الثلاثاء، 19 مايو 2015

طاعة الرسول

طاعة الرسول
 
من أركان الإسلام الإيمان بأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ هو خاتم النبيين وأنه المرسل رحمة للعالمين والعمل على إقامة صلة وثيقة به، وذلك يقتضي تعظيم قدره والصلاة والتسليم عليه وطاعته والتأسي به والتمسك بسنته.
لذلك لا يجوز الاستهانة بأمر طاعة الرسول، فمن بلغه أن الرسول قد أصدر أمرا وكان هو من الذين يسري عليهم هذا الأمر فقد وجب عليه طاعته، ويجب على كل مسلم أن يقرأ بتمعن:
{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء:80]، {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِين} [المائدة:92]، {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون} [النور:56]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُم}[محمد:33]، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِين}[التغابن:12]
 
وطاعة الرسول هي عدة أنواع كما يلي:
 
1-    طاعته في الرسالة التي أرسله الله تعالى بها، وهي القرءان الكريم، فمن يطع أمراً قرءانيا يكون قد أطاع الله ورسوله بالضرورة.
2-    طاعته كولي أمر للمسلمين، وهذه كانت ملزمة للمسلمين في العصر النبوي، فكل مسلم كان ملزماً بطاعة الرسول في أوامره اليومية لهم وملزما بحكمه وقضائه فيما بينهم، وكان لابد من ورود الأوامر المشددة بطاعة الرسول لهم حيث أنه لم يكن ملكا تجب طاعته لكون كذلك، كما لم يكن عليهم جبارا ولا حفيظا ولا مصيطرا ولا وكيلا.
3-    طاعته في كيفيات تنفيذ الأوامر التعبدية مثل كيفية أداء الصلاة والحج مثلا، فهو أعلم خلق الله بملة إبراهيم التي أمر الله باتباعها، وهو أعلم وأفقه الناس بمقاصد ومعاني القرءان الكريم.
4-    طاعته في السنن العملية الخاصة بالشعائر التعبدية العملية التي انتقلت عبر القرون بالتواتر الجماهيري.
5-    وهناك أمور منسوبة إليه في المرويات الآحادية الواردة في كتب المرويات، ومشكلة هذه المرويات أنها ظنية الثبوت، فهي لا توفي بالشروط الشرعية اللازمة للأخذ بها، وهي وجود وثائق مدونة بمحضر من شهود عدول حقيقيين، هذا فضلا عن أن الرسالة لم تكتمل إلا قبيل انتقاله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وكان القرءان ناسخاً بالطبع لأمور يمكن أن يكونوا قد التزموا بها لبعض الوقت، ومن أمثلة ذلك التوجه إلى غير المسجد الحرام في الصلاة أو منع أن يقربوا النساء في ليالي الصيام، كما أن أساليب جمع هذه المرويات وتمحيصها وكل ما يتعلق بها يجعلها بلا مصداقية في ذاتها، فلا يجوز الأخذ بها إلا إذا كانت متسقة تماما مع دين الحق المستخلص من القرءان الكريم، فهذا الاتساق هو لازم لإمكان الأخذ بالمروية، ذلك لأن ما نسبوه إليه لم يرد بطريقة شرعية حقيقية.
فلا يجوز ولا يحق لأحد إلزام الناس بطاعة المرويات الظنية التي نسبها الرواة إلى الرسول في القرن الثالث الهجري، هذه المرويات لا شرعية لها إلا إذا ثبت اتساقها المطلق مع دين الحق الماثل في القرءان الكريم، ولا يجوز التدليس على الناس بالزعم بأن طاعة هذه المرويات الظنية هي بعينها طاعة الرسول.
إنه لا يجوز لأحد أن يتخذ من الأمر بطاعة الرسول وسيلة للإطاحة بالقرءان أو جعله كتابا ثانويا في الدين، فالأمر بطاعة الرسول هو أولا وبالأصالة أمر بطاعة الأوامر الواردة في الرسالة التي حملها هو بنفسه من ربه الذي يعبده ويخشاه ويتهجد له.
*******
إن كل مسلم مأمور بطاعة الرسول، وطاعة الرسول والاحتكام إليه والرضي بما يقضي به خير عاقبة وأحسن تأويلا ومن أسباب استحقاق الرحمة الإلهية والفوز بمراتب الصلاح والدخول في معية أولياء الله المقربين، وطاعة الرسول والرجوع إليه إنما تكون بالرجوع إلى الكتاب الذي أنزل عليه وأرسل إلى الناس به وبطاعة أوامره التي تضمنها هذا الكتاب وكذلك بالالتزام بما سنه للناس من أمور تتعلق بكيفيات القيام بالأوامر القرءانية مثل كيفيات إقامة الصلاة وأداء مناسك الحج وبالتأسي به من حيث جهاده في سبيل الله وعمله لإعلاء كلمته والدعوة إليه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير وتحقيق العدل والقيام بالقسط……إلخ، فالأمر بطاعة الرسول إنما هو أمر بطاعة الأوامر المحكمة التي تتضمنها رسالته أي الكتاب الذي أرسل به للناس كافة وليس أمرا بالالتزام المطلق بالمرويات الظنية الآحادية التي فرضها علي الناس أتباع أحد المذاهب الشركية التي فرقت الدين ومزقت الأمة، إن عصيان الله ورسوله مرادف للكفر أما الطاعة فهي من مظاهر الإيمان فهي خير عاقبة وهي من أسباب الرحمة.
*******
إن الناس ملزمون بطاعة الرسول، ومجال الطاعة هو تلك الأوامر التي تتضمنها الرسالة التي أرسله بها الله تعالى للناس كافة، ولا يرفض طاعة الرسول والاحتكام إليه إلا منافق، ولقد كان المنافقون يحرض بعضهم بعضاً علي معصيته فلم يجنوا من وراء ذلك إلا الحسرة والندم والخزي، ولقد رأي الناس كيف انتصر عليهم، وسيكون مصير كل من نافق كمصيرهم، والرسول لا يملك من الله شيئاً لمنافق أو كافر.
*******
لقد كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ عبدا خالصاً لله، ولقد شهد الله له بذلك، قال تعالى:
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الإسراء1  *  {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }الأنفال41  *  {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا }الكهف1  *  {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً }الفرقان1  *  {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }الزمر36  *  {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى }النجم10  *  {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }الحديد9  *  {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً }الجن19
ولقد نفي أن يكون قد أخذ أجراً على رسالته في آيات بينة محكمة:
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا(57) (الفرقان)  *  قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(47)  *  قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ(86) (ص)  *  قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ(90) (الأنعام  *  أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ(40) (الطور)  *  وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(104) (يوسف).
وفي هذا الإطار ينبغي أن تفسر آية الشورى إذ لا اختلاف في القرءان:
قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ}الشورى23، فالمودة في القربى هي حقه الذي هو له عليهم طبقاً لشريعتهم؛ ذلك لأنه كان له صلة قرابة بكافة فروع قبيلتهم.
*******
والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ كان العبد الخالص لربه بل كان أول العابدين وأول المسلمين، لذلك فهو أول من يطيع ربه ويجل ويوقر قوانينه وسننه وهي تقتضي حرية الاختيار فيما يتعلق بأمر الرسالة؛ لذلك فهو ليس بحفيظ عليهم وليس عليهم بوكيل وليس عليهم بجبار أو بمسيطر، قال تعالى:
{مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }النساء80  *  {قَدْ جَاءكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ }الأنعام104  *  {وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }الأنعام107  *  {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ }الشورى48  *  {وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ }الأنعام66  *  {وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }الأنعام107  *  {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ }يونس108  *  {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً }الإسراء54  *  {إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ }الزمر41  *  {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ}الشورى6  *  {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ }ق45  *  فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ{21} لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ{22} (الغاشية)  *  {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ }آل عمران128.


*******

هناك تعليقان (2):