الأربعاء، 27 مايو 2015

الاسمان الإلهيان الغفور الحليم والحليم الغفور

الاسمان الإلهيان الغفور الحليم والحليم الغفور

إن المثنى الغفور الحليم ورد في آيات مدنية هي:
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }آل عمران155  *  {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}البقرة235  *  {لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}البقرة225  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقرءان تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }المائدة101
والآيات  تُبيِّن أن المثني الغَفُور الحَلِيم من الأسماء التي تتولى أمر التشريعات الدينية سواء أتعلَّق الأمر بالمعاملات وشؤون الأسرة أو تعلق بالثبات في القتال، فهو اسم مُشَرِّع وهو اسم يراقب الالتزام بالشرائع والأوامر، وهو من تجليات سبق رحمة الله تعالى غَضَبَه، فرغم أن الله تعالى حذَّر من الفرار يوم الزحف وعدَّه بذلك من كبائر الإثم فإنه تعامل مع من فعل هذا من حيث هذا الاسم، فشمله بالمغفرة المقترنة بالحلم أي بحلمه يحميه من آثار فعله ويمهله ولا يؤاخذه لتوِّه، وكذلك الأمر مع أولئك الذين لا يلتزمون بالتشريعات المتعلقة بالأسرة والشئون الشخصية ظنَّاً منهم أن الله لا يعلم ما في أنفسهم ولا يعتني بأمورهم.
ويلاحظ أن معظم أسماء التشريع ومراقبته تتضمَّن الرحمة والحلم والعفو والمغفرة، ذلك ليعلم الناس أن الهدف من التشريع ليس التضييق على الناس وتعسير الحياة عليهم، فمن سمات الإسلام اللازمة أنه لا حرج فيه، ولقد جاء هذا الدين ليرفع عن الناس إصرهم والأغلال التي كانت عليهم، فالسمة الواحدة المعبر عنها بالمغفرة والحلم بها يراقب الله تعالى ما في نفوس الناس ومدى التزامهم بشرعه، فلا يبادر بالغضب عليهم، وإنما يمهلهم ويعطيهم الفرصة تلو الأخرى، بل ويغفر لهم.
والمثنى "الغَفُور الحَلِيم" هو من أسماء منظومة الرحمة والهدى والإرشاد التي تتولى أمر الإنسان من حيث أنه كائن ذو إرادة حرة واختيار ومن حيث أنه مكلف، فهو من الأسماء التي تقتضي الأوامر الشرعية وتراقب الالتزام بها، وهو يشير إلى سمة واحدة تفصيلها المغفرة والحلم مع تقدم المغفرة، ولذا فما من أمر شرعي إلا وهو من مقتضيات تلك السمة، فهو من آثارها في عالم الأمر، ولما كان الأمر كذلك فإن عصيان الأمر الشرعي لا يترتب عليه عقوبة عاجلة، ذلك لأن تلك السمة تخفف كثيرا من آثار العصيان على الإنسان وإلا لأوخذ بذنبه لتوه، ولهذا الاسم آلاته من الملائكة الذين هم جنده فهم الذين يراقبون مدي الالتزام بالأوامر التشريعية ويرتبون آثار الفعل على الإنسان طبقا للقوانين والسنن المعلومة لديهم.

*******


أما المثنى الحليم الغفور فقد ورد في آيتين مكيتين هما:
{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} الإسراء44  *  {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} فاطر41

ويلاحظ أن الآيتين لا تتحدثان في أمور التشريع وإنما عن آيات وسنن كونية؛ فهما تتحدثان عن تسبيح السماوات السبع والأرض بل كل شيء بحمد ربهم، وعن إمساك الله تعالى للسموات والأرض وحفظ وجودهما وبقائهما.
وهكذا يتبين من جديد أن مجالي الاسمين يختلفان تماماً مما يبين أن ترتيب الاسمين اللفظيين في المثنى هو أمر هام وأنه لابد من أخذه في الاعتبار، واختلافه يعني تميز المثنيين أحدهما عن الآخر، فهذا يعني أن كل واحد منهما بالضرورة هو اسم متميز.
والاسم "الحَلِيم الغَفُور" يشير إلى سمة واحدة يعبر عنها بلفظين متلاصقين يعنيان الحلم والمغفرة حيث يتقدم الحلم، فهذا هو الاسم الذي اقتضى قوانين الإمساك المترتب عليها بقاء العالم المادي إلى وقته المعلوم، فبهذا الاسم يمسك الله تعالى السماوات والأرض أن تزولا وهو يمسكهما من أجل إتمام ظهور كمالاته، وأجمع ما يؤدي إلى ذلك الظهور هو أداة التفصيل المطلق؛ أي الإنسان، فكأن العلة الغائية للإمساك هي الإنسان، ذلك الكائن الذي أودع الله تعالى في حقيقته الإرادة الحرة والاختيار فلم يعرف في أغلب الأحوال لربه إحسانه وفضله، وملأ الأرض جوراً وظلماً وإلحاداً وشركاً وكفرا، بل وتطاول على ربه وزعم عليه ما تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخرُّ الجبال هدَّاً، فيتجلى الله تعالى بهذا الاسم فيحمي الوجود الظاهر من آثار فعل الإنسان، وبالحلم يتجاوز الله تعالى عن عباده فلا يعجِّل لهم العقوبة، بل يعطي لكل منهم مهلة تمتد بطول عمره، وذلك الأمر يستلزم اقتران الحلم بالمغفرة ، حتى يتم تغطية آثار معاصي البشر فلا تؤثِّر على النظام الكوني.
فهذا الاسم يقتضي سنن الإمهال، فلكل إنسان مهلة تمتدّ بطول عمره وحتى يبلغ أجله، وهذه المهلة هي محض فضل إلهي، فلا يجوز لإنسان أن يطالب بأطول منها ولا أن يحتج في الوقت ذاته بطولها أو قصرها، فهو غير مكلف إلا بما أوتي وإلا بما هو في وسعه.
وبالنسبة لقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} فإن مجرَّد وجود أي كائن وسيره وفق قوانين الله وسننه هو تسبيح بحمد ربه، فذلك التسبيح والذي يعني سعي كل كائن طوعاً إلى ربه هو الذي يحفظ على هذا الكائن وجوده، ويظهر أيضاً من كمالات الله ما ينطق الألسنة بالثناء عليه، فإذا نظرنا مثلاً إلى أبسط الأشياء المادية وألطفها وهو الضوء فإن الجسيمات المكونة له وهي الفوتونات لابد أن تكون سابحة بسرعة الضوء وإلا لما كان هنالك ضوء أصلاً، فتلك الحركة هي عين تسبيحها بحمد ربها ولولاها لزالت، وبالنسبة للإلكترون مثلاً فإن مظاهر تسبيحه بحمد ربه هي حركته الغامضة والمعقدة في الذرة فهي التي تحفظ عليه وجوده، ولولاها لهوى على النواة واتَّحد بمكون من مكوناتها ولما كانت هنالك ذرة أصلاً ولزال العالم المادي، وكذلك تغيرات الكيانات النووية في عالمها الخاص، وكذلك حركة الأرض المعقدة، وهي التي تحفظ عليها وعلى كل من يحيا في كنفها بقاءه ووجوده، والهرة التي هي مبرمجة بحيث تسعى في مصالح صغارها وتتحمل في سبيل ذلك الظروف المعيشية الصعبة والعدوان المستمر من الكائنات الأخرى ولكنها تقاتل بشراسة من أجل بقائها وبقاء نوعها، فهي بسعيها هذا مسبحة بحمد ربها، فتسبيح الكائنات بحمد ربها هو من مقتضيات هذا الاسم وذلك التسبيح بحمده هو الصلاة التي ترفعها كل الكائنات إليه.
وهذا الاسم يشير إلى سمة واحدة تعني أنه لن تخرجه تصرفات العباد وأفعالهم عن العمل وفق قوانينه وسننه وعن الالتزام بما أوجبه وكتبه من رحمة على نفسه وعن ترك الأمر يأخذ مداه المعلوم مهما كانت بشاعة جرائمهم وفداحة عدوانهم، فلا يحمله كل ذلك على المبادرة بالبطش بهم أو القضاء عليهم، لذلك فإنه يستمر في إمساك السماوات والأرض، كما يستمر كل شيء سابحا بحمده مسبحا بحمده أي باقيا بالثناء عليه مؤدياً دوره المرسوم كآية تظهر ماله من الكمال وتفاصيل ذلك من الجلال والجمال.
فالاسم الحليم الغفور من الأسماء التي تقتضي قوانين الإمساك، وهو الذي يقي الكائنات من آثار أفعال الكائنات المخيرة.
والاسم الحليم الغفور من الأسماء التي اقتضت الملكات الذهنية لدى الإنسان، ولقد اقتضى أيضاً تلك الآليات الذهنية الدفاعية الآلية التي تضمن للإنسان تماسكه وبقاءه.
ومن الواجب على الإنسان قياما بحق هذا الاسم أن يزكي ملكاته الذهنية.
*******
والاسمان "الغفور الحليم" و"الحليم الغفور" هما قطبا الحلقة الإلهية هي (الغفور الحليم-الحليم-الحليم الغفور)، ولتلك الحلقة الإحاطة بالإنسان من كافة حيثياته، فهي تحيط به من حيث أنه حقيقة كونية، وتحيط به من حيث أنه كائن ذو إرادة واختيار، وهذا يتضمن بشرى مسبقة للنوع الإنساني.
كما أنهما يشكلان مع الأسماء الأخرى حلقات إلهية عديدة، هي التي تقتضي الحلقات والسنن الكونية.

*******




هناك تعليق واحد: