الاثنين، 11 مايو 2015

أسس التعايش السلمي المثمر بين الناس طبقا لدين الحق

أسس التعايش السلمي المثمر بين الناس طبقا لدين الحق



إن المقصد الديني الأعظم الخامس لدين الحق يتضمن تزويد كل كيان إنساني -بما في ذلك الفرد والأسرة والأمة وكل ما يمكن أن يستجد من كيانات والبشرية جمعاء- بالكيانات الأمرية (المنظومة المعنوية التي تتضمن منظومات القيم والسنن) التي تمكنه من التعايش السلمي المثمر مع الكيانات الأخرى رغم الاختلاف في الدين والمذهب وأسلوب المعيشة والوطن والقومية والسلالة....إلخ، وهذا يتضمن التوظيف الإيجابي للاختلافات بين الفرق المختلفة، وهذه العلوم لازمة لصلاح أمر البشرية وازدهارها وقيامها بمقتضيات حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض وحتى يتحقق الأمن والسلام والتعايش السلمي بين الناس وحتى تتحقق الاستفادة الأمثل من موارد الأرض والحفاظ عليها والانتهاء عن الإفساد فيها.
والمنظومة المعنوية الملزمة للكيان الإسلامي تشمل العلوم والقيم والمناهج والأوامر والسنن والأحكام والمعايير الأسس والآليات والسلوكيات، ومن فروع المقصد الأعظم الخامس تزويد الجماعة المسلمة في أي بلد من البلدان بالمنظومة المعنوية اللازمة لتمكينها من أداء المهام المنوطة بالأمة بقدر وسعها ومن التعايش مع شتي الأحوال الممكنة.

إنه في العلاقات بين شتى الطوائف والأمم فلقد قدم الإسلام للناس المعلومات والمبادئ والأسس الآتية لتحقيق التعايش السلمي المثمر فيما بينهم:
1-         إن الله تعالي هو رب العالمين وليس رب طائفة خاصة.
2-         الإيمان بالأخوة الإنسانية أي بوحدة الأصل الإنساني أي بوحدة الانتماء إلى نفس واحدة ظهرت في صورتين، فيجب الإقرار بما هو ثابت علميا الآن وهو أن البشر متكافئون.
3-         حالة السلم هي الحالة الطبيعية التي يجب الحرص عليها والعودة السريعة إليها إذا حدث ما أوجب الخروج منها، فهي الحالة التي ينبغي الحفاظ عليها بكل الوسائل، والقتال هو الاستثناء الذي يجب إيقافه بمجرد ظهور بوادر الجنوح للسلم.
4-         لا إكراه في الدين، فالاضطهاد الديني ممنوع ومجرَّم ومحرَّم، وهو كبيرة من كبائر الإثم.
5-         الفصل بين الناس في الأمور الدينية مؤجل إلى يوم القيامة، أي إن الفصل بين الملل والنحل والمذاهب والأديان مؤجل إلى يوم الفصل، ومن حق كل إنسان أن يبلغ أجله الطبيعي وأن يأخذ فرصته الكاملة في الحياة الدنيا.
6-         أساليب الدعوة الدينية كلها سلمية، ولا يجوز مقاتلة الناس لفرض دين أو مذهب عليهم.
7-         من كبائر الإثم المحرَّمة والمجرَّمة البغي والجور والظلم والعدوان والإفساد في الأرض.
8-         وجوب الاتفاق على كلمة سواء وعلى حد أدني من القيم علي رأسها إمكانية التعايش السلمي بين البشر علي اختلاف عقائدهم ومذاهبهم.
9-         إن الإنسان مفضَّل ومكرم وله حقوقه من حيث أنه إنسان ولا يجوز المساس بشيء من ذلك.
10-     إن الله تعالى لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يتبنَّ طائفة ما.
11-     إن الله تعالى قد زيَّن لكل أمة ما هي عليه وزين لها عملها.
12-     إن الله تعالى أمر الناس باستباق الخيرات.
13-     الناس مسئولون عن كل ما هو على الأرض أو فيها ومكلفون باستعمارها وإصلاحها وبألا يفسدوا فيها.
14-     كل ما في السماوات والأرض مُسخَّر للإنسان من حيث هو إنسان، والإنسان الكلي مستخلف في الأرض كما يستخلف الإنسان في جسده.
15-     إنه يجب أن يتحرر الناس من الاعتقاد بأن مجرد الانتماء إلي طائفة ما -هي عادة ما ألفى عليه آباءه- سيضمن له الجنة، ذلك لأن القرءان قد أمر الناس جميعا الإيمان بالله واليوم الآخر وبالعمل الصالح وباستباق الخيرات ولم يجعل طائفة ما في حل من ذلك.
16-     يجب رد العدوان ولكن لا يجوز الإسراف في ذلك، وكذلك لا يجوز أي إفراط في استخدام القوة.
17-     لابد أن تتطهر الشعوب من النزعات الثأرية والانتقامية.
18-     لا يجوز أن يتعالى أو يستكبر إنسان على آخر استنادا إلي أسس غير موضوعية كاللون مثلا والذي اقتضاه ضرورة تكيف النوع الإنساني مع بيئته.
19-     إن الله هو الذي خلق الناس مختلفين لأن ذلك من مقتضيات أسمائه الحسنى ومن سبل تحقيق مقاصده الوجودية، وهذا يعني حتمية الاختلاف فلا يمكن أن يتشابه كيانان إنسانيان من كافة الأوجه، وهذا الاختلاف من لوازم إثراء الحياة البشرية، ولذلك يجب توظيفه لما فيه صالح البشرية جمعاء، إن اختلاف الألوان والأعراق والألسنة هو وسيلة لإثراء الحياة حتى يتحقق المقصد الوجودي الأعظم وهو الظهور التفصيلي للكمال الإلهي المطلق وحتى يتم دفع عجلة التقدم بتنافس الناس واستباقهم الخيرات، وهذا الاختلاف هو من أسباب تنوع ابداعات الأمم، وهذا الاختلاف هو من آيات الله تعالي وينبغي أن يكون وسيلة للتعارف وتبادل الخبرات والمعارف وليس للصراع الدامي وادعاءات التفوق العرقي.
20-     الإنسان هو العلة الغائية لخلق السماوات والأرض وكان ظهوره تتويجا لسريان القوانين والسنن الحاكمة عليها، والتعبير الحديث عن مقتضيات حمل الإنسان للأمانة واستخلافه في الأرض هو أن الإنسان مسئول عن استعمار الأرض وإصلاحها ومأمور بالكف عن الإفساد فيها، وهو المسئول عما يعرف الآن بالبيئة ولما كان إدراك ما يعنيه هذا المصطلح منوط بمدي التقدم العلمي والتكنولوجي والحضاري فإن ما يصل إليه العلماء من حقائق حول هذه الأمور ينبغي أن يتمخض عن أحكام وقوانين ملزمة للناس كافة بمعني أنه يجب العمل بمقتضيات هذه الأحكام كما يجب طاعة أولى الأمر (هم العلماء المؤهلون المتخصصون)، وهذا ركن ديني فرعي.
21-     يجب أن يتعاون كل البشر لتحقيق المهام المنوطة بالإنسان المستخلف في الأرض وللقيام بالقسط على كافة المستويات.
22-     إنه لا خوف على من آمن بالله واليوم الآخر إيمانا حقيقيا وعمل بمقتضي ذلك وليس لأحد أن يعتدي عليه أو يتعرض له حتى ولو لم يعلن التزامه بدين رسمي.
23-     إنه يمكن أن يلتقي المسلمون مع أهل الكتاب على كلمة سواء وهي ألا يعبدوا إلا الله ولا يشركوا به شيئاً وألا يتخذ بعضهم بعضا أرباباً من دون الله وذلك هو الحد الأدنى الذي يمكن الاتفاق عليه بين شتي الأديان والطوائف، فيجب العمل على أن يتفق الناس جميعا على الإقرار بوجود إله للكون يستحق وحده أعلي درجات التعظيم والتمجيد وأن يقر الجميع بأنه أعلي من كل تصوراتهم المحدودة وأنه لا يجوز لطائفة ما أن تدعي أنه ربها وحدها ولا أن تقيده بتصوراتها.
24-     إن ما يجمع بين المسلمين وبين أهل الكتاب أكثر مما يفرقهم وأكثر مما يجمع بينهم وبين غيرهم.
25-     إن التطور الحضاري قد جعل أهل الكتاب يتقبَّلون كثيرا من المفاهيم الإسلامية وينبذون ما يتناقض معها وسيستمر هذا الاتجاه.
26-     إن كون الإنسان قد وُلد مسلماً لا يعطيه الحق في التطاول على الناس والعدوان عليهم ولا يضمن له الجنة ولكنه يلقي عليه واجبات ثقيلة ويلزمه بالعمل وفق مقتضيات ميثاق غليظ ويرتب عليه حقوقا تجاه نفسه وأمته والبشرية جمعاء وسائر الكائنات.
27-     ليس من حق أحد نشر عقائده وأساليب حياته بالقهر والترويع والاسترهاب وإنما بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار الموضوعي والجدال بالتي هي أحسن وتقديم الأسوة الحسنة وهي السبل الشرعية للدعوة إلي الإسلام، وعلى الداعين إلى الأديان الأخرى ألا يتجاوزوا ذلك.
28-     لابد من التعاون لمقاومة الإفساد في الأرض بكافة صوره وكذلك للتعمير وحسن استغلال الثروات والموارد.
29-     القتال لا يكون إلا ردا لعدوان صارخ على حقوق الإنسان وكرامته أو لمواجهة انتهاك صارخ للقانون الدولي المتفق عليه وليس لنهب خيرات الشعوب الأخرى ولا لقهرها ولا لإذلالها.
30-     يجب أن يكون من أسس التعاملات بين الشعوب البر والإقساط والتعاون والتكافل وأن يساعد القوي الضعيف والمتقدم المتخلف والثري الفقير.
31-     يجب أن يتعاون الجميع لمواجهة الكوارث والأوبئة وكل ما يهدد الوجود الإنساني.
32-     يجب أن يتعاون الجميع لاستعمار الأرض.
33-     يجب أن يتعاون الجميع للدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته أينما كان.
34-     الإسلام دين عالمي يسعى إلى إحقاق الحق والقيام بالقسط، ويمكن أن يمارسه الإنسان أينما كان دون أن يصطدم بالكيان الذي يعيش فيه أو ينتمي إليه.
35-     الإسلام لا يسعى إلى بناء دولة تعيش في حالة حرب مستمرة مع الآخرين وإنما إلى إعداد أمة مؤمنة تمثل للناس أسمى منظومة قيم عرفها الإنسان؛ وهي منظومة القيم الإسلامية.
36-     الأمة المؤمنة يمكن أن تتكون داخل أي كيان، وهي تسعى إلى التعايش المثمر الإيجابي البناء مع الكيان الأكبر الذي يحتويها.

*******
قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)} المائدة
هذه الآية تبين نوعية من نوعيات الذين أوتوا الكتاب الممنوع اتخاذهم أولياء، وهم الذين اتَّخَذُوا الإسلام هُزُوًا وَلَعِبًا، ويلاحظ أن الآية تميز بينهم وبين الكفار، فـ"الكفار" بالمعنى الاصطلاحي لا تُطلق على "الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ" ولا على "أَهْل الْكِتَابِ".
ويلاحظ أن الآيات قد استعملت التعبيرين للدلالة على نفس الطائفة، وآيات القرءان تبين أن المصطلح "الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ" يُستعمل بصفة عامة في مواضع الذم بعكس المصطلح "الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ" الذي يُستعمل في موضع الثناء، أما المصطلح "أَهْل الْكِتَابِ" فيشمل المصطلحين.
أما الآية:
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (5)} المائدة
فقد استعملت المصطلح "الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ" الذي يمثل الحد الأدنى لـ"أَهْل الْكِتَابِ" حتى لا يكون على المسلمين حرج، وحتى يكون التبيين واضحا لا لبس فيه، فالأمور المذكورة حلال للمسلمين بغض النظر عن حقيقة أهل الكتاب.
ولا يجوز لأحد أن يقول إنه يجب مقاتلة أهل الكتاب لأنهم مشركون أو كفار، والدين الذي يبيح لمعتنقيه أن يتزوجوا من أهل الكتاب بكل ما يترتب على ذلك وأن يأكلوا من طعامهم لا يأمره في نفس الوقت بالاعتداء عليهم لمجرد أنهم أهل كتاب، ويجب تذكر دائما أنه من السمات والشؤون الإلهية الثابتة أن الله لا يحب المعتدين، فالاعتداء على الآخرين منهي عنه -بموجب ذلك- نهيا باتا.

*******

هناك 3 تعليقات:

  1. سلمت يمينك هذا المقال شلمل للمنهج الإسلامي الحق واتمنى لو طبقه المسلمين كدستور يحكمهم وينظم العلاقة بينهم وبين بعضهم وبين الأمم الأخرى

    ردحذف
  2. احسنت وجزاك الله خير مايجزي به الانبياء والمصلحين

    ردحذف