السبت، 25 أبريل 2015

الاسم الإلهي " ذُو الْفَضْلِ"

الاسم الإلهي " ذُو الْفَضْلِ"


قال تعالى:
{مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }البقرة105  *  {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }آل عمران74  *  {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}الأنفال29  *  {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}الحديد21  *  {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }الحديد29  *  {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}الجمعة4.
وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }البقرة243  *  {وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ }يونس60  *  {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ }النمل73  *  {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ }غافر61
{فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }البقرة251  *  {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }آل عمران152  *  {فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}آل عمران174

فهذا الاسم من الأسماء الحسنى، وهو من أسماء النسقين الأول والثاني.

والاسم الإلهي "ذُو الْفَضْلِ" يشير إلى أن له سبحانه الفضل المطلق، فهو مالك الفضل وأصل كل فضل، وهذا يعنى أن له وحده حق وضع الموازين والمعايير اللازمة لتفاضل الناس فيما بينهم وأن له وحده حق تقرير ذلك وبيانه، ولقد أعلن وبين أن مناط التفاضل والتكريم هو التقوى، فهو غير منحاز إلى فئة قليلة أو إلى سلالة خاصة ولقد تبرأ ممن ادعوا أنهم أبناؤه وأحباؤه وأقام عليهم الحجة والبرهان، وأمر الناس باستباق الخيرات، وأعلن أن الأمر محكوم بكلمات وسنن لا تبديل لها ولا تحويل وأن من عرفها وفقهها وتوافق معها سيفلح ويحقق كماله المنشود.
والفعل الحسن من الإنسان إنما هو صادر عن صفة كمال من لوازم ماهيته التي قدرها الرب سبحانه، وتلك الصفة هي من مقتضيات وآثار الكمال الإلهي أصلا إذ هو المصدر الأوحد الكمال للكمال في الوجود، لذلك فالآثار المترتبة على الفعل الحسن بمقتضى القوانين والسنن هي آثار حسنة وإنما هي فضل على فضل، فله سبحانه المن على عباده بذلك الفضل المتضاعف وله الفضل المطلق.


ولقد أعلن الكتاب العزيز أن رحمة الله قريب من المحسنين وأن له وحده أن يقسمها كيف يشاء؛ أي كما تقتضي قوانينه وسننه وموازينه وليس وفق معاييرهم وأهوائهم، وأعلن أيضا أن الفضل بيده يؤتيه من يشاء، وهو ليس ملزماً بأن يوزع من فضله على المتكسبين بالدين ولا على رجال الكهنوت ولا على الملتحقين بالمدارس الدينية، إن الكثيرين قد ارتدوا على أعقابهم وصاروا يستكثرون على الناس رحمة ربهم وفضله وأرادوا أن يشاركوه فيما أختص به نفسه، وكل ما أعطاه الله تعالي لعبد من الكمالات هو من باب الفضل إذ ليس للإنسان من أمر ذاتي إلا أصله العدمي.

والمفردة (فضل) تشير إلى سمة إلهية تقتضي فعلاً إلهيا كما تشير إلى مجال السمة والفعل.

قال تعالى: {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }البقرة105، {وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{72} وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{73} يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{74} آل عمران، { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقاً{69} ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً{70}النساء، {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ }فاطر32، {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ }الشورى22.
إن الآيات السابقة تبين أن كل فضل هو بالأصالة لله، وأنه سبحانه يعطي الفضل كما تقتضي مشيئته إلي هي جماع مقتضيات أسمائه وسماته والتي تتجلى في قوانينه وسننه، فما يصل إلى كيان إنساني من الفضل إنما يتم وفق أسمى نسق من القوانين والسنن ولتحقيق المقاصد الوجودية العظمى.
فالفضل من سمات الله سبحانه ومن لوازم حقيقته الذاتية، والاسم (ذو الفضل) حجة على من أنكروا ما يسمونه بالصفات أي أنكروا السمات الإلهية، ولقد ثبت هذا الاسم لله بالآيات القرءانية البينات، ومن العجيب أن يتجاهلوا هذا الاسم الوارد في القرءان لحساب أسماء ما أنزل الله بها من سلطان.
ومن مظاهر الفضل الإلهي تفضيل بعض النبيين على بعض وتفضيل بعض الأمم على بعض، ولابد أن سننه التي هي الكمال المطلق هي التي اقتضت ذلك.
ومن مظاهر الفضل الإلهي تفضيل بني آدم على كثير من خلق الله، قال تعالى:
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا} [الإسراء:70].
ذلك لأن وجود الإنسان هو الأمر اللازم لتحقيق المقاصد الوجودية، وتفضيله عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَق الله تَفْضِيلا هو فضل على فضل.
والناس عادة ما يجهلون مقتضيات المشيئة الإلهية التي هي تفصيل لما هو له من الحسن الذاتي والكمال المطلق، وقد يضل بعضهم بسبب ذلك، ومن ذلك ما صدر عن أهل الكتاب عندما أنزل الله على رسوله العربي القرءان متضمناً الدين الخاتم ومهيمناً على ما كان قبله وناسخاً لبعض أحكام الشرائع السابقة، ولذلك كان ردّ فعلهم الإبليسي الذي أودى بهم وجعلهم ألد أعداء الدين الكامل، وكان أولى لهم أن يكونوا أشد أنصاره أو على الأقل من أنصاره.
وقد يظن بعضهم أن له وحده الحق في كل الفضل الإلهي لأن الله تعالى جاد بشيء منه عليه، ويمد عينيه إلى ما لدى الآخرين ويستغرب ما هم فيه من فضل من نوعٍ آخر، ويتمناه لنفسه، بل ويتمنى أن يُحرَموا هم منه! فمثل هذا ما عرف لربه فضله، وما أدى واجب شكره، وجلب على نفسه شقاء الأبد إن لم يتب.
وقد يظن بعضهم أن له وحده الحق في كل الفضل الإلهي لمجرد أن أسلافه قد ظفروا بشيء منه، والحق هو أن الأمور الكونية تأخذ الشكل الحلقي المتضمن تغذية موجبة، فسمو الصفات الذاتية لكيان إنساني تجتذب إليها آثار ومقتضيات الفضل الإلهي، وهذه الآثار تؤدي إلى تقوية وتعزيز تلك الصفات السامية مما يهيئ الكيان الإنساني لتلقي المزيد من الفضل الإلهي، وما كان عليه الأسلاف من فضل ورقي قد يوفر للإنسان شروطا ابتدائية وحدية أفضل ولكنه لا يجعله بالضرورة أهلا للفضل الإلهي، لابد من سعي جاد ومخلص من الإنسان.
ومن حيث الرمز فهو إشارة إلى فتح يترتب عليه أنوار كاشفة واتصال بما هو نافع يؤدي إلى مزيد من الفتح.
ولقد كان كل كائن من مخلوقاته مسبوقاً لا محالة بالعدم، أي لم يكن في عالمه شيئاً مذكورا، والله سبحانه هو الذي تفضل بإبراز ماهيته وتحقيقها، ومن المعلوم أنه لتحقيق مقاصده الوجودية تتعين في كل حين ماهيات لا تتناهى عددا، فمن اختيرت ماهيته لتتحقق قد فاز فوزاً كبيرا، وذلك هو الفضل العظيم السابق الذي لا يمكن لأي كائن ذاق لذة التحقق أن يحيط به ولا أن يوفي لربه حقه من الشكر له، وذلك هو الذي اقتضى الدين، فكل مخلوق هو مدين لربه من تلك الحيثية، وهو ملزم بأن يعقد العزم على أن يوفي بهذا الدين وأن يقر بفضل الله العظيم وبكل ما ترتب عليه من النعيم.

*******



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق