الجمعة، 8 مايو 2015

سورة النور 55-56

سورة النور 55-56

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} النور

وَعَدَ اللَّهُ تعالى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً، والاستخلاف هنا هو استخلاف خاص يتميز عن الاستخلاف العام الذي هو لكل إنسان، وهو يجعل الكيان الإسلامي مسئولا عن البشرية جمعاء ويلزمه بالقيام بأركان الدين الواجبة على الأمة تجاههم وأن يعاملهم وفق أرقى منظومة قيم عرفتها البشرية، والعمل الصالح هو ركن من أركان الدين الملزمة لكل كيان إنساني بدءا من الفرد وانتهاءا بالأمة، وعلى المستوى الأممي هو كل ما يؤدي إلى نفع لأي كيان يحيا على سطح هذا الكوكب، فهو يتضمن كل إصلاح وتعمير وبناء، فهو من مقتضيات حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض، والكيان الإسلامي الذي يقوم بذلك سيحظى بالتأييد الإلهي وسيزداد رقيه وتمكنه من أمور دينه.
ومن هم كذلك يفوزون بأساس السعادة في الدنيا والآخرة؛ وهو الأمن، فهم المنادون: "يا عبادي لا تخافوا؛ ذا أماني"، فما أحلاه وأعذبه من نداء!، وعلامتهم وسر فلاحهم هو أنهم يَعْبُدُونَ الله لَا يُشْرِكُونَ بِه شَيْئاً، هذا هو دينهم الذي سيمكنه الله في نفوسهم كما يرتضيه لهم.
ومع كل ذلك يجب ألا يأمن الناس شر نفسه ولا مكر عدوه، وعدوه اللعين هو الشيطان الرجيم، وكلما ارتفعت مرتبة الإنسان يصبح أشد خطرا على عمل وكيان الشيطان فتشتد المؤامرات والمكائد ضده، فيجب دائما أن يعتصم بربه وبحبله، وأن يلوذ به وأن يحسن التوكل عليه.
وتضمنت الآية أيضا وعدا لأهل القرن الأول من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ولقد تحقق الوعد تماما، فاستخلفهم الله في الأرض، ومكَّن لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَبَدِّلَهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا، ولكن الآية أيضا تضمنت وعيدا شديدا لمن كفر بعد أن رأى تحقق الوعد، وهذا الوعيد يبيِّن أنهم كانوا غير معصومين ومعرضين للكفر بعد الإيمان، فالوعيد القرءاني لا يكون أبدا عبثا، ولقد تحقق الوعيد بالفعل وارتد منهم الكثيرون على أعقابهم.
*******
{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)} النور

إن طاعة الرسول هي حق له على كل الناس بصفة عامة وعلى قومه بصفة خاصة، فطاعته واجبة على قومه من حيثيات عديدة منها:
1.      أنه كان رسولا للناس كافة.
2.      أنه كان رسولا إليهم بصفة خاصة.
3.      أنه كان ولي كافة أمورهم، فهو مثلا كان القائد العام للجيش والقاضي فيما بينهم، هذا بينما هو لم يكن ملكا عليهم لتجب عليهم طاعته من تلك الحيثية، فوجب إلزامهم بطاعته والرضا بما يصدره من أحكام فيما شجر بينهم.
إن الزكاة هي حق في كل مال وفى كل ما يمكن أن يُقوَّم بمال وذلك للأمة أو للمجتمع أو لأي كيان إنساني على كل فرد فيه، ذلك لأن وجود مثل هذا الكيان بكل ما فيه وبكل ما يوفره لمن فيه هو شرط لازم للحصول على هذا المال، فضمان القدر الأدنى من سلامة البنيان الاجتماعي يحتم أن يكون للمجتمع حق في مال كل فرد فيه يتناسب مع ما لديه من مال، وعلى أولى الأمر في كل عصر ومصر تحديد النصاب الواجب فيه إخراج الزكاة وعليهم الاستئناس بالنسب التي كانت مفروضة في عهد النبي، وأشبه النظم بهذه الفريضة هو النظام الضريبي، وفى حالة وجود الأمة الخيرة فإن فريضة الزكاة يمكن أن تكون بديلا شرعيا عنه، وتحصيل الزكاة وأداء كل ما يتعلق بها هو فريضة جماعية تؤديها الأمة إعلانا منها لربها وللعالمين عن هويتها الإسلامية، وهى أيضا من مظاهر ولوازم انتماء الفرد إلى تلك الأمة ويعد الامتناع عن أدائها تمردا سافرا وخروجا عليها، لذلك كان الصديق محقا عندما أصر على قتال مانعي الزكاة فلقد كان ولى أمر الأمة المؤمنة، وكان عليه أن يتخذ ما يلزم ليحافظ على كيانها وبنيانها.
وعلى المستوى الفردي فإن إيتاء الزكاة هو من وسائل تزكية النفس، ذلك لأن الحرص على أدائها بإخلاص يطهر الإنسان من البخل والشح ويجعله يتحلى بالجود والكرم والتعاطف مع الآخرين، هذا بالإضافة إلى ما سيعود عليه من الخير بمساهمته في سد حاجات الفقراء والمساكين وغيرهم فينال ثواب فك رقابهم وإحيائهم ويجنى معهم من ثمار أعمالهم دون أن ينقص ذلك شيئا من أجورهم، فإيتاء الزكاة من وسائل تحقيق مقاصد الدين العظمى فهو أمر لازم لإعداد وبناء الإنسان الرباني الفائق والأمة المؤمنة الخيرة.
ووحدة الأمة المؤمنة هي أمر ثابت ومقرر ولقد جعله الحق سبحانه وصفا لازما لها مع علمه بما سيؤول إليه حال المسلمين من بعد وكيف سيتفرقون إلى شيع ومذاهب ودويلات كثيرة وذلك حتى تعلم كل تلك الدويلات أنها أعضاء جسد واحد فيساعد الغنى منها الفقير والقوى الضعيف والعالم الجاهل، كما أن تلك الدويلات مسئولة أيضا عن المسلمين المغتربين أو الأقليات الإسلامية في مختلف الدول.
وعلى أولى الأمر (الحقيقيين) أن يبحثوا عن أفضل السبل لإيصال الزكاة إلى مستحقيها، فليس ثمة ما يحتم أن يأخذها هؤلاء نقدا وعدا، وإنما يمكن أن تنفق لتشغيلهم ولإيجاد موارد رزق أفضل لهم وبناء مصحات لعلاجهم ومدارس لتعليمهم ولتعليم أبنائهم، والزكاة لا تكون فقط فيما ورد في المرويات وإنما تكون من طيبات كل ما يكسب الإنسان ومما أخرج الله له من الأرض.
والزكاة تؤخذ بصفة أساسية من الغنى وتعطى للمحتاج أو الفقير، وتعريف كلٍّ منهما منوط بأولى الأمر وهو يختلف بالضرورة من عصر إلى عصر ومن مصر إلى مصر، فإذا لم يكن ثمة أمة إسلامية بالمعنى الحقيقي فليس لأولى الأمر إلا البيان ويكون كل مسلم ملزما بأداء الزكاة من حيث أنها من أركان الدين ومن حيث وجوب طاعة أولى الأمر، أما تقدير الزكاة الواجبة على كل نوع من أنواع الثروة مما يكسب الإنسان أو مما يخرج من الأرض فهو أيضا منوط بأولى الأمر، وهم بالطبع لابد أن يراعوا نوعية الربح وطبيعة دورة رأس المال وحالة الناس، وعليهم أن يفيدوا من المعارف والعلوم  الاقتصادية الحديثة والنظم الضريبية، ومصرف الزكاة الأعظم هو أن تكون في سبيل الله تعالى فيجب أن يؤدى الإنسان الزكاة بنية التقرب إلى الله تعالى بالإحسان إلى عياله، وفى هذا العصر مثلا فإن أحق الناس بالزكاة هو محدود الدخل ممن لا مورد له إلا راتبه، فذلك هو الذي يحسبه الجاهل غنيا من التعفف، وهو الذي لا يسأل الناس إلحافا.
وفى حالة وجود الأمة الخيرة المؤمنة فإن الزكاة تصبح من مواردها الأساسية تنفق منها لمساعدة المحتاجين وفك الرقاب وضمان الحد الأدنى من المعيشة للناس أجمعين ولتدعيم السلام الاجتماعي، ويكون إيتاء الزكاة من مظاهر ولوازم إعلان الانتماء إلى الأمة ويكون الامتناع عن أدائها تمردا سافرا عليها، فالزكاة فرض على مستوى الأمة وفرض على مستوى الفرد، ففي حالة وجود الأمة فعلى ولى الأمر أن يفوض هيئة لتتولى أمر الزكاة، أما في حالة غياب كيان للأمة فإن كل فرد يصبح مسئولا عن نفسه وعمن يعول، وفي حالة وجود الدولة العلمانية فيجب أن يكون ثمة مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني تمثل الجماعة المؤمنة وتنوب عنها وتتولي كل ما يتعلق بتلك الفريضة فتحدد التعريفات اللازمة والأنصبة والنسب الواجب تحصيلها والفترات الزمانية الواجب مرورها علي امتلاك الأنصبة وآليات تحصيل الزكاة وإنفاقها وتحديد مصارفها إعمالأً للنصوص القرآنية وأخذاً بها.
أما سهم المؤلفة قلوبهم فهو ثابت لهم إذ ليس لأي إنسان مهما كانت مكانته أن يوقف العمل بنص قرآني، وإنما يستمد كل إنسان قيمته من قوة تمسكه واعتصامه بكتاب الله العزيز الحكيم، فينبغي أن ينفق من هذا السهم الآن على المسلمين حديثي العهد بالإسلام في كافة الدول وخاصة في الأقطار الفقيرة التي يخشى عليهم فيها من الفتنة، وكذلك علي المسلمين الذين قد تضطرهم الفاقة إلي الخضوع لإغراءات المنصِّرين.
ولقد قدروا نصاب زكاة المال بخمسة وثمانين جراما من الذهب على أساس أن النصاب كان في عهد البعثة عشرين دينارا وأن الدينار الذي ضربه عبد الملك بن مروان!! كان 4.25 جراما!!! ولكن فاتهم أمر هام وهو مستوى المعيشة في تلك العصور مقارنة بالعصر الحالي، إن هذا النصاب كان يكفى ليعتبر مالكه غنيا، كذلك كانت مطالب الحياة متواضعة مقارنة بالعصر الراهن، ومن المعلوم أن كافة الظروف الاجتماعية والاقتصادية قد اختلفت تماما في هذا العصر مقارنة بكل ما سبقه من العصور، والذي افتعل المشكلة هو تحويلهم الوقائع التي واكبت البعثة إلى نصوص وأوامر مطلقة، وكان عليهم أن يستخلصوا ويستنبطوا السنة من آيات الكتاب ومما وصل إليهم من الوقائع الموثقة، ولو فعلوا لأدركوا أن الزكاة هي حق في مال الأغنياء للفقراء، أما تحديد أي حد من الحدود الواردة في هذا التعريف فهو منوط بأولى الأمر يحددونه بالنظر إلى ظروف عصرهم، فهم منوط بهم تحديد ما يلي: تعريف الغنى، تعريف الفقير، تحديد ذلك الجزء من المال الفائض على حاجة الغنى ويتضمن ذلك تحديد مدة زمنية لازمة يجب انقضاؤها لاعتبار ذلك المال فائضا، وذلك في حين أن زكاة ما يحصد من خضر وفاكهة يجب أن تؤدى عند الحصاد، ويجب أن تتولى هيئة مسؤولة ومنظمة تنظيما جيدا ومسلحة بعلوم الاقتصاد الحديث أمر تحصيل الزكاة وألا تترك للأمور العشوائية ولا لمن يسعى لاستغلال مشاعر الناس الدينية الصادقة، فإن لم يكن ثمة أمة خيرة مؤمنة بالمعنى الاصطلاحي فإنه على المجتمع الإسلامي أن ينتخب هيئة مدنية من علماء الاقتصاد والموظفين لتحصيل الزكاة والقيام بكل ما يلزمها من جمع البيانات وتعريف الغنى والفقير والنصاب، وبالتالي لا محل لتساؤل مثل هل يجوز دفع الزكاة للأخت مثلا ؟ لأنه ليس من مسؤولية الفرد مثل هذا التحديد في وجود هيئة منتخبة لتحصيل الزكاة، أما إذا لم توجد مثل تلك الهيئة فانه على المرء أن يجتهد استرشاداً بمقاصد الدين العظمى؛ فهو إن كان في حاجة ماسة للمال لرعاية من يعول فإن الإنفاق عليهم أولى من الإنفاق على من لا يعرف ولا تجب عليه زكاة أصلا، فإذا كان لديه مال يمكن أن يتجاوز النصاب بيد أن والديه كانا في حاجة ماسة إلى هذا المال فإن الإحسان إليهما ركن من أركان الدين وهو مقدم على إيتاء الزكاة إذ لا يسبقه إلا إفراد الله تعالى بالعبادة، بمعنى أنه من الخير له أن ينفق المال عليهما بنية الإحسان إليهما والبر بهما وليس بنية أداء ما عليه من الزكاة، فإن النية الأولى موجبة للثواب الأفضل لأنها قضاء لحق أوجب، وذلك الأمر بالنسبة إلى كل أولى رحمه.
إن إيتاء الزكاة هو عمل خطير وجاد وهو من وسائل بناء الأمة وتسيير أمورها وإدارة مواردها فلا ينبغي أن يترك للاجتهادات الفردية العشوائية بل لا بد لها من هيئة موحدة مسئولة لديها القدرة على عمل الإحصاءات اللازمة والحصول على البيانات الدقيقة.
أما بالنسبة لصدقة الفطـر فلقد كان الرسول يريد التيسير على أمته الذين كانت النقود بالنسبة إليهم عزيزة ونادرة إذ لم تكن تضرب عندهم بل كانوا يستوردونها مقابل ما ينتجون من سلع أو مقابل عمليات نقل البضائع بين الشام واليمن، لذلك شرع لهم أن يؤدوها مما هو متيسر لديهم من منتجات بيئتهم كالشعير والتمر، والمقصد الجدير بالاعتبار والمنصوص عليه هو إغناء الفقراء عن السؤال في يوم العيد وليس إحداث ارتباك عام في الأمة طلبا للشعير والتمر، وأمر صدقة الفطر بالذات يوضح كيف يريد البعض صياغة الإسلام كدين للأعراب والبدو وليس كدين عالمي وما ذلك إلا لحرصهم على العادات والمرويات والشكليات، ألم يسأل هؤلاء أنفسهم كيف يمكن أن يؤتي تلك الزكاة أهل الغرب مثلاً؟ لذلك يجب القول بأن مقاصد الدين العظمى هي الأولى بكل اعتبار وليس عادات البدو وما توارثوه من مرويات، إنه إذا كان الإسلام هو الدين العالمي الخاتم فإنه يجب ألا يُقيَّد بعادات وتقاليد وظروف معيشة عرب القرن السابع الميلادي، لذلك فإذا جاز لعرب ذلك العصر أن يخرجوا صدقة الفطر تمرا أو شعيرا وقد كانا يشكلان المنتجات الشائعة أو المحاصيل السائدة فإنه يجوز لأهل كل مصر أن يخرجوا تلك الزكاة مما يناظرهما فيخرجها الأوروبيون قمحا مثلا، ومراعاة المقاصد الدينية تقتضي أن يتم صرف الصدقة نقودا فذلك أيسر على الطرفين، ولا شك أن التيسير من مقاصد الدين، فإخراج الصدقة في هذا العصر نقودا إنما يمليها:
1-    عالمية الدين وعدم تقيده بالأمور البيئية أو المحلية.
2-    أنه دين مقاصد ولقد نص صراحة على المقصد من الزكاة فمراعاة المقصد أولى من مراعاة الشكل.
3-    أنه دين سنن، والسنن إما أن يكون منصوصا عليها في الكتاب أو يمكن استنباطها منه ومما صحت نسبته إلى الرسول مع الاسترشاد بمقاصد الدين العظمى ومنظومات قيمه وسننه.
4-    أنه دين ليس فيه من حرج على الناس ولقد أعلن الله سبحانه فيه ذلك بكل صراحة ووضوح.
ولقد قال تعالي: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرْ الْمُحْسِنِينَ(37)} (الحج)، فبين أن الدافع إلي العمل الصلح والحافز عليه والأمر الجوهري الباطني مقدم عنده علي المادة أو الأمور الشكلية،  وقد يقول قائل إنه بلا شك كانت تزرع خضر وفاكهة في المدينة ولم يأمر النبي بإخراج الصدقة منها، فالجواب هو أن السنة هنا لا تعنى أنه لا تجب زكاة في أمثال هذه المحاصيل بل إنها تعنى أن تعيين المحاصيل التي تجب فيها الزكاة هو أمر منوط بولي الأمر، لذلك ربما رأى النبي لسبب ما أن يعفى بعض المحاصيل من الزكاة كما تخفف الآن بعض الحكومات الضرائب على منتج معين أو تعفيهم منها تماما تشجيعا لإنتاجه.
إن المسلم مأمور أمرا بينا بالإنفاق في سبيل الله تعالى وأن يؤتى الزكاة لأن في ماله وفي كل ما يمكن أن يحصد حق للسائل والمحروم، ولإظهار إقراره بأن المال لله تعالى حقاً ولبيان أن الإنسان مستخلف فيه ولأن الإنسان يتعلم بذلك ويتذوق لذة الإعطاء والإيجابية فتتزكى بذلك نفسه ويعود عليه ثواب من أحياه بمساعدته وخفف عنه أعباء الحياة، وإيتاء الزكاة من وسائل بناء وإعداد الأمة الخيرة الفائقة ومن وسائل تقويتها وتدعيم بنائها، فالإنسان مطالب بأن يخرج نسبة معينة من كل رزق يأتيه وهو متنوع، والنظام الضريبي المتبصر هو الصورة الأمثل لكل ما يتعلق بأمور الزكاة، لذلك فإن هذا النظام إذا ما وضعه أو عدله أولو الأمر الحقيقيون يكون بمثابة التطبيق العملي والعصري لركن إيتاء الزكاة، أما في حالة عدم وجود الأمة المؤمنة المصطلح عليها فعلى كل مؤمن أن يتدبر أمره وفق مقاصد الدين العظمى ومنظومات قيمه وسننه.
*******
إن إقامة الصلاة هي العبادة الظاهرة العظمى في الإسلام، وهى وسيلة الإنسان لتحقيق المقصد الديني الأعظم الثاني، أي ليكون إنسانا ربانيا فائقا، وهذا يعنى أنها وسيلة الإنسان ليتحقق بذكر الله تعالى والتقوى وليتطهر من المعاصي والذنوب وليبتعد عن الفحشاء والمنكر، وهى أيضا معراج المؤمن إلى ربه ووسيلة من وسائل القيام بحقوق تجلياته، ويلاحظ أن الكتاب لم يقدم وصفا دقيقا لشكليات الصلاة رغم أنه فعل ذلك في أمور أقل أهمية حتى لا يشغلهم بمظاهرها عن مقاصدها، والصلاة هي عبادة فردية من حيث الأصل ولكنها أيضا جماعية من حيث أنه على الإنسان أن يؤديها بكل كياناته وملكاته أي بكل قوى وجوده، وفى حالة وجود الأمة المؤمنة الفائقة فإن الأداء الجماعي للصلاة يصبح فرضا على الجميع ووسيلة من وسائل تقوية وتدعيم وتحقيق المقصد الأعظم الثالث، وكل هذا يقتضى أن يؤديها الجميع وهم على قلب رجل واحد ويأتمون بمنظومة قيم واحدة ويدركون أنهم أعضاء جسد واحد ويكون مسلكهم من مقتضيات هذا الإدراك، وليس المقصود أن يتحول الإنسان إلي دابة في قطيع ولكن المقصود أن يكون إنساناً ربانياً فائقاً في أمة من الأحرار الأباة الأشداء علي الأعداء الرحماء فيما بينهم، فإقامة الصلاة مع التحقق بكل ذلك يؤدى إلى الجمع البناء لكل قوى وقدرات وامكانات الأمة مما يضاعف من ثرواتها المادية والقيمية والمعنوية ويزيد من ثقلها الأمري على كافة المستويات، أما الآن في ظل وجود الشيع الضالة والمذاهب المنحرفة ودعاة الشقاق والفتنة الذين يحتكرون المنابر فربما كان من الأسلم أن يصلي المسلم في بيته وبذلك أمره الرسول من قبل.
ويجب العلم بأن الصلاة هي أمر واحد ينبغي إقامته كما أقامه الرسول وأن كل حركاتها من قيام وركوع وسجود وتلاوة وبالترتيب المعلوم هي مطلوبة، وليس ثمة تعارض بين القيام بحركات الصلاة وبين ذكر الله تعالى، فإن ذكر الله يقتضي القيام بما أمر به، فكل حركات الصلاة مطلوبة لأنها تقتضي أمورا ويترتب عليها أمور في ظاهر الإنسان وباطنه ومآله وعاقبة أمره، ولا يمكن الفصل بين الحركات الظاهرة وأداتها البدن وبين ذكر الله والتقوى ومحلهما القلب كما لا يمكن الفصل بين الإنسان ونفسه، فالصلاة بالكيفية المعلومة هي أمر لازم للتحقق بالذكر، ولكن يجب ألا ينشغل الإنسان بالأداء الشكلي للصلاة عن جوهرها ومقاصدها، بل إن ذكر الله تعالى مقدم على كل أمر آخر في حالة التعارض، إن أمر الأداء الشكلي للصلاة ليس بحاجة إلى تلك المجلدات المطولة التي كتبت فيه، فإن ذلك الأداء وكل ما يتعلق به قد قُدِّر وصمم ليستطيع صبى في السابعة من عمره القيام به، وكذلك الحال فيما يتعلق بأمر الوضوء.
أما عدد الصلوات الواجبة وكيفية أداء كل صلاة فقد تم نقل كل ذلك بالتواتر العملي المعضد بالمرويات المنسوبة إلى الرسول، ذلك لأن الكتاب قد أمر بها إجمالا وبين تفاصيلها وأوقاتها موزعة على آيات عديدة، كما أن تلك الآية تتضمن أمرا باتباع الرسول فيما يتعلق بإقامة الصلاة، ولقد ثبت عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ أن قال: (صلوا كما رأيتموني أصلى)، ويلاحظ أنه قال (كما رأيتموني) لأنه لا دراية لهم بأحواله الباطنة عند إقامته الصلاة وذلك أمر لا طاقة لهم به فلم يكلفوا به، لذلك فكيفية الأداء الشكلي للصلاة يمكن أن تؤخذ من أي مذهب (فقهي) راسخ الأصول مع استبعاد ما ثبت عدم صحة نسبته إلي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ.
وصلاة الجماعة تفوق بصفة عامة صلاة الفرد لأنها من وسائل تحقيق المقصد الديني الأعظم الرابع فضلاً عن الثاني، أي هي من وسائل إعداد وبناء الأمة الربانية الخيرة الفائقة، وهي كذلك من وسائل الحفاظ على كيانها وبنيانها وزيادة تماسكها وتقويتها.

*******

هناك تعليق واحد: