الجمعة، 21 أكتوبر 2016

نقاط لصالح الاعتداد بالمرويات

نقاط لصالح الاعتداد بالمرويات
 
إن الإسلامُ لم يبدأْ من الصفر في العصر النبوي؛ ذلك ظن الذين كفروا، ولكن الرسالة المحمدية كانت تتويجا لرسالات الأنبياء السابقين التي تتضمن أوامر بالإيمان بالله وحده وبإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصيام والركوع والسجود والتوبة والتقوى والاستغفار والشكر لله....الخ، فالمسلم ملزم بالإيمان بكتب الله ورسله الذين أتوا قبل ختم النبوة، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان مأمورا في القرءان باتباع ملة ابيه إبراهيم عليه السلام، وكيفيات أداء بعض العبادات كالصلاة والحج ترجع إلى هذه الملة، وقد تم إجراء بعض التعديلات فيها بالرسالة المحمدية.
ولقد انتقلت العباداتُ العملية بالتواتر العملي المجتمعي الجماهيري، فلقد أدَّاها مع الرسول عشرات الألوف نقلوها إلى مئات الألوف، نقلوها إلى ملايين، ودونها أئمة "الفقه" قبل أن يولد جامعو الآثار والمرويات، ولم يكن للمتسلطين أية مصلحة في المخاطرة بتحريف كيفيات الصلاة ولم يرو التاريخ أن أيهم حاول ذلك إلا ما كان من فعل بعض مجرمي الأمويين، وقد تصدَّت الأمة لهم في حينه، بل كان للمتسلطين مصلحةٌ مؤكدة في حمل الناس على الغلو في أمر العبادات العملية وتوثينها وحث الناس على تفريعها والتفنن في تفصيل حركاتها، وكانوا يقولون عندما يسمعون عن أحد الصالحين أنه انشغل بأمور العبادات التقليدية: "نِعم ما شغل به نفسه"، أما القرءان فقد تضمن علوما وأوامر جديدة بخصوص العبادات، ولقد وردت بعض التفاصيل الإضافية في المرويات مثل صيغ التسبيح، وهي تنفيذ مباشر لأوامر قرءانية، ولا يوجد مبرر للإعراض عنها.
فثمة أمر قرءاني موجه إلى الرسول والمؤمنين باتباع ملة إبراهيم، وكان الرسول يعمل بمقتضى ذلك، وأعماله وأقواله كانت مبينة لهذه الملة، وتفصيلها لم يرد في القرءان بحكم أنها كانت معلومة لهم، وهو بالتأكيد الذي طهرها مما لحق بها بهديٍ من ربه.
ولقد منع الرسول كتابة أي شيء عنه غير القرءان في عصره، ولكنه لم يمنع التداول الشفهي لأقواله والتحديث بها، بل أمر بذلك، فمنعه الكتابة كان له أسبابه المعلومة، وعلى رأسها وجود حزب قوي من المنافقين غير المعلومين، وأمره بالتحديث عنه كذلك "حدثوا عني ولا حرج" يعني أنه كان يريد لبعض أقواله أن تُحفظ بالطريقة المعهودة عند العرب، فهو لم يأمر أحدا بلزوم الصمت المطبق عن فترة العصر النبوي، وبالتأكيد كان الرسول يعمل ويتحدث بمقتضى الذكر الذي أنزله الله تعالى عليه ليبين للناس ما نُزِّل إليهم.
ولابد من معرفة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان منوطًا به مهام عديدة بالنسبة لقومه، وهي ثابتة بنصوص آيات القرءان الكريم، فهو كان يعلِّم قومه ويزكيهم ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ويبشر وينذر ويدعو إلى الله ويحكم بينهم ويبين لهم ما غمض عليهم، وقد كان منوطا به أن يحقق فيهم وبهم المقصد الدين الأعظم الخاص بالأمة بأن يجعل منهم الأمة الخيرة الفائقة، وقد كان بلا ريب وليّ أمر هذه الأمة، وقد كان بالفعل يتولى كافة أمورهم، فلابد أنه فعل أفعالا وقال أقوالا بمقتضى كل ذلك، وكان كل ذلك لازمًا له ليتحقق بكماله المنشود وليبلغ درجته الرفيعة.
وقد كان يعلمهم القولَ القرءاني في كل مسألة باعتبار أنه الأعلم بما نزل منه وأنه أعلمُ الخلق به وبمنهجه في إيراد الحقائق، فالقرءانُ بالفعل مبين ومبيِّن وتبيانٌ لكل شيء لمن كان على درجة عالية من العلم والرقي الذهني والوجداني، وكان الأرقى في كل ذلك هو الرسول، هذا فضلا عن أن حفظة كل ما أُنزل من القرءان كانوا دائما قليلين، لكل ذلك لابد أن الرسول كان يبيِّن لهم القرءان بالقرءان ويوضح لهم ما غمض عليهم، قال تعالى:
{..... وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} [النحل:44].
فهو الذي كان يبين لهم القرءان بالقرءان، وكان من مهامه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أن يعلمهم الحكمة الماثلة في الكتاب إما بتبيين آياته وإما بشرحها لهم بأقواله وإما بتجسيدها لهم بسلوكه العملي، قال تعالى:
{.....ٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء:113]، {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُون} [البقرة:151] {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين} [آل عمران:164]، {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِين} [الجمعة:2]، {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم}[البقرة:231].
لذلك فإن ما هو منسوب إلى الرسول يجب أن يتضمن حكمة، وأن يتسق مع الحكمة الماثلة في القرءان، ولا يجوز عكس الأمور، بمعنى أنه لا يجوز القول بأن كل ما نسبه الناس إلى الرسول هو الحكمة، ولكن يجب أن يكون من معايير تمحيص الآثار المنسوبة إلى الرسول والتأكد من مصداقيتها النظر في مدى اتساقها مع الحكمة القرءانية.
فلقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ يعلمهم الحكمة الماثلة في القرءان بطريقة صحيحة أو بطريقة ضمنية، وكان يجسدها لهم بأقواله وأفعاله، ولا ريب أنهم حدثوا الناس عما رأوه أو سمعوه منه.
ولما كان من سمات الرسالة الخاتمة العالمية والشمول والصلاحية لكل زمان ومكان فإنه توجد أوامر قرءانية هي بالأصالة ذات طبيعة مفتوحة، فلم يتم لذلك النص على كل عناصر مجالاتها ومصاديقها وهي أنواع، فمنها ما هو قابل للاجتهاد والإبداع والتنوع، ومنها الأوامر بذكر الله والتسبيح له، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} الأحزاب، وقال: {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا (26)} الإنسان، {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8)} المزمل، سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الْأَعْلَى، فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52} الْحَاقَّةُ.
ولقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ باعتباره أول المسلمين وأول العابدين أول عاملٍ بهذه الأوامر الإلهية، لذلك صدرت عنه صيغ لذكر الله والتسبيح قياما بهذه الأوامر، وهي تحاكي ما هو في القرءان وتستلهم منه، وبعضها مجرد تكرار لما هو فيه، وقد نقلها الناس عنه، ومنها مثلا صيغ التسبيح في الركوع والسجود، وهي مجرد التزام بالأوامر القرءانية، لذلك فلا يوجد أي مبرر للإعراض عنها، ومن يأخذ بها يكون منفذا للأمر بالذكر، ومنفذا للأمر بطاعة الرسول ومنفذا للأمر بالتأسِّي به، قال تعالى:
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)} النور، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)} الْأَحْزَاب.
ويلاحظ أنه يوجد نص صريح على أن للناس فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ، وهناك أوامر قرءانية تتنوع وتتسع وتتطور مصاديقها بمضي الزمن واطراد التقدم، وذلك بمعنى أنه تستجد أمور يمكن أن تكون من مجالاتها، ومنها العمل الصالح، ولقد بيَّنه الرسول لقومه بسلوكه، ويجب على المسلمين التأسي بجوهره ولبه، وهناك أوامر تتضمن مصطلحات قرءانية تتنوع وتتسع وتتطور مصاديقها بمضي الزمن واطراد التقدم، وذلك بمعنى أنه تستجد أمور يمكن أن ينطبق المصطلح عليها، ومن ذلك المصطلحات: فقير، مسكين، الفاحشة، الخمر، .... الخ، ولقد بيَّن الرسول لقومه في عصرهم معناه.    
لكل ذلك فلا يمكن أبدًا أن يكون كلُّ هذا التراث باطلا بطلانا مطلقا، وهذا هو السند القرءاني المنطقي الذي يبرر النظر في المرويات واعتبارها.
ومن الناحية المنطقية فمن المستحيل بالطبع أن يكون الرسول قد التزم بالصمت المطبق وكفَّ تماما عن العمل وهو يدعو الناس إلى الإسلام، ومن المستحيل أيضًا أن يكون الناس قد أجمعوا على محو كل آثار العصر النبوي.
إنه لكل ذلك لا يجوز المبادرة برفض مرويةٍ منسوبةٍ إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ رفضا مطلقا دون تقديم أسباب قوية كتعارضٍ لا يمكن دفعُه مع أصلٍ قرءاني ثابت أو مع أي عنصر من عناصر دين الحق المستخلص منه.
ويجب التمييزُ بين المرويات المتعلقة بأمور دينية وبين المرويات المتعلقة بمحض وقائع تاريخية، فهذه يكون الحكم عليها لعلماء التاريخ المتخصصين، أما المروية الدينية فترتب على الناس التزامات دينية، فيجب الرجوع في أمرها إلى ما هو أعلى منها وهو القرءان الكريم.
ولا يجوز التمييز في أمر المرويات بين ما يسمونه بالعلم وبين ما يسمونه بالعمل، هذا من الاستهزاء والسخرية والاستخفاف الذي ألقاه إليه الشيطان وجعلهم يقدمون ما يسمونه بـ(أمور الحلال والحرام) أو (ما يستحلون به الأموال الدماء والفروج) على كل الأمور الأخرى التي تساهلوا فيها، المعيار يجب أن يكون واحدا، وما قالوا إنه من الفروع قد يكون من لوازم الأوامر القرءانية الكبرى التي أهملوها، ومنها الأوامر بذكر الله أو النص على أسمائه الحسنى أو شؤونه وكذلك الأوامر المتعلقة بمكارم الأخلاق والوجدانيات والتي سماها عتلات المذاهب بالـ"رقائق"!!!!.
ولا يوجد مبرر للإعراض عن مروية تتضمن صيغة لذكر الله أو الاستغفار أو التسبيح .... الخ منسوبة إلى الرسول.
وولا يوجد مبرر للإعراض عن مروية تتضمن بعض تفاصيل أمر ديني من الأوامر المفتوحة (التي لا يوجد حدّ أقصى لها وإنما هي مفوضة لمقدار سعة كل إنسان وطاقته)، ومنها الأمر بالإنفاق في سبيل الله أو الأمر بالتزكي أو الأمر بالعمل الصالح.
ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن المرويات تفتقد الدليل الشرعي الذي يوجب الأخذ بها، وهي أن تكون مكتوبة في زمنها بمحضر من عدد كافٍ من الشهود العدول.
إن وجود المروية في كتب المرويات لا يثبت إلا أن ثمة احتمالا لأن يكون لها أصل صحيح، وهذا كافٍ لاعتبارها، ولكنه لا يكفي للجزم بصحتها، ولابد من قرينة تثبت أن لها بالفعل أصلا صحيحا، هذه القرينة هي اتساقها التام مع دين الحق المستخلص من القرءان ومما ثبت أن له أصل صحيح من الآثار، وثبوت أن للمروية أصل صحيح يجعلها تنضم لنسيج الدين أو بنيانه، ويجعل من الممكن الاعتداد بها عند النظر في الآثار الأخرى.
إنه لابد من معيار دقيق وصارم للحكم على المروية، هذا المعيار القرءاني المنطقي هو ضرورةُ اتساقها مع عناصر دين الحق المستخلصِ من القرءان الكريم وإمكانُ اندراجها في إطاره، ودين الحق ممثل في منظومات سننه وقيمه وسماته وأركانه ومقاصده، والتأكيد على ذلك لأن القول القرءاني بخصوص أية مسألة موزع عادة –وفقا للنهج القرءاني- على آيات عديدة، فيجب الأخذ بالمروية التي تحقق هذا الشرط حتى وإن ضعَّفها الرواة، كما يجب رفض المروية المتعارضة مع القرءان الكريم رفضا تاما حتى وإن زعموا لها التواتر، أما المرويات التي تتعرض لأمور لم يرد لها ذكر أو أصل في القرءان فتُعتبر من الأمور غير المطروحةِ أصلا، ويُترك أمرها للعلماء المتخصصين في اللغات ومقارنة الأديان والتاريخ...الخ، والأمة بالطبع ليست ملزمة بانتظار نتائج أبحاثهم، فلا يمكن لدين الحق أن يكون معلقاً بمثل هذه الأمور.
ومن البديهي أن يكون القرءان الكريم هو المصدر الأوحد للسنن الشرعية الكبرى والمصدر الرئيس للسنن الثانوية، فهو الرسالة المحكمة المحفوظة وكلمة الله التامة، ومن المصادر الأخرى ما تواتر عن الرسول من كيفيات أداء الشعائر ودوَّنه أئمة (الفقه) وما أمكن اندراجه في الإطار العام لدين الحق مما جاء في كتب الآثار لدى أية طائفة من طوائف المسلمين وكان له سند، ومن البديهي أن ما يمكن اندراجه لابد له من أصل حقيقي في كتاب الله العزيز وأنه يجب أن يفقه وفق أسس دين الحق، فما جاء في كتب الآثار ليس هو السنة وإنما يشير إليها، فلا يجوز أن يقال "جاء في السنة"؛ فذلك استعمال خاطئ للغة.
فسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الملزمة ليست هي ما نُسِب إليه في كتب المرويات وإنما هي مناهجه وأنماطه السلوكية وطرقه أو أسلوبه لمعالجة الأمور التزاما بالأوامر الدينية الشرعية الواردة في القرءان الكريم، فالمصدر الأعلى لسنة النبي هو القرءان الكريم، ولا يمكن أن تتعارض سنة حقيقية ظهرت به مع أصلها الموجود في هذا الكتاب الذي حفظه الله للناس.
أما مصطلح أهل (السنة) فهو يتعارض مع ما ورد في القرءان من معاني هذا المصطلح ويلزم الناس بما يؤدي إلى اختزال وتحريف الدين والقضاء على مقاصده كما حدث بالفعل وأوصل الأمة إلى حالتها المعلومة.
ومن الأسس الراسخة التي قلنا بها: "علامة المروية ذات الأصل الصحيح أن يمكن الاستغناء عنها بالقرءان".
مثال:
توجد صيغ للاستغفار في المرويات، وتوجد أوامر قرءانية بالاستغفار وصيغ له يتضمنها القرءان أو يمكن أن تكون التزاما حرفيا بأوامره، هذه المرويات المنسوبة إلى الرسول ذات أصلٍ صحيح، ولا يوجد مبرر للإعراض عنها.
ومع ذلك فيمكن لأي مسلم أن يستغفر ربه بالالتزام المباشر بالأمر القرءاني؛ فيقول مثلا: "رب اغفر لي" أو "استغفر الله".
وهذا أيضا هو من الفرقان بين دين الحق وبين المذاهب التي حلَّت محله، والرسول كان يبين آيات القرءان أو ما هو مستخلص منه بلغة أقرب إلى لغتهم، فمثل هذه الأقوال هي بالضرورة مصدقة لما جاء في القرءان.
ويمكن بيان هذا الأساس بالأمثلة التالية:
1.           توجد أوامر قرءانية أن يدعو الإنسان ربه، توجد مرويات تتضمن أدعية منسوبة إلى الرسول، يمكن الاستغناء عنها بالأدعية الواردة في القرءان، ولا حرج على الإنسان أن يدعو ربه بأية صيغة، وأفضلها ما هو منسوب إلى الرسول، فلا يوجد ما يبرر الإعراض عنها.
2.           توجد أوامر بذكر الله تعالى، ومن الذكر ترديد صيغ ترد فيها الأسماء الإلهية، ولا حرج على الإنسان أن يذكر ربه بأية صيغة، وأفضلها -من بعد ما هو في القرءان- ما هو منسوب إلى الرسول، فلا يوجد ما يبرر الإعراض عنها.
3.           يوجد نص على أن لله الأسماء الحسنى، وأمر بأن يدعو الإنسان ربه بها، هذه الأسماء مذكورة كلها في القرءان باعتبار أنها لبّ العقيدة الإسلامية، وتوجد مروية تحث الناس على إحصاء تسعة وتسعين اسما منها، يمكن بالطبع استخلاصها من القرءان باتباع منهج علمي قرءاني صارم، ولكن يمكن الاستغناء عن ذلك بالعلم بكل الأسماء الحسنى المذكورة في القرءان والدعاء بها كلها. 
4.           توجد أوامر بالإنفاق في سبيل الله، وهي غير الأوامر بإيتاء الزكاة، فاختلاف المبنى يوجب اختلاف المعنى، ولم تحدد الآيات نسب هذا الإنفاق، وقد وردت آثار تتحدث عن بعض النسب، ولكنها غير ملزمة للإنسان طالما لم يحددها القرءان، لذلك فالأمر مفوض إلى طاقة ووسع ودرجة كل إنسان.
5.           يوجد أمر قرءاني قد يكون موزعا على العديد من الآيات، فتكون المروية متضمنة هذا الأمر بعد استخلاصه من هذه الآيات ومعبرا عنه بلغة أقرب إلى لغتهم.

*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق