الأحد، 23 أكتوبر 2016

النساء في الفردوس المفقود

النساء في الفردوس المفقود
النساء في الفردوس المفقود؛ مجتمع المدينة الملائكي في عصر الخلافة الراشدة، يتمنين الحصول على الخمر والفتى الجميل نصر بن الحجاج فيسمع بذلك عمر بن الخطاب فينكل به وينفيه ويرفض توسله إليه ليعيده إلى وطنه، ويكون على رجال اللادين محاولة شق الشعرة وإغراق السمكة وإمساك الماء وركوب الهواء لإثبات أن ما فعله عمر هو الحق وأن ما لم يفعله هو الباطل، هذا رغم أنف كل دين أو شريعة أو عرف أو منطق!
ورد خبر نفي عمر بن الخطاب رضي الله عنه نصر بن الحجاج إلى البصرة لئلا تفتن به نساء أهل المدينة من طرق متعددة، مختصرا ومطولا:
فرواه ابن شبة في "تاريخ المدينة" (2/762) عن قتادة، والخرائطي في "اعتلال القلوب" (2/ 392)، وابن الجوزي في "ذم الهوى" (ص123) عن مُحَمَّد بْن الْجَهْمِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ , عَنْ أَبِيهِ , عَنْ جَدِّهِ به مطولا .
ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (4/ 322)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (62/ 21) عَنِ الشَّعْبِيِّ، وابن سعد في "الطبقات" (3/216) عن عبد الله بن بريدة، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (62/ 23) عن محمد بن سيرين .
وملخص هذه القصة أن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَعُسُّ بِالْمَدِينَةِ فَسَمِعَ امْرَأَةً تَتَغَنَّى بِأَبْيَاتِ تَقُولُ فِيهَا:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها ** هل من سبيل إلى نصر بن حجاج
فَدَعَا بِهِ فَوَجَدَهُ شَابًّا حَسَنًا، فَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَازْدَادَ جَمَالًا فَنَفَاهُ إلَى الْبَصْرَةِ لِئَلَّا تَفْتَتِنُ بِهِ النِّسَاءُ.
ثمَّ إِنَّه بعث يطْلب الْقدوم إِلَى وَطنه، وَيذكر ألا ذَنْب لَهُ فَأبى عَلَيْهِ ، وَقَالَ: أما وَأَنا حَيّ فَلَا.
وذكر القصة غير واحد من أهل العلم، منهم السمعاني في "الأنساب" (3/ 156)
، وشيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من "مجموع الفتاوى" : (11/552) ، (15/ 313) ، (28/109) ، (28/371) ، وابن القيم في "إعلام الموقعين" (4/ 284) ، والحافظ ابن حجر في "الإصابة" (6/ 382) ، وابن مفلح في "الآداب الشرعية" (3/ 132) ، وغيرهم من أهل العلم .
وقال الدارقطني رحمه الله في "المؤتلف والمختلف" (4/ 2205):
" نَصْر بن الحَجَّاج يقال: هو ابن الحَجَّاج بن علاط السُّلَمِيّ , كان في أيام عُمَر بن الخَطَّاب , كان موصوفا بالجمال , وهو الذي يقال فيه:
هل من سبيل إلى خمر فأشربها ** أم هل سبيل إلى نَصْر بن حَجَّاج.
وذكر نحوه ابن عبد البر في "الاستيعاب" (1/326) ، وابن ماكولا في "الإكمال" (1/560) ، وابن الأثير في "أسد الغابة" (1/ 456)
وقال الحافظ رحمه الله:
" وَقَفْتُ فِي كِتَابِ الْمُغربِينَ لِأَبِي الْحسن الْمَدَائِنِي مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعَ عُمَرُ قَوْمًا يَقُولُونَ: أَبُو ذُؤَيْبٍ أَحْسَنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، فَدَعَا بِهِ فَقَالَ : أَنْتَ لَعَمْرِي فَاخْرُجْ عَن الْمَدِينَة ، فَقَالَ إِنْ كُنْتَ تُخْرِجُنِي، فَإِلَى الْبَصْرَةِ حَيْثُ أَخْرَجْتَ يَا عُمَرُ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ. وَذَكَرَ قِصَّةَ نَصْرِ بْنِ حَجَّاجٍ، وَهِيَ مَشْهُورَةٌ ".
انتهى من" فتح الباري" (12/ 159-160).
فهذه القصة مشهورة باستفاضة في كتب أهل العلم، قد رويت من طرق متعددة، ولكن لا يسلم طريق منها من مقال، وأصح طرقها طريق عبد الله بن بريدة مرسلا، ولكن انتشارها وذكرها في كتب أئمة المسلمين وحفاظهم العارفين بالتواريخ والسير، مع ورودها من تلك الطرق المتعددة يدل على ثبوت أصلها.
ثانيا:
من جهة التكييف الفقهي: فهذا من باب تقديم المصلحة العامة على الخاصة. فإلحاق الضرر بالمصلحة الخاصة لأجل المصلحة العامة متعين في الجملة.
قال بدر الدين الزركشي رحمه الله في "المنثور في القواعد الفقهية" (1/ 348-349):
" قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَجْمَعُوا عَلَى دَفْعِ الْعُظْمَى فِي ارْتِكَابِ الدُّنْيَا، وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: مِنْ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ أَنْ تُدْرَأَ أَعْظَمُ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَيْسَرِهِمَا، إذَا تَعَيَّنَ وُقُوعُ إحْدَاهُمَا، وَأَنْ يَحْصُلَ أَعْظَمُ الْمَصْلَحَتَيْنِ بِتَرْكِ أَخَفِّهِمَا إذَا تَعَيَّنَ عَدَمُ إحْدَاهُمَا . قَالَ : وَأَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ ، لَا أَنَّهُ عَامٌّ مُطْلَقًا ، حَيْثُ كَانَ وَوُجِدَ .
وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ: إذَا تَعَارَضَ مَصْلَحَتَانِ حَصَلَتْ الْعُلْيَا مِنْهُمَا بِتَفْوِيتِ الدُّنْيَا ".
وقال السرخسي رحمه الله في " المبسوط " (9/ 45):
" وَإِنْ ثَبَتَ النَّفْيُ عَلَى أَحَدٍ ؛ فَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْمَصْلَحَةِ ، لَا بِطَرِيقِ الْحَدِّ ، كَمَا نَفَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيتَ الْمُخَنَّثَ مِنْ الْمَدِينَةِ ، وَنَفَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ مِنْ الْمَدِينَةِ حِينَ سَمِعَ قَائِلَةً تَقُولُ :
هَلْ مِنْ سَبِيلٍ إلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبُهَا ** أَوْ هَلْ سَبِيلٌ إلَى نَصْرِ بْنِ حَجَّاجِ
فَنَفَاهُ ، وَالْجَمَالُ لَا يُوجِبُ النَّفْيَ، وَلَكِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ " انتهى .
وقال الألوسي رحمه الله:
" قد يغرب الإمام لمصلحة يراها، كما صح أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه غرب نصر بن حجاج إلى البصرة بسبب أنه: لجماله ، افتتن بعض النساء به " انتهى من "تفسير الألوسي" (9/ 280) .
فإن قيل: فإن نساء أهل البصرة سيفتنون به بعد تحوله إليها، فماذا صنعنا؟ نقلنا الفتنة من مكان إلى مكان، ولم نحسم مادتها! (هذا القائل المفترض كان يفضل حسم الأمر!!)
فالجواب أن يقال:
أولا: نفيه من بلده وانتقاله من وطنه بما يشبه العقوبة، يضعف داعي الفتنة في نفسه!! وفي غيره، ويعلّم الناس محاربة الهوى وذم الفاحشة، فإذا علم الناس في زمان عمر الذي يخاف الشيطان منه ويفرق من حضرته أن هذا الرجل إنما نفاه خوف الفتنة: اتقوا الفتنة به، وحذروا منها، فكأنه قيل لأهل البصرة، قد نفيت هذا إلى بلدكم لئلا يساكنني ببلد، فاتقوا الفتنة به.
ثانيا: أن المغترب ليس كالمستوطن، فإنه في بلد الغربة ينشغل بحال نفسه وبالكسب والعمل، مما يرفع عنه الرفاهية التي كان يتمتع بها في بلده، وبين أهله وعشيرته، وهذا يقلل من جماله ويشغله عن الاعتناء بنفسه وهندامه!!!!!
قال ابن تيمية:
" نَفَى عُمَر بْن الْخَطَّابِ نَصْرَ بْنَ حَجَّاجٍ مِنْ الْمَدِينَةِ ، وَمِنْ وَطَنِهِ إلَى الْبَصْرَةِ ، لَمَّا سَمِعَ تَشْبِيبَ النِّسَاءِ بِهِ ، وَكَانَ أَوَّلًا قَدْ أَمَرَ بِأَخْذِ شَعْرِهِ ؛ لِيُزِيلَ جَمَالَهُ الَّذِي كَانَ يَفْتِنُ بِهِ النِّسَاءَ ، فَلَمَّا رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْنَتَيْنِ، غَمَّهُ ذَلِكَ، فَنَفَاهُ إلَى الْبَصْرَةِ ؛ فَهَذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ ذَنْبٌ وَلَا فَاحِشَةٌ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا ؛ لَكِنْ كَانَ فِي النِّسَاءِ مَنْ يَفْتَتِنُ بِهِ ، فَأَمَرَ بِإِزَالَةِ جَمَالِهِ الْفَاتِنِ؛ فَإِنَّ انْتِقَالَهُ عَنْ وَطَنِهِ مِمَّا يُضْعِفُ هِمَّتَهُ وَبَدَنهِ، وَيُعْلَمُ أَنَّهُ مُعَاقَبٌ، وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الَّذِينَ يُخَافُ عَلَيْهِمْ الْفَاحِشَةُ وَالْعِشْقُ قَبْلَ وُقُوعِهِ ، وَلَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُعَاقَبَةِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (15/ 313) .
ثالثا: أن حصول ذلك ونقله وإعلام الناس به: يربي في أنفس الأجيال محاربة الفتنة، ويعلّم ولاة الأمور بابا من أبواب السياسة الشرعية، وكيف يقدمون المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ويبين أن الفتنة بالنساء من أعظم الفتنة.
رابعا : تقتضي حرمة المدينة إخراج من تفتن به النساء منها ، فيسيّر منها إلى بلد آخر ، رعاية لحرمتها وشرفها .
وجاء في موقع إسلام وب
فهذه القصة صحيحة مشهورة، ولا زال العلماء يذكرونها محتجين بها مثبتين لها، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية كما في كتاب الاستقامة ومجموع الفتاوى والإمام ابن القيم في الطرق الحكمية وبدائع الفوائد، ومن المتأخرين الألوسي في روح المعاني حيث قال: كما صح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه غرَّب نصر بن حجاج إلى البصرة بسبب أنه لجماله افتتن بعض النساء به، ومنهم الشنقيطي في أضواء البيان حيث ذكر طرفا مما ذكرته المرأة التي شببت بنصر بن حجاج، والقصة صحح إسنادها الحافظ ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة، ولم نطلع على أحد من العلماء ضعفها، ولهذا فالقصة صحيحة، ورابط الموقع هو:
وزيادة على ما ذكره الموقع فإن الأصوليين يذكرونها عادة لإثبات صحة الأخذ بالمصلحة المرسلة، ولمبدأ تقديم الصالح العام على الخاص!!
فهل هذه هي الوسيلة المثلى لمعالجة تلك الظاهرة المزعجة؛ وجود رجال يتصفون بالجمال؟ وهل يمكن لإنسان أن يتأسَّى بتلك السنة الراشدية المهدية؟ ألم يكن من الأفضل علاج الظاهرة الأصلية؟ إن المشكلة هي إما أن هؤلاء النسوة لم يجدوا في دينهم ما يزهدهم في تمني اقتراف الفواحش في ذلك الفردوس المزعوم، وإما أن رجالهم شغلوا بالسبايا الجميلات عن نساء المدينة! فالمشكلة كانت في النسوة، وكان لابد من مساعدتهن وحل مشاكلهن.
وفي كل الأحوال لم يكن التنكيل بالرجل الجميل هو العلاج الأمثل لهذه الظاهرة.

*******

هناك تعليق واحد: