الجمعة، 10 أبريل 2015

سورة الأعراف 172

سورة الأعراف 172


وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ *

إنه لدى ظهور النفس عن النفخ من الروح الأمري في الجنين تؤخذ الأخذ الملائم وتقر بربوبية خالقها وتشهد على ذلك، وذلك الأخذ بالنسبة إليه سبحانه منزه عن الزمان لإحاطته به، ولكن لضيق عالم الشهادة فإن هذا الأخذ يتم تفصيله، ولكن يقتضى تفصيله عمر هذا الكون، فلحظة الأخذ تظهر في كل عالم وفق مقتضيات هذا العالم والقوانين والسنن الحاكمة عليه، لذلك فلحظة الأخذ الواحدة بالنسبة إليه مسترسلة معهم في كل زمان ومكان، وذلك يتحقق بالنسبة لكل أمر وليس لأخذ النفوس فقط.
---------------
إن الرب سبحانه يأخذ من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم ليشهدهم على أنفسهم، فذلك الأخذ هو أمر منتسب إليه سبحانه، فهو أخذ كلى محكم منزه عن أحكام الزمان والمكان، وهو مفصل بكل أخذ لنفس لدى ظهورها أي لدى انتقالها من أمر مقدر باطن إلى كيان متحقق ظاهر، فلأن الأخذ يجل عن الزمان فهو متحقق في كل زمان ومكان ما دام هناك نوع الإنسان، فالإقرار بربوبية الخالق من لوازم الدين القيم الذي أودع في فطرة النفس، وذلك يعني أنها قد برمجت لتعمل وفق مقتضياته، ولكن نظراً لطبيعة الإنسان المفتوحة وشديدة التأثر بكل ما حولها وكذلك لتعقيدها الشديد فإنها قد تعمل ضد ما أودع في فطرتها كما هو معلوم، فقد يمتنع الإنسان مثلاً عن الطعام عاملا ضد غريزة حب البقاء بل قد يقتل نفسه، ولا يعنى أخذ العهد على النفس أنه كان لها وجود قبل وجودها كما يظن البعض فهذا خلف، فأخذ العهد يتم بمجرد ظهور النفس وتحققها إذ لا يمكن برمجة نفسٍ ما إلا بعد تحقق كيانها وظهوره، كما أن الإيمان بعقيدةٍ ما ليس بصفة أصلية يمكن أن تدخل في تأليف ماهية الإنسان، ذلك لأن الماهية هي أمر واحد يمكن أن يُفصَّل إلي صفات، وإنما يمكن أن تكتسبه نفس ذات إرادة واختيار بعد ظهورها وتحققها، بيد أن الشهادة أو الإقرار المودع في فطرة النفس هو الذي يدفع الإنسان للبحث عن ربه، وهو أصل الدين الطبيعي والميزان الذي يعرف به طبيعة الفعل في غياب الشرائع.
فالعبارة {وإذ أخذ ربك} إشارة إلى أمر محكم مجمل يفصَّل بكل ظهور لإنسان أو بانتقال نفسه من أمر باطن مقدر إلى أمر ظاهر متحقق، وقد يطلع بعض الخاصة من عباد الله تعالي على هذا الأمر مجرداً عن إطاره الزمكاني، وعندها سيري النفوس معروضة على ربها صفا ويري إشهادهم كأمر كلي واحد، فخلقهم وإشهادهم وبعثهم هو بالأحرى عند ربهم كنفس واحدة.
فالمقصود بـ"بني آدم" ذلك النوع الإنساني كله، فالأخذ يتم بالنسبة لهم جميعا، ولانتسابه إلى الله تعالى فهو أخذ منزه عن الزمان والمكان، فهو مستمر طالما بقي كان هناك فرد من نوع الإنسان، وطالما ظهر منه أي فرد جديد.
ولا يجوز تصو أن ذلك كله قد حدث في لحظة زمنية محددة قبل وجود هذا العالم، بل هو منسحب ومسترسل مع الزمان، ولا يجوز تقييد الله تعالى بالأمور الزمنية.
والأخذ يحدث لدى ظهور ما يمكن أن يُطلق عليه إنسان؛ أي بعد تكون النفس الإنسانية بالنفخ من الروح في الجنين، والأخذ لا يعني حمل النفس إلى مكان ما، وإنما يتم حيث هي متعينة في عالمها، فلله تعالى الإحاطة التامة بالمكان، وكل الأماكن عنده سواء، وكل النفوس شاءت أم أبت حاضرة عنده، وهو أقرب إلى كل إنسانٍ من نفسه.
والأخذ يتم بمجرد الظهور، أي بانتقال النفس من بطون إلى ظهور، فالنفس قبل ظهورها كانت مجرد معلومة مقدرة من معلومات الله، والظهور يعني تحقق المعلومة المقدرة.
والإشهاد يترتب عليه إقرار النفس الفطري بالربوبية لخالقها، ولذلك فإنها بمجرد أن ظهرت في عالم الشهادة تبحث عمن تتخذه ربا تلوذ به وتحتمي به وتجد عنه رزقها وأمنها.
وإيداع الإقرار بالربوبية في أصل الفطرة لا يعني بالضرورة أن الإنسان مبرمج على الإيمان بربه، ولكنه يعني أن الإقرار لله بالربوبية هو الذي يشبع الفطرة السوية ويؤدي إلى سلامة النفس التي هي الكيان الجوهري وتنميتها وتزكيتها.
وغير صحيح أن الإنسان كان موجودا قبل وجوده وأن كل البشر اصطفوا أمام ربهم في مكانٍ ما وأُخِذ عليهم الإقرار بالربوبية، وفي ذلك تقييد للإله بالزمن وإلزام له بأن يخلق كل شيء في لحظة واحدة قبل وجود الزمان، وفي ذلك أيضا تعطيل للفعل الإلهي، والحق أن أخذ الإقرار بالربوبية على كل نفس يتم بمجرد تعينها وظهورها كما سبقت الإشارة إليه.
ولقد جاءت آيات عديدة في القرءان تحث الإنسان على التذكر، والتذكر هو محاولة معرفة أمر مضى والتنقيب عنه في أغوار النفس واستحضاره.

*******



هناك تعليق واحد: