الخميس، 14 مايو 2015

المَلِيك المُقْتَدِر

المَلِيك المُقْتَدِر


قال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} القمر

المثنى "المَلِيك المُقْتَدِر" هو بذلك من النسق الأول من الأسماء الإلهية الحسنى.
وهذا المثنى يشير إلى سمة واحدة تفصيلها تمام الملك والاقتدار، فكل شيء ملك خالص عليه، له مطلق التصرف فيه، وله القدرة التامة والتمكن التام من تحقيق ذلك، ولا يملك الإنسان بإزاء هذه السمة إلا أن يعمل على التحلي بالتقوى.
فالتقوى هي الخُلُق الذي يمثل الاستجابة الأمثل لهذا الاسم الجليل، وهي الخلق الإسلامي الأعظم والأجمع لتفاصيل الكمال.
و"الملـيك" لغويا هي صفة مشبهة من اسم الفاعل "مالك"، وهو يشير إلى الذي له كل شيء؛ فهو يملك كل ما هو من دونه امتلاكا ذاتيا مطلقا لأنه أوجدهم وخلقهم وكل منهم مسبوق بالعدم لنفسه لا محالة، فلا يساوقه مخلوق في مراتبه الذاتية الواجبة، أما مخلوقاته فلا تملك حتى نفسها وأجسامها امتلاكا ذاتيا وإنما هي مستخلفة في بعض الأشياء، ولو كانت تملك شيئا لما أُرغمت على التخلي عنه.
والاقتدار الإلهي هو على كل شيء، والشيء هاهنا هو المترتب على المشيئة الإلهية، وليس كل ما يخطر ببال الإنسان بالضرورة بشيء، فلا حد لقدرة الإنسان على التخريف ومجافاة الحقائق، مثال: مسألة جعل الدائرة مربعا ليست بشيء، مسألة خلق إله آخر ليست بشيء، مسألة خلق صخرة أثقل من الكون ليست بشيء ... الخ.
كما أن المشيئة الإلهية هي من مقتضيات الأسماء الحسنى، فهي مترتبة عليها، وبالتالي فالأسماء أسبق في المرتبة، لذلك ليس لأحد أن يقول هل يستطيع ربك أن يجعل من نفسه اثنين أو ثلاثة ... الخ، فهو الأحد، فللأحدية التقدم على المشيئة.
*******
إن من وصل إلى مقام المتقين الحقيقي فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ في الدنيا والآخرة، ولذلك عبَّر عن هذه الحقيقة بجملة اسمية مؤكدة حتى لا يتطرق الشك إلى النفوس في صدق ما أخبر عنه، والمتقي هو من تحقق تحققا فعليا بالتقوى، وهي جماع الأخلاق والمشاعر والأفعال المترتبة على الإحساس الصادق بالمعية الإلهية وبالحضور الإلهي.
فالمتحقق بالتقوى يكون على المستوى الجوهري في جنات حقيقية؛ ينعم بالسلام الروحاني والطمأنينة النفسية فلا يستخفه فوز عابر ولا يكتئب لخسارة أمر دنيوي، هو في فرح دائم متجدد تأتي به أنهار المنح والعطايا الإلهية المتنوعة التي لا ينضب، وفي الدار الآخرة يتحقق له كل ذلك في عالم الشهادة فيتنعم بماء الحياة الحقيقية وطهارة الحقائق والفطرة وعسل العلوم والمعارف وخمر الأحاسيس والمشاعر السامية، لا يكل ولا يمل.



*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق