الأحد، 12 أبريل 2015

سورة الأعراف 175 – 179

سورة الأعراف 175 – 179 

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179)

ثمة أناس لا يعرفون قيمة ما آتاهم الله تعالى من الآيات فيعملون على الانسلاخ منها إذ يعتبرونها عبئا تنوء به كواهلهم، ولقد كان من الممكن أو المحتمل طبقا للقوانين والسنن أن يرتقوا وأن يرتفعوا بها، ولكنهم لشدة انجذابهم إلى الأمور السفلية والدنيوية كالشهوات البهيمية يخلدون إلى الأرض، ومن ينسلخ مما آتاه الله تعالى من الآيات يكون قد مكن الشيطان من نفسه بعد أن كان لا سبيل ولا سلطان له عليه فهو يتبعه ويزداد بذلك ضلالة وغواية، فمثل هذا سيتضخم عنده أمر المتاع الدنيوي القليل ولن يعرف قيمة المتع السامية الراقية ولن يتبع الحق، بل سيتبع هواه وسيزداد كلبه على ملاذ الدنيا وحرصه عليها فتـتردي بذلك نفسه ويزداد ثقلها، وعند حد معلوم يمسخ كيانه الجوهري ويأخذ الصورة الكلبية فينجذب دائما نحو القمامة والنجاسات المعنوية، وتبين الآية كيف أن مصير الإنسان مترتب علي ما يختاره لنفسه، فالإخلاد إلي الأرض واتباع الهوي إنما صدرا عن هذا الإنسان، ولذلك نسبا إليه هما وما ترتب علي صدورهما من نتائج وآثار، واستحق بذلك التقريع والوعيد.
وتبين الآية المقصد من القصص، فهي إنما جعلت لتكون مجالاً لإعمال الملكات القلبية والذهنية وتزكيتها ولكي يستخلص الإنسان العبر منها وكذلك ليتعرف علي السنن الإلهية الحاكمة علي الكيانات البشرية، وهذا يستلزم هاهنا إعمال ملكة الفكر بالتفكر.
ومن كبائر الإثم التكذيب بآيات الله تعالى، وآيات الله تعالى هي علامات تشير إليه؛ أي إلى أسمائه الحسنى، كما تشير إلى سننه الإلهية، فمن يكذب بالآيات سيكفر بالضرورة بما تشير إليه وسيجهل السنن الإلهية، وهو بذلك يظلم نفسه ويضلها عن سبيل الله تعالى ويمنعها من الرقي والتحقق بكمالها المنشود.
وتنص الآية 178 على سنة إلهية كونية؛ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ، فالهدى هدى الله تعالى، فهو المصدر الأوحد لكل كمال ولكل صفة حسنة في الوجود، وما ينص عليه القانون (السنة) لا يتحقق بطريقة عشوائية اعتباطية كما يظن أكثر الناس وهم يشعرون أو لا يشعرون، ولكن الهدى والإضلال يتم وفق نسق من السنن تأخذ في الاعتبار حقائق الوجود، ومنها ما لدى الإنسان من إرادة حرة واختيار وما قدَّم من أفعال وما اكتسبه من صفات، فلابد أن يكون في نفس الإنسان شيء يؤدي إلى اهتدائه أو إلى ضلاله، وهذا ما تبينه الآيات الآتية:
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُم} [محمد:17]، {...وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} [إبراهيم:27]، {...كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَاب} [غافر:34]، {...يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِين} [البقرة:26]
فمن اهتدى سيزيده الله الهدى، وهذه حلقة تغذية خلفية موجبة، فالإنسان الحريص على الهدى الطالب له في كل مظانه سيستجيب له ربه الذي هو أقرب إليه من نفسه فيهديه، فتصدر عن هذا الإنسان أعمال بمقتضى ما لديه من الهدى ومصدقة له، ولكل عمل آثاره بمقتضى السنن، وآثار أعمال هذا الإنسان سيزداد بها هدى.
أما الظالمون والمسرفون والمرتابون والفاسقون فستصدر عنهم أعمال تقوِّي آثارها من صفاتهم السيئة المذكورة فيضلون ويزدادون ضلالا.
والقانون المذكور هو في الوقت ذاته ما يجب استخلاصه من قصة المنسلخ من الآيات، فهو الذي أخلد إلى الأرض واتبع هواه وانسلخ من الآيات، فلم تقتض السنن أن يرتفع بها، فهي تحقق للإنسان ما اختاره وأراده لنفسه وليس عكس ما أراد، فكيف يرتفع من هو مصر على التشبث بالأرض والإخلاد إليها؟
والآية 179 تزيد الأمر وضوحا، فهي تعطي الأسباب التي تجعل بعض الناس من أهل جهنم وكأنهم مخلوقون لها، أولئك لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا، فهم لا يحاولون الانتفاع بما هو لهم من ملكات وحواس ظاهرة أو باطنة مميزة للإنسان، وهم بذلك يصبحون كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ، ذلك لأن الأنعام مفطورة على العمل والسعي لتحقيق مصالحها، أما الناس فلابد لهم من إعمال ملكاتهم لتحقيق ذلك، فأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ عن إدراك حقيقة ظلمهم لأنفسهم وإجرامهم في حقها، وهُمُ الْغَافِلُونَ عما سيحيق بهم من العذاب من جراء ذلك، فهم الموتى في حال حياتهم.


*******

هناك تعليق واحد: