الأحد، 19 أبريل 2015

منظومة سمة الغنى

من الأسماء الإلهية 
منظومة سمة الغنى
الاسم "الغنـــيّ" والمثنى "الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ" والمثنى "الغَنِيّ الحَمِيد" والمثنى "الغَنِيّ الحَلِيم" والمثنى "الغَنِيّ الكَرِيم"

قالَ تعالى:
{وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }العنكبوت6، {قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}يونس68، {هَا أَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }محمد38، {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }آل عمران97، {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }الزمر7.

فالاسم (الْغَنِيُّ) هو بذلك من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.

وقال تعالى:
{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} الأنعام133
فالمثنى (الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ) هو بذلك من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.

وقال تعالى:
{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} الحج64، {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} لقمان26، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }فاطر15
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }البقرة267، {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }الحديد24، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}الممتحنة6، {وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ }إبراهيم8، {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }لقمان12، {ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }التغابن6، {وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً }النساء131.

فالمثنى (الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) هو بذلك من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.

وقال تعالى:
{قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} النمل40.
{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} البقرة263.
وبذلك فإن المثنى الغَنِيّ الحَلِيم والمثنى الغَنِيّ الكَرِيم من الأنساق التالية من الأسماء الحسنى.

من أسماء الله الحسنى "الغنيّ"، فهو المتسم بالغنى الذاتي المطلق، ذلك لأن لذاته الوجود الحقيقي أي الكينونة الذاتية المطلقة، فهو قائم بذاته وليس بحاجة إلى أي مدد خارجي ليبقى أو ليحقق لنفسه أمرا ما، وهو أغني الأغنياء عن الشركاء، وليست به حاجة إلي اتخاذ صاحبة ولا ولد؛ فلا يمكن أن ينفصلَ شيء عن كيانه ولا أن يضاف إليه شيء، ذلك لأن كيانَه لا يتجزأ ولا ينقسم، كذلك فله الحسن الذاتي المطلق وتفاصيله من كمالٍ وتمام واكتفاء، ومن حيث ذلك فكل ما سواه وما لدى كل ما هو سواه هم كالعدم بالنسبة إليه، فكل الكائنات مفتقرة إليه افتقارا ذاتيا مطلقا، لذلك فمن الأدب اللائق بالإنسان الإقرار التام بافتقاره إلى ربه، والتحقق بذلك هو من الكمالات اللازمة للإنسان فكمال الحق المطلق يقتضى أن يفتقر إليه كل ما هو من دونه.
وحرف الغين يشير بذاته إلي غناه الذاتي، والنون يشير إلى أن غناه إنما هو بما لديه وبما هو قريب قرباً ذاتياً منه؛ أي إنه غني بذاته بما لها من الحياة والكمالات المطلقة، والياء المشددة إشارة إلى حياته المطلقة التامة، وإلى أنه الغني بحياته الذاتية التي هي أصل ومصدر كل حياة.
فهو سبحانه الغنيُّ المطلق، ذلك لأن له الوجودَ الذاتي المطلق والكمالَ المطلق الذي لا يمكن أن يتعدد، فهو المنـزَّه بذلك عن أن يكون له ولد، والعلاقة بينه وبين كل من هم دونه من كائنات إنما هي علاقة خالق بخلقه ومالك بملكه، فهو الغني بذاته وبأسمائه وسماته، فهو الغني بما هو له أو ما هو لديه فهو مالك كل شيء، ولا يملك أحدٌ معه شيئا، وإنما هو الذى استخلفهم فيما آتاهم، فهم المفتقرون إليه افتقارا مطلقا، فهم المفتقرون إليه من حيث الوجود ومن حيث الكمالات ، فما من كمال لديهم إلا هو منه، وما يحفظه عليهم إلا إمدادُه، فكل ما هو من دونه لم يكن إلا احتمالاً محضاً وإمكانية صرفة  برز مع مُضىِّ الأمور وسريان السنن، فاختاره هو سبحانه من بين ما لا يتناهى عدده من الاحتمالات لينعم عليه بالوجود وليحقـقه وليخرجه من ظلمات العدم إلى نور الوجود، وإنما هم باقون بإبقائه.
فهو سبحانه الغني لأن له الوجودَ الذاتيَّ المطلق، أما من هم من دونه فهم مفتقرون إليه في كل شيء، ليس لديهم من حيث ذواتهم إلا النقصَ والعدم، فهو ممدُّهم بالوجود وبما يحفظ عليهم أسباب الوجود في كل وقت وحين، فما ظهروا لأنفسهم ولغيرهم إلا بنوره، وما اهتدوا إلا بهديه، فوجودهم إنما هو لكونه قد فلق ظلمات العدم بنوره، وهداهم إنما هو لكونه قد فلق ظلمات ضلالهم أيضاً بنوره، وهم في كل حين بحاجة إلى الاهتداء إلى صراطه المستقيم.
وهو الغنيُّ بعلمه عن علوم الناس، فهو يعلم عن كل نفسٍ ما لا تعلمه عن نفسها، ولكنه يبتلي الناس ليظهر لهم ما علمه منهم وما قدَّره بشأنهم، فتُـقام الحجة عليهم بأفعالهم وأقوالهم أي بما ظهر منهم لا بما قدره عليهم، ولأنه الغني المطلق فهو ليس  بحاجة إلى عبادة العابدين ولا إلى جهاد المجاهدين، فلن ينالَ من غناه كفرُ الناس أو شركهم، ولن يزداد غنىً بصدقاتهم على فقرائهم أو بعباداتهم، وكل أوامره إنما هي لإنقاذهم ولإصلاح أمورهم ولحمايتهم من شرور أنفسهم ومن سيِّـآت أعمالهم، فهو الغني بما هو له من الكمال المطلق، ولن يَخرجَ الكافرُ بكفره أو المشرك بشركه عن ملكه، ولن يستطيع إنسان أن يمنع نفسه أو جسده أو أي شيء حوله من الخضوع  لقوانين الله وسننه.
وهو سبحانه الغني من حيث أن له كلَّ شيء، وبالتالي فلا حاجة به إلي ولد لغناه الذاتي بنفسه وبكمالاته التي لا تـتـناهي وبما لديه من خزائن كل شيء، فالغنى الذاتي هو من مقتضيات أن له البقاءَ المطلق والقوة المطلقة والعزة الغالبة والثبات المطلق على ما هو عليه، فلا يحتاج إلي ولد يري فيه امتداداً زمنياً لنفسه، أو يضمن به البقاء لنوعه، أو يستند إليه في حال هرمه، فهو الغني بأسمائه وبذاته عن كل ما أحوج إليه عباده.

وهو سبحانه الغني الحميد، فهو الغني بما هو له من سمات الكمال المطلق التي هي متعدية بذاتها إلى غيره، أي التي تقتضي وجود كل ما هو من دونه من كائنات ليكونوا مظاهر ومجالات لتلك السمات، فمن كان هو مصدر كل كمال فإنه لا يجوز لأحد أن يجحد فضله ولا أن ينكر سماته.

وهو سبحانه الغني الحليم، فمن كان له الغنى المطلق يظهر غناه هذا في حلمه، فهذا المثنى من المثاني التي تفضي السمة الأولى فيه إلى الثانية، ولذلك فهو يعطي لكل إنسان المجال ليتحقق بكماله المنشود، ولا يبادر بعقابه ولا بمؤاخذته بمجرد اقترافه للمعصية.
وهو سبحانه الغني الكريم، والاقتران بين سمتي الغنى والكرم هو ما يليق بمن له الغنى الذاتي المطلق، ومن كرمه خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً ومنَّ عليه بكل ما يسمح له بالبقاء والتحقق بكماله المنشود.
ولكون الأمر كذلك كان من الأحرى بالإنسان الثري أن يتحقق بالحلم والكرم وكل الصفات التي يستحق بها الثناء من الناس.
 فهذا الاسم يشير إلى سمته التي له بها ما في السماوات وما في الأرض، فما من موجود إلا وكان حقيـقةً اقتضتها أسماؤه سبحانه ثم أظهرها إلى الوجود بأن صاغ من المواد الملائمة ما يعبر عن تلك الحقيقة وما يسمح لها بالبروز لتنعم بالوجود ولتصدر عنها آثار تكشف عنها وتبين ما انطوى فيها، فما لمخلوق من حيث ذاته إلا ما ترتَّب على عدمه الأصلي وهو نقصه، وبالتالي فهو بحاجة مطلقة إلى من له الوجود الذاتي المطلق والذي هو مبدع المواد الملائمة لحقائق الكائنات، وهو أيضا ممد كل كائن بما يلزمه من مواد تكفل له البقاء لأداء ما هو منوط به من مهام وممده أيضا بالكمالات المترتبة على الوجود، لكل هذا كان كل ما هو دونه مفتـقرا إليه افتقاراً مطلقاً، بينما هو ممدُّهم المطلق بكل ما يكفل لهم وجودهم ويحفظ عليهم بقاءهم، ولما كان الأمر كذلك فإنه يريد من الذين آمنوا أن يتأسوا به وأن يتخلقوا بأخلاقه، ولذلك فإنه يأمرهم بالإنفاق من الطيبات ويأمرهم بالقيام بحقوق ماله من تجليات بالأسماء، وجماع كل ذلك هو التقوى، كما يأمرهم بأن يشكروا له ما آتاهم من نعم مادية ومعنوية وأن يكفوا عن الكفر بها.

وغناه الذاتي سبحانه مفصل بكل ما هو له من سمات محكمة تفصيلها هو الغنى المقترن بسمات الرحمة والكرم وسائر سمات الحسن التي يحمد بها ويثنى عليه بها، وكلها سمات ذاتية له واجبة له وبه، فلها الكمال والإطلاق واللاتناهي.
ويلاحظ اقتران سمة الغنى الإلهي بسمات الرحمة والحمد والحلم والكرم، فهذه السمات تشكل منظومة واحدة، وهي تقتضي سننا كونية تربط بين هذه السمات، كما تقتضي على مستوى المخلوقات صفات تتفاعل تفاعلا إيجابيا بحيث يزداد غنى الإنسان الحقيقي بما لديه من سمات الرحمة والحمد والحلم والكرم وبما يظهره من مقتضيات هذه السمات.
وهذا الاسم أيضا يقتضي أن يتحقق الإنسان بالغنى عن كل ما هو غير وسوى؛ فلا يفتقر إليه إلا من حيث أنه يدرك أنه آلة بيد ربه ولأنه يوقر قوانين الله وسننه، والمتحقق بهذا الاسم هو من استغنى بحقائقه الأعلى عن حقائقه الأدنى وبكياناته الباقية عن تلك الفانية ومن استغنى بالأقرب عن الأبعد وبالألطف عن الأكثف، وكل ذلك يعنى أن يستغنى بربه عن غيره.
والإنسان يجب أن يقابل التجليات الإلهية بالأدب اللائق، وهذا هو لبّ العبادة وجوهرها، وهذا ما يلزم لإقامة صلة وثيقة بالله تعالى، فيجب أن يقابل الغنى الإلهي المطلق بإظهار الافتقار المطلق إلى ربه والعيش وفق ذلك واتباع كل ما يرسِّخ ذلك في نفسه، وهو مع ذلك يجب أن يعمل على الاكتفاء بربه عمَّن سواه، وهذا يتضمن أن يسلك كل سبيل يجعله في غنى عن أن يتكفف الناس، فالسعي في طلب الرزق هو من الآداب والسلوكيات التي تقتضيها منظومة أسماء الغنى.


*******



هناك تعليق واحد: