الثلاثاء، 26 مايو 2015

الشيخ السلفي فلان وبطولاته في يوم الدين

الشيخ السلفي فلان وبطولاته في يوم الدين

قام الشيخ فلان بن علان من قبره، إنه كان في حياته الدنيا من عتاة السلفية، أخذ ينفض التراب عن لحيته الكثة والتي تكاد تصل إلى سرته، تحسس علامة السجود وتأكد من ضخامة حجمها، إنه مستعد تماماً لذلك اليوم المشهود، أخذ ينظر بازدراء إلى حشود الناس الذين كانوا يولولون ويصرخون ويبكون ويتلاومون.
انتظر الملائكة ليسوقوه إلى الجنة، لم يأت أحد! وجد أن عليه أن يسير مع الناس إلى مكان الحساب، كان واثق الخطوة يمشي مَلِكا، لمحه أحد الزبانية، كان لابد له من عمل مناورة معقدة ليلتقطه من وسط الحشود الهائلة التي تموج في بعضها البعض، حلَّق عالياً ثم انقض عليه كما ينقض الصقر على فريسته، لما لم يجد له ناصية فإنه لم يجد خيراً من لحيته ليأخذ بها، طار به إلى جهنم ليلقيه هناك، كانت ألسنة النيران تتصاعد وتتقافز وتكاد تختطفه منه، أخذ هو يصرخ فيه بكل ما أوتي من قوة، لم يستطع أن يتكلم ولا أن يبين، أخذ يقول في نفسه: ألا تدري من أنا؟ أنا الشيخ فلان بن علان الذي كانت الفتوى منه تهز الأرض هزا ويرتجف منها الناس خوفا وهلعا، فوجئ بالملك يقول له: لا حاجة بنا إلى معرفة اسمك، أدرك أن الملك يسمع ما يجول بخاطره، لذلك قال: وأين السؤال والحساب؟ قال الملك: لا حاجة بنا لشيءٍ من ذلك، لقد عرفناك بسيماك، صرخ الشيخ: لا، لا، لابد أن ثمة خطأ ما، هذا ظلم، قال الملك: لا ظلم اليوم، صاح الشيخ: أريد أن أقابل الإله، قال له: لا يحق لك ذلك، لقد عشت طوال عمرك مفتوناً بنفسك وفي غفلة عن ربك وستظل هاهنا محجوباً عنه أيضا، ولكن مع استمرار صياحه أُذن له بذلك، تنفس الصعداء، عادت إليه رباطة جأشه، أيقن بقدرته على إعادة الأمور إلى نصابها كما يتصوره هو.
قيل له: أنت الآن في الحضرة، تكلم، قال: ولكني لا أرى شيئا، قيل له: ألم تعلم أنه لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، قال: إنما هذا في الدنيا ونحن الآن في الآخرة، قيل له: الآية مطلقة فكيف تخصصها؟ وما هو منصوص عليه فيها هو من مقتضيات الاسم الإلهي اللطيف الخبير، والاسم الإلهي لا يتغير، وهل تتصور أن الله تعالى شخص محدود مثلك يمكن أن يحيط به بصرك، هل كنت تظن أنك ستجد رجلا ضخما فخما جالسا على أريكة هائلة مصنوعة من الجواهر مثلا؟! أما فيما يتعلق بالكلام الإلهي فعليك أن تقرأ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }الشورى51، كيف إذًا تتصور أن يدرك بصرك اللطيف الخبير أو أنك يمكن أن ترى العلي الحكيم؟ قال: وكيف أعلم أن من يكلمني هو الإله، قيل له: ستجد في نفسك الرد على أسئلتك وستعلم بالضرورة أنه من ربك بطريقة لا عهد لك بها ولا يمكن وصفها.
قيل له أن يتكلم فقال الشيخ: اسمع أيُّهذا الإله، إنني لا أحب الجدل الكثير خصوصا مع من كان إلها، لقد أعلنت أنني مؤمن بكتابك ولكن على فهم السلف، وعشت طوال حياتي كما شاء السلف وعلى فهم السلف، ماذا تريد أكثر من ذلك؟ قيل: لقد جاءكم الرسول بكتاب مني موقَّع على كل سورة من سوره باسمي، ألا تعلم أن من أسمائي الرحمـن الرحيم، وهذا هو الكتاب الذي تكفلت بحفظه وألزمتكم به، فأنت ملزم بالإيمان بمحض كلامي المُنزَّل على رسولي وباتباعه دون قيد أو شرط.
قال الشيخ: إن كلامك غامض يحتاج إلى بيان، ومبهم ويحتاج إلى تفسير، ومطلق يحتاج إلى تقييد، ومشكل يحتاج إلى إيضاح، فهل يوجد من هو أقدر على فعل ذلك من ابن حنبل أو ابن تيمية أو ابن كثير أو ابن بطة ابن عبد الوهاب أو ابن باز أو غيرهم من الأبناء المعتبرين الموقرين الذين هم لنا السلف الصالح والآباء المبجلين؟
قيل: ولكن الحقيقة هي أن كتابنا قد فصَّلناه على علم، وهو مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء ويحوي آيات بيِّنات، وهو ميسر للذكر، ولقد ذكرنا كل ذلك فيه، وإنا لصادقون، ولم نكلفك إلا وسعك، ألم تقرأ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ }يوسف1، {الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقرءان مُّبِينٍ}الحجر1، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}النحل89، {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ}البقرة99، {وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ}المجادلة5.
قال الشيخ: بلى، بلى، ومع ذلك يوجد الكثير جداً من الآيات التي تحتاج إلى بيان، وهذا ما قام به الآباء المبجلون، لقد شهد السلف أن الكتاب يحتاج إلى بيان، وهم شهود عدول، ولا يستطيع أحد أن يماري في ذلك، هذا ما أجمعت عليه الأمة وتلقته بالقبول.
قيل: أنت ملزم باتباع محض ما أُنزل إليك وليس باتباع بيانهم، ألم تقرأ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }البقرة170.
قال الشيخ: ماذا؟ هل تريد أن تشكك في قدرات وتفسيرات آبائنا المبجلين؟ ثم إن هذه الآية إنما نزلت في الكافرين كما قال السلف.
قيل: ألستم تقولون إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟ أما علمت أنه لو كان البحر مدادا لكلماتنا لنفد هذا البحر قبل أن تنفد كلماتنا؟ كيف يحيطون إذًا بكل علمنا؟ ألم نعدكم أننا سنريكم آياتنا في الآفاق وفي أنفسكم؟ ألم نخبركم أن تأويله سيأتيكم حتى يتبين لكم أنه الحق؟ ألا يمكن أن يأتي من بعدهم من هو خير منهم وأوسع إحاطة؟ أولسنا قادرين على خلق مثل ما خلقنا وأفضل؟
قال الشيخ: إنهم لم يتركوا شيئا لمن سيأتي من بعدهم، وكل من سيأتي من بعدهم ملزم باتباعهم، ثم إن كتابك يحتوي على آيات منسوخة أثرية انتهي عمرها الافتراضي ولا يلزمنا العمل بها، نعم إن كتابك تبيان لكل شيء ولكنه في الحقيقة لم يبيِّن الكثير من الأشياء، بل لم يبين أهم الأشياء، أتريد أن أسردها لك؟ والآباء المبجلون هم الذين بيَّنوا كل ما لم تبينه أنت بما في ذلك الآيات المنسوخة التي لا يوجد في كتابك أي نصّ عليها، ألا تعلم مثلا أن آية لا وجود لها قد نسخت آية بينة محكمة في كتابك، كيف كان من الممكن أن نعرف ذلك لولا جهود السلف؟
قيل: أتتحدث عن عالم آخر غير العالم الذي خلقناه؟ أم عن دين آخر غير الإسلام الذي هو الدين عندنا؟ أم عن كتاب آخر غير كتابنا الذي أنزلناه؛ الكتاب الذي لا ريب فيه والذي هو روح من أمرنا والمهيمن على كل الكتب والناسخ لما يتعارض معه والذي هو متسق تماما ولا اختلاف فيه يضطركم إلى القول بأن فيه آيات منسوخة؟ أم هل يوجد لكم إله غيري شرع لكم من الدين ما لم آذن به أو سنَّ سنناً كونية أخرى؟
قال الشيخ: إننا مدينون أيضا للسلف بمعرفة صفاتك أنت نفسك، بفضلهم عرفنا أنك جالس على العرش في السماء السابعة وأنك في جهة الفوق، فهم الذين ردوا على المبطلين الذين يقولون إنك لا تتقيد بالمكان، وهم الذين قالوا إن من صفاتك الذاتية الملازمة لذاتك الساق والإصبع والحقو والقدم...، كيف كان من الممكن أن نعرف صفاتك التي لم تذكرها في كتابك؟ ولقد تصدُّوا لكل من حاولوا تفنيد كلامهم ومزقوهم بسيوف الشريعة أو جرجروهم إلى المحاكم واتهموهم بازدراء دينك، ولو تمكنوا منهم لمزقوهم إربا، حقاً لا ينكر فضلهم إلا جاحد.
قيل: الساق والإصبع والحقو والقدم صفات؟؟
قال الشيخ: نعم وصفات ذاتية ملازمة لذاتك أيضًا، هل تستطيع أن تنكر؟ وهي بذلك مقدمة على صفاتك المعنوية مثل العظمة والكبرياء وعلى صفاتك الفعلية مثل الخلق والرزق والإحسان والعدل والنزول والمجيء والإتيان...الخ.
قيل: وهل الساق والإصبع والحقو والقدم تصلح كصفات لك أنت مثلا؟
قال الشيخ: وهل أنت مثلنا؟
قيل: إنها أعضاء وجوارح جسمانية معروفة! هل الأعضاء والجوارح الجسمانية تصلح كصفات ذاتية حقيقية؟ وقد نسبت إلى نفسي في كتابي الأسماء الحسنى ونزهتها عن الصفات، اقرأ: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ}.
قال الشيخ: ولذلك كنا نقول دائما: والكيف مجهول، ألا ترى ماذا كان من الممكن أن يحدث لو أنكر الناس أن لك حقوا وقدما؟
قيل: ما الذي كان من الممكن أن يحدث؟ كان أكثر الناس دائما ينكرون وجودنا أو يشركون بنا وما خرجوا من ملكنا ولا عن نطاق قوانيننا وسنننا وما انهارت أكواننا.
قال الشيخ: وهل من حق هؤلاء المبطلين أن ينكروا صفاتك الذاتية؟
قيل: إنما أرادوا تنزيهي عن أوهام وتصورات من يظنون أني شخص مثلهم، ألا تعلم أنه ليس كمثلي شيء.
قال: الشيخ: وهل انطلت عليك حيلتهم، إنها لم تنطل علينا نحن أتباع السلف بفضل حرصنا على اتباع السلف واعتصامنا بكلام السلف، إنهم كانوا يريدون تمهيد السبيل للكفر بك ولفتنة الناس في دينهم.
قيل: وهل حدث ذلك؟ وهل شققت عن قلوبهم؟ ولم آمرك إلا بالاعتصام بي وبكتابي، وكيف تنسب إليّ صراحة ما هو من لوازم الأجسام التي خلقتها؟
قال الشيخ: لم يرد في كلام السلف ما ينفي أن لك جسما، وكيف لا يكون لك جسم؟ إنما أرادوا نفي وجودك بحجة تنزيهك، ألم ينكروا أيضاً أنك هناك في السماء السابعة جالس على عرشك الذي يئطّ من تحتك؟ لو نزلت كل ليلة إلى الدنيا نفسها بدلا من السماء الدنيا فقط لرأيت بنفسك نتائج عقائدهم.
قيل: جالس على العرش؟ ماذا تعني؟
قال الشيخ: الاستواء معلوم، هل للألفاظ اللغوية معانٍ أخرى غير ما قال به السلف؟
قيل: ولكن الألفاظ تستمد معانيها أيضاً ممن نُسبت إليه.
قال الشيخ: ولذلك قال السلف: والكيف مجهول.
قيل: ماذا؟ الكيف؟ هل تقيدني بالكيفيات؟ وما جدوى قولك هذا بعد أن نسبت إليّ الجلوس؟
قال الشيخ: لقد أراد المبطلون نفي أنك في جهة الفوق في السماء السابعة، لقد نفوا عنك المكان حتى يقولوا من بعد إنك مجرد معنى أو قانون، ولولا تفسيرات السلف لاتبعناهم.
قيل: ولكني فعلا لا أتقيد بالمكان، ألست أنا الذي خلقته؟ ألم أنزل عليكم قولي: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}البقرة115، فكيف تقيدني بجهة ما؟ ألم يثبت لكم علماء الغرب نظريا وعمليا أن المكان نسبي وأنه نشأ مع هذا العالم المادي؟
قال الشيخ: وهل نتخذ علماء الغرب الكفار مراجع في العقيدة ونترك السلف؟
قيل: هل السلف يعلمون عني ما لا أعلمه عن نفسي؟ إنكم تعبدون إلها غيري!
قال الشيخ: المهم هو ما قاله السلف، إننا متسقون مع أنفسنا متمسكون بسلفيتنا، لقد كنا نعمل دائما لنكسب الحياة لوناً سلفيا.
قيل: وهل طلبت منكم ذلك؟ إنما أمرتكم بالإيمان بي وبأسمائي الحسنى المذكورة في كتابي وبالعمل بأوامري الواردة في كتابي ومنها أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وأن تحكموا بالعدل وأن تقوموا بالقسط، أنتم ما عبدتم إلا السلف، إنكم اتخذتم السلف أرباباً وآلهة من دوني، ألم تدرك أبداً أن لي العلوَّ المطلق على كل أفكاركم ومفاهيمكم وتصوراتكم المستخلصة من عالمكم المقيد المحدود؟ فمن أراد تسبيحي وتقديسي هو الأقرب إلى ما هو حق، أما ما كان في قلوبهم فأنا الأعلم به.
قال الشيخ: وهل كان من المفترض ألا نتبع السلف ونترك كل من هبَّ ودبَّ ليفتي في الدين ويضل المسلمين؟
قيل: لقد أمرتكم باتباع الكتاب الذي أنزلت ونهيتكم عن أن تتبعوا من دونه أولياء، وليس لمخلوق أن يقيدني بتصوراته وأوهامه، وأنا لم أتخذ منكم شريكاً لي أو وصيا على ديني! إن ظنك الخاطئ هذا هو الذي أرداك.
قال الشيخ: إنه بفضل تعاليم السلف منعنا الناس من التلاعب بالدين، ألم تر كيف كان الناس يهرعون إلى الصلاة خوفاً من سطوتنا وكيف كانت النساء تنتقبن فلا يبدو منهن إلا أجزاء من أعينهن اتقاءً لبأسنا؟ لولا خوف الناس من سطوتنا وبأسنا ما أقاموا للدين وزنا.
قيل: لقد أعلنَّا عليكم أنه لا إكراه في الدين؛ فلا إكراه في أي أمر من أمور الدين، ولقد قلنا لرسولنا الكريم: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِين}، هل أعطيناك من السلطان ما ليس له؟ اعلم أن رحمتي وسعت كل شيء، ما كلفت عبادي إلا ما هو في وسعهم، وما جعلت عليهم في الدين من حرج، وما أردت بعبادي العسر بل أردت بهم اليسر وأردت أن أخفف عنهم، ووضعت عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، وإنما أنتم الذين جعلتم الدين ضيقاً حرجا عليهم، وألزمتموهم بما لا يلزم ومنعتموهم من القيام بما يلزم، وأنت قد جعلت من نفسك مسيطرا وحفيظاً وجبارا ووكيلا عليهم، وهذا ما نفيته عن رسولي نفسه الذي هو أفضل خلقي وخاتم رسلي، لقد شغلتم الناس بسلفكم عني وبتعاليمهم عن كتابي وديني.
ورغم كل ذلك فقد أعفو عنك إذا أعلنت توبتك على رءوس الأشهاد، واعلم أنك ستعاقب أساساً بسبب جرائمك في حق ضحاياك من الأبرياء الذين أحللت للطغاة وللجاهلين دماءهم وأموالهم وأعراضهم ورميتهم بالكفر أو ازدراء الدين وتسببت في سفك دماء بعضهم وإيذاء الآخرين، وكذلك بسبب أنك صددت ما لا حصر له من البشر عن سبيلي، فإذا أردت العفو مني فاطلب العفو والصفح من كل من أضير بسببك.
وجد الشيخ نفسه يلتفت إلى مكانٍ ما، رأى ما لا حصر له من ضحاياه ومن أضلهم بغير علم، فوجئ بأعدادهم الهائلة وصرخاتهم المؤلمة وصيحاتهم المدوية، كانوا يصرخون مطالبين بالقصاص منه، نظر إليهم بازدراء ثم أشار وقال: أمثلي يُطلب منه استجداء الصفح من أمثال هؤلاء؟
كبر عليه أن يطلب الصفح من ربه، منعه من ذلك كبره وجهله وسوء عقيدته وسوء ظنه.
قيل: لقد أنذرناكم وحذرناكم من يوم الفصل هذا، ألا تنظر إلى ضحاياك؟ ألم تسمع صراخهم؟ إنه من العدل كل العدل أن أنصفهم، والآن انظر إلى نفسك.
هاله ما رآه، صرخ: أهكذا أنا؟
قيل: إن حالتك هذه هي صورتك المترتبة على ما اخترته لنفسك من إيمان وأقوال وأعمال وفقا لسنني التي هي مقتضيات أسمائي؛ فهي موازين الحق والعدل.
صرخ قائلا: هذا ليس بعدل، هذا ظلم!
عندئذ كان الغيظ قد بلغ مداه بملائكة العذاب بل بالعذاب نفسه، بعد تلقي الإذن اللازم أخذوا من جديد بلحيته الكثة وألقوه في النار التي كانت تميَّز من الغيظ هي الأخرى، عاشت طويلا في أشد الاشتياق إلى مثله، وها قد آن الأوان لتشفي غليلها بعد أن عيل صبرها، تلقته في أحضانها فهدأ قليلاً غيظها، ما إن مسته نفحة من عذابها حتى ضج وعلا صياحه، قال: لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ.


هناك تعليقان (2):