية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }النساء135، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المائدة8، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90)وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ(91) (النحل)،  {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحديد25، {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }النساء58.
6.                  طاعة أولي الأمر من المؤمنين، والمقصود بها طاعة كل من له ولاية علي الإنسان بحكم صلة شرعية أو بحكم تأهيله وعمله وتخصصه؛ لذلك فحق الطاعة هو للوالد علي أبنائه وللمعلم علي المتعلم وللطبيب علي المريض وللعالم علي الجاهل وللرئيس علي المرؤوسين وللقائد علي الجنود ولكل متخصص علي الآخرين فيما يتعلق بمجال تخصصه ولكل صاحب خبرة في مجال علي كل من هو بحاجة إلي هذه الخبرة، فالعمل بهذا الركن من لوازم تنظيم العلاقات بين الكيانات المكونة للأمة ولإشاعة الانضباط والجدية في تناول الأمور ولزيادة تماسك الأمة وتدعيم بنيانها، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن الفرعي التمرد والعصيان والفوضى وعدم النظام وعدم الانضباط، ومن أولي الأمر من هم مؤهلون لإصدار الأوامر في مجالهم الخاص، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} النساء59.
7.                  إعمال الشورى، وهي ركن واجب على كل فرد من حيث أنه لابد أن يلي أمراً ما حتى ولو كان أمر أسرته أو أمر مجموعة من العاملين في مجالٍ ما، فهو حق عليه لمن يلي أمرهم، وإعمال هذا الركن يجعل الإنسان يعمل أو يتعود العمل بحواس وملكات وقدرات جماعة من الناس، فهو من لوازم تزكية الحاسة الإنسانية الاجتماعية واستثمارها، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن الفرعي الاستبداد والطغيان ورفض النصيحة والاستكبار، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} الشورى38 وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}آل عمران159.
8.                  القيام بالواجبات نحو الأمة وبكل ما يدعِّم وحدتها وقوتها وعزتها، ومن ذلك الدفاع عنها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل لإعلاء كلمات الله والإصلاح بين المؤمنين بالعدل والقسط والأداء الجماعي للصلاة والإنفاق في سبيل الله وإيتاء الزكاة والتواصي بالحق وبالصبر والتكافل والتعاون على البر والتقوى ورد التحية بأحسن منها وموالاة المؤمنين والإقساط إليهم وإلي من سالمهم ولم يظاهر عليهم أحدا والاستغفار لمن سبق بالإيمان والإقرار بفضلهم دون المغالاة في أمرهم وألا يوالي أعداء الأمة وأن يأخذ حذره منهم وأن يتقن عمله، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن تفريق الدين وتمزيق الأمة والظلم والبغي والخيانة وموالاة أعداء الأمة والإفساد في الأرض وسوء أداء العمل والمهام.
9.                  القيام بالواجبات نحو كل الكيانات الأخرى، فالفرد ملزم بالقيام بالواجبات نحو الأفراد ونحو كل الكيانات الإنسانية التي هي أكبر منه والتي تتضمنه كعنصر من عناصرها كالأسرة والأمة وكل ما يمكن أن يستجد من كيانات ومن ذلك الدعوة إلي الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق.
10.              مراعاة العهود والمواثيق، {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }النحل91، {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }الأنعام152،  {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ}الرعد20، {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً }الإسراء34 {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ }المؤمنون8، {...وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً }الأحزاب15 {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}المعارج32.
11.              أن تكون كافة الأمور الحياتية (الأكل، الشرب، النكاح، الطلاق، .... الخ) والمعاملات الشخصية والتجارية والوظيفية والعلاقات الاجتماعية وفقاً للأوامر والسنن الدينية.
12.              التعامل وفقا لعناصر منظومة القيم الإسلامية مع الناس كافة؛ أي بمقتضى الصفات الحميدة ومكارم الأخلاق، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ }الحجر85 فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }المائدة13 {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النور22 {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }الزخرف89.
13.              احترام وتوقير ملائكة الله مثل الحفظة والكرام الكاتبين.
14.              الالتزام بالأوامر الدينية والقيم الإسلامية في التعامل مع معتنقي المذاهب والأديان الأخرى فيبرهم ويقسط إليهم ولا يعتدي عليهم ويدعوهم إلي سبيل الله وفق القيم والسنن الشرعية أي بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن وتقديم الأسوة الحسنة، ولكن عليه ألا يجاملهم علي حساب دينه وأمته وألا ينخدع بباطلهم وألا يمجد أوثانهم وألا يتخذهم أولياء إذا ما أظهروا العداء للمسلمين، والمقصود بالمذاهب المذاهب المحسوبة على الإسلام، {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الممتحنة8 {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ }البقرة190، ومن ذلك أن يعلم أن الفصل في الأمور الدينية مؤجل إلى يوم القيامة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }الحج17{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة62 {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}المائدة69، ويجب الالتزام بالوسائل الشرعية للدعوة وبآدابها: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}النحل125 {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }العنكبوت46 {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }الأنعام108.
15.              مراعاة حقوق البيئة؛ أي مراعاة حقوق الكائنات غير الإنسانية من الدواب والنباتات والماء والهواء....، وهذا من لوازم كون الإنسان خليفة وحامل للأمانة ومكرم، وهو يقتضي الإحسان إلى دواب الأرض والامتناع عن الإفساد في الأرض، ويجب العلم أن تخريب الأرض هو من كبائر الإثم لأنه يتضمن عدواناً سافراً على حقوق أجيال إنسانية قادمة {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }الأنعام38 {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ }الأعراف56وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }الأعراف85.
16.              إنزال العقاب الشرعي بكل من اقترف شيئاً من كبائر الإثم المنصوص عليها أو ما يستجد من تفاصيلها ومظاهرها، وهذا من سلطة الأمة ممثلة في أولي أمرها، ومن هو ولي أمر ملزم بذلك كفردٍ أيضا، ويجب العلم بإن الأمر بإيقاع عقوبة دنيوية معينة بمن اقترف إثماً معيناً ليس بالضرورة للإلزام وإنما هو للإباحة، ولا ينبغي التعنت في مثل هذه الأمور حتى لكأن الدين لم يوجد إلا لتحديد أشكال تلك العقوبات، فالعقوبات المقررة في الشريعة ليست مرادة لأعيانها، وإنما الأمور في الإسلام بمقاصدها، ومن مقاصد العقوبات كف الناس عن اقتراف الإثم وحماية الناس من شر بعضهم البعض وتحقيق الأمن، ولا يجوز بالطبع التسوية بين من اقترف الإثم لأول مرة ولظروف خاصة وبين الذي كرره وأصر عليه، ولأولي الأمر حق سنّ عقوبات جديدة على كل ما يستجد من ألوان الجرائم والتي هي بالضرورة من تفاصيل كبائر الإثم المنصوص عليها، وإعمال هذا الركن الفرعي هو ملزم للأمة ككيان كلي واحد.
*******
إن هذا الركن يقتضي الالتزام بالأوامر والقيم الإسلامية في كل الأمور الحياتية (ولاية الأمر، العلاقات الأسرية، الشئون الشخصية، الآداب، المعاملات، العقوبات....الخ) وفي التعامل مع كافة الكائنات والكيانات الإنسانية وغير الإنسانية، وهذا يتضمن مراعاة حقوق الإنسان المنصوص عليها والمتضمنة في القرءان، والكيانات الإنسانية هي الإنسان نفسه والوالدان والأسرة والأقربون والأصدقاء والجيران والأمة وأهل الكتاب والأفراد والكيانات الأخرى والخارجية وكل ما يمكن أن يستجد من كيانات، وهذا يعني بلغة العصر الحديث احترام ومراعاة حقوق كافة الكائنات والكيانات الإنسانية ومنها بالطبع الحقوق الشرعية للإنسان، وهذه الحقوق إما أن يكون منصوصاً عليها في القرءان أو هي من مقتضيات ولوازم الحقوق المنصوص عليها.
وهذا الركن من الأركان الملزمة لكل من الفرد والأمة، كما أنه ملزم لكل ما يمكن أن يستجد من كيانات وإن اختلفت المهام بعض الشيء طبقاً لطبيعة الكيان، فيجب مثلاً أن تلتزم المؤسسات والمدارس والجامعات والشركات والنقابات بالأوامر الشرعية والقيم الإسلامية عند تعاملها مع كافة الكيانات الإسلامية الأخرى.
إن الساعي للقيام بمقتضيات هذا الركن يطلق عليه في الاصطلاح القرءاني المصلي، فهو من يتخذ كلام الله إمامه، وهو الذي يسعى للقيام بالأوامر الإلهية على مستوى العلاقات مع الآخرين.
وهذا في الحقيقة نوع مما يجب أن يقوم به المصلي، ومن يسعى للقيام بالركن الثاني هو أيضاً مصل بالنسبة لمنظومة الأسماء، ومن يسعى للقيام بالركن الرابع هو مصل بالنسبة لربه نفسه.
*******
من أركان الإسلام الكبرى الالتزام بالأوامر والقيم الإسلامية في التعامل مع كافة الكيانات الإنسانية وغير الإنسانية، وهذا يتضمن مراعاة حقوق الإنسان المنصوص عليها والمتضمنة في القرءان والعمل وفق ذلك.
فهذا الركن يقتضي معاملة كافة الكيانات الإنسانية وفق مقتضيات القيم والمبادئ والمثل التي تتضمنها المنظومة الأمرية الرحمانية أي منظومة القيم الإسلامية ويتضمن تجنب معاملتهم وفق مقتضيات المنظومة الشيطانية، وهذا يعني الالتزام بالأوامر الدينية والقيم الإسلامية عند التعامل مع كافة الكيانات الإنسانية، والمقصود بالكيانات الأخرى معتنقي الأديان والمذاهب الأخرى، أما الكيانات الخارجية فهي تلك التي لا سلطان للكيان الملزَم بهذا الركن عليها، فهذا الركن يستلزم أن يعطي الإنسان لكل ذي حق حقه ويجعل من ذلك عبادة لله تعالى يتقرب بها الإنسان إليه، وهو أيضاً ستلزم أن تكون كل المعاملات والعلاقات الاجتماعية والإنسانية بكافة صورها بمقتضى الأوامر الشرعية.
*******
إن هذا الركن يتضمن كل القيم والآليات الواجب اعتبارها للتعامل بين الإنسان وكل ما يمكن أن يستجد من كيانات أكبر منه، فالعمل به يحقق مقاصد دينية عديدة.
والتعامل وفق الأوامر الشرعية يعني أن يكون انطلاقاً من التحلي والتخلق بعناصر منظومة القيم الإسلامية وليس عملا بأنماط شكلية، فالمقصود تحقيق العدل والقيام بالقسط والتواصي بالحق والنصح لله وإحقاق الحق وأداء الأمانات إلى أهلها والسماحة.
*******
إن الوصول بالنفس إلى كمالها المنشود لا يتحقق إلا بالقيام بالواجبات نحو الآخرين، فعلي الإنسان أن يقوم بكل ما هو واجب عليه تجاه كل الكيانات الإنسانية المحيطة به الأقرب فالأقرب، وعلي كل إنسان أن يدرك أن كل ما يواجهه من كائنات هي آلات وآثار أسماء إلهية، فهي من الوسائل التي يتعامل بها ربه معه ويختبره بها، فعليه ألا يغفل أبدا عن استحضار هذا الأمر والعمل بمقتضاه.
*******
إن هذا الركن يقتضي معاملة الآخرين وفق الأوامر الشرعية أي وفق منظومة القيم الإسلامية، فالإنسان يعبد ربه بالإحسان إلى عياله وخلقه، وهو يطالع فيهم آثار الأسماء الإلهية الحسنى ويعلم أن وجود أي فرد منهم هو من لوازم تحقيق المقاصد الوجودية؛ فهو لذلك يقدس هذا الوجود من حيث هو وجود ولا يحقر شيئاً اعتنى به ربه وأبرزه من عدم إلى وجود.
*******
يتوهم الإنسان العابد لنفسه أن في نفع الآخرين خسارة له، فهو دائما يمد عينيه إلى ما متع الله به أزواجا منهم ويتمني أن يستحوذ على كل الخير لنفسه، فمثل هذا إنما أشرك بربه وولي وجهه عنه شطر نفسه، فلن ينتفع بأي عمل يقدم عليه طالما كانت تلك حالته ولن ينال من سعيه إلي السعادة إلا الشقاء ولن تكون له إلا معيشة ضنكا وسيحشر يوم القيامة أعمي، أما من آمن بربه فسيعلم أن كل الخلق عيال ربه فيرقبه فيهم ويقرضه قرضاً حسنا بأن يحسن إليهم وبأن يمد إليهم يد العون ويعمل علي أن ينير لهم الطريق وأن يهديهم سبيل الرشاد.
*******
الشــورى
إن الشورى هي الآلية المشروعة لتبادل وتداول الآراء حول أمرٍ ما بين أولي مثل هذا الأمر وذلك بهدف الوصول إلي الرأي الأمثل؛ أي أفضل الآراء المطروحة بالنظر إلي المقاصد الدينية، وبالطبع لا مجال لتبادل الآراء حول الحقائق الثابتة التي يتضمنها القرءان، وإنما مجال إعمال الشورى هو الأمور التي ليس لدي الناس فيها نصوص قطعية الثبوت والدلالة، وهذا يعني أن الشورى تختلف عن الديمقراطية المعلومة ولا تحتكم إلي نظام عد الأصوات بين الناس كافة، ولبيان ما سبق ذكره يمكن ضرب المثل التالي: عندما يكون مطلوباً من مجموعة من الأطباء المتخصصين علاج أحد المرضي فقد تختلف آراؤهم حول التشخيص الدقيق للحالة وحول أفضل سبل العلاج، ومن المفترض هاهنا أن هؤلاء الأطباء هم أولو أمر حقيقيون بمعنى أنهم متمكنون من فنهم وكذلك ملمون وعاملون بأركان وقيم وسنن دينهم، ولا يوجد بخصوص الأمر المطروح أمامهم من نص ثابت قطعي الدلالة، فلابد هاهنا من إعمال الشورى للوصول إلي العلاج الأمثل، ولا يجوز لأحدهم فرض رأيه علي الآخرين بالإكراه، ولا يجوز طرح الأمر للتصويت علي العاملين بالمصحة ولا حتى علي أهل المريض، ولكن ما دخل المقاصد الدينية في الأمر؟ إنه بمقتضى المقصد الأعظم الثاني يجب أن يكون العلاج الأمثل هو ما يتيح من بعد للمريض أفضل السبل ليكون إنساناً صالحاً مفلحا، وهذا قد يتمثل في إعداد نفسي أفضل للمريض يطرد عنه اليأس ويزيد من متانة بنيانه النفسي، وإذا كان هذا هو النهج الذي سيتبعه كل أطباء الأمة فسيترتب عليه أفضل حفاظ علي حياة الناس وعلي كفاءة أجسادهم ونفوسهم، وسيزيد من ثقة الناس بأولي أمرهم وسيزيد من متانة بنيان الأمة وترابطها وقوتها، وكل ذلك من لوازم تحقيق المقصد الخاص بالأمة، وقد تستجد معاملة مالية فيكون المطلوب من أولي الأمر المتخصصين إعمال الشورى فيما بينهم لبحث مدي اتساق هذه المعاملة مع مقاصد الدين وقيمه وإدخال ما قد يلزم من تعديلات عليها وسن ما يلزم من تشريعات، ولا يجوز أبداً الزعم بأن ما وصل إليه أولو الأمر باجتهادهم هو حكم الله أو رأي الدين...إلخ، وإنما يبقى أمرا اجتهادياً قابلاً للتعديل والتطوير، والأمور الخاصة بأمة ليست بأقل شأناً من الأمور الخاصة بفرد، فلابد من إعمال الشورى في كافة الأمور التشريعية والتنفيذية والقضائية وغيرها، ولا يجوز استثناء مجال منها.     
إنه لا تخيير في أمر الشورى فإعمالها ركن فرعي من أركان الدين، وهي من لوازم ومقومات ولاية أي أمر، وأهميتها تزداد بمقدار مكانة الكيان الإنساني وبمقدار حجم مسؤوليته، وهي تستند إلى الأسماء الواسع الحكيم والواسع العليم ورب العالمين...، ذلك لأن لله تعالى في كل خلقه شؤونا وفضله عظيم وسابغ وهو أوسع من أن يحتكره أحدهم لنفسه، وما من مخلوق إلا وهو من مجالات عمل أسمائه، فلكل إنسان اسم إلهي يربه ويدبر أمره، والإنسان من لوازم تحقيق مقاصده، فالإعراض عن الشورى يستند إلى كفر خفي بالأسماء الإلهية وإلى استكبار وعتو كامن في النفس يخفي حقارة وضعة ونقصاً خطيراً فيها، فالاستبداد مخل بالأهلية لولاية أي أمر، ولم يحدث تقدم حقيقي علي مدي التاريخ إلا بتضافر جهود مجموعات من الناس يتعلمون كيف يصغي بعضهم إلى بعض وكيف يقدرون لكل رأي أو وزنه، وآلية اختيار رأي من الآراء هي أمر يتطور بتطور العصور، وولي الأمر ملزم بإعمال تلك الآلية والالتزام بما أفضت إليه، وذلك أوجب بعد ختم النبوة، ورغم أن إعمال الشورى هو ركن فرعي إلا أنه يعادل ركن إقامة الصلاة مثلاً، أما المستبد برأيه فمخالف لشريعة الله مغالٍ في أمر نفسه مستخف بقدر غيره، في نفسه عتوّ وكبر أصله ضعة وتعالم يرتكن إلى جهل عريق، وهو يضمر افتتاناً بنفسه يخفي عدم ثقة بإمكاناتها والخوف من تفوق غيره، فالمستبد كافر بالمساواة والأخوة الإنسانية وينازع ربه سلطانه وسطوته، ولقد كان من شر ما ابتليت به تلك الأمة استشراء الاستبداد فيهم، ولقد ظل ما ترتب علي ذلك ينخر في بنيانها إلى أن تهاوت وتسلط عليها أعداؤها، ولقد رأى الناس إلى ماذا آل أمر من قال: (ما أريكم إلا ما أري وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)؛ لقد قادهم إلى قاع البحر في الدنيا وإلي النار في الآخرة، لقد اقتحم بهم البحر فأطبق عليهم كما سيقودهم في الآخرة فيوردهم النار حيث يتلاعنون ويتشاتمون، وهذا هو المصير الحتمي والمعروف لكل طاغية ولكل من استخف قومه فأطاعوه.
ولا يوجد في الإسلام شيء اسمه الإجماع؛ فهو من المحدثات في الدين وكل محدثة ضلالة وكل ضلالة في النار، وما الإجماع الذي قالوا به وأجمعوا علي اعتباره أصلا مع كتاب الله ثم اختلفوا في كل ما يتعلق به إلا اسم مهذب لنظرية القطيع، ولم يرد في الكتاب العزيز أدني ذكر لإجماعهم هذا، وكذلك ذمَّ القرءان الأكثرية أينما ذُكِرت، وإنما ألزم الله تعالي الناس بالشورى في كل أمر؛ الشورى التي حملوا عليها حتى قضوا عليها قضاءً مبرماً منذ فجر الإسلام، بل استحدثوا صياغة للدين يمنعون بها إمكانية الأخذ الحقيقي بالشورى في أي بلد تسلطوا هم أو تسلط مذهبهم عليه، وهكذا جعلوا من الدين الذي ندد تنديداً شديداً بفرعون دينا لتوليد واستنبات من هم أظلم وأطغى منه، وكذلك لاستنبات وتوليد من هم شر من ملئه وأفسق من قومه، كما جعلوا ممن قضى علي الشورى وأعلن ذلك علي رؤوس الأشهاد سيدا يلزمون الناس بالترضي عنه ويتربصون بكل من يحاول إعادة دراسة أمره وبيان الحق بشأنه، وهذا يكشف حقيقة المؤسسين الحقيقيين للمذهب اللاسني، ولقد كانت الشورى من أول المبادئ والتعاليم الإسلامية التي قضوا عليها قضاء مبرما.
إن الشورى هي المبدأ الذي يسمح بالاستثمار الجيد لحقيقة أن الله سبحانه قد خلق الناس مختلفين ولقد كان ذلك من مظاهر اسمه العظيم "الواسع العليم"، والأمة الناجحة هي التي توظف ذلك لصالحها ولا تسمح لتلك الاختلافات بأن تتسبب في تفرق وصراعات.
-------
إن مجال الشورى هو كل الأمور التي لا يوجد بشأنها نص قطعي الدلالة والثبوت، ومن ذلك السُبُـل الأمثل لإعمال الأوامر والسنن الدينية وتحقيق مقاصد الدين في كل عصر ومصر وكذلك الحكم فيما يمكن أن يستجد من أمور ومنازعات بين الناس وفقاً لمنظومة القيم الرحمانية، وإعادة تحديد مدلولات بعض المصطلحات إذا استجد ما يقتضي ذلك، وبإيجاب إعمال الشورى كان الكتاب العزيز بالفعل تبياناً لكل شيء، فلقد بين الأسس والسنن والمقاصد والقيم والأركان والتشريعات وكل ما يجب التحرك في إطاره وجَعَل الشورى هي الآلية اللازمة لتداول وتبادل وتقليب الآراء للوصول إلي الرأي الأمثل في الأمور المطروحة.
-------
إن الله وحده هو الذي لا يُسأل عما يفعل، وكل من هم من دونه مسئولون أمامه وأمام أنفسهم وأمام بعضهم البعض، وهذا مما يجعلهم ملزمين بإعمال الشورى بما فيهم الأنبياء أنفسهم، وكل كيان إنساني (فرد أو جماعة) ادعى لنفسه الشأن الإلهي المذكور يكون بمثابة مدع للألوهية ومنازع لله في شأن من شئونه ولن يغني عنه من الله كهنوت ولا جهلوت ولا نفاقوت ولا طاغوت، أما من قبلوا ادعاءه أو ادعوا هم له ذلك فقد أتوا بشرك لا يغتفر، كما أنه يتطاول على مقام الأنبياء باستنكافه عن إعمال الشورى التي ألزمهم ربهم بها، ولابد من هلاك مثل ذلك المتسلط ومن تسلط عليهم علي المستوى الجوهري وقد يتحقق ذلك لبعضهم في تلك الدنيا.
-------
إن الذي يعمل بالشورى إنما يري بأعين كل من استشارهم ويسمع بكل آذانهم ويفكر ويتدبر الأمر بكل عقولهم ويستفيد من كل علومهم، فالرأي الذي يستقر عليه هو ثمرة عمل كل حواسهم وملكاتهم وخلاصة كل جهدهم، ومع ذلك فإن الرأي إنما ينسب إليه، فيا له من فضل عميم وخير جسيم، فكيف يفرط الإنسان في إعمال الشورى بعد ذلك؟
إن إقرار الشورى وإعمالها هو من لوازم ومقتضيات الإيمان بالله وبأسمائه الحسنى وبشئونه وبمقاصده الوجودية وبأنه ما خلق شيئاً إلا بالحق وبأنه أتقن صنع كل شيء...، فالسعيد هو من عمل بمقتضى ذلك وأفاد مما أُودع في كل إنسان من ملكات وطاقات وإمكانات، فالشورى هي من مقتضيات الإقرار بالألوهية لله وحده وبالإخاء البشري وبأنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم وأن له الحكمة المطلقة التي لا يمكن الإحاطة بها.
إن الشورى هي من لوازم ومقتضيات القيام بحقوق الاسم العليم الحكيم، ذلك لأنها تقصد إلي تفصيل الآراء ثم استخلاص الأمر المحكم مما لدي الناس بخصوص موضوع معين؛ فهي تستند إلي أن لدي كل إنسان إمكاناته الذاتية وتميزه الخاص وبأن لدي البعض منهم ما يمكن أن يضيفه وأن يساهم به في مجال تخصصه وتميزه، فهي بذلك حق لكل إنسان وحق علي كل إنسان، فالشورى أمر يجب أن يمارسه كل إنسان يتولى أمراً ما أو أمر كيان إنساني ما، أما الديمقراطية فهي نظام اجتماعي سياسي.
إن الأخذ بالشورى يلزم أولي الأمر في كل مجال بتداول وتبادل وفحص وتمحيص الآراء في أية مسألة قيد البحث، وعند الاختلاف يجب التقييم الموضوعي المحايد للحجج والبراهين وهناك نظام التصويت الموزون، ويجب دائما ردّ الأمر إلى الرسالة وهي دين الحق بمنظومة قيمه وعناصره.
*******
من الأمور المقدسة في الإسلام خصوصية كل إنسان، وقد عبَّر القرءان عن ذلك -وفق منهجه المعلوم- بلوازمه ومظاهره، ومن هذه اللوازم والمظاهر: الأوامر باحترام حقوق وكرامة الإنسان والأمر بالاستئناس والاستئذان وإتيان البيوت من أبوابها وتحريم وتجريم التجسس وتتبع العورات والغيبة والهمز واللمز، وقد جعل أيضا من العقوبات جلد قاذف المحصنات.
إنه على أفراد الأمة التواصي بالحق والتواصي بالصبر، ولكل فرد من الأمة أن يدعو الآخر إلي الخير وأن يأمره بالمعروف وأن ينهاه عن المنكر، وليس لأحدهم أن يحتكر لنفسه هذه الأمور ولا أن يتكسب بها ولا أن يتسلط علي الناس بها ولا أن يظن أنه هو نفسه ليس بحاجة إلي أن يُدعَى إلي الخير وأن يُؤمر بالمعروف وأن يُنهى عن المنكر.
*******
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وهو يأمر بالقسط وينهى المسلم عن أن يدفعه شنآن قوم على ألا يعدل، فالعدل حق مقرر لكل إنسان وواجب عليه أيضاً، ولقد نصَّ القرءان على أن قيام الناس بالقسط هو المقصد من إرسال الرسل بالبينات، وفي ذلك تأكيد لأهمية القيام بالقسط، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز} [الحديد:25].
*******
إن هذا الركن يقتضي معاملة كافة الكيانات الإنسانية وفق مقتضيات القيم والمبادئ والمثل التي تتضمنها المنظومة الأمرية الرحمانية؛ أي منظومة القيم الإسلامية ويتضمن تجنب معاملتهم وفق مقتضيات المنظومة الشيطانية، والمقصود بالكيانات الأخرى معتنقي الأديان والمذاهب الأخرى، أما الكيانات الخارجية فهي تلك التي لا سلطان للكيان الملزَم بهذا الركن عليها، فهذا الركن يستلزم أن يعطي الإنسان لكل ذي حق حقه.
*******
إنه يجب احترام حقوق الآخرين وكرامتهم والإحسان إليهم، وأوجب الحقوق حقوق الوالدين، فيجب الإحسان إليهما وبرهما، ومن ذلك أيضاً صلة ذوي القربى والإحسان إليهم، الحكم بالعدل والقيام بالقسط والشهادة بالقسط، الوفاء بالكيل والميزان، الوفاء بالعهد، أداء الأمانات إلى أهلها، ألا يبخس الناس أشياءهم، اجتناب التطفيف، الإحسان إلى اليتامى والإقساط فيهم، ومن ذلك أيضاً تخليص الرقاب من الرق والعبودية والإصر والأغلال، الوفاء بالعهد والالتزام بالمواثيق، واحترام حقوق الآخرين يعني بالضرورة أن العدوان علي تلك الحقوق من كبائر الإثم ومحرم تحريما باتاً، ومن العدوان القتل والسرقة والزنا والقذف والافتراء والضرب والتعذيب والغيبة....الخ، والإثم الأعظم المضاد لهذا الركن هو الظلم فهو الذي يترتب عليه العدوان علي حقوق الآخرين.
*******
إن انتصار الإنسان من بعد أن يُظلم يعني الانتصاف من أهل الظلم والجور والبغي والقصاص منهم وردعهم وإلزامهم حدودهم، وهو ركن فرعي من أركان الدين، فلا يجوز لإنسان أن يتقبل الظلم طالما لديه القدرة على التصدي له، ولا معنى للعفو إلا عند المقدرة.
إنه يجب القيام بالواجبات نحو الأمة وبكل ما يدعِّم وحدتها ومن ذلك الدعوة إلي الله تعالي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل لإعلاء كلمات الله والإصلاح بين المؤمنين والحكم بالعدل والقيام بالقسط والإقامة الجماعية للصلاة والإنفاق في سبيل الله وإيتاء الزكاة والتواصي بالحق وبالصبر والتعاون على البر والتقوى ورد التحية بأحسن منها، وموالاة المؤمنين والإقساط إليهم وإلي من سالمهم ولم يظاهر عليهم أحدا، والاستغفار لمن سبق بالإيمان والإقرار بفضلهم دون المغالاة في أمرهم، وألا يوالي أعداء الأمة وأن يأخذ حذره منهم، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن تفريق الدين وتمزيق الأمة والظلم والبغي والخيانة وموالاة أعداء الأمة والإفساد في الأرض.
*******
صلة الرحم هي إقامة وصلات بين الإنسان وبين أقاربه والعمل على دعمها وترسيخها، ومن ذلك القيام بشؤونهم ومساعدتهم وإشعارهم بالانشغال بأمرهم والاطمئنان عليهم سواء عن قرب أم من بُعد.
*******
وهذه هي بعض الآيات التي تورد بعض تفاصيل هذا الركن:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا(58) (النساء)  *وَلَا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(237)[ (البقرة) *  فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }البقرة283  *   وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}آل عمران159  *    مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا(85) وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا(86) (النساء)  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }النساء29  *  {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }النساء32  *  {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً }النساء112  *  وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(2)  * {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المائدة8 *  وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ(44)  *  وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(45)  *  وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(47)[ (المائدة)  *  قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(152) (الأنعام)  *  {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}الأعراف29  *  فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(85) وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا (الأعراف)  *  خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ(199) (الأعراف)  *  وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ(85) بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ(86) (هود)  *  إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90)وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ(91) (النحل)  *  وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا(23)وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا(25)وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا(26)إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا(27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمْ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا(28)وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا(29)إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا(30)وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا(31)وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا(32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا(33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا(34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا(35) (الإسراء)  *  {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }طه132  وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(22) (النور)  *  أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنْ الْمُخْسِرِينَ(181)وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ(182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ(183) (الشعراء)  *  {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ }العنكبوت46  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}النساء59  *  {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}النساء83  *  {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}الشورى38  *  {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}الشورى40  *  {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ(25)} (الحديد)  *  لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(8)إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ(9) (الممتحنة)  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً} البقرة: 282.
*******
إن هذا الركن يتضمن كل جهد يمكن أن يبذله إنسان لأداء ما عليه من حقوق نحو الكيانات الإنسانية الأخرى.
وما يبذله كل إنسان من سعي لإعداد الأمة الربانية الفائقة سيؤدي إلى توفير أفضل السبل والظروف لإعداد المزيد من البشر الربانيين الصالحين المفلحين فيعبد هذا الإنسان ربه بكل قواهم ويجني من ثمار أعمالهم دون أن ينقصهم منها شيئا ذلك لأن الأمور المعنوية لا تفني ولا تنقص بالانتقال من فرد إلى آخر وإنما تتزكي.
ولدي كل إنسان أمانة يجب أن يؤديها إلي أهلها أي الجديرين بها المستحقين لها، فالعلم مثلا أو بالأحرى المعلومات في مجال معين هي أمانة لدي صاحب هذا العلم وهو ملزم بأدائها إلي من وجد لديه الاستعداد لقبولها والانتفاع بها ونفع الناس بها، فالأمانة لا تُؤدَّي إلا إلي أهلها، لذلك علي كل إنسان أن يعرف ما هي الأمانة التي لديه ومن هو المؤهل لتؤدَّى الأمانة إليه وما هو الوقت الأنسب لتأديتها إليه، وهذا يقتضي أن يعمل الإنسان كل ما لديه من ملكات ومعلومات، فعلي صاحب العمل أو المدير مثلا ألا يختار لوظيفةٍ ما إلا من هو أهل لها، فمن كانت لديه فرصة عمل فهو ملزم بإعطائها لأفضل المتقدمين، ومن كانت ابنته مثلاً مؤهلة للزواج فعليه أن يزوجها لمن هو أهل لها …….إلخ.
*******
يقول بعضهم إن حقوق العباد علي الإنسان مقدمة علي حقوق الله عليه، وليس الأمر بهذه الصورة، ذلك لأن الله سبحانه لا تنفعه الطاعة ولا تضره المعصية، وما يعتبره العبد حقا لربه عليه كإقامة الصلاة مثلا إنما يستفيد منه بالأصالة الإنسان نفسه، فهو يؤدي ما تستفيد به إحدى لطائفه بل أعلاها وهو يشبع بذلك حاجة أساسية عنده قبل أن تكون عند غيره، أما أداء حق الغير فهو واجب عليه من حيث أنه مأمور بذلك ومن حيث أنه إنما يؤدي أيضا حق نفسه فلا يظلمها بظلم غيره وبظلم من يكون هذا الغير مسؤولا عنهم، فواجباته تجاه الآخرين ملزمة من حيثيات عديدة، والحق هو أنه يجب الالتزام والقيام بأركان الدين الواجبة على الفرد بتقديم الأهم فالمهم، وبذلك يتحقق للإنسان القيام بواجباته نحو نفسه ونحو الكيانات الأخرى.
*******
الإحسان في معاملة الوالدين
إن الإنسان بأدائه حقوق والديه عليه إنما يؤدي بالأصالة بعض حقوق ربه الذي رتب الأسباب ليسمح له بأن ينعم بالوجود، فهذا الأداء هو من باب الشكر لله.
قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ}البقرة83، {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }النساء36، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }النساء135، {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }الأنعام151، {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً }الإسراء23، {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }لقمان14، {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } الأحقاف15.
لذلك فالإحسان إلى الوالدين هو ركن فرعي من أركان الدين.
*******
طاعة أولي الأمـر
الأمر هي كلمة عامة فهي تتضمن كل ما عرفه ما يمكن أن يعرفه الإنسان وكل ما يمكن أن يستجد من مجالات النشاط الإنساني.
وولي الأمر الذي له على الناس حق الطاعة هو من يتولى أمرا بموجب حصوله على التأهيل اللازم المعلوم في مجال من المجالات كالطب والإدارة والهندسة والجيش والشئون العامة والقانون...الخ، هذا بالإضافة إلى كونه عاملا بمقتضى دين الحق بحيث يستحق أن يُذكر مع الرسول في نظم واحد وطاعة واحدة، أما المتسلط على الأمر فهو من يتولى أمرا دون تأهيل بالقهر والقمع والإرهاب، وطاعة ولي الأمر هي أمر ديني ملزم كطاعة الرسول، وهي من لوازم نجاح أي كيان أو مؤسسة، أما طاعة المتسلط على الأمر (إلا في حالة الاضطرار) فهي من كبائر الإثم، وهي من علامات الهلاك.
المقصود بطاعة أولى الأمر من المؤمنين طاعة كل من له ولاية على الإنسان لصلة أو سببٍ ما، ومن ذلك طاعة كل متخصص فيما يتعلق بمجال تخصصه؛ لذلك فحق الطاعة هو للطبيب على المريض وللعالم على الجاهل ولكل صاحب خبرة في مجال على كل من هو بحاجة إلي هذه الخبرة، وولي الأمر هو مختلف تماماً عن المتسلط على الأمر؛ فلا طاعة لمتسلط على أمر إلا بحكم الاضطرار، فالإنسان غير مكلف بما ليس في وسعه أصلا.
-------
إن ولي الأمر في الأمة المؤمنة بحكم التعريف هو الأجدر به والأهل له والأصلح له وفق مواصفات وضوابط ومعايير وموازين محددة، وجانب من هذه الأمور يتضمن ما يختلف باختلاف الأمصار والعصور، ولكن ما أورده كتاب الله هو المواصفات والموازين الثابتة التي لا تبديل لها ولا تحويل، وأي إخلال من قائم بأمر بشيء مما أورده الكتاب يعني بالضرورة أنه ليس بولي للأمر بل هو متسلط عليه، فهو معزول شرعاً وإن لم يعزل واقعاً وفعلاً، فمن تلك الشروط التحلي بكل الأخلاق الإسلامية ومنها الحرص على أداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل والقيام بالقسط والقيام بأركان الدين والعمل على تحقيق مقاصده والتنزه عن الصفات الشيطانية، وهذا يعني أن ولي الأمر الحقيقي لا يمكن أن يظلم ولا أن يأمر بمعصية ولا أن يسرق ولا أن يستكبر ولا أن يفسد في الأرض ولا أن يجعل أهلها شيعا ولا أن يخالف أمراً شرعيا....إلخ.
إن ولي أي أمر إنما هو ولي ما يحسنه من أمر وفقا للموازين الشرعية، وهو بالتالي يجب أن يكون قد تلقي التأهيل المناسب واللازم ليكون جديرا بهذا الأمر، وهو ليس بكائن مقدس ولا أبا للأمة ولا زعيما قدريا، بل هو بشر مسئول وملزم بإعمال الشورى.
إن ولي أي أمر في الأمة المؤمنة يجب أن يكون ملتزماً بمنظومات قيمها ومثلها وأركانها وسننها ومقاصدها بالإضافة إلي جدارته بالأمر، فولي الأمر لا يمكن أن يتصف بصفة من عناصر المنظومة الشيطانية، ومن هذه العناصر الفسق والفجور والظلم والاستبداد والجهل والإجرام والاستكبار....إلخ، أما أئمة المذهب اللاسني الذين أفتوا بجواز ولاية الفاجر الظالم الفاسق وسارق الأموال وجالد الظهور وأعطوه حق إبادة ثلث الأمة وحرموا على الناس الخروج عليه فلقد كانوا ينظِّرون لمجتمع المجرمين والشياطين وليس لمجتمع المؤمنين، لقد نهاهم الله عن مجرد تصديق نبأ الفاسق ولكنهم أجازوا ولايته وحرموا علي الناس أدنى انتقاد له، ولقد كان من الخير لهم إذا جبنوا أن يصمتوا وألا يجعلوا من أنفسهم أعوانا للشياطين وحجر عثرة في سبيل التطور الطبيعي للناس، إنه كما لا يجوز للإنسان أن يأتمن جاهلا فاسقا مجرما يدعي العلم بالطب علي جسده فكذلك لا يجوز لأي كيان مؤمن أن يأتمن جاهلا شريرا فاجرا ظالما علي أي أمر من أموره، إن الجهل هو أفدح عاقبة من الخيانة، وويل لأي كيان يسمح لجاهل بأن يتسلط عليه، وويل لأي كيان يسمح لمكوناته الأدنى أن تتحكم في مكوناته الأعلى، أما في حالة انتشار الفتن وعموم البلوى فثمة أحكام خاصة بها لا يجوز تعميمها، وكل كيان ملزم بالقيام بالأركان في حدود طاقته، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وقد يباح للمؤمن أن ينطق بكلمة الكفر لينجو بنفسه، ولكن لا يجوز أن يجعل من النطق بها ديدنه ودأبه أو سنة مرعية أو قانوناً ملزما.
-------
إن الطاعة للرسول ولأولي الأمر من بعده إنما هي من حيث أنهم ناطقون بما جاء في كتاب الله ومتبعون له وملتزمون بأوامره، ذلك لأن الكتاب لن يحكم بين الناس بنفسه وإنما برجال ينطقون به ويعرفون مقتضياته وقوانينه وسننه.
-------
إن ثقة الإنسان بأن القائم على الأمر في مجالٍ ما هو ولي أمر حقيقي بمعني أنه تتوفر فيه كل المواصفات الشرعية اللازمة لولي الأمر ستلقي الطمأنينة في قلبه وستدفعه إلى إتقان عمله وإلى ألا يحاول اتباع سبل ملتوية وأساليب غير شرعية لاستمالة ولي الأمر واستهوائه لكي يأخذ ما لا حق له فيه، أما إذا كان القائم على الأمر ليس ولياً حقيقياً له بل متسلطاً عليه فإن من هم ملزمون بطاعته سيحاولون سلوك كافة السبل غير القانونية لاسترضائه واستهوائه، وسيهمل أكثرهم عمله ليأسهم من صفات وسلوك هذا المتسلط أو لأنهم يرون أن النفاق والمداهنة والتملق هي أجدى وأيسر من أداء العمل كوسيلة لتحقيق المطالب، والمنافق المداهن المتملق إنما يداعب نزعة الربوبية المزيفة الكامنة في نفس المتسلط، وهو إذ يفعل فإنه يشرك بربه ويزيد المتسلط ضلالا كما يضل نفسه.
ولقد فضَّل الله  بعض الناس علي بعض ورفع بعضهم فوق بعض درجات، وترتب علي ذلك سنن كونية لا تبديل لها ولا تحويل، فلا بد من أن تتميز كل حقيقة إنسانية علي الأخرى، وذلك أمر لازم لتحقيق المقاصد الوجودية والدينية، وعلي الإنسان أن يتوافق مع تلك السنن حتى يتحقق بكماله المنشود وأن يثق بربه وبحسن أسمائه، وكل إنسان فاضل مفضول، وعلي الإنسان ألا يتمنى ما فضِّل عليه به غيره، ومن غير المقبول أن يستكثر إنسان علي غيره ما فضله الله به دون أن يشكر ربه علي ما فضله هو به علي غيره، وعلي كل إنسان أن يعلم أنه مزود بما يلزم لأداء ما أنيط به من مهام ولتحقيق المقصد من خلقه وأنه ليس مكلفاً إلا بما هو في وسعه.
-------
إن مفهوم ولي الأمر في الإسلام يتضمن المعرفة والالتزام بقيم الدين وسننه ومثله وأسسه، فولي الأمر في دين الحق والذي يجوز أن يقرن بالرسول في نظم واحد إنما يستمد شرعيته من اتباعه للرسول وبالتالي من اتباعه للرسالة التي أتى بها وما تتضمنه من مقاصد وقيم وأركان وسنن، فالطاعة الشرعية إنما تكون لولي الأمر الحقيقي أي لولي الأمر طبقا للاصطلاح الإسلامي، وثمة فرقان هائل بين مفهوم ولي الأمر هذا وبين مفهوم القائم علي الأمر بصفة عامة، فالطاعة التي هي ركن ديني يثاب المرء عليه ويأثم بمخالفته إنما هي لولي الأمر طبقاً للتصور والاصطلاح الإسلامي، وفي أكثر الظروف والأحوال فإن القائم علي الأمر لا يكون بالضرورة ولياً للأمر، فطاعته إنما هي بمقدار اقترابه من الولاية الحقيقية للأمر، أما أسوأ دركاته فهي أن يكون متسلطاً علي الأمر، وفي هذه الحالة فإنه ليس له أي حق ديني علي الناس، بل يجب على هؤلاء العمل على خلعه إن لم يذعن للحق، وهكذا كان الحال منذ أن تسلط الأمويون علي الأمر، أما واقع الحال الآن فإنما هو في وجود كيانات غير دينية بل جغرافية بشرية تعرف بالأوطان التي يتعايش فيها أناس مختلفون في المذاهب والأعراق والأديان، وهذا أمر جديد لا يجوز الخلط بينه وبين الكيانات السابقة عليه ولا إجراء الأحكام الخاصة بها عليه.
ولقد ألزم الرسول أهل القرن الأول بطاعة من يؤمرهم عليهم من الأمراء، فكل أمير من هؤلاء كان يستمد شرعيته منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ من حيث أنه كان رسولا إلى العالمين عامة وإليهم بصفة خاصة ومن حيث أنه كان ولى كافة أمورهم، وولاية أمر ما لا تعطى الأمير أو الولي صك غفران ولا تحله من ضرورة الالتزام بالطاعة والبعد عن المعصية ولا تجعله فوق الأمة ولا على الأمة وإنما تلزمه أن يظل منها فإن ظن أنه غير ذلك فقد جدارته بالأمر وانعزل قانونا وشرعا، فولاية الأمر ترتب علي القائم بها واجبات وأركان إضافية ولا تعفيه من الأركان الخاصة به كفرد وإن كانت تعيد ترتيب أولويات الأركان.
ويجب التأكيد على أنه من الواجب ألا ينازع الإنسان الأمر أهله ولكن يجوز نصح من ظهرت عليه بوادر الانحراف ويجب أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، أما من ثبت أنه ليس أهلا للأمر بجوره وبغيه فإنه يجب عزله، فليس من حق أحد أن يلزم الناس بطاعة الطغاة الجائرين المجرمين، أما في حالة شيوع الفتنة وعموم البلوى فثمة أحكام استثنائية إستنادا إلى أن الله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها وأنه قرر أن للمضطر أحكاما خاصة، ولكن تلك الأحكام لا يجوز تعميمها ولا توسيع نطاق عملها ولا تحويلها إلي قواعد دائمة ولا يجوز أن تستخدم لإحداث تحريف دائم في الدين.
إن الطاعة لولي كل أمر في مجال أمره هي ركن ديني ملزم للفرد، ولكنها لا تكون للمتسلط على الأمر أو لمدعي الولاية عليه، فالإنسان الذي يستشير طبيبا على درجة عالية من الكفاءة في تخصصه يكون ملزما بطاعته ولكنه لا يكون ملزما بطاعة متطفل على المهنة لم يحصل على التأهيل أو الإجازة اللازمة لممارستها، والإسلام لا يجعل لأولي الأمر سلطة كهنوتية على الناس.
*******
القيام بالقسط والحكم بالعدل
قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90) (النحلإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا(58)، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ(25)} (الحديد)
إن القيام بالقسط والحكم بالعدل من أركان الدين الملزمة للأمة ومن لوازم أركان أخرى مثل الحفاظ على حقوق الإنسان وكرامته واحترامها، وذلك يستلزم أن يكون الكل سواسية أمام القانون فيعاقب المذنب بسبب ما ارتكبه دون التفات إلى شخصه أو مكانته أو سلالته أو وظيفته.
ويجب العلم بأنه ليس من العدل التسوية بين من يختلفون ويتفاوتون، بل إن العدل يقتضي إعطاء كل ذي حق حقه ومعاملته وفق القوانين والسنن التي تنطبق علي حالته، والعدل لا يمكن أن يتناقض مع قوانين الفطرة أو المنطق، هذا بالإضافة إلي أنه يجب اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات حتى يتبين الحق، ولا يجوز التغاضي عما أظهرته النتائج، لذلك فإذا كان ثمة وظيفة يستحقها الأسرع عدواً مثلاً فلا يجوز اختيار أحد المتقدمين عشوائياً أو استناداً إلي أسس غير موضوعية طالما كان ثمة وسيلة لاكتشاف أسرعهم عدواً كإجراء مسابقة فعلية وعلنية فيما بينهم.
فالقيام بالقسط يقتضي أن ينال كل إنسان حقه الذي يقتضيه كونه علي حالة ما طبقاً لأسس معلومة لكل ذي صلة بالأمر، وللإنسان من حيث هو إنسان حقوق عامة لابد من احترامها والعمل علي توفيرها له، وكذلك له حقوق خاصة من حيث نوعه والطور الحياتي الذي يمر به وكذلك من حيث وظيفته، فإذا كان الإنسان ولي أمر ما مثلا فله علي الناس حق الطاعة في كل ما يتعلق بهذا الأمر، ولهم عليه حق إثبات أهليته وجدارته بالأمر.
وتحقيق العدل والقيام بالقسط يعني الحكم بما أنزل الله وهو يغني عن الحاجة إلي استعمال المصطلحات المحدثة كالمساواة مثلا.
وليس منوطاً بأولي الأمر –كما يظن البعض- الاجتهاد لمعرفة حكم الله في الأمر، فليس من حق أحد أن يزعم أن ما تمخض عن اجتهاد بشري هو حكم إلهي، ولكن المقصد هو معرفة الحكم الأكثر اتساقاً مع منظومات قيم ومبادئ وسنن الإسلام، فليس مطلوبا من أحد وليس من حق أحد أن ينصب من نفسه متحدثاً نيابة عن الله، والناس ملزمون بطاعة أولياء أمورهم ليس لأن لهم سلطات إلهية وإنما لأن طاعة أولي الأمر هي ركن ديني ملزم، ولا يمكن أن تتقدم أمة غير منضبطة تسودها الفوضى ويتطاول فيها الناس علي أولياء أمورهم.
-------
إن الحكم بالعدل هو من لوازم وتفاصيل الحكم بما أنزل الله، والحكم بالعدل لا يتعلق فقط بالمنازعات حول ملكية بعض الأشياء أو بسبب بعض المعاملات ولكنه أمر كلي شامل، فالإنسان المتسم بالعدل تسري سمته هذه في كل قول أو فعل يصدر عنه حتى أنه ليخشى أن يجهد أحد قدميه ليريح الأخرى بلا سبب، فالحكم يتضمن أيضاً تقويم الناس والأمور وإطلاق الوصف الصحيح على أي فعل أو ممارسة والنقد وإبداء الرأي...
إن التسوية المطلقة بين المختلفين المتفاوتين هي محض الظلم، وإنما المطلوب هو الحكم بالعدل والقيام بالقسط، فالتسوية محكومة بمقتضيات العدل والقسط، ومقتضى العدل والقسط هو التسوية بين المتماثلين والتفرقة بين المختلفين المتفاوتين.
-------
من معاني الحكم إعطاء وصف أو تقويم ما للأمر أو للكيان أو للفعل الصادر عنه، وهذا يجب أيضاً أن يتم بالعدل، فلا يجوز أن يوصف الفعل السيئ بالحسن مثلا، ومن ذلك مثلا الحكم على فعل بأنه من كبائر الإثم أو من اللمم، مثل هذه الأحكام هي لله تعالى وحده، وما هو منوط بأولي الأمر المستنبطين هو معرفة مدى انطباق الحكم الماثل في القرءان أو المستنبط منه على ما استجد من أفعال.
والحكم بالعدل بين الناس لا يعني التسوية بينهم في كل أمر مثل توزيع الأموال عليهم مثلا، وإنما يعني أن ينال كل ذي حق حقه المقرر والمعلوم له ولكل معني بالأمر، وعلى سبيل المثال فمن يصحح أوراق إجابة مجموعة من الطلبة وكان قد قرر أن الإجابة الصحيحة للسؤال الأول عليها عشر درجات فكل من أعطى إجابة صحيحة يجب أن ينال تلك الدرجة، فلا يعطى أحدهم مثلاً خمس عشرة درجة ولا يعطى الآخر ثمان درجات ولا يعطي من قدم إجابة خاطئة الدرجة الكاملة...، وإذا اقترف شخصان نفس الجرم يجب أن ينال كل منهما نفس العقاب فلا يعفى الأغنى من العقوبة لثرائه مثلاً أو لمكانته الاجتماعية، وإذا أدى شخصان نفس العمل بنفس الدرجة من الاتقان يجب أن ينال كل منهما نفس العائد المادي.
*******
إنه ليس مطلوباً من أحد الفحص الدقيق للمرويات المتعلقة بالتعاملات بين البشر وليس مطلوباً جمع واستقراء كل آثار القرون الأولي المتعلقة بهذه المعاملات، كل ما هو مطلوب هو أن يوكل إلى أولي الأمر التأكد من مدى تحقق العدل والقسط في تلك المعاملات وألا تتضمن غشاً أو خداعا وألا تلحق ضررا بأحد، وكذلك من الممكن استحداث صور من المعاملات التي تحقق مقاصد الدين، وكل هذا يعني أن تتسق المعاملات مع منظومة القيم الإسلامية، وبذلك لا تعوق تحقيق مقاصد الدين وإنما تساعد على تحقيقها، أما الشكليات فهي تختلف وفقاً للسقف الحضاري للناس.
ولأولي الأمر سلطة كشف وبيان ما يشوب بعض المعاملات من الظلم أو غيره، وهذا النوع من المعاملات يجب منعه ويكون بذلك محرماً لما يتضمنه من الإثم، ذلك لأن الإثم محرم لذاته، أما إذا تعددت صور المعاملات الممكنة ولم يكن أيُّ منها يتضمن إثما وكان لابد من اختيار أحدها فلأولي الأمر حق هذا الاختيار وأمر الناس به ومنعهم عن غيره، ولا يصبح الممنوع محرماً بذلك المنع وإنما لتضمنه أمراً محرما، فلا يملك إنسان أو ولي أمر سلطة التحريم وإنما يملك سلطة البيان، وعلى الناس طاعة أولي أمرهم في كل حال.
*******
إن ما يُسمَّى بالإرهاب أو بالأحرى الترويع أو الاسترهاب هو من وسائل الإفساد في الأرض، فهو يؤدي إلى ترويع الأبرياء وتدمير الممتلكات ولا يجلب إلا الشر، وهو يعطي المجال لأعداء الإسلام لتشويه صورته وشن الحملات الإعلامية الظالمة ضده، فما يسمى بالإرهاب هو من المظاهر الحديثة للإفساد في الأرض ومن سائل صد الناس عن سبيل الله، لذلك وجب على المسلمين الجهاد ضد الإرهاب.
*******
إن احترام الحقوق الإنسانية الشرعية للمرأة هو أمر ملزم؛ فهي إنسان مفضل ومستخلف في الأرض ومأمور بالسعي للتحقق بمراتب الكمال الممكن، ولها حق التملك والعمل وفق تأهيلها، إن الجلباب ترتديه المرأة لتُعرَف وليس لتتخفى، فبه تعرف مكانة المرأة الاجتماعية، فلا يجوز ارتداء ما يخفي أو يئد شخصية المرأة، ويجب العلم بأن الرسول قد أرسل للعالمين حاملاً رسالة الحق والرحمة وليس لفرض أنماط معيشة عرب القرن السابع الميلادي عليهم، ولا يجوز القضاء على عالمية الدين لحساب البدو المتخلفين ولا المتنطعين.
*******
إن الأمة قد اتبعت رغبات حفيد عمر وأمثاله، وكان هذا الحفيد قد أقسم ليمنعن إماء الله المساجد رغم تحذير الرسول من ذلك، ولكن الأمة تركت كتاب الله وسنة رسوله وراءها ظهريا ومنعت إماء الله المساجد، وقد كانت المساجد هي أماكن تلقي العلم وتدبر أحوال الأمة والتشاور في كل أمورها، فاتباع سنة حفيد عمر كان يعني عمليا القضاء على الأمة بالقضاء على نسائها والحكم عليهن بالجهل المطبق.
*******
إن الإسلام لا يعرف مصطلح الحاكم على الناس ولكنه يعرف مصطلح القاضي بين الناس والآمر، فمن له حق الأمر هو من لديه التأهيل اللازم، فإذا فقد أي شرط من شروط التأهيل فقد انعزل تلقائيا.
أما وجود حكام بالمعنى المعروف الآن فهو أمر آخر، وكل ما يتعلق بخصوصهم هو مجال لاجتهاد المسلمين كافة وفق القواعد الشرعية المنصوص عليها في الكتاب أو المستنبطة منه، وما يتمخض عنه هذا الاجتهاد هو أمر بشري قابل للمراجعة والتصحيح والتعديل. إن الرسول قد أدى كل ما هو مطلوب منه، وهو لم يأت ليؤسس دولة أو إمبراطورية، ولقد تركهم وشأنهم ومستواهم الحضاري والمعرفي، وما حدث من بعده كان معبرا عن كل ذلك، وهو ليس مسئولا عنه، وقد كاد يضع لهم نظاما لذلك عندما اشتدت به الرحمة بهم ولعلمه بما يمكن أن تؤول إليه الأمور فحالوا بينه وبين ذلك.
*******
لقد أمر القرءان بإعطاء الجار حقه، وذلك أمر واضح ومفصل ويمكن لكل إنسان في كل عصر وزمان أن يعرف حقوق هذا الجار، ولابد أن الرسول قد التزم بهذا الأمر القرءاني وبينه للناس بسلوكه وأقواله، فكل ما روي عنه ونسب إليه مما يندرج في هذا السياق هو صحيح بصفة عامة ويجب الأخذ به، ويجب أن يكون الأمر هكذا، ولا يمكن أن يكون إلا هكذا، وهذا لا يتعارض مع كون القرءان مبينا بنفسه ولا بكون الله قد تعهد ببيانه، فكل الناس آلاته لتحقيق مقاصده، وكم من إنسان كان مبينا بسلوكه لأمر قرءاني لمن لا يعرف عنه شيئا، ولا غضاضة في ذلك، والقرءان يخاطب بشرا مزودين بإمكانات وملكات حقيقية، فلا يمكن أن يصدق الإنسان أن بيان الأمر يكون بنسخه أو بسلوك متناقض معه، وقد جعلوا مثلا عقوبة الزاني المحصن هي الرجم ناسخين بذلك آية محكمة بيِّنة مبيِّنة!!! مرة ثانية: هل تبيين الآية يعني نسخها بإلغاء حكمها؟! هل يمكن مثلا أن يكون من حقوق الجار أن يُصفع على قفاه؟!
*******
إن هذا الركن يقتضي معاملة الآخرين وفق الأوامر الشرعية أي وفق منظومة القيم الإسلامية، فالإنسان يعبد ربه بالإحسان إلى عياله وخلقه، وهو يطالع فيهم آثار الأسماء الإلهية الحسنى ويعلم أن وجود أي فرد منهم هو من لوازم تحقيق المقاصد الوجودية؛ فهو لذلك يقدس هذا الوجود من حيث هو وجود ولا يحقر شيئاً اعتنى به ربه وأبرزه من عدم إلى وجود.
*******
إن كل فرد في الأمة الإسلامية هو ولي أمر أو عدة أمور في آن واحد، فله على الناس حق الطاعة في نطاق أمره ومجاله، وعلى الناس واجب طاعته في مجال أمره ونطاقه، وعليه هو حق طاعة كل ولي أمر آخر في في مجال أمره ونطاقه، فولاية الأمر هي مسئولية وتكليف وليست وسيلة للعلو ولا للإفساد في الأرض، فمن خالف شيئاً مما اقتضى تأهيله لولاية الأمر وجب إرشاده وتقويمه وإلا فإنه يكون قد عزل نفسه ووجب على سائر الناس عزله.
*******
من الحكمة العملية أن يجنح الإنسان إلى السلم وأن يؤثر العفو والصفح وأن يكظم غيظه وأن يدفع عن نفسه بالتي هي أحسن وألا يتمنى إلحاق الأذى بالآخرين، فإذا ما رأى أن أحد الناس يحاول أن يؤذيه فليتوجه أولاً وقبل كل شيء إلى ربه سائلاً إياه كشف الضر عنه. 
*******
من أوامر الإسلام الكبرى تأدية الأمانات إلى أهلها، وهذا يتضمن أن يؤدي كل إنسان ما أؤتمن عليه إلى صاحب هذه الأمانة ومن هو أحق بالأمانة، وهذا يتضمن أيضاً إسناد كل أمر إلى من هو أهل له، وكبائر الإثم المضادة لهذا الركن خيانة الأمانة وإسناد أي أمر إلى من ليس بأهل له.
*******
إنه لا وجود في الإسلام لما تعنيه الكلمة الإنجليزية (To rule)، فاللفظ العربي (الحكم) لم يأت في القرءان متعديا وإنما لازما؛ فالحكم هو بين الناس وليس على الناس، أما سلطة إعطاء الأمر الواجب الطاعة فإنما هي لكل ولي أمر في مجاله، والإنسان يكون ولي أمر بحكم القرابة أو بحكم التأهيل، فللوالد الأمر على أولاده، وللطبيب الأمر على مرضاه، وللمعلم الأمر على المتعلمين.
*******
من قال بوجود حد للردة فقد كفر بآيات قرءانية عديدة وتجاهل قيمة عظمى من منظومة القيم الإسلامية، وهي حرية الدين، وما يسمى بحد الردة هو عقوبة اختلقها بعض المتكسبين بالدين لصالح المجرمين الأمويين والعباسيين لتصفية المعارضين.
ولقد خلط البعض عمدا بين أمرين: الخيانة العظمى أي الخروج المسلح على الأمة والانحياز إلى أعدائها في حالة حرب وبين الخروج من الإسلام واعتناق دين آخر.
*******
نعم إن الإسلام الحقيقي هو الحل، ولكن الناس لا يعرفون إلا المذاهب التي هي المشكلة وداء الأمة العضال، هذه المذاهب التي أحدثها السلف الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون، إن تلك المذاهب هي سبب انهيار الأمة وهي مشكلة بلا حلّ وليست حلا، وهم لن يعتبروا دين الحق إلا مذهباً من المذاهب ولن يعتبروا من يتبعه إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلهُمْ يُرِيدُون أَن يَتَفَضَّلوا عَلَيْهُمْ ويأخذوا منهم سلطانهم.
*******
إن الالتزام بحقوق الإنسان ومنها حرية العقيدة هي من لوازم أركان دين الحق، فللآخر كل حقوق الإنسان الشرعية وعلى رأسها المعاملة بالعدل والبر والقسط إلا إذا اعتدي على المسلمين أو اضطهدهم في دينهم، إن المسلم يتعبد إلى الله سبحانه باحترام ومراعاة حقوق الناس والإحسان إليهم، والحقوق الواجب احترامها هي الحقوق الشرعية وليس ما قرره الناس اتباعاً لأهوائهم.
*******
إن الموالاة المنهي عنها شرعًا هي موالاة من هم من دون المؤمنين كما أن اتخاذ الأولياء المنهي عنه هو الذي يكون من دون الله أو الذي يكون على حساب ما أنزل الله، أما الاتباع المنهي عنه فهو اتباع أولياء من دون الله وكتابه.
أما المحرم تحريماً باتاً فهو اتخاذ أعداء الله وأعداء الأمة أولياء، فتلك هي الخيانة العظمى.
*******
إن تكريم الإنسان من حيث هو إنسان لا يتعارض مع كونه مسئولاً عن أفعاله ومحاسب عليها، بل إن ذلك من مقتضيات تكريمه واستخلافه في الأرض، وليس لأحد أن يتخذ من معصية إنسان ما أو من ظن كونه فاسقاً أو منافقاً وسيلة لحرمانه حقوقَه أو لإهانته، ولا يعني هذا أن البشر متساوون في كل شيء فمن البديهي أن المسلمين ليسوا كالمجرمين وأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليسوا كالمفسدين في الأرض وأن المتقين ليسوا كالفجار.

*******



هناك تعليقان (2):

  1. مقال دسّم للغاية، يحتاج إلي قراءة متأنية وسلوك قويم ومنضبط..شكرا ﻷستاذنا الدكتور علي هذه المقالات التي توضح صحيح الكتاب العزيز..

    ردحذف