الخميس، 16 أبريل 2015

أجر الرسالة والدعوة

أجر الرسالة والدعوة

لا توجد مهنة اسمها داعٍ أو داعية، ولم يوجد في السلف الصالح من كان يتكسب بعمل ديني، أما الاشتغال بأي عمل ذي صلة بالدين أو بما يسمى بالعلوم الدينية فهو عمل مهني مثله مثل الاشتغال بأي علم آخر كاللغة العربية أو التاريخ أو الكيمياء لا يعطي لصاحبه أي ميزة مجانية على الآخرين، ولا يعطيه الحق في أية ألقاب كهنوتية، أما الدعوة إلى الله فهي ركن ديني ملزم لكل مسلم، ومن لوازمه الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالقيام بالدعوة هو ركن كإقامة الصلاة أو صيام رمضان، لذلك لا يجوز  الداعي لا يسأل الناس أجرا على قيامه بأعباء الدعوة، وهو في ذلك يكون متأسيا برسل الله الذين لم يسألوا الناس أجرا على القيام بأعباء الرسالة، فأجر الرسول يكون على من أرسله.
وآيات القرءان تنص على أن الرسل بصفة عامة، والرسول بصفة خاصة لا يأخذون أجرا من الناس ولا يطلبون أجرا من الناس على قيامهم بالرسالة، قال تعالى:
{فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِين} [يونس:72]، {وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِين} [يوسف:104]، {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} [الفرقان:55]، {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِين} [الشعراء: 109 ، 127 ، 145 ، 164 ، 180]، {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد} [سبأ:47]، {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِين} [ص:86]، {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِين} [الأنعام:90]، {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُون} [هود:51]، {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُون} [الطور:40]، {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُون} [القلم:46]، {اتَّبِعُوا المُرْسَلينَ(20) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ(21)} (يس)
{ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُور} [الشورى:23]
إن أجر الرسول يكون على من أرسله، فإن الكريم لا يرسل رسولا ثم يكله إلى الناس أو يأمره بأخذ الأجر منهم، فمن تعريف المرسل ولوازمه ألا يسأل من أرسل إليهم أجرا، وذلك ما نصت عليه آيات كثيرة خاصة بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبمن أرسل من قبله من الرسل.
وفى آية الشورى أمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أن يبيِّن لهم أنه لا يسألهم أجراً ولكن يجب على قومه أن يودوه لأجل قرابته منهم، وهذا ليس بأجر ولكنه ما تمليه عليهم أعرافهم؛ فما كان لهم طبقا لها أن يقطعوا أرحامهم هكذا، أما من زعم أنه طلب منهم أجرا فلقد كذب بالآيات المذكورة أو ادعى أن ثمة اختلافاً في القرءان وكلا الأمرين ممنوعان، والأخطر من ذلك أنه تطاول علي ربه وشكك في أوصافه العليا وكرمه.
لقد جاءت النصوص قاطعة بأن أجر المرسل إنما يكون على ربه الذي أرسله وأن من تعريفه اللازم أنه لا يسأل الناس أجرا على رسالته، لذلك فالاستثناء في تلك الآية منقطع كما هو الحال في الآية: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} [الفرقان:55].
والحرف (في) الذي يسبق (القربى) هو كالحرف (في) في الحديث: (عذبت امرأة في هرة) أي بسبب هرة.
لقد أمر الله تعالي رسوله أن يقول لهم إنه لا يسألهم أجراً كما أمر الرسل من قبله، قال تعالي: { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ(86)إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(87)} (ص)، وقال: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا(57)} (الفرقان)، وقال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ(90)} ( الأنعام ، 90 )
فكيف يتصورون أنه من الممكن أن يأمره بالشيء ونقيضه؟ أم يريدون القول بأنه سبحانه بدا له فغيَّر رأيه؟ ألم يعلن لهم أنه لا يبدل القول لديه؟
إن الآية تأمر الرسول بأن يسأل قومه أن يوَدُّوه في قرابته منهم، أي بسبب هذه القرابة، وأن يَصِلوا الرحم التي بينه وبينهم طبقاً لأعرافهم ومنظومة القيم الحاكمة عليهم، وهذا كان حقاً لكل من انتمى إلى القبيلة وليس أجرًا على قيامه بالرسالة، فهو الأمر الذي تلزمهم به أعرافهم هم.
إن كثيرا من المسلمين قد ظلموا رسولهم الكريم ولم يعرفوا له قدره، فأهل السنة جاروا على حقه لحساب من أسموهم صحابته وزعموا تلك الصحبة للطلقاء والأعراب والمنافقين فأوقعوا الناس في حيص بيص وأعطوا بذلك الفرصة للشياطين ليلقوا في الدين ما يشاءون وكادوا يقضون على الدين لحساب أساطير الأولين، لقد نسب هؤلاء الصحبة إلى من لم يحظ بشرفها ولم يزعمها لنفسه ولم يطمع أبداً فيها، أما الشيعة فلقد زعموا أنه طلب من الناس أجرا على رسالته هي مودة أهل بيته في حين أن كل إخوانه من الرسل لم يطلبوا شيئا كهذا من الناس وإنما اتجهوا بدعائهم إلى ربهم، لقد ظلم الشيعة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودينه لحساب أهل بيته وذريتهم، وكأنهم زعموا بذلك أنه أتى ليؤسس سلطانا لذوى قرباه، أما كثير من المتصوفة فلم يتبعوا الرسول الحقيقي الذي أرسله ربه بالقرءان الكريم رحمة للعالمين وعاش مجاهداً في سبيله وإنما أحبوا صورة جسَّدها لهم خيالهم.


*******

هناك تعليق واحد: