الاثنين، 4 مايو 2015

الحجاب

الحجاب

قال تعالى:
{وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ }الأعراف46، {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً }الإسراء45، {فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً }مريم17، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِ مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً }الأحزاب53، {فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ }ص32، {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ }فصلت5، {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ }الشورى51.

إن الحجاب هو الحاجز أو الساتر أو البرزخ بين أمرين Un Rideau, Une barrière ، وهو ليس بالضرورة شيئاً وجودياً ماديا وإنما ينتج عن اختلاف طبيعة الأمرين أو كنههما أو القوانين الحاكمة عليهما أو العالم الأصلي الذي ينتمي إليه كل منهما والذي قد تختلف طبيعة أبعاده أو عددها عن العالم الخاص بالأمر الآخر، فاختلاف الكنه أو الأطر الزمكانية بين عالمين هو من صور الحجاب، وقد يؤدي ذلك إلى امتناع إدراك أحدهما للآخر، وقد يؤدي إلي أن يري أحدهما الآخر من حيث لا يراه أو أن يطلع علي ما في باطن كيانه الظاهر، فالكائن المنتمي إلى عالم ذي أبعاد أكثر يستطيع أن يرى ما في باطن كائن ينتمي إلى عالم ذي أبعاد أقل.
ولقد خلق الله سبحانه كل العوالم وأوحي في كل عالم نمط القوانين والسنن الحاكم عليه وجعل كل من في تلك العوالم مسئولين أمامه وميز بين كل كائن من تلك العوالم وبين الكائن الآخر بالحد والماهية، ولله وحده الإحاطة بكل ما خلق من عوالم وما ارتبط بها وارتبطت به من إطارات وما يسري عليها من القوانين السنن، لذلك فهو لا يتقيد بأمرٍ ما ولا يتغير عما هو عليه، وحجابه هو عين إحاطته تلك وعين سموه المطلق على كل ما خلقه وقدره واقتضاه.
والحجاب بين الله تعالى وبين خلقه هو لكون حقيقته الذاتية تتعالى علوا مطلقا فوق مدارك وحواس كل المخلوقات وكل العوالم بأطرها الزمكانية، ولذلك فرغم حضوره الذاتي مع مخلوقاته لا قبل لهم بإدراكه ولا يمكن لهم ذلك أصلا، وكذلك من تمثلات هذا الحجاب ما لديهم من تصورات عنه يحاولون فرضها عليه، هذا فضلا عن وجودهم هم أنفسهم، أما الحجب الأعلى فهي تجلياته ذاتها، فبقدر ما تقربهم منه فهي تحجبهم أيضاً عنه، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مظاهر قوانينه وسننه.
-------
إنه ليس للحجاب بالضرورة كيان وجودي وإنما هو بالأصالة من مقتضيات اختلاف الطبيعة أو الكنه وما يترتب على ذلك من اختلاف القوانين والسنن، ويترتب على اختلاف الكنه أن تختلف طبيعة الإطار الزمكاني المرتبط بالكائن، فإذا كان ثمة كائنان ليس لدى أي منهما حاسة تدرك العالم الذي ينتمي إليه الآخر رغم تجاور الكائنين وربما تداخلهما فإن كلا منهما سيكون محجوبا عن الآخر.
-------
إن الحجاب بين الرب وبين العبد ليس بكيان وجودي وإنما هو أمر إنساني ذاتي إذ ليس في الكيان الإنساني ولا في أي كيان آخر من ملكة أو حاسة تستطيع أن تحس أو تلتقط ما يتعلق بكنه الإله الذاتي، كذلك لا يرتبط الإله بأي إطار زماني أو مكاني، بل له الإحاطة بكل الأطر إذ هي من مقتضيات بعض أسمائه، ولقد كان ولا مكان ولا زمان، وأسمى الملكات الإنسانية الجامعة وهو القلب لا يستطيع أن يتذوق إلا الآثار المعنوية للأسماء الإلهية، وهو كلما ارتقى كلما اقترب من الإحساس بتلك الأسماء دون أن يحيط بها علما أو يدري لها كنها.
ويجب العلم بأن محاولة الاقتراب المفرط خطر كمحاولة الابتعاد المفرط ذلك لأن القرب المفرط ممن له الجلال المطلق سيؤدي لا محالة إلى الانعدام التام للكيان الإنساني وهذا القرب المفرط هو ما سأله موسى عليه السلام عندما طلب الإدراك النظري والرؤية فبين له ربه عواقبه بل استحالته، وضرب له بما حدث للجبل مثلا، فالصراط المستقيم هو الطريق الأمثل.
-------
والإنسان الذي يقترف الآثام ويمعن في الضلال أو يهمل إعمال ملكاته في مجلاتها المناسبة يصنع بين نفسه وبين الحقائق حجاباً كثيفاً، وبالمثل يسدل بينه وبين الهدى حجاب نتيجة لإصراره على اقتراف المعاصي، ومثل هذا يُخشى عليه من سوء الخاتمة.
-------
والحجاب الوارد في القرآن الكريم في آية الأحزاب، ليس نوعاً من لباس المرأة، وإنما هو ما يحجب نساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ خاصة دون غيرهنَّ من النساء من (ستارة) أو حاجز أو غير ذلك، ووظيفة الزي معلومة، ومن مقاصده الأساسية في الإسلام بالنسبة للمرأة أن يبرز هويتها وشخصيتها بحيث يُعرَف من هي من زيها وليس المقصد منه وأد المرأة حية، ولكن هذا لا ينبغي أن يتخذ حجة لكي تتبرج النساء تبرج الجاهلية الأولى ولا لإبطال الأوامر الشرعية الخاصة بزيّ المرأة، ولكن هذا بدوره لا يجوز أن يتخذ حجة لإلزام المرأة بأزياء الأعراب ولا للاعتداء على حقوقها وإنسانيتها وكرامتها، فحقوق وكرامة الإنسان من أقدس مقدسات الإسلام.
إدناء الجلابيب متروك لظروف العصر ودرجة التطور، وذلك لعالمية الدين، ولا يجوز تفسيره بالبحث في الآثار عن أزياء نساء الزمن القديم، فإدناء الجلابيب يعني التمييز بين الحرة التي يجب أن تستر جسمها وبين الأمة التي لم تكن تستر إلا ما بين السرة والركبة!
ولباس المرأة في الحج يمثل الحد الأمثل لما يمكن أن ترتديه المرأة.
والضرب بالخمر على الجيوب لا يعني إلا إخفاء الصدر، فهو من الزينة الواجب إخفاؤها، وكان ذلك لازما لأن العرب لم يكونوا يعرفون الملابس الداخلية الحديثة!
ولا يجوز لأحد إلزام المسلمين بزي وعادات عرب وأعراب الزمن القديم، والزي الذي ترتديه سيدات مصر الفضليات مثلا هو زي شرعي تماما بل أكثر من وافٍ لتحقيق مقاصد الشريعة.
ولا يجوز استخدام قاعدة سدّ الذرائع للاعتداء على حقوق النساء ووأدهن في حياتهن، ومن الأولى تطبيقها على الرجل، فهو الذي لا يكاد يشبع من إطلاق نظره في النساء!
ويجب العلم بأن أخلاق الطبقة المحافظة من رجال ونساء مصر بخصوص الملابس والسلوكيات والأمور الجنسية أفضل وأرقى بكثير من أخلاق السلف الصالح! ولو بُعث واحد من السلف الصالح ورآهم لظنَّ أنهم ملائكة!!!
إنه على المرأة أن تلتزم بالآداب القرءانية فعليها ألا تتعمد إظهار مواضع الفتنة منها وألا تستثير غرائز الرجال بالتصنعِ أو الخضوعِ بالقول وعليها أن تتحفظَ في زيها وسلوكها، ولكنها غير ملزمةٍ بزىٍّ أعرابِ القرن السابع الميلادي، بل لها أن ترتديَ ما يناسب عصرها وبيئتها وفقاً للعرف السائد وعليها ألا تعتدي بالمغالاة في هذا الأمر.
ولا يجوز لأحد أن يعدو بموضوع زي النساء قدره ولا أن يجعله محور الدين والشغل الشاغل للمسلمين، وعلى المسلمين أن يعطوا لكل أمر وزنه القرءاني وألا يتبعوا سبل البدو ومذاهبهم الضالة الشركية.
-------
إن الحجاب بين الإنسان وبين غيره من الكائنات يتمثل فيما يلي:
1-         محدودية حواس الإنسان، فلكل حاسة إنسانية نطاقها المحدود كما هو معلوم، فما هو خارج نطاق هذه الحواس محجوب عنه.
2-         محدودية الإدراك البشري، فما هو فوق هذا الإدراك محجوب عنه.
3-         محدودية الملكات الذهنية.
4-         محدودية الكيان الباطني.
5-         محدودية الكيان الجوهري.
6-         محدودية الخبرات البشرية.
7-         افتقاد الإنسان لما قد يلزم من الحواس والملكات
8-         سمات الكائن المراد إدراكه.
9-         فواصل زمنية.
10-     فواصل مكانية.
11-     وجود أجسام مادية.
فالإنسان مثلا محجوب عن موجات الميكرويف (التي تعمل بها أجهزة الرادار والاتصالات الحديثة) لكونها خارج نطاق إدراكه البصري، وبالطبع فالبشر يتفاوتون في نطاق ومدى حواسهم وإدراكهم وملكاتهم وكياناتهم، وقد يكون الشيء مدركاً من حيث حاسة أو ملكة محجوباً من حيث أخرى.
والحجاب بين الإنسان في حياته هذه وبين ربه يتمثل في النقاط من 1 إلى 8، فلا توجد فواصل مادية أو زمكانية بين الإنسان وبين ربه!!!
ولا يجوز أبداً تصور رب العالمين كشخص محصور في هذا الكون.
والآية: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} الشورى51
تتحدث عن الحجاب أثناء الكلام، أما ما حدث أثناء المعراج فهو أمر آخر!!!
ويجب أن يجاهد المحسوب على الإسلام نفسه ليرقى إلى أول درجات الإنسانية وأن يكف عن اعتبار المرأة مجرد جسم يُشتهى وأن يعالج نفسه من الهوس والسعار الجنسي الذي ورثه عن أسلافه، والذي تميزت به اللاحضارة البهيمية المسماة ظلما بالإسلامية والتي لم يشهد لها البشر مثيلا في الولع بالنساء والغلمان والتشبيب بهم!

*******


هناك تعليقان (2):