الخميس، 28 مايو 2015

من سيرة علامة زمانه وفريد عصره وأوانه الجهبذ صحيح بن أصح بن مرزبَّة

من سيرة علامة زمانه وفريد عصره وأوانه الجهبذ صحيح بن أصح بن مرزبَّة






قرر الشيخ صحيح، وكان في شرخ الطفولة أن يجمع المرويات، حضر دروس من كانوا في بلدته في أقصى الدنيا والتهم ما عندهم في بضع سنين، عرف الناس عنه هذا الولع وخاصة يهود بلده فزودوه بما لذَّ وطاب منها، ضاقت به بلدته الصغيرة فقرر أن ينطلق في الآفاق، نما إلى علمه أن الشيخ الدبّ من مدبّ الذي يسكن في الدائرة القطبية الشمالية يروي أحاديث ثلاثية، ضرب إليه أكباد الإبل ضربا مبرحا، وأخيرا وجده، دخل عليه وجده مشغولا بأخذ قطعة من لحم امرأة متجمدة ليشويها، دعاه إلى تناول الطعام معه، ولكنه رفض بأدب رغم أن رائحة الشواء كانت مغرية، أدهشه بما لديه من علم غزير، أخذ كل ما عنده، ولكنه أراد أن يستوثق من مصادره، سأله بأدب جمّ، ولكن من أين أخذت كل هذا العلم؟ نظر إليه الشيخ الدب نظرة أوقعت في قلبه الرعب، وصرخ فيه: "ألا تثق في عدالتي يا كلب؟" صرخ بخوف وهو ينظر إلى بقايا المرأة المتجمدة: "حاشا وكلا ياسيادة الدب، ولكنه إجراء روتيني فقط كما تعلم، أنت لا تعلم مدى معاناتنا من البيروقراطية"، قال له: "إذًا لا بأس، أخذت هذا العلم عن الشيخ ثعلبان بن سعفان"، قال: "وهل هو حيّ؟" قال: "كلا، لقد قتله أحد أفراد عائلتنا الدببية عندما ضبطه يحاول أخذ فريسة له كان يخفيها في مكان آمن"، قال صحيح وهو يرتعد: وهل أنت واثق من عدالته؟ قال: من أكله أخبرني أن لحمه كان حلو المذاق.
سأله قبل أن يرحل عن شيخ لديه ما ليس عنده من المرويات، دله على الشيخ البطريق في الدائرة القطبية الجنوبية، هرول مسرعا إلى المحيط الهندي، حاول أن يأخذ أحد المراكب إلى هناك، لم يجد من يقبل بذلك، اشترى مركبا على نفقته الخاصة، عانى الأهوال حتى وصل إلى الشاطئ، ولكنه وجد هناك ما لا حصر له من البطاريق، لم يستطع أن يميز الشيخ البطريق من بينهم، مضت السنون وهو يبحث عنه دون جدوى، وأخيرا وجد كائنا غريب الشكل خارجا لتوه من المحيط، كانت يداه عبارة عن زعنفتين، وليس له قدمان بل ذيل كذيل السمكة، قال له ضارعا: أيها الكائن الغريب، لقد جئت لأبحث عن الشيخ البطريق، ولكن البطاريق تشابهت علينا، وقد مضت سنوات حتى كدت أيأس، قال الكائن الغريب: لقد وقعت على خبير، تعال معي فأنا ذاهب إليه، أخذ كل ما عنده وسجله في حافظته الحديدية.
قبل أن يرحل سأله عن شيخ آخر يثق في عدالته، دلَّه على الشيخ حبراوي في العراق، ذهب إليه وهو يهرول، سأل عنه، دلوه على بيته، وصل إليه في الفجر، وجد الشيخ يرتدي قناعا لا يظهر منه إلا عيناه كالقناع الذي سيستعمله رجال العصابات في القرن العشرين، ويتحلق حوله أربعون فارسا من الفرسان الأشداء.
اقترب من الشيخ وتوسل إليه أن يصحبه، قبل الشيخ بعد إلحاح شديد، انطلق الشيخ وفرسانه، هجموا على بيت المال واستولوا على كل ما كان فيه، انفرجت أسارير صحيح، ثبتت بذلك عدالة الشيخ حبراوي عنده، أخذ ينهل مما لديه من مرويات غزيرة حتى شبع وارتوى، قبل أن يرحل سأله عن شيخ متمكن، دله على الشيخ ابن إسرائيل، قال له: وهل يجوز التحديث عنه؟ صرخ في وجهه: ألم تسمع عن مروية "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج"؟ ظننتك عالما!! قال صحيح وهو يرتجف: "لا بأس، دلني عليه، قال له: إنه من بلدك.
هرول صحيح عائدا إلى بلده، أخذ من ابن إسرائيل كل مروياته، وأُعجب بما فيها من إعلاء لشأن بني إسرائيل وبيان الخدمات التي قدموها للديانة السمحة.
وقبل أن يرحل سأله كعادته عن شيخ آخر يثق في عدالته، دلَّه على الأصفهاني في بلاد فارس، ذهب إليه، وجده مشغولا بتنظيم أمور جيش مكون من أربعة آلاف امرأة كان يقتنيهن في قصره وتقسيمهن إلى كتائب وفصائل واختيار أشرسهن لتولي القيادة في هذه الكتائب والفصائل، وتقسيم وقته فيما بينهن، كان على هذا الشيخ أن يدور على كل هذه النساء بمعدل امرأتين كل ليلة على أن يجامع كل واحدة منهن مرة كل شهر أيضا، كانت مسألة رياضية معقدة اشترك الشيخ صحيح مرغما في محاولة حلها مع الشيخ الأصفهاني، وكان عليه أن ينتظر أن تتم دورة كاملة بنجاح قبل أن يفرغ له الشيخ، بالطبع حدثت أخطاء وظروف مفاجئة، ولكن على أية حال لم يطل انتظاره، بعد حوال 16 عاما كان الشيخ قد فرغ له بعض الشيء، لم يستغرق أخذ ما عنده من المرويات إلا بضعة أيام فقط، وكالعادة سأله قبل أن يرحل عن شيخ يمكن أن يجد عنده جديدا في هذا الفنّ، قال له يوجد شيخ في الهند يروي مرويات لم يسمع بها أحد من التابعين ولا تابعي التابعين.
ضرب إليه أمعاء الإبل حتى خرجت من بطونها، وصل إليه، رآه يحاول استدعاء فيله والفيل يتأبَّى عليه، قال له وهو يبتسم، تعال وسأعطيك تبنا مستوردا وصَلَنا للتوّ، جاء الفيل، فأعطاه الرجل ما عنده من التبن، سأله الشيخ صحيح: "وهل حقا هذا التبن مستورد؟" ابتسم الشيخ وقال له: "بالطبع لا، ولكنه في الحقيقة جيد وطازج"، أثار هذا غضب الشيخ صحيح، صرخ فيه: "إنك حقا لكذاب أشر!"، وقام يهرول بعيدا، حاول الشيخ أن يلحق به، ولكنه صرخ فيه: "لا آخذ شيئا عن كذاب مثلك".
سأل المارة عن شيخ آخر له في هذا الفن، دلوه على الشيخ السفاح بن الملاح الذي يسكن قمة إيفرست في جبال الهيمالايا، أخذ ما يلزم من معدات لتسلق الجبال، تمكن بعد عدة أشهر من الوصول إلى القمة وهو يلهث، وجد الشيخ مشغولا بذبح رجل وامرأته ليأكلهما، ارتعد من هول ما شاهده، ولكن لم يكن ليضيع فرصة ليأخذ من رجلٍ كهذا أثبت بالبرهان العملي عدالته؛ كان يأكل من الجثتين بالعدل وفقا للشرع، أخذ كل ما عنده، وكالعادة سأل الشيخ عن رجل يضارعه في مستواه، قال له عليك بالشيخ جلاد بن نهاب الذي يسكن وراء بحر الظلمات، هو يعرف أحاديث لا يعرف الصحابة أنفسهم عنها شيئا ولم يسمعوا بها أبدا.
نزل الشيخ جبال الهيمالايا وهو يكاد يطير، قطع المسافة إلى المحيط الأطلنطي في بضع ساعات مع أنها تستغرق بمقاييس وإمكانات عصره سنوات، قيل له إن السفينة التي ستعبر البحر ربما تتأخر بضعة قرون، لم يبال بذلك ألقى بنفسه في البحر، حملته الأمواج إلى هناك، لم يمكث في البحر إلا أربع سنوات، نزل إلى الشاطئ وهو يلهث من التعب، لم يضيع وقتا، انطلق يعدو ليدرك الشيخ جلاد، وجده يجلد بهمَّة وقوة مجموعة من النساء والرجال ثم قام بصلب بعضهم وقطع رؤوس الآخرين، استعمل بعضها كمشاعل وقام بطبخ الباقي، هم بالفرار ولكنه لم يشأ أن يضيع فرصة كهذه بعد أن أثبت له الشيخ جلاد عدالته بجليل أفعاله، ما إن رآه حتى انقض عليه وقام بجلده هو الآخر بعد أن نهب ما معه من الدنانير الذهبية، بعد أن فرغ من جلده سأله عن سبب مقدمه إلى بلاده من آخر الدنيا، حدثه عنه، قال له "أبشر ستجد عندي ما لم تجده عند غيري"، مكث عنده ثلاثين سنة حتى استوعب كل ما عنده.
التهمَ صحيح ما وجده عند جلاد، ثم سأله عن شيخ آخر ليأخذ عنه، دله على الشيخ صادق بن عفيف في المشرق، ذهب إليه وجده يصدق في قوله ويعف عن سؤال الناس وعما لا يليق بمثله، وكان رغم فقره يطعم الطعام ويعين على نوائب الدهر، ولكنه فوجئ بأنه يلبس قميصا مختلفا بعض الشيء عن قميصه ويرتدي عمة تختلف عن عمته، أدرك أنه محدِث مبتدع زنديق، فرَّ سريعا من أمامه، ولم يستطع الشيخ أن يلحق به.
علم بالصدفة بوجود شيخ كبير ملم بمرويات ذات قيمة عالية، ذهب إليه وهو يمنِّي نفسه بثروة هائلة من المرويات، استقبله الشيخ بترحاب، بدأ يحدثه بما يعرفه، كان كلاما غير مألوف بالنسبة لصحيح، أخذ يصغي بكل جوارحه، ولكن فجأة لمح اسم الشيخ كاملا مكتوبا على كراسة أمامه، اكتشف أنه من ذرية أهل البيت، استحوذ عليه الرعب، انتفض من مكانه وأطلق ساقيه للريح.
سأل المارة في الطريق الدولي السريع عن شيخ آخر متمكن في هذا الفن، دلَّه أحدهم على شيخ بلا نظير يقيم في حفرة في قاع المحيط الهادي، أسرع إلى هناك كعادته تسبقه همته، عند الشاطئ سأل عن معدات الغوص، قال له أحدهم، لا توجد في هذا العصر، ولكنها ستوجد بعد عدة قرون، تضرع إليه صحيح طالبا أن يجد له حلا ولو مقابل كل ما معه من دنانير ذهبية، تأثر الرجل بشدة خاصة بعد أن رأى أن كاهله ينوء بما يحمل من هذه الدنانير، أتاه بالفعل بمعدات الغوص من أحد أحفاد أحفاده الذين سيعملون في هذه التجارة من بعد.
وهكذا، ألقى صحيح بنفسه في المحيط الهادي، ضرب إلى شيخه الجديد أكباد الحيتان والدلافين وأحشاء السمك، رغم أنه من المفترض أن يحطم ضغط المياه جسده إلا أن قوانين الطبيعة لم تقوَ على الشيخ صحيح، لم يجد في المحيط أحدا سمع عن شيخه هذا، اضطر لأن يقطع المحيط من الشاطئ إلى الشاطئ عدة مرات، لم يجده إلا بصعوبة بالغة بعد أن استغرق ذلك منه عشر سنوات، وأخيرا وجده بالفعل قابعا في حفرة، كان يداعب عندها سمكة ضخمة، تأكد من عدالته باختبار قصير، ثم سأله عما لديه، قال له لقد وقعت بالفعل على خبير، استمع إليه صحيح باهتمام، ولكنه لم يجد لديه ما يستحق كثير الاهتمام، خرج من عنده وهو يجر أذيال الخيبة، اتخذ سبيله في البحر تضربه سمكة وتعضه سمكة، وكاد يهلك عندما لاحقه أخطبوط، ووصل إلى الشاطئ وهو بين الحياة والموت.
لم يقتنع حتى الآن بما لديه من ثروة من الحكاوي خاصة بعد خيبة أمله في شيخ المحيط الهادي، ظل يسأل القاصي والداني عن شيخ آخر ليروي عنه، دلوه على الشيخ الجائر الشهير بالباغي، ضرب إليه كبد نفسه بعد أن أفنى في أسفاره السابقة إبله، وجده يقوم بدفن أحد الأشخاص حيا لأنه شهد شهادة حق، انتظر انتهاء المراسم، كان على الشيخ جائر أن يحكم في قضية عاجلة، جاؤوا إليه برجلين قام أحدهما بسرقة مال الآخر وكسر يده اليمنى، حكم بسرعة بأن يقوم السارق بإتمام معروفه وكسر اليد اليسرى للمسروق حتى تتحقق العدالة بين اليدين، تأكد صحيح بذلك من عدالة الشيخ الجائر وأقبل عليه ونهل من جهله، مكث عنده حوالي تسعين سنة حتى استوعب كل ما عنده، كان عنده بالفعل الكثير.
ولكن كان لديه شعور غامض أنه مازال هناك ما لا يعرفه، لذلك بدأ من جديد البحث والتحري، استعان بالمخابرات الأمريكية CIA والمخابرات الروسية وكل ما سيكون معروفا من أجهزة المخابرات القوية قبل نشأتها، ولكن أجمعوا جميعا على أنه لم يعد هناك في الكوكب الأرضي من يملك ما يملكه صحيح من المرويات، ولكن وعدوه بالبحث في المجموعة الشمسية على الأقل عمن يكون لديه بعضها.
وأخيرا وبعد طول انتظار جاءه الخبر بأنه يوجد شيخ في كوكب عطارد أقرب الكواكب إلى الشمس لديه ثروة هائلة من المرويات التي لم تخطر بقلب بشر، كاد قلب صحيح يقفز من صدره من الفرحة، ولكن سرعان ما اصطدم بالحقيقة المؤلمة، كيف يمكنه الوصول إلى هذا الشيخ المقيم في عطارد؟ أخذ يتضرع إلى أجهزة المخابرات التي أعطته المعلومة، وبعد البحث والتحري الدقيق تبين أن أحد أحفاد أحفاد أحفاده سيكون من العاملين في النظافة في وكالة الفضاء الأمريكية، توسل إليه أن يساعده، بعد طول إلحاح وعده بأن يبذل قصارى جهده، وبالفعل وصلته من القرن 22 الميلادي حلة فضائية يستطيع الانطلاق بها عبر الفضاء.
وهكذا بدأ رحلته الفضائية وأتمها بنجاح باهر، رغم أن الحرارة الهائلة الشديدة أذابت الحلة الفضائية إلا أن صحيح أثبت من جديد أنه جامد ومتين ولا يحتاج حتى إلى ماء أو أكسيجين، وبعد بحثٍ مضنٍ وجهد جهيد وجد الشيخ الموعود، كان يرتجف بشدة، سأله عن السبب، قال: ألا ترى أن الجو اليوم بارد؟ قال صحيح: كيف يكون باردا وقد تبخرت الحلة الفضائية من شدة الحرارة؟ صرخ فيه الشيخ صرخة اهتز لها كوكب عطارد: أتجادلني؟ وكشر عن أنيابه وتطاير الشرر من عينيه، ارتعد صحيح، وقال ضارعا: كيف ذلك وقد جئتك من الأرض طالبا التبرك بما لديك من العلم، انفرجت أسارير الشيخ، وقال له: إذًا أسمعني قصيدة مدح، أخذ صحيح يلقي عليه ما حفظه من قصائد المدح في مدرسة مرزبة الابتدائية المشتركة إلى أن رضي وتشبع تماما، ثم أخذ يلقي عليه ما لديه.
اشتد شوق صحيح إلى الأرض، ولكن كيف له أن يعود؟ قال لنفسه: طالما أتحمل حرارة الشمس التي أكاد ألمس أذرعتها اللاهبة ما هي المشكلة، كل ما هو مطلوب أن أقفز على كوكب الأرض إذا مر من تحتنا.
أخذ صحيح يترقب مرور كوكب الأرض من تحت عطارد، وما إن ظهرت حتى ألقى بنفسه عليها، وما إن وصل إلى المكان الذي كان من المفترض أن يجد فيه الأرض إلا وقد وجدها قد فارقته منذ زمن بعيد، أخذ يضرب كفَّا بكف، وهو في عجب، وفي غاية التعب، وفجأة سمع ضحكات قادمة من المستقبل البعيد، صاح فيهم: "من أنتم؟ ولماذا تضحكون؟" قالوا: "نحن علماء فضاء من روسيا التي ستحتل بلادكم بعدك بعدة قرون، ونضحك لأنه كان عليك أن تتجه نحو الموقع المستقبل للأرض وليس الموقع الحالي وأن تحسب مسارك جيدا، على العموم هذه مسألة رياضية شديدة التعقيد لم تُحلّ إلا في القرن العشرين، قال وما العمل، قالوا لا عليك، ستمر الأرض من تحتك بعد عدة أيام، وسنخطرك نحن بالاتجاه الصحيح، وسنعمل على تصحيح مسارك.
تمَّت التجربة بنجاح، سقط صحيح في المحيط الأطلنطي صديقه القديم، ولكنه لم يبدِ تجاهه أية رحمة هذه المرة، سلط عليه شتى المخاطر من أمواج هائلة وأسماك مفترسة، ذاق صحيح من الأهوال ما لم يخطر بالبال، حتى أن أكثر ما تعلمه في عطارد تبخر، وكان على صحيح عندما عاد أن يبذل قصارى جهده ليرمم ما بقي وليتذكر.
كاد الشيخ صحيح يكتفي بما جمعه إلا إنه علم بمحض الصدفة بوجود الشيخ بينظير (كلمة أوردية تعني بلا نظير) يوجد عنده من المرويات ما ليس عند غيره، ضرب إليه كبد نفسه حتى وصل إلى مدينته في قلب الصحراء، سأل عنه، دلوه على سوق الرقيق، قال لهم: وماذا يفعل هناك، قالوا له وهم يبتسمون: ستعلم بنفسك!
ذهب إلى السوق، وجد حشدا هائلا من الناس، وقع في قلبه أنه سيجد الشيخ في قلب هذا الحشد، بدون سؤال شق الحشد مستعملا قوته الخارقة إلى أن وصل إلى قلبه، وجد الجميع يراقبون شيخا مهيبا يقوم بفحص فرج إحدى الفتيات، كان أمامه على الطاولة مجموعة من الأجهزة الغريبة العجيبة، بعد أن انتهى من فحص فرجها أخذ يفحص ردفيها باستعمال أجهزة أخرى.
أخذ صحيح يتابع العملية بشغف، بعد أن فرغ بينظير من فحص هذه الفتاة أشار إشارة معينة، قدموا إليه فتاة أخرى شقراء، كرر نفس العمل السابق بدقة شديدة، ثم أشار إشارة أخرى.
استمرت عمليات الفحص إلى أن غربت الشمس وانفض الجمع، تأهب بينظير للعودة، ومعه مجموعة منتقاة من الجواري، تقدم منه صحيح، وقبل الأرض بين يديه، وأصر على أن يحمل عن عبيده الحقيبة التي تحتوي الأدوات العجيبة، وطلب من بينظير استضافته ليتلقى شيئا من مروياته.
استضافه الشيخ، وأمر له بما لذّ وطاب من الطعام، ثم استأذنه ليقوم ببعض المهام الخاصة مع مقتنياته البشرية الجديدة.
عند الصباح كرر صحيح طلبه، فقال له بينظير إن عليه أولا أن يزور بيت الوالي لمهمة خاصة، خرّ صحيح تحت قدميه سائلا إياه أن يصحبه إلى الوالي ليتفرج عليه، قبل بينظير بإلحاح شديد.
في الطريق إلى الوالي ألح صحيح في السؤال عن حقيقة الأجهزة الغريبة التي كان بينظير يستعملها لفحص عورات الفتيات، قال له وهو يبتسم: إن هذه أجهزة لا يعلم الناس الآن عنها شيئا، ولن يعرفوا عنها شيئا إلا بعد قرون عديدة متطاولة، حصلت عليها بعد عناء وإلحاح شديد، ولولا مكانتنا الهائلة لما جادوا علينا بها، وهي لا تمكنك من التأكد من سلامة الفروج والأرادف فحسب، بل تمكنك أيضا من التأكد من أنها طبيعية وليس فيها سيليكون، كان صحيح يحملق في ذهول، هم بتوجيه مزيد من الأسئلة، ولكن الركب كان قد وصل إلى بيت الوالي.
دخلا معا إلى الوالي، ألقى منظره الرعب في قلب صحيح حتى أطار من حافظته كل المرويات التي تتحدث عن الحكم بالعدل والقيام بالقسط وعن القيم والمبادئ والمثل العليا والأمور الوجدانية، كان الوالي شيطانا مريدا يتطاير الشرر من عينيه ويتحلق حوله مجموعة من السيافين، وأمامهم نطع كانوا يقطعون عليه رؤوس مجموعة من الناس، ثم يقوم غيرهم بتعليقها على أسنة رماح، كانوا يمارسون عملهم بدقة شديدة ونظام وانضباط، وفي ناحية أخرى كان آخرون يلعبون مبارة كرة قدم بأحد الرؤوس ويتغالى صياحهم.
تقدم بينظير من الوالي وهو يرتعد، قبل قدميه، ألقى إليه صرة، قبلها شاكرا، تقدم منه صحيح، وأخذ يقبل هو الآخر قدمي الوالي، أثناء انهماكه في التقبيل، رفسه الوالي رفسة هائلة ألقته على النطع أمام السيافين، كان الوالي يقهقه قهقهات شيطانية، صرخ صحيح، أخذ يتشفع في ضيفه المسكين، كان الوالي يستمتع برؤية ملامح الرعب على وجه بينظير وبسماع الصراخ المدوي من صحيح، وبعد أن قضى وطره قبل شفاعة بينظير في صحيح.
قال صحيح لبينظير شاكيا إن جزءا كبيرا من مروياته قد تبخرت بسبب هول ما عاينه عند الوالي، قال بينظير: هذا من الأفضل على أية حال، وسأعوضك عنها بمرويات تحظى بالقبول عند هذا الوالي وأمثاله فلا تتعرض بعدها لأي خطر.
بعد أن أعاد صحيح شحن حافظته بالمرويات سأل بينظير عن شيخ آخر يكون عنده المزيد من المرويات، قال له: سأدلك على من لديه كنز من المرويات، إنه الشيخ ابن نَمِرة، لقبوه بذلك اللقب لكونه تربى في بيت نمرة، وكانت هي التي ترضعه وتقوم بشؤونه.
صرخ صحيح: وأين أجد هذا الشيخ؟ قال بينظير، وهل هذا سؤال؟ في أدغال أفريقيا بالطبع! تذكر صحيح ما عاناه كثيرا من أهوال البحث عن المشايخ، سأل ضارعا: هل من تحديد أكثر؟ قال بينظير: عند خط الاستواء، تهلل وجه صحيح.
سافر إلى مصر، تتبع مجرى النيل إلى أن وصل إلى وجد لافتة مكتوب عليها بالإنجليزية رغم أن الإنجليز لم كونوا قد وصلوا إلى هنا بعد: The Equator.
أخذ يبحث عن غابة النمور، قاسى الأهوال إلى أن وصل إلى هناك، وما إن بدأ يلتقط أنفاسه إلا ووجد نمرا ضخما يطرحه أرضا ليبدأ في التهامه، لم ينقذه إلا صياح إنسان جعل النمر يقوم عنه، وقع في قلبه أن هذا الرجل هو بلا شك ابن نمرة.
أخذ يقبل يديه وقدميه، قصَّ عليه قصته، اصطحبه ابن نمرة إلى منزلة، ما إن دخلوا حتى وجدوا مجموعة من صبية النمور تلعب ألعابها الشهيرة، ألقى ابن نمرة بنفسه في وسطهم، واندمج في اللعب معهم، ونسي صاحبه، على كل حال لم يطل صبر صحيح كثيرا، بعد ثلاث ساعات توقف اللعب، تنبه ابن نمرة إلى وجود صاحبه، اعتذر له، وطيب خاطره بأن قصّ عليه بعض المرويات الخفيفة، حاول صحيح أن يحصل على المزيد دون جدوى، اعتذر له ابن نمرة بحلول موعد الصيد، همَّ صحيح بالذهاب معهم، ولكنه بعد أن علم شيئا عن هذه المراسم جزم بأنه لو فعل فسيكمل ليلته في معدة أحد الوحوش.
وهكذا انتظر إلى أن عاد ابن نمرة، قضى عنده بضعة أشهر حصَّل فيها كل ما عنده ثم قرر العودة إلى بلده.
ورغم رفضه الأخذ عن كثير من المشايخ المعاصرين لأسباب وجيهة وقوية إلا أنه تجمعت لديه كمية من المرويات تصل إلى عدة ملايين، كان عليه أن يفحص ويمحص كل ما جمعه خاصة وأن شهرته ذاعت وقصده الناس من المشارق والمغارب، ولكن تلك قصة أخرى.
كان ملايين الناس ينتظرون على أحرّ من الجمر أن ينهي الشيخ صحيح بن أصح عمله، بادروا بحجز نسخِهم من كتابه قبل أن يبدأ فيه أصلا، كانوا قد ضاقوا ذرعا بالقرءان واتخذوه وراءهم مهجورا، لم يستسيغوا أن يطالبهم بأمور مستحيلة مثل أن يذكروا ربهم وأن يوثقوا صلاتهم به وأن يؤدوا الأمانات إلى أهلها وأن يحكموا بالعدل وأن يقوموا بالقسط، وأن يسيروا في الأرض لينظروا كيف بدأ الخلق وأن يتفكروا في خلق السماوات والأرض وأن يفقهوا ويتفكروا ويعقلوا، يا لها من أمور فوق طاقة البشر!
ولكن كان ثمة بقية من ضمير لدى بعضهم تؤرقهم، نشب صراع سريع بين الفريقين، استقر رأي الجميع على أنه لابد من بديل يتناسب معهم ومع سقفهم الحضاري ومستواهم الأخلاقي البهيمي ويعطيهم العزاء والأسس التي تمكنهم من تحمل عسف أهل الجور الذين يتسلطون عليهم ويسومونهم سوء العذاب، كما يشرعن لهم تخليهم عن أوامر الدين الكبرى المذكورة في القرءان، لم يكن الموضوع يعني أهل الجور كثيرا، إنهم يحكمون الناس بالحديد والنار، والويل لمن أبدى أدنى احتجاج، وكانوا يعلمون جيدا أن صحيح وكل من سيتأسَّى به يرتعدون هلعا منهم وأنهم لن يفعلوا إلا ما يتقون به سطوتهم.
امتدت طوابير الانتظار حول بيت صحيح في كل اتجاه، وصل أولها إلى المحيط الهادي والثاني إلى المحيط الهندي والثالث إلى المحيط المتجمد الشمالي والآخر إلى المحيط الأطلنطي.
ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن! حدث ما عكر صفو الأمور، كان صحيح قد أصدر فتوى لأهل بلده بأن من يرضع من بقرة أو ماعز فإنها تحرم عليه هي وكل من رضع منها!! اكتشف أهل البلدة أن كل رجالها حرام على كل نسائها، انتابهم الهلع، كان الابن ينظر بهلع إلى أبيه والزوجة إلى زوجها، وطمع كل رجل في زوجة غيره، اختل كل شيء في همجستان القديمة، كان الحل أن يتفرقوا في البلدان، ولكنهم رأوا أن الحل الأسهل هو أن يفرقوا الشيخ صحيح على البلدان، استقر رأيهم على أن يقطعوه إلى أربعة أرباع وأن يسترضوا كل طابور من المنتظرين بربع منه!
ولكن كل ذلك لم يثنِ الناس عن طلب كتابه، وبناءً على طلب الجماهير بدأ حشد من المجهولين في تجميع كتابه وتخليد ذكراه، ولكن صادفتهم عند أول وهلة عقبة فنية صغيرة، إن مجموع السنوات التي قضاها في تلقي المرويات عن مشايخه طبقا لما هو مروي عنه تزيد كثيرا على عمره الحقيقي، لا بأس يمكن التغلب على كل هذه العقبات ببعض الحيل البسيطة والأساطير الظريفة، هؤلاء المنتظرون منذ حوالي ثلاثة قرون مستعدون لتقبل أي شيء يحلهم من الالتزام بالقرءان، وقد وضعوا مسبقا كل ما يلزم من القواعد التي تشرعن لهم ذلك.
وأخيرا بعد حوالي قرنين من العمل الشاق ظهر الكتاب للنور، وتلقته الأمة بالقبول، عكف الجهابذة على شرحه وتفسيره وبيانه، وقرروه على طلبة المدارس وعلى الجنود الذين كان عليهم أن يرتلوه أو أن يستمعوا إلى ترتيله قبل أن يخوضوا المعارك، وقد أثبت الكتاب فعاليته دائما في جلب الهزائم على كل من يلتزم بذلك، ولقد ألقى بالأمة إلى جهنم الجهل والتخلف والصراع والفتن، ولذلك اشتد تمسكهم به، فما أحلى أن يجد الإنسان ما يسلي به نفسه، وهل ثمة أفضل من أن تجد نفسك في صراع مصيري مع كل من اختلف عنك؟ هل ثمة ما هو أفضل لكسر حدة الشعور بالملل والضجر؟ هذا مع اطمئنانك التام إلى أن النجاة هي لك ولمن هم مثلك وأن رب العالمين موظف عندهم وعندك؟

*******
   


هناك تعليقان (2):

  1. رائع لم يسبقك احد في هذا،فعلا أنت عبقرية إسثتنائية وعلامة القرن الواحد والعشرون بدون منازع،بارك الله لنا فيكم

    ردحذف