الخميس، 2 أبريل 2015

الركن الثاني عشر


الركن الثاني عشر
إيتـاء الزكاة

إيتـاء الزكاة يتضمن أن يعطي الإنسان الأمة جزءا معلوماً من ثمار عمله ودخله أداءً لحقِّها عليه، كما يتضمن صيانة وتزكية الوصلات والعلاقات المذكورة في ركن إقامة الصلاة ومدَّها بما يحييها ويقويها.
والزكاة تُؤخذ بصفة أساسية من الغنى وتُعطى للمحتاج أو الفقير والمسكين ...الخ، وتعريف كل طائفة منهم منوط بأولى الأمر الحقيقيين وهو يختلف بالضرورة باختلاف العصر والمصر وباضطراد التطور، وإذا لم يكن ثمة أمة إسلامية بالمعنى الحقيقي فليس لأولى الأمر إلا البيان، ويكون كل مسلم ملزماً بإيتاء الزكاة من حيث أنها من أركان الدين، وأولو الأمر هؤلاء هم الصفوة من علماء الاقتصاد والاجتماع والإدارة والأمور المالية، ولا علاقة للمؤسسات الكهنوتية بهذا الأمر.
وتقدير الزكاة الواجبة على كل نوع من أنواع الثروة مما يكسب الإنسان أو مما يخرج من الأرض وكل ما يتعلق بالأنصبة والأوقات هو أيضا منوط بأولى الأمر، وهم بالطبع لابد من أن يراعوا نوعية وقيمة الربح وطبيعة دورة رأس المال وحالة الناس، وعليهم أن يفيدوا من المعارف والعلوم  الاقتصادية الحديثة والنظم الضريبية، فأشبه الأمور الحديثة بإيتاء الزكاة هو نظام ضرائبي عادل، ويجب دائماً مراعاة المقاصد الدينية وتغليب الأمور الجوهرية على الأمور الشكلية، ويجب أن يثق الناس بالسموّ الفائق لربهم وبكماله المطلق، ولا يجوز أبداً أن يسيء الناس الظن بربهم، فلا يجوز أن يظنوه موظفاً بيروقراطيا لا هم له إلا مراقبة الالتزام الحرفي بما ورد في كتب البخاري وشركائه، ومصرف الزكاة الأعظم هو أن تكون في سبيل الله تعالى، فيجب أن يؤدى الإنسان الزكاة بنية التقرب إلى الله تعالى بالإحسان إلى عياله، وفى هذا العصر مثلا فإن أحق الناس بالزكاة هم محدودو الدخل ممن لا مورد لهم إلا رواتبهم أو الشباب الذين يريدون أن يبدؤوا حياتهم، فهؤلاء هم الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، وهم الذين لا يسألون الناس إلحافا وربما لا يسألونهم أبدا، فمن مصارف الزكاة الشرعية أن تيسر لهم سبل العمل وتكوين الأُسر. 
وإيتاء الزكاة هو وسيلة للإنسان لتطهير نفسه من الصفات الذميمة ذات الأثر الخطير علي كيانه مثل الشح والبخل والأثرة وكذلك لإكسابه الصفات الحسنة مثل الجود والكرم والإيثار، كما يتضمنُ هذا الركن صيانةَ وتزكيةَ الوصلات والعلاقات المذكورة في ركن إقامة الصلاة ومدَّها بما يحييها ويصونها ويقويها، وهو من لوازم تحقيق المقصد الأعظم الرابع، وهو ركن يجب أن تعمل علي تنفيذه الأمة المؤمنة أو من ينوب عنها أو يمثلها من أولى الأمر، وفى حالة عدم وجود الأمة فإن للمجتمع الإسلامي أن يبحث عن الآليات الممكنة للقيام به، وهو يختلف عن ركن الإنفاق في أنه أشبه بالنظام الضريبي، وعلى أولى الأمر إلزام الناس به كما أن عليهم تحديد وتعريف كل ما يتعلق به مثل مقادير الزكاة  وأنصبتها ومصارفها، وعليهم ألا يتركوها للأمور العشوائية، ويجب أن يؤدى هذا الركن ليحقق مقاصده طبقاً لطبيعة العصر، فإن قصَّر المجتمع في واجبه هذا فعلي كل فرد أن يجتهد بخصوصه أو أن يسأل من هو علي ثقة من صلاحه وتقواه وعلمه.
*******
إن الزكاة هي حق واجب على المسلم في كل مال وفى كل ما يمكن أن يُقوَّم بمال وذلك للأمة أو للمجتمع أو لأي كيان إنساني على كل فرد فيه، فهي حق للكيان الإنساني الأكبر علي مكوناته من الكيانات الصغرى، ذلك لأن وجود مثل هذا الكيان بكل ما فيه وبكل ما يوفره لمن فيه هو شرط لازم للحصول على هذا المال، فضمان القدر الأدنى من سلامة البنيان الاجتماعي يحتِّم أن يكون للمجتمع حق في مال كل فرد فيه يتناسب مع ما لديه من مال، وعلى أولى الأمر في كل عصر ومصر تحديد النصاب الواجب فيه إخراج الزكاة وعليهم الاستئناس بالنسب التي كانت مفروضة في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وأشبه النظم بكل ما يتعلق بهذا الركن هو النظام الضريبي، وفى حالة وجود الأمة الخيرة فإن إعمال وتنفيذ ركن الزكاة يمكن أن يكون بديلاً شرعيا عنه، وهو بالتأكيد سيكون أعظم عدلاً وأشد فعالية، وتحصيل الزكاة وأداء كل ما يتعلق بها هو فريضة جماعية تؤديها الأمة إعلاناً منها لربها وللعالمين عن هويتها الإسلامية، وهى أيضا من مظاهر ولوازم انتماء الفرد إلى تلك الأمة ويعد الامتناع عن أدائها تمرداً سافرا وخروجا عليها، وعليها أن تتخذ ما يلزم للحافظ على كيانها وبنيانها مثلما تفعل الدولة مع من تمرد وامتنع عن دفع الضرائب المفروضة عليه.
وعلى المستوى الفردي فإن إيتاء الزكاة هو من وسائل التزكي، ذلك لأن الحرص على أدائها بإخلاص يطهر الإنسان من البخل والشح ويجعله يتحلى بالجود والكرم والتعاطف مع الآخرين، هذا بالإضافة إلى ما سيعود عليه من الخير بمساهمته في سد حاجات الفقراء والمساكين وغيرهم فينال ثواب فك رقابهم وإحيائهم ويجنى معهم من ثمار أعمالهم دون أن ينقص ذلك شيئاً من أجورهم، إنه بذلك سيعبد ربه بكيانات لم يعصه بها مطلقاً ولن يعصيه بها أبدا.
فإيتاء الزكاة من وسائل تحقيق مقاصد الدين العظمى فهو أمر لازم لإعداد وبناء الإنسان الصالح المفلح المحسن والأمة المؤمنة الخيرة، ووحدة الأمة المؤمنة هي أمر ثابت ومقرر ولقد جعله الحق سبحانه وصفاً لازما لها مع علمه بما سيؤول إليه حال المسلمين من بعد وكيف سيتفرقون إلى شيع ومذاهب ودويلات كثيرة وذلك حتى تعلم كل تلك الدويلات أنها أعضاء جسد واحد فيساعد الغنى منها الفقير والقوى الضعيف والعالم الجاهل، كما أن تلك الدويلات مسؤولة أيضا عن المسلمين المغتربين أو الأقليات الإسلامية في مختلف الدول.
وعلى أولى الأمر أن يبحثوا عن أفضل السبل لإيصال الزكاة إلى مستحقيها، فليس ثمة ما يحتم أن يأخذها هؤلاء نقداً وعدا، وإنما يمكن أن تنفق لتشغيلهم ولإيجاد موارد رزق أفضل لهم وبناء مصحات لعلاجهم ومدارس لتعليمهم ولتعليم أبنائهم، والزكاة لا تكون فقط فيما ورد في المرويات وإنما تكون من طيبات كل ما يكسب الإنسان ومما أخرج الله له من الأرض، وهذا أمر قابل للاتساع مع الزمان والمكان، ويجب دائماً الالتزام بما نص عليه القرءان الذي يتضمن الرسالة العالمية الصالحة لكل زمان ومكان.
*******
إن إيتاء الزكاة يتضمن العمل على توطيد الصلات والعلاقات بين كافة الكيانات المكونة للأمة، فيجب أن يُضخّ في كل وصلة أو علاقة ما يلزم لاستمرارها وتقويتها، فإذا كانت إقامة الصلاة تعني عمل وصلات وروابط بين الفرد وبين غيره من مكونات الأمة فإن إيتاء الزكاة يعني ضخ ما يلزم لتقوية وصيانة وتنمية هذه الصلات والروابط.
*******
أولو الأمر المنوط بهم تحديد مصاديق كل المصطلحات الشرعية الخاصة بالزكاة هم المتخصصون المؤهلون من رجال الاقتصاد وعلماء الاجتماع المؤمنين الذين هم أدرى بحال الناس في عصرهم ومصرهم، وهم غير المتسلطين على الأمر.
وإيتاء الزكاة لابد له من هيئة متخصصة تقوم به، وأولئك لهم نصيبهم من هذه الزكاة، وهم المشار إليهم بالمصطلح "العاملون عليها".
*******
والزكاة لغة هي‏ البركة والطهارة والنماء والصلاح‏، وذلك أيضا يشير إلى أثرها على نفس المزكي وماله، فإيتاؤها يؤدي إلى تطهير المزكي من الحش والبخل، وهي تزيد في المال الذي أخرجت منه‏‏ وتطهره وتصونه وتقيه الآفات‏، كما أنها تقي الأمة شر تراكم الأحقاد وإحساس الناس بالغربة والظلم. ‏
والزكاة التي يُعدُّ إيتاؤها ركنا ملزما هي‏‏ حصة مقدرة من كل ما يمكن أن يقوَّم بمال فرضها الله تعالى للمستحقين الذين سماهم في كتابه الكريم‏، ويطلق لفظ الزكاة على نفس الحصة المخرجة من المال المزكي، والزكاة قد تسمى في اصطلاح القرءان صدقة أو صدقات كما قال تعالى‏: ‏
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم} [التوبة:103]، {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم} [التوبة:60]
ويصدق ذلك ما رووه عن الرسول من قوله لمعاذ حين أرسله إلى اليمن‏: ‏ (‏أعْلِمْهُم أن اللّه افترض عليهم في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم‏‏‏)‏‏.‏
فالفئات المستحقة للزكاة هم الفقراء ومن لحقت بهم كوارث مفاجئة أو تعرض للإفلاس والمهاجرين لظروف قاسية في بلادهم وحديثي العهد بالإسلام ممن يُخشى عليهم الفتنة ومن أثقلت الديون كواهلهم ... الخ، وكذلك للهيئة المختصة بأمور الزكاة نصيب منها.
وتعريف الفقير يعتمد على ظروف العصر والمصر، فليس الفقير الآن هو الفقير في القرن الماضي، وليس الفقير في الصومال كالفقير في السويد.
*******
إن الزكاة هي حق علي كل كيان مسلم فأداؤها ليس بمنَّة من أحد بل هو ركن ملزم لكل كيان إسلامي، لذلك فعلي كل فرد أن يؤديها إلي أولي أمره المفوضين من الأمة أو إلي الهيئة المنوط بها تحصيل الزكاة كما أن هؤلاء ملزمون بتحصيلها من كل فرد مسلم، ومصارف الزكاة محددة وفقا لآيات الكتاب، وعلي أولي الأمر في كل عصر ومصر تحديد من انطبقت عليه التعريفات والمصطلحات الشرعية الواردة، فالفقير هو من يقل دخله عن حد معين، ويتغير هذا الحد وفقاً لظروف كل عصر ومصر، والمسكين هو من تعرض لظروف طارئة ناء بها كاهله، والمؤلفة قلوبهم هم حديثو العهد بالإسلام ممن لا موارد لهم بسبب اضطهاد أهلهم وممن يخشى ارتدادهم لسببٍ ما وممن يُرجَى للإسلام والمسلمين منهم خير، وفي الرقاب من هو في ضائقة شديدة تفقده حرية التصرف في أمور نفسه وتجعل أمره بيد غيره، بما في ذلك العبودية أو الدين الثقيل....، فالزكاة نظام لتفعيل مبدأ التكافل الاجتماعي ولمبدأ مسئولية الأمة عن كل فرد فيها، وهي لا تهدف إلي تذويب الفوارق بين الطبقات ولا إلي بخس الناس أشياءهم وإنما إلي تزكية نفوسهم وإلي تدعيم الكيان المؤمن وتقوية بنيانه وضمان الأمن والسلامة للأثرياء ولغيرهم وإلي تمكينهم من أداء حق الأمة التي كفلت لهم كل ما يلزم لتكوين وتنمية ثرواتهم، ومن مقاصدها تزكية نفس الإنسان وإعداد الأمة الخيرة الصالحة الفائقة.
ومن المصارف الشرعية الرئيسة لركني إيتاء الزكاة والإنفاق أن يكون في (سبيل الله)، وهذا المصرف يتضمن كل ما يؤدي إلى تحقيق مقصد كلي أو جزئي من مقاصد الدين؛ أي كل ما كان من مقتضيات تحقيق قيمة من قيم المنظومة الرحمانية، وتحصيل الزكاة هو عمل من الأعمال المنوطة بأولي الأمر في الأمة الإسلامية في حال وجودها، فهو عمل من أعمال (السيادة) بالمعني الحديث، وهو بذلك من الموارد الرئيسة للأمة وينبغي الاسترشاد في كل ما يتعلق بالزكاة بالنظم الضريبية الحديثة، أما الإنفاق فهو عبادة مفتوحة كذكر الله لا حد له وفيه فليتنافس المتنافسون، والإنفاق كركن هو ما كان في سبيل الله ومن لوازمه ألا يمسك الإنسان المال ولا يكنزه ومن ذلك أن يجعله دائماً في أماكنه الطبيعية أي في المؤسسات الاقتصادية بالمعني الحديث فلا يجوز كنزه، إلا للضرورة القصوى؛ أي في حالة اضطرار شرعي.
-------
إن الآيات الآتية تبين أهمية ومكانة هذا الركن:
{وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ }البقرة43  * {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ}البقرة83  *  {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }البقرة110  *  {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }البقرة177  *  {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة277  *  {لَّـكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَـئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً}النساء162  *  {وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ }المائدة12  *  {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }المائدة55  *  {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة5  *  {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }التوبة11  *  {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}التوبة18  *  {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }التوبة71  *  {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً }مريم31  *  {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً }مريم55  *  {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ }الأنبياء73  *  {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ }الحج41  *  {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78  *  {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ }المؤمنون4  *  {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ}النور37  *  {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }النور56  *  {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }النمل3  *  {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ }الروم39  *  {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ }لقمان4  *  {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً }الأحزاب33  *  {الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}فصلت7  *  فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المزمل20  *  {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }البينة5.
*******
من مقاصد إيتاء الزكاة تزكية النفس الإنسانية، فهي تقي الإنسان شح نفسه وتطهره من البخل وتكسبه وترسخ فيه صفات الجود والكرم والرأفة والرحمة والعطف على ذوي الحاجات، وهي من الموارد المالية الشرعية للأمة الإسلامية وما يمكن أن ينبثق عنها من هيئات اعتبارية مثل الدولة مثلا، أما على مستوى الأمة فهي توثِّق العلاقات بين أفرادها وتزيد من متانة بنيانها، وهي من مواردها الرئيسة، وكلما اشتد تماسك الأمة وتوحدت مقاصدها كلما تضاعفت الآثار الطيبة لأفعال الخير مثل إيتاء الزكاة مما يقوي من كيانها الأمري ويجعل ما يصدر عنها متضاعف البركات.
*******
إن الله سبحانه وتعالى قد أوجب الزكاة على المسلمين وأوجب إنفاقها في مصارفها المعلومة، فكل من انطبقت عليه تلك الشروط ممن استظل براية الإسلام فإنه يستحقها مهما كانت عقيدته أو مذهبه.
-------
إنه فى حالة وجود الأمة الخيرة المؤمنة فإن الزكاة تصبح من مواردها الأساسية تنفق منها لمساعدة المحتاجين وفك الرقاب وضمان الحد الأدنى من المعيشة للناس أجمعين ولتدعيم السلام الاجتماعي، ويكون إيتاء الزكاة من مظاهر ولوازم إعلان الانتماء إلى الأمة ويكون الامتناع عن أدائها تمرداً سافرا عليها، مثلما يكون الامتناع عن دفع الضرائب تمردا على سلطة الدولة في العصر الحديث، فالزكاة واجب ملزم على مستوى الأمة وواجب ملزم على مستوى الفرد، ففي حالة وجود الأمة فعلى ولى الأمر أن يفوض هيئة لتتولى أمر الزكاة، أما في حالة غياب كيان للأمة فإن كل فرد يصبح مسؤولا عن نفسه وعمن يعول، وفي حالة وجود الدولة العلمانية فيجب أن يكون ثمة مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني تمثل الجماعة المؤمنة وتنوب عنها وتتولي كل ما يتعلق بتلك الفريضة فتحدد التعريفات اللازمة والأنصبة والنسب الواجب تحصيلها والفترات الزمانية الواجب مرورها علي امتلاك الأنصبة وآليات تحصيل الزكاة وإنفاقها وتحديد مصارفها إعمالأً للنصوص القرءانية وأخذاً بها.
أما سهم المؤلفة قلوبهم فهو ثابت لهم إذ ليس لأي إنسان مهما كانت مكانته أن يوقف العمل بنص قرءاني، وإنما يستمد كل إنسان قيمته من قوة تمسكه واعتصامه بكتاب الله العزيز، فينبغي أن ينفق من هذا السهم الآن على المسلمين حديثي العهد بالإسلام في كافة الدول وخاصة في الأقطار الفقيرة التي يخشى عليهم فيها من الفتنة، وكذلك على المسلمين الذين قد تضطرهم الفاقة إلي الخضوع لإغراءات المنصرين وعلى من تعرض لاضطهاد أو فتنة في دينه.
ولقد قدروا نصاب زكاة المال بخمسة وثمانين جراما من الذهب على أساس أن النصاب كان في عهد البعثة عشرين دينارا وأن الدينار الذي ضربه عبد الملك بن مروان كان 4.25 جراما!!!!!!!!، ولكن فاتهم أمر هام وهو مستوى المعيشة في تلك العصور مقارنة بالعصر الحالي، إن هذا النصاب كان يكفى في العصور الإسلامية الأولى ليعتبر مالكه غنيا، كذلك كانت مطالب الحياة متواضعة مقارنة بالعصر الراهن، ومن المعلوم أن كافة الظروف الاجتماعية والاقتصادية قد اختلفت تماما في هذا العصر مقارنة بكل ما سبقه من العصور، والذي افتعل المشكلة هو تحويلهم الوقائع التي واكبت البعثة إلى نصوص وأوامر مطلقة، وكان عليهم أن يستنبطوا السنة من آيات الكتاب العزيز ومما وصل إليهم من الوقائع الموثقة، ولو فعلوا لأدركوا أن الزكاة هي حق في مال الأغنياء للفقراء، أما تحديد أي حد من الحدود الواردة في هذا التعريف فهو منوط بأولى الأمر يحددونه بالنظر إلى ظروف عصرهم، فهم منوط بهم تحديد ما يلي: تعريف الغنى، تعريف الفقير، تحديد ذلك الجزء من المال الفائض على حاجة الغنى ويتضمن ذلك تحديد مدة زمنية لازمة يجب انقضاؤها لاعتبار ذلك المال فائضا، وذلك في حين أن ما يؤدى عند حصاد ناتج الأرض من خضر وفاكهة هو من باب الإنفاق، ويجب أن تتولى هيئة مسؤولة ومنظمة تنظيما جيدا ومسلحة بعلوم الاقتصاد الحديث أمر تحصيل الزكاة وألا تترك للأمور العشوائية ولا لمن يسعى لاستغلال مشاعر الناس الدينية الصادقة، فإن لم يكن ثمة أمة خيرة مؤمنة بالمعنى الاصطلاحي فإنه على المجتمع الإسلامي أن ينتخب هيئة مدنية من علماء الاقتصاد والموظفين لتحصيل الزكاة والقيام بكل ما يلزمها من جمع البيانات وتعريف الغنى والفقير والنصاب، وبالتالي لا محل لتساؤل مثل هل يجوز دفع الزكاة للأخت مثلا ؟ لأنه ليس من مسؤولية الفرد مثل هذا التحديد في وجود هيئة من أولي الأمر الحقيقيين المختصين بكل ما يتعلق بالزكاة، أما إذا لم توجد مثل تلك الهيئة فانه على المرء أن يجتهد استرشاداً بمقاصد الدين العظمى؛ فهو إن كان في حاجة ماسة للمال لرعاية من يعول فإن الإنفاق عليهم أولى من الإنفاق على من لا يعرف ولا تجب عليه زكاة أصلا، فإذا كان لديه مال يمكن أن يتجاوز النصاب بيد أن والديه كانا في حاجة ماسة إلى هذا المال فإن الإحسان إليهما ركن من أركان الدين وهو مقدم على إيتاء الزكاة إذ لا يسبقه إلا إفراد الله تعالى بالعبادة، بمعنى أنه من الخير له أن ينفق المال عليهما بنية الإحسان إليهما والبر بهما وليس بنية أداء ما عليه من الزكاة، فإن النية الأولى موجبة للثواب الأفضل لأنها قضاء لحق أوجب، وذلك الأمر بالنسبة إلى كل أولى رحمه.
وبالمثل فإن الإنفاق على ذوي القربى ممن لا يكون الفرد ملزماً بأن يعولهم هو قيام بأركان دينية وعمل بمقتضى أوامر قرءانية، وهي هنا عمل لمقتضيات الركن التاسع الذي يلزم المسلم بمعاملة كافة الكيانات الإنسانية وخاصة الوالدين وذوي القربى وفق الأوامر الشرعية، وباختصار: صلة الرحم هي من لوازم ركن ديني يتقدم على ركن إيتاء الزكاة.
*******
إن إيتاء الزكاة هو عمل خطير وجاد وهو من وسائل بناء الأمة وتسيير أمورها وإدارة مواردها فلا ينبغي أن يترك للاجتهادات الفردية العشوائية بل لا بد لها من هيئة موحدة مسؤولة لديها الفقه اللازم والبصيرة النافذة والعلم الراسخ والقدرة على عمل الإحصاءات اللازمة والحصول على البيانات الدقيقة، هذا فضلا عن التأهيل في الأمور الاقتصادية والمالية والاجتماعية والإنسانية، وبالطبع هذه المواصفات تستبعد بالضرورة أعضاء المؤسسات الهنوتية المتخلفة.
أما بالنسبة لصدقة الفطـر فلقد كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يريد التيسير على أمته الذين كانت النقود بالنسبة إليهم عزيزة ونادرة إذ لم تكن تضرب عندهم بل كانوا يستوردونها مقابل ما ينتجون من سلع أو مقابل عمليات نقل البضائع بين الشام واليمن، فالدينار كان يأتي من البيزنطيين والدرهم من الفرس، لذلك شرع لهم أن يؤدوها مما هو متيسر لديهم من منتجات بيئتهم كالشعير والتمر، والمقصد الجدير بالاعتبار والمنصوص عليه هو إغناء الفقراء عن السؤال في يوم العيد وليس إحداث ارتباك عام في الأمة طلبا للشعير والتمر، وأمر صدقة الفطر بالذات يوضح كيف يريد البعض صياغة الإسلام كدين للأعراب والبدو وليس كدين عالمي وما ذلك إلا لحرصهم على العادات والمرويات والشكليات، ألم يسأل هؤلاء أنفسهم كيف يمكن أن يؤتي تلك الزكاة أهل الغرب مثلاً؟ لذلك يجب القول بأن مقاصد الدين العظمى هي الأولى بكل اعتبار وليس عادات البدو وما توارثوه من مرويات، إنه إذا كان الإسلام هو الدين العالمي الخاتم فإنه يجب ألا يُقيَّد بعادات وتقاليد وظروف معيشة عرب القرن السابع الميلادي، لذلك فإذا جاز لعرب ذلك العصر أن يخرجوا صدقة الفطر تمراً أو شعيرا وقد كانا يشكلان المنتجات الشائعة أو المحاصيل السائدة فإنه يجوز لأهل كل مصر أن يخرجوا تلك الصدقة مما يناظرهما فيخرجها الأوروبيون قمحاً مثلا، ومراعاة المقاصد الدينية تقتضي أن يتم صرف الزكاة الآن نقودا فذلك أيسر على الطرفين، ولا شك أن التيسير من مقاصد الدين.
إن إيتاء الزكاة في هذا العصر نقودا إنما يمليه ما يلي:
1-                أن المرجع الوحيد في أمور الدين الكبرى وهو القرءان الكريم ترك الأمر بإيتاء الزكاة وما يتعلق بها مطلقا وذلك من مظاهر سمة إلهية هي الإحاطة التامة العلمية.
2-                عالمية الدين وعدم تقيده بالأمور البيئية أو المحلية.
3-                أنه دين مقاصد ولقد نص صراحة على المقصد من الزكاة فمراعاة المقصد أولى من مراعاة الشكل.
4-                أنه دين سنن، والسنن إما أن يكون منصوصا عليها في الكتاب أو يمكن استنباطها منه ومما صحت نسبته إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مع الاسترشاد بمقاصد الدين العظمى ومنظومات قيمه وسننه.
5-                أنه دين ليس فيه من حرج على الناس ولقد أعلن الله سبحانه فيه ذلك بكل صراحة ووضوح.

ولقد قال تعالي: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ(37)} (الحج)، فبيَّن أن الدافع إلي العمل الصالح والحافز عليه والأمر الجوهري الباطني مقدم عنده علي المادة أو الأمور الشكلية،  وقد يقول قائل إنه بلا شك كانت تزرع خضر وفاكهة في المدينة ولم يأمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بإخراج الزكاة منها، فالجواب هو أن السنة هنا لا تعنى أنه لا تجب زكاة في أمثال هذه المحاصيل بل إنها تعنى أن تعيين المحاصيل التي تجب فيها الزكاة هو أمر منوط بولي الأمر، لذلك ربما رأى النبي لسببٍ ما أن يعفى بعض المحاصيل من الزكاة كما تخفف الآن بعض الحكومات الضرائب على منتج معين أو تعفيهم منها تماما تشجيعا لإنتاجه.
*******
إن المسلم مأمور أمراً بينا بالإنفاق في سبيل الله تعالى وأن يؤتى الزكاة لأن في ماله وفي كل ما يمكن أن يحصد حق للسائل والمحروم، وفي ذلك إظهار وإقرار بأن المال لله تعالى حقاً ولبيان أن الإنسان مستخلف فيه ولأن الإنسان يتعلم بذلك ويتذوق لذة الإعطاء والإيجابية فتتزكى بذلك نفسه ويعود عليه ثواب من أحياه بمساعدته وخفف عنه أعباء الحياة، وإيتاء الزكاة من وسائل بناء وإعداد الأمة الخيرة الفائقة ومن وسائل تقويتها وتدعيم بنائها، فالإنسان مطالب بأن يخرج نسبة معينة من كل رزق يأتيه وهو متنوع، والنظام الضريبي المتبصر هو الصورة الأمثل لكل ما يتعلق بأمور الزكاة، لذلك فإن هذا النظام إذا ما وضعه أو عدله أولو الأمر الحقيقيون يمكن أن يكون بمثابة التطبيق العملي والعصري لركن إيتاء الزكاة، أما في حالة عدم وجود الأمة المؤمنة الحقيقية (وهذا هو الحال الآن) فعلى كل مؤمن أن يتدبَّر أمره وفق مقاصد الدين العظمى ومنظومات قيمه وسننه.
*******
إن الزكاة هي حق علي الفرد لأمته في كل مال مكتسب، فلولا وجود الفرد في أمة توفر له من الحقوق ما يسمح له باكتساب المال ما تمكن من اكتسابه، والمال المحصل يجب أن يوجه إلى المصارف الشرعية المعلومة، وتحديد كل ما يتعلق بخصوص الزكاة منوط بأولى الأمر فعليهم أن يحددوا على من يجب الأداء والنسبة المقررة فيما حصله من مال، وكذلك متى يجب أداؤها، وأداؤها واجب بمجرد تحصيل المال، فبالنسبة إلى ما يزرع مثلا فهي تؤدى عند الحصاد من كل ما تنبت الأرض إلا إذا ارتأى أولو الأمر إعفاء محصولٍ ما منها لأسباب مقنعة ومعلومة للجميع مثل تشجيع ودعم هذا النوع من الزراعات مثلا أو لشدة حاجة الأمة إليه مع قلة أرباحه للزارعين، وهى تجب على التاجر عندما يربح في صفقةٍ ما مبلغاً معلوما على أولى الأمر تحديده، وهى تجب أيضا على من يتسلم راتبا دوريا في الجزء الذي يتيقن زيادته عن حاجته من هذا الراتب، فالزكاة هي كالضريبة من كافة الحيثيات وإن اختلفت عنها في أن من يؤديها فإنما يؤديها كواجب ديني أي ابتغاء وجه الله تعالي، وفي حالة وجود الأمة الخيرة التي تستند إلى شريعة الإسلام وتجعل مهامها هي تحقيق مقاصده العظمى فإن إيتاءه للزكاة يكون واجباً عليه أيضا كأمر لازم لتحقيق المقصد الأعظم الخاص بالأمة.
*******
قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } التوبة60.
إنه بمقتضى ذلك فالزكاة هي من الموارد الرئيسة للمال العام الذي يجود به أفراد الأمة لصالح الأمة ككل بل لصالح البشرية جمعاء بل لصالح كل الكائنات الأرضية، فالزكاة عند الأمة الخيرة المؤمنة هي ما يغني عن أو يحل محل الضريبة العامة عند الأمم أو الدول الأخرى، والذي يدل على ذلك هو وجود مصرف (العاملين عليها)؛ فهو للدلالة على أن أمر تحصيل الزكاة منوط بالأمة جمعاء ممثلة في هيئة إدارية حقيقية، فهو عمل من الأعمال السيادية التنفيذية المنوطة بما يعرف بالدولة الآن، والزكاة تؤدَّى إلى أولي أمر الأمة المؤمنة في حال وجودها وسيطرتها على مقدراتها.
ويجب العلم بأن القوة الأساسية الواجب على الأمة إعدادها الآن لإرهاب أعدائها هي القوة الاقتصادية، وتحصيل الزكاة بالمفهوم الحقيقي هو من وسائل إعداد تلك القوة، كما أن الحرص على حسن أداء وتنفيذ هذا الركن يترتب عليه تدعيم وتقوية بنيان الأمة بتقوية الأواصر بين كافة عناصرها، فإيتاء الزكاة وإنفاقها في سبيل الله من مهام وواجبات وسبل إعداد وتقوية الأمة الخيرة الفائقة فهو بذلك من وسائل ولوازم ومظاهر تحقيق المقصد الأعظم الخاص بالأمة، أما على المستوى الفردي فهو من مقتضيات الإيمان ولوازمه وهو من سبل تطهير النفس وتزكيتها بدفع رذيلة الشح عنها وإكسابها فضائل الكرم والجود والإيثار والإيجابية وتذوق لذة العطاء وتخفيف معاناة الناس، فهي بذلك من وسائل تحقيق المقصد الأعظم الخاص بالفرد.
والضريبة هي صورة مشوهة للزكاة، ويمكن إذا ما خلصت النيات وأعلن شعبٌ ما عزمه التام على الالتزام بتعاليم الإسلام أن تكون الزكاة بديلا عن الضرائب فيؤديها الإنسان طوعاً وحباً وليس خوفا ورهبا، وفى تلك الحالة فإن القيام بهذا الركن يشمل جانباً كبيراً مما هو منوط بالسلطة التنفيذية الاقتصادية في الدولة الحديثة، ويكون إنفاق حصيلة أموال الزكاة هو لتوفير الحد الأدنى من الحياة الكريمة على الأقل لكل من انتمى إلى الأمة.
إن نظام تحصيل الزكاة يجب أن يكون منظما ومسئولا كنظام تحصيل الضرائب، وفي وجود الأمة المؤمنة يغني إيتاء الزكاة عن النظام الضريبي.
ويمكن في حالة وجود أغلبية إسلامية (لا يشكلون أمة بالمعنى الشرعي) مع أقليات أخرى أن يعمم نظام الزكاة الإسلامي ويكون بديلاً عن النظام الضريبي وينتفع به الجميع.
*******
إن إيتاء الزكاة يطهر المرء من رذيلة الشح والإمساك والحرص السيئ والبخل ويكسبه فضائل الجود والكرم والإيجابية والإيثار والأريحية ويزيد من قواه فيجنى من ثمار أعمال كل من أحسن إليهم وانتفعوا بعطائه، أما بالنسبة إلى الأمة فهو وسيلة للتضامن والتكافل بين أبنائها وهي تزيد من قوة اقتصاد الأمة وتماسك كيانها فتقوي دعائم السلام الاجتماعي.
*******
إن الزكاة كما بيَّن الكتاب العزيز والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ هي حق للفقراء في المال الفائض عن الحاجة، أما عباد المرويات فلقد عرَّفوا الغنيَّ بأنه من امتلك قدرا معينا من الدنانير (الذهب) أو الدراهم (الفضة) وفقاً لما كان عليه الأمر في العصر الإسلامي الأول وظنوا أن ذلك تحديدا إلهياً لا يتغير، وفي ذلك تحويل للنسبي المقيد إلى المطلق ولاجتهاد اقتضاه عصر ما إلى سنة إلهية لا تبديل لها ولا تحويل، فأتعبوا بذلك الناس وأنفسهم في معرفة وزن الدينار ووزن الدرهم وماذا يكافئ هذا الوزن الآن من النقود وطالبوا كل من امتلك هذا النصاب بدفع الزكاة، وهم إنما اعتمدوا الدينار الذي ضُرب في عهد أحد ملوك بني أمية، ولما فوجئوا بالتفاوت الهائل الذي حدث بين سعري الذهب والفضة اختاروا الأكبر ولم يختاروا الأصغر، وكل هذا ليس إلا اجتهادا منهم.
أما كيفية إعمال هذا الركن المتفقة مع الحق فهي أن يوكل إلى أولي الأمر صياغة التعريف الدقيق لكل من الغني والفقير بحيث يكون تعريفا منطقيا متفقا مع أحوال العصر والمصر ومطالب الشرع، ويجب أن يكون هذا التعريف معروفا للكافة.
والزكاة مفروضة علي كل مظاهر المال والثروة وفقا لطبيعة تلك الثروة ، فلا حاجة إلى البحث الدقيق في الآثار الخاصة بالقرن الأول، ذلك لأنه يجب أن تؤتي زكاة كل لون من ألوان الثروة حين حصاده كما نص الكتاب، وما سنه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو تفعيل لما نص عليه الكتاب، فبخصوص المحاصيل الزراعية فإن الزكاة تجب عند حصاد المحصول، وبالنسبة لتجار يعتمدون على رحلتين كل عام يشكلان دورة واحدة تكون الدورة الزمنية عاما شمسيا، أما بالنسبة لما استحدث في هذا العصر من العمل بأجر شهري فإن إعمال نظام لتحصيل الزكاة يكافئ تفعيل نظام ضريبي عادل يقوم بوضعه أولو الأمر المختصون أي المتمرسون بعلم الاقتصاد الحديث والملمون بمقاصد وقيم وسنن الدين، وذلك هو أفضل سبل الوفاء بهذا الركن، وفي حالة وجود الأمة الخيرة المالكة لمقدراتها لا يجوز أن يحدث ازدواج بين الأمرين أي إنه يجب أن يغني تحصيل الزكاة عن فرض ضرائب علي الدخل، أما في حالة افتقاد وجود تلك الأمة فإنه يجب إيجاد مؤسسة تضم أولي الأمر المختصين بكل ما يتعلق بأمور الزكاة من وضع وتعديل التعاريف اللازمة وتحديد النسب والمقادير والأنصبة وتحديد المصارف الشرعية والتي منها ما يلزم لتمويل تلك المؤسسة وضمان استقلاليتها.
أما في حالة عدم وجود أمة بالمعنى الشرعي أو في حالة وجود جماعة من المسلمين تتعايش مع طوائف شتى في بلد ما حتى ولو كانوا يشكلون أغلبية ولم يكن لهم سلطة تنفيذية فإن المسلمين يكونون ملزمين بإعداد وتكوين هيئة مدنية مرتضاة من أولي الأمر (الاقتصادي بالمفهوم الحديث يالإضافة إلى العلم اللازم بالأمور الدينية) تختص هذه الهيئة بالبت في كل ما يتعلق بأمور الزكاة بحيث تؤخذ منهم وترد عليهم؛ فتكون بمثابة إعادة توزيع للثروة وتحقيق التكافل فيما بينهم، ويكون لأعضاء تلك الهيئة نصيبهم المقرر والمعلوم من هذا المال، ويجب أن يشترك كل المجتمع الإسلامي بشتى طوائفه في عملية اختيار أعضاء هذه الهيئة وألا يفرضها أي مذهب أو جماعة عليهم.
أما في حالة عدم وجود مؤسسة لتحصيل الزكاة فإنه علي كل إنسان أن يؤدي الزكاة حين يتم تحصيل المال أو ما يكافئه إذا كان يفيض بالفعل علي حاجاته الأساسية وعليه أن يجتهد لنفسه وإلا فليسأل غيره.
*******
إن الزكاة كانت علي الذهب والفضة من حيث أن العملة النقدية المتداولة كانت تصنع منهما وليس لعينهما؛ أي من حيث أنهما كانا من صور الثروة المادية، ولذلك تجب الزكاة على كل ما يملكه إنسان من معادن نفيسة وأحجار كريمة وغيرها مما يمكن أن يمثل ثروة أو يترجم إليها، وقد يحدث أن يتفق بعض الناس أو بعض الدول على التوقف عن استعمال النقد والعمل بنظام المقايضة، وفي تلك الحالة يكون المنوط بأولي الأمر تحديد كل مصاديق المصطلحات الشرعية المتعلقة بإيتاء الزكاة.
*******
إن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قد حدد بعض أصناف المحاصيل التي تجب فيها الزكاة بالنظر إلي أحوال قومه وموارد رزقهم، فسنته ليست في قصر الزكاة علي ما كان يزرع في جزيرة العرب في القرن السابع الميلادي وإلا لكان الإسلام ديناً عربيا محليا، ولكن سنته هي أن لأولي الأمر تحديد الأصناف التي تجب فيها الزكاة في كل عصر ومصر بما يتوافق ويتسق مع الإطار العام لدين الحق ومنظومات أركانه وقيمه وسننه، فلم يكن من المطلوب النص على كل أنواع ومظاهر الثروة التي يمكن أن تستجد، وعلى سبيل المثال لم يكن من المنطقي النص على أسماء  محاصيل لم يكن للعرب خبرة بها، فهذا أمر لا جدوى منه ولا حاجة إليه، ولقد اكتفي الكتاب بالأمر بإيتاء الزكاة وبأنها حق للسائل والمحروم، لذلك فعلي أولي الأمر في كل عصر تشريع وسن كل ما يلزم ليحقق إيتاء الزكاة مقاصده وتصل إلي المحرومين حقوقهم، وقد يزعمون أن الأمر بإيتاء الزكاة هو كالأمر بإقامة الصلاة لابد للمرويات من أن تحدده وأن تقيده، والحق هو أن تفاصيل وكيفيات إقامة الصلاة كانت معروفة للعرب من بقايا وآثار ملة إبراهيم عليه السلام كما أنها وردت متناثرة في القرءان وفقاً لما هو معلوم من النهج والأسلوب القرءاني، أما الأمر بإيتاء الزكاة فلم يقيد إلا بخصوص المصارف، أما الأمر بالإنفاق في سبيل الله تعالى فقد بقي على إجماله وإطلاقه.
والحق هو أن موقف الصياغة القرشية الشكلية من أمر الزكاة هو من أدل المواقف على اختزالهم الدين والقضاء على وجهه العالمي وتحويله إلى مجموعة من القواعد البيروقراطية والشكلية وكتالوجا لبيان التصرفات اليومية وكيفية استعمال الأعضاء البشرية.
*******
إن إيتاء الزكاة وهو ركن يجب أن تتعهده وتضمن القيام به الأمة المؤمنة أو من ينوب عنها أو يمثلها من أولى الأمر، وفى حالة عدم وجود الأمة فإن للمجتمع الإسلامي أن يبحث عن الآليات الممكنة للقيام بها، وهى تختلف عن الإنفاق في أنها أشبه بالنظام الضريبي، وعلى أولى الأمر إلزام الناس بها كما أن عليهم تحديد وتعريف كل ما يتعلق بها مثل مقاديرها وأنصبتها ومصارفها، وعليهم ألا يتركوها للأمور العشوائية، فإن قصَّر المجتمع في واجبه هذا فعلي كل فرد أن يجتهد بخصوصها، أما الإنفاق فهو ركن كذكر الله تعالى منوط بكل فرد على حدة ومفوض أمره إلى اختيار هذا الفرد.
*******
إن إيتاء الزكاة، وهو وسيلة الإنسان لتطهير نفسه من الصفات الذميمة ذات الأثر الخطير علي كيان الإنسان مثل الشح والبخل والأثرة وكذلك لإكسابه الصفات الحسنة مثل الجود والكرم والإيثار، وهو من لوازم تحقيق المقصد الأعظم الخاص بالفرد وكذلك المقصد الأعظم الخاص بالأمة؛ أي إعداد الأمة الخيرة الفائقة، فهو من مواردها اللازمة لتدبير ما يلزمها من أموال، وهو ركن يجب أن تعمل علي تنفيذه الأمة المؤمنة أو من ينوب عنها أو يمثلها من أولى الأمر، وفى حالة عدم وجود الأمة بالمعنى الشرعي فإن للمجتمع الإسلامي أن يبحث عن الآليات الممكنة للقيام به، وهى تختلف عن الإنفاق في أنها أشبه بالنظام الضريبي، وعلى أولى الأمر إلزام الناس بها كما أن عليهم تحديد وتعريف كل ما يتعلق بها مثل مقاديرها وأنصبتها ومصارفها، وعليهم ألا يتركوها للأمور العشوائية، ويجب أن يؤدَّى هذا الركن ليحقق مقاصده طبقاً لطبيعة العصر، فالأمر الأهم هو التحقيق الفعال الأمثل للمقاصد القرءانية وليس المحاكاة الدقيقة لما ورد في كتب المرويات الظنية، فإن قصَّر المجتمع في واجبه هذا فعلي كل فرد أن يجتهد بخصوصه أو أن يسأل من هو علي ثقة من صلاحه وتقواه وعلمه، أما الإنفاق فهو ركن كذكر الله تعالى منوط بكل فرد على حدة.
*******
إن القرءان أمر بإيتاء الزكاة وذكر طوائف الناس الذين يستحقونها ولكنه فيما عدا ذلك ترك كل ما يتعلق بها مجملا، وهذا يعني أنه فوَّضه إلي أولي أمر الأمة المؤمنة، وهؤلاء ملزمون بالاستئناس بما نُسِب إلي الرسول إجمالاً، ولكنهم أيضاً ملزمون بمراعاة أحوال كل عصر ومصر بما يحقق مقاصد هذا الركن التحقيق الأمثل، فلا يجوز اختزال هذا الركن إلي جوانب شكلية أو أمور طقوسية، والذين يجعلون الاعتبار كله للجوانب الشكلية إنما يظهرون ما انطوت عليه أنفسهم من تصورات خاطئة عن رب العالمين وظن سيئ به؛ فهم يظنونه موظفا بيروقراطياً لا يعنيه ولا يهمه إلا سلامة الإجراءات الشكلية الروتينية، وهم يظنونه بذلك رباً إسرائيليا تلموديا، ولا يجوز مطلقاً الأخذ بالحيل هاهنا أو في أي أمر ديني آخر.
*******
إن إيتاء الزكاة هو من أمور الدين القيم الذي أُلزمت به كافة الأمم، فهو من أركان دين الفطرة، وهو لذلك أيضاً مما يمكن أن تختلف الشرائع في أموره التفصيلية بتغير العصور والأحوال، وإيتاء الزكاة هو ركن آخر غير ركن الإنفاق في سبيل الله والمعبر عنه أحياناً بإقراض الله قرضاً حسناً للدلالة علي وجوبه والتأكيد عليه وبيان أهميته، وإيتاء الزكاة هو أيضاً من أركان الإسلام الظاهري، أي هي مما يعلن به الإنسان من الناحية الظاهرية على الأقل انتماءه للأمة المؤمنة وولاءه لها، ولكنها لا تقبل إلا ممن كان مسلماً بالمعني الحقيقي أي كان من المؤمنين بدين الحق الملتزمين به قلباً وقالباً.
وإيتاء الزكاة هو من وسائل تنمية الصلات الشرعية بين مكونات الأمة وإمدادها بما يؤدي إلى إحيائها وصيانتها ودعمها وتقويتها، وبذلك يتم تقوية بنيانها وزيادة صبرها، والصبر مع الإيمان والفقه (الحقيقي) هي الأمور اللازمة للأمة التي تستطيع أن تهزم من يفوقونها في العدد والعدة عشر مرات.
*******
إنه لا يحق لعمر بن الخطاب ولا لغيره إبطال حكم شرعي ديني، فسهم المؤلفة قلوبهم باقٍ إلي قيام الساعة وعلي المسلمين الآن أن ينفقوا منه علي حديثي العهد بالإسلام في الدول المختلفة وعلي المسلمين الذين يُخشى عليهم الفتنة أو الردة عن دينهم … إلخ، وما قام به الفاروق – وقد كان محقا فيه – هو أنه طرد بعض من أرادوا استمرار التكسب من هذا السهم بعد أن زالت عنهم الصفة التي تجعلهم يستحقونه، ولقد بيَّـن بفعله هذا أن تعريف المؤلفة قلوبهم هو من اختصاص أولي الأمر، ولكن عبيد الأسلاف الذين جعلوه رسولا مع الرسول وشريكا له في رسالته بل ومصححا رسمياً له ونبيا احتياطيا قد نسخوا بتفسيرهم الخاطئ لفعله آية القرءان كما أصبحت صلاة (التراويح) التي أحدثها من أقدس ما يحرص عليه المسلم الذي ربما لا يقيم وزنا لأكثر أركان الدين الحقيقية.
*******
إن موقف الإنسان من المال يوضح الاتساق بين المقاصد والأركان، والإنسان في الإسلام لا يملك المال وإنما هو مستخلف فيه بمعني أن له حق الانتفاع به، والحفاظ علي ملكية الإنسان النسبية للمال هو حق له للحفاظ علي حقوقه وكرامته وحقوق أبنائه، ولكن ليس له أن يتخذ من جمع المال وكنزه مقصدا، ولقد جعل الله من أركان الإسلام إيتاء الزكاة، وهذا يعني أن كل مسلم انطبق عليه تعريف الغني ملزم بإعطاء نسبة محددة من المال أو من دخله بلغة العصر لجماعته المؤمنة ممثلة في أولي أمرها وذلك وفقا لأسس معلومة ومحددة من قبل أولي الأمر المتخصصين.
*******
إن إيتاء الزكاة واجب علي المسلم الذي لديه ما يفوق نصاباً أو حداً معيناُ مما يمكن أن يقوَّم بمال، والحد يجب أن يقرره أولو الأمر في كل عصر ومصر طبقاً للظروف والأحوال ودرجة التقدم وأنواع الموارد ومصادر الدخل السائدة عندها، والنسبة المؤداة من كل نوع أو صنف تجب فيه الزكاة يجب أيضاً أن يحددها أولو الأمر استرشاداً بما صحت نسبته إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بحيث تتحقق مقاصد الدين على أفضل وجه ممكن.
*******
إنه يجب أن يؤدي من ينطبق عليه تعريف الغني زكاة عن كل نوع من أنواع ثروته النامية إذا ما بلغت نصاباً معلوماً، والزكاة تؤدى دوريا،ً وتعتمد الدورة الزمنية علي نوع الثروة، فإذا كانت الثروة محصولاً زراعياً مثلا فوقت أداء الزكاة هو وقت الحصاد، وتحديد كل ما ورد هاهنا هو مسئولية أولي الأمر في كل عصر ومصر، فهم المنوط بهم تعريف ما يلي: الغني-الفقير الذي يستحق الزكاة-المسكين، وبالنسبة إلي كل نوع من الثروة يجب عليهم تحديد النصاب ونسبة الزكاة والدورة الزمنية اللازمة.
*******
إن إيتاء الزكاة هو عمل جاد وخطير، وهو حق للأمة على كل فرد ينتمي إليها لقاء ما توفره له من الحماية والرعاية والأمن وسائل الكسب، وهو من وسائل الحفاظ على كيان الأمة بالقضاء على أسباب النقمة والفتنة وبدعم وترسيخ أسس ووسائل التكافل والتراحم والمعاونة والترابط.
وفي الحقيقة إن النظم الأخرى تحاول بتطبيق النظم الضريبية الاقتراب من نظام إيتاء الزكاة الإسلامي، والإسلام يتفوق عليها بجعله نظام تحقيق القسط والعدل والتكافل في الأمور الاقتصادية وسيلة من وسائل التعبد لله تعالى وليس وسيلة تسلط وقهر.
*******
إن أولي الأمر الحقيقيين المتمرسين هم المنوط بهم تحديد كل ما يختص بإيتاء الزكاة، ومن ذلك:
1-    تعريف الغني والفقير وتعريف كل فئة من الفئات التي تستحق الزكاة، ومنها المؤسسة التي تقوم بالتحصيل.
2-    تعريف الأنصبة في كل مصدر من مصادر الدخل.
3-    تحديد النسبة الواجب أداؤها من كل دخل.
4-    تحديد الفترات (الدورات الزمنية) والأوقات التي يجب بعدها أو عندها تحصيل الزكاة.
*******
القلوب تحب من أحسن إليها، ومن أفعل وسائل الإحسان تقديم المال، فهذا يعني إنفاق المال في كل ما يؤدي إلى تأليف قلوب الناس، وإذا كان هناك من يعاديك بضراوة ففوجئ بك تحسن إليه وتسدد عنه دينا مثلا فإنه بالتأكيد –إذا كان فيه بقية من إنسانية- سيثمن ويقدِّر موقفك.
وفي العصر النبوي كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يعلم أن سادة قريش الذين فقدوا نفوذهم ومصادر رزقهم ووجاهتهم وقُتل بعض أقاربهم يضمرون في قلوبهم غلا رهيبا للإسلام والمسلمين، فالإحسان إليهم كان مظنة التخفيف من وطأة هذا الغل، فليس في الأمر أي نوع من الرشاوي، وقد كان من الممكن قتلهم أو نفيهم تماما من البلاد جزاءً وفاقاً لجرائمهم السابقة ضد الإسلام والمسلمين.
وهؤلاء، كان الرسول يزيدهم في العطاء ويحسن إليهم استنادا إلى الآية، ولكن لما تبيَّن من بعد أن بعضهم كأبي سفيان جعلها وسيلة للتربح طرده عمر بن الخطاب، وقد أساء البعض فقه تصرف عمر واعتبروا أنه عطل حكما قرءانيا وأشاد بتصرفه أعداء الشريعة، والنتيجة أنه تم تعطيل هذا الحكم استنادا إلى تصرفه.
والحق هو أن عمر بن الخطاب رأى أن تعريف "المؤلفة قلوبهم" لم يعد ينطبق على (الصحابي الجليل) أبي سفيان وغيره من (الصحابة الأجلاء) الذين لم يخجلوا من أنفسهم ولم يتورعوا عن مزاحمة فقراء المسلمين في رزقهم فطرده شر طرده!! (ليوقع عبيد الصحابة من بعد في حيص بيص!!)
وعمر بن الخطاب لا يملك تعطيل حكم قرءاني، فما زال ذلك المصرف الشرعي قائما، ويمكنك أن تنفق من زكاة مالك لتأليف قلوب الناس، ومن ذلك الإحسان باسم الإسلام إلى المنكوبين.
ولو كان هناك أمة إسلامية حقيقية لاستعملت هذا الحكم لتمويل صندوق باسم الإسلام لنجدة كل بلد أصابته كارثة أو لمساعدة البلدان الفقيرة ومحدودة الموارد، وأنواع المساعدات لا حصر لها.
ويمكن من هذا السهم أيضا تمويل الأبحاث الطبية لمعالجة ما يستجد من أمراض وبناء المستشفيات والمدارس وكافة أوجه النشاط الإنساني باسم الإسلام، وبذلك نتألف قلوب الناس له ونحببهم فيه!

*******



هناك تعليقان (2):