الأربعاء، 26 أكتوبر 2016

مروية تعذيب الميت ببكاء أهله عليه

مروية تعذيب الميت ببكاء أهله عليه
السيدة عائشة تضرب مجددا بقواعد المحدثين والبخاري وزملائه عرض الحائط، وابن تيمية يرد عليها:
جاء في البخاري:
[ 1226 ] حدثنا عبدان حدثنا عبد الله أخبرنا بن جريج قال أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال توفيت ابنة لعثمان رضى الله تعالى عنه بمكة وجئنا لنشهدها وحضرها بن عمر وابن عباس رضى الله تعالى عنهم وإني لجالس بينهما أو قال جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي فقال عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما لعمرو بن عثمان ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فقال بن عباس رضى الله تعالى عنهما قد كان عمر رضى الله تعالى عنه يقول بعض ذلك ثم حدث قال صدرت مع عمر رضى الله تعالى عنه من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل سمرة فقال اذهب فانظر من هؤلاء الركب قال فنظرت فإذا صهيب فأخبرته فقال ادعه لي فرجعت إلى صهيب فقلت ارتحل فالحق أمير المؤمنين فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول وا أخاه وا صاحباه فقال عمر رضى الله تعالى عنه يا صهيب أتبكي علي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه؟ قال بن عباس رضى الله تعالى عنهما فلما مات عمر رضى الله تعالى عنه ذكرت ذلك لعائشة رضى الله تعالى عنها فقالت رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وقالت حسبكم القرآن { ولا تزر وازرة وزر أخرى }  قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عند ذلك والله { هو أضحك وأبكى } قال بن أبي مليكة والله ما قال بن عمر رضى الله تعالى عنهما شيئا.
[ 1227 ] حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها أخبرته أنها سمعت عائشة رضى الله تعالى عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت إنما مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكي عليها أهلها فقال إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها.
وجاء في مسلم
17 - (927) حدثنا محمد بن بشار. حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
 "الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ".
(927) وحدثناه محمد بن المثنى. حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:
 "الميت يعذب في قبره بما نيح عليه ".
18 - (927) وحدثني علي بن حجر السعدي. حدثنا علي بن مسهر عن الأعمش، عن أبي صالح، عن ابن عمر؛ قال:
 لما طعن عمر أغمي عليه. فصيح عليه. فلما أفاق قال: أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الميت ليعذب ببكاء الحي"؟
22 - (928) حدثنا داود بن رشيد. حدثنا إسماعيل بن علية. حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة. قال:
 كنت جالسا إلى جنب ابن عمر. ونحن ننتظر جنازة أم أبان بنت عثمان. وعنده عمرو بن عثمان. فجاء ابن عباس يقوده قائد. فأراه أخبره بمكان ابن عمر. فجاء حتى جلس إلى جنبي. فكنت بينهما. فإذا صوت من الدار. فقال ابن عمر (كأنه يعرض على عمرو أن يقوم فينهاهم): سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إن الميت ليعذب ببكاء أهله" قال: فأرسلها عبد الله مرسلة.
(927) فقال ابن عباس:
 كنا مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. حتى إذا كان بالبيداء، إذا هو برجل نازل في شجرة. فقال لي: اذهب فاعلم لي من ذاك الرجل. فذهبت فإذا هو صهيب. فرجعت إليه. فقلت: إنك أمرتني أن أعلم لك من ذلك. وإنه صهيب. قال: مره فليلحق بنا. فقلت: إن معه أهله. قال: وإن كان معه أهله. (وربما قال أيوب: مره فليلحق بنا). فلما قدمنا لم يلبث أمير المؤمنين أن أصيب. فجاء صهيب يقول: وأخاه! واصاحباه! فقال عمر: ألم تعلم، أو لم تسمع (قال أيوب: أو قال: أولم تعلم أولم تسمع) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله". قال: فأما عبد الله فأرسلها مرسلة. وأما عمر فقال: ببعض.
 (929) فقمت فدخلت علي عائشة. فحدثتها بما قال ابن عمر. فقالت: لا. والله ! ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قط: "إن الميت يعذب ببكاء أحد". ولكنه قال "إن الكافر يزيده الله ببكاء أهله عذابا وإن الله لهو أضحك وأبكى. ولا تزر وازرة وزر أخرى".
قال أيوب: قال ابن أبي مليكة: حدثني القاسم بن محمد قال: لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر قالت: إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين ولا مكذبني. ولكن السمع يخطئ.
23 - (928) حدثنا محمد بن رافع وعبد بن حميد. قال ابن رافع: حدثنا عبدالرزاق. أخبرنا ابن جريج. أخبرني عبدالله بن أبي مليكة. قال:
 توفيت ابنة لعثمان بن عفان بمكة. قال: فجئنا لنشهدها. قال: فحضرها ابن عمر وابن عباس. قال: وإن لجالس بينهما. قال: جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخرى فجلس إلى جنبي. فقال عبدالله بن عمر لعمرو بن عثمان، وهو مواجهه: ألا تنهى عن البكاء؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه".
 (929) فقال ابن عباس:
 فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة. فقالت: يرحم الله عمر. لا والله ! ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يعذب المؤمن ببكاء أحد" ولكن قال "إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه". قال: وقالت عائشة: حسبكم القرآن: {ولا تزر وازرة وزر آخرى}. [35 /فاطر/ الآية 18]. قال: وقال ابن عباس عند ذلك: والله أضحك وأبكى. قال ابن أبي مليكة: فوالله ما قال ابن عمر من شيء.
25 - (931) وحدثنا خلف بن هشام وأبو الربيع الزهراني. جميعا عن حماد. قال خلف: حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة، عن أبيه. قال:
 ذكر عند عائشة قول ابن عمر: الميت يعذب ببكاء أهله عليه. فقالت: رحم الله أبا عبدالرحمن. سمع شيئا فلم يحفظه. إنما مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة يهودي. وهم يبكون عليه. فقال "أنتم تبكون. وإنه ليعذب".
26 - (932) حدثنا أبو كريب. حدثنا أبو أسامة عن هشام، عن أبيه، قال: ذكر عند عائشة؛ أن ابن عمر يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم:
 "إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله عليه". فقالت: وهل. إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه. وإن أهله ليبكون عليه الآن". وذاك مثل قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب يوم بدر. وفيه قتلى بدر من المشركين. فقال لهم ما قال: "إنهم ليسمعون ما أقول" وقد وهل. إنما قال: "إنهم ليعلمون أن ماكنت أقول لهم حق" ثم قرأت: {إنك لا تسمع الموتى}. [27 /النمل/ الآية 80]. {وما أنت بمسمع من في القبور}. [35 /فاطر/ الآية 22]. يقول: حين تبوؤا مقاعدهم من النار.
 (932) وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا وكيع. حدثنا هشام بن عروة، بهذا الإسناد. بمعنى حديث أبي أسامة. وحديث أبي أسامة أتم.
27 - (932) وحدثنا قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس، فيما قرئ عليه، عن عبدالله بن أبي بكر، عن أبيه، عن عمرة بنت عبدالرحمن ؛ أنها أخبرته ؛ أنها سمعت عائشة، وذكر لها أن عبدالله بن عمر يقول:
 إن الميت ليعذب ببكاء الحي. فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن. أما أنه لم يكذب. ولكنه نسى أو أخطأ. إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يبكى عليها. فقال "إنهم ليبكون عليها. وإنها لتعذب في قبرها".
ومرويات تعذيب الميت ببكاء أهله وردت عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله، وقد أنكرتها السيدة عائشة ونسبتها إلى النسيان والاشتباه عليهما، وأنكرت أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك ، واحتجت بالقرءان، وقالت: وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في يهودية أنها تعذب وهم يبكون عليها يعني تعذب بكفرها في حال بكاء أهلها لا بسبب البكاء.
وهكذا ردَّت السيدة عائشة مروية تعذيب الميت ببكاء أهله، وقالت إن الواقعة كانت خاصة فظن من بلغه الكلام أن العذاب معلول للبكاء وأن الحكم عام على كل ميت.
كما صدر عنها كلام يقوض أسس جهابذة المرويات، منه: "حسبكم القرءان، السمع يخطئ"، وكذلك قولها عن عبد الله بن عمر: "أما أنه لم يكذب. ولكنه نسي أو أخطأ"، فإذا كان عبد الله بن عمر أحد أرباب الدين الأعرابي الأموي ينسى أو يخطئ، فما هو معنى ثبت؟! وكيف الحال بمن هم من دونه؟ وإذا كان قد وجد من يتصدى له من أهل القرن الأول في مروية، فما بال مئات المرويات المنسوبة إليه؟
وهي بذلك لم تعبأ بالقواعد التي سيضعها سدنة المذاهب وجهابذة (الحديث) من بعد!! رغم أن القول منسوب إلى عمر بن الخطاب وابنه، وهما مثلها من أركان الدين السني عند أتباع هذا الدين، كما لفتت الأنظار إلى حقيقة هامة، وهي أنه كان يجب على الرواة نقل أخبار الواقعة التي ورد فيها القول المنقول بحذافيرها حتى يمكن الفقه السليم للقول.
ولقد شغل هذا الأمر الجلل والموضوع الخطير الجهابذة وأرباب الفنّ وأهل الاختصاص قرونا طويلة، فمنهم من أيَّد السيدة عائشة، ومنهم من تصدى لها مثل ابن تيمية، وقد تعرض ابن تيمية للمسألة وضعَّف مذهب السيدة عائشة والبخاري والقرطبي وابن عبد البرَّ ومن سلك مسلكهم في فقه الأحاديث التي أخبرت أن الميت يعذب ببكاء الحي، فقال بعد أن ذكر النصوص الواردة في ذلك: ((وقد أنكر ذلك طوائف من السلف والخلف، واعتقدوا أن ذلك من باب تعذيب الإنسان بذنب غيره ، فهو مخالف لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[فاطر : 18] ، ثم تنوعت طرقهم في تلك الأحاديث الصحيحة، فمنهم من غلَّط الرواة لها، كعمر بن الخطاب وابنه، وهذه طريقة عائشة والشافعي، وغيرهما. ومنهم من حمل ذلك على ما إذا أوصى به فيعذب على إيصائه، وهو قول طائفة كالمزني، وغيره .
ومنهم من حمل ذلك على ما إذا كان عادتهم ، فيعذب على ترك النهي عن المنكر، وهو اختيار طائفة منهم جدى أبو البركات ، وكل هذه الأقوال ضعيفة جداً " وقد رد قول الذين ردوا هذه الأحاديث بنوع من التأويل ، فقال: " والأحاديث الصحيحة الصريحة التي يرويها مثل عمر بن الخطاب ، وابنه عبد  الله ، وأبو موسى الأشعري وغيرهم، لا ترد بمثل هذا، وعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لها مثل هذا نظائر، ترد الحديث بنوع من التأويل والاجتهاد لاعتقادها بطلان معناه، ولا يكون الأمر كذلك، ومن تدبر هذا الباب وجد هذا الحديث الصحيح الصريح الذي يرويه الثقة لا يرده أحد بمثل هذا إلا كان مخطئا)).
ثم بيَّن ابن تيمية أن السيدة عائشة وقعت في مثل ما فرت عنه، قال: ((وعائشة رضي الله عنها روت عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظين – وهي الصادقة فيما نقلته – فروت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه "، وهذا موافق لحديث عمر، فإنه إذا جاز أن يزيده عذاباً ببكاء أهله، جاء أن يعذب غيره ابتداء ببكاء أهله، ولهذا رد الشافعي في " مختلف الحديث " هذا الحديث نظرا إلى المعنى، وقال الأشبه روايتها الأخرى: " إنهم يبكون عليه، وإنه ليعذب في قبره ".
وهكذا، قام ابن تيمية (أحد أرباب الدين الأعرابي الأموي) بتفنيد ردّ السيدة عائشة للمروية وإثبات أنها وقعت في مثل ما فرت عنه، فهل يجرؤ أحد عبيده أن يفعل مثله؟!
والذي يعني في الأمر هو أنه لا علاقة لمثل هذه الأمور بدين الحق أصلا، وأن هذه الأمور التي خاضوا فيها واختلفوا ليست من عند الله، وأنه لا يمكن أن تثبت عناصر الدين العالمي الملزم للناس كافة بمثل هذه الأساليب العشوائية البدائية والمجادلات الكلامية.
أما حجية خبر الواحد فهي مقوضة تقويضا تاما بكلام السيدة عائشة وبكلام من ردَّ عليها أيضًا!
وفي كل الأحوال فالمسلم ليس مطالبا إلا بالإيمان بما نصَّ عليه القرءان، فالقرءان هو المصدر الأوحد لما يجب الإيمان به من أمور الغيب، أما ما ورد من الأمور الغيبية في المصادر الثانوية فهي أمور غير مطروحة أصلا، أما من أراد النظر فيها فليفعل على هدي من أسس دين الحق الراسخة والماثلة في القرءان.

*****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق