الأحد، 17 مايو 2015

البحر والنهر




البحر والنهر

يظن أكثر الناس أن المصطلحات الحديثة تسري بأثر رجعي على القرءان، هذا غير صحيح، الكلمة في القرءان لها معناها اللغوي الأصلي، هو المعنى الذي كان يعرفه العرب، وقد يكسبها معنى اصطلاحيا له علاقة بالطبع بالمعنى اللغوي، وما اصطلح عليه الناس في العصر الحديث ليس ملزما للقرءان في شيء، فالتعريفات الحديثة غير ملزمة للقرءان؛ هذه بديهية!
مثال: احتاج الناس في علم الجغرافيا أن يميزوا بين ما يسمونه الآن بما يلي: المحيط، البحر، النهر!
وقد عرفوا كل واحد من هذه المصطلحات تعريفا دقيقا، فمصطلح "البحر" مثلا يطلق على أي تجمع كبير للمياه المالحة يتصل بالمحيط أو على البحيرات المالحة غير المتصلة ببحار أو محيطات أخرى كبحر قزوين والبحر الميت.
وكان العرب قديماً يستعملون مصطلح "بحر" للدلالة على أي تجمع للماء الكثير مالحا كان أو عذبا، وهذا متوافق تماما مع المصطلح القرءاني.
ولم يستخدم العرب كلمة "محيط" بالمعنى الحديث أبدا، فقد كانوا يطلقون على المحيط الأطلسي مسمى بحر الظلمات.
فكلمة "محيط" في القرءان لا علاقة لها بالمياه أصلا، وإنما هي باقية على أصل معناها هي والكلمات التي من نفس الجذر اللغوي.
و"المحيط" هو أيضا اسم من أسماء الله الحسنى.
فالمصطلح "بحر"، يعني في علم الجغرافيا الآن كيانات كالبحر المتوسط أو البحر الأحمر مثلا، ولا يعني الخليج (التي لم ترد في القرءان) ولا المحيط (بالمعنى الجغرافي)، ولكنه في القرءان يعني ما يقابل البر بصفة عامة، فهو الماءُ الكثيرُ، مِلْحاً كان أَو عَذْباً، وقد سُمي بذلك لعُمقِهِ واتساعه، فهو ينطبق على البحر والمحيط، وهو ينطبق على المياه العذبة والمالحة، وهو ينطبق على ما يُسمى الآن بالنهر الكبير وفروعه الكبيرة كنهر النيل مثلا، قال تعالى:
وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) الأنعام، قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) الأنعام، ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) المائدة، وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا (53) الفرقان، وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) فاطر.
أما كلمة "نهر" فهي تعني لدى الناس الآن المجرى الكبير للمياه العذبة؛ فله منبع ومصب، أما في القرءان فهو المجرى الصغير للمياه العذبة كفروع النيل الصغيرة في مصر والترع الصغيرة ومجاري المياه التي يشقها المزارعون في أراضيهم:
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) الكهف، وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) البقرة، أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ.....(266) البقرة، {....وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32)} إبراهيم، وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) الإسراء.
وآية سورة إبراهيم تبين بوضوح أن الأنهار هي ما لا يجري فيه الفلك، وهذا هو الفيصل بين النهر وبين البحر، فالحجم هو الفيصل وليس نوعية المياه، ولذلك فمصطلحات العامة في مصر مثلا هي الأكثر اتساقاً مع المصطلح القرءاني في هذا الشأن، فهم كانوا يقولون: بحر النيل، بحر مويس، ... الخ قبل شيوع التعليم الحديث الذي حرَّف بعض المصطلحات القرءانية أو لم يتسق معها.
وهذا يفسر قول فرعون: {... يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلاَ تُبْصِرُون} [الزخرف:51]، فقد كانت عاصمة ملكه في شرق دلتا النيل وكان يقيم وسط أراضيه الشاسعة التي ترويها أعداد كبيرة من الأنهار الطبيعية أو التي حفرها له الناس.

أما اليم فهو حالة خاصة من البحر العذب، فهو فرع من فروعه، وذلك مثل فروع النيل الصغرى التي كانت في الدلتا مثلا والتي اندثر أكثرها. 

هناك تعليق واحد: