السبت، 9 مايو 2015

الاسم الإلهي "الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ"


 الاسم الإلهي "الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ"
قال تعالى:
{قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }الرعد16  *  {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }إبراهيم48  *  {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }ص65  *  {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }الزمر4  *  {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ }غافر16  *  {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }يوسف39

لذلك فالمثنى "الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ" هو من النسق الأول للأسماء الحسنى؛ أي الأسماء التسعة والتسعين.

إن هذا الاسم يشير إلى سمة واحدة تفصيلها الواحدية وكذلك القهر على من سواه، فالواحدية تنفي بذاتها أن يكون لغيره وجود حقيقي معه وتنفي أن يكون ثمة كمال ذاتي لدى من هم غيره، أما الواحدية المقترنة بالقهر وهي السمة الأصلية فإنها تسمح بوجود ما لا يثنيه ولا يعدده وما لا يكون كفؤا له، وكذلك تسمح بوجود مظاهر لكمالاته ولكنها لا تسمح بوجود كمال ليس له أصل لديه فإن ذلك من المستحيل أصلا، وهذا يعني أنه لا يمكن أن يكون له ند في الكون وأن العلاقة الوحيدة الممكنة بينه وبين من عداه من كائنات هي علاقة إله بمألوه ورب بمربوب وخالق بمخلوق وكل ذلك من تفاصيل تلك العلاقة، ذلك لأن سمة الخلق من سمات الكمال، ومن حيث أنه هو الواحد القهار فإن سمة الخلق تأخذ مداها اللانهائي الأعظم فتشمل كل شيء وتحيط بالإطار الزمكاني وكل ما تقيد به من الكائنات، وذلك الاسم ينفي بذاته مذاهب كوحدة الوجود أو الحلول فإنه سبحانه لن يقهر ذاته أو أشياء هي عينه أو كائنات هو حال فيها، فإن هذا الاسم يقتضي مجالا من الأغيار أو الأشياء الغيرية أي التي ليس فيها من ذاته أو ألوهيته شيء ولا يمكن أن تشترك معه في أي أمر حقيقي، ولذا فالملك الحقيقي من لوازم هذا الاسم وهذا ما سيظهر أشد الظهور في اليوم الآخر، وكما ينفي هذا الاسم أن يكون له ند فإنه ينفي أن يكون له ولد، فكل ما له كيان سواه لابد أن يكون من خلقه، فذلك هو الأمر الممكن الوحيد، وبالتالي فلا يمكن أن يوجد ما هو كفؤ له ولا أن يكون هنالك ما له نفس الكنه، فهو سبحانه تام في ذاته لا ينفصل عنه شيء ولا ينقسم، وهو يملأ عالمه الإلهي بذاته، فلا يمكن أن يوجد هنالك من يزاحمه، ولا يمكن أن ينبثق منه شيء لأنه لا يتغير ولا يتبدل عما هو عليه، كما أنه لا يمكن أن يكون منقسما إلى أقانيم متميزة بالأصالة لأنه هو الأحد الصمد ولأن الكمال اللانهائي المطلق لا يمكن أن يتعدد.
فهو سبحانه الذي قهر كل ما هو دونه بوحدانيته المطلقة، فمن هو الواحد المطلق لا يثنيه ولا يعدده شيء في أي مرتبة من مراتبه أو سمه من سماته أو شأن من شؤونه ولا يقارن به بأي حال من الأحوال، فهو الواحد في ذاته وفي كل اسم من أسمائه وفي كل سمة من سماته وفي كل فعل من أفعاله، لذلك فلا يمكن أن يكون له ولد لأنه لا يمكن أن يشاركه كائن آخر في كنهه.
فمن حيث أن الله هو الواحد القهَّـار فكل من هم سواه ليسوا إلا كالأصفار، ليس لديهم من حيث ذواتهم إلا ما انطوت عليه ماهياتهم من نقص، أما ما لديهم من كمالات فهو مصدرها ومالكها الحقيقي، والسمة التي تفصيلها هو الواحدية والقهر تجعل كل من هم دونه بالنسبة إليه كالعدم، ولكنها لا تنفيهم نفياً تاماً يجعلهم محض العدم، ذلك لأن تلك السمة تقتضي بذاتها ولتمام ظهورها مجالاً لنفوذها، فهي تقتضي بذاتها وجود الغير والسوى وهو كل هذه العوالم، فالذي يخشاه الكل منه وهو قهره هو الذي اقتضى وجود غيره، ولذا فقد قدَّر الماهيـات وأبـدع المادة الأولى وخلق منها الكائنات، فسمة الخلق من تجليات هذا الاسـم، قال تعـالى: {قُـلِ اللّهُ خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ } ( الرعد: 16 ).
ولما كان الأمر كذلك حُقَّ له أن ينفرد بالألوهية، قال تعالى: {قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَـَهٍ إِلاّ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ} (ص: 65)، فهذا الاسم دامغ بذاته لكل شرك، وله وحدة كل ملك، وله الخلق الحقيقي والتأثير الحقيقي، ولذا فهو الاسم الذي يُخشى ويُنذَر به، وبه كان له القهر المطلق على من عداه.
وكما ينفي الاسم " الْوَاحِدُ الْقَهّارُ" أن يكون له ند فإنه ينفي أن يكون له ولد، فمن هو الْوَاحِدُ الْقَهّارُ مطلقا لا يمكن أن يكون مشتركا معه في حقيقة ذاته غيره، قال تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَّاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} الزمر4
فالاسم الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ من أسماء التوحيد العظمى، فهو الاسم النافي والدامغ لكل دعاوى الشرك على كافة المستويات، وهو المنفرد بما ذكره عن نفسه وأعلن أنه خاص به، فليس له شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ بل هو خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فكل ما هو من دونه من المخلوقات مخلوقٌ به وله، وكلهم عباده شاءوا أم أبوا، وأعظم تجليات هذا الاسم هي في يوم القيامة؛ يوم يقوم الناس لرب العالمين، يوم يقوض العالم المادي المعلوم، يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ.
فأبرز مظاهر قهره لكل العالمين أن يظهر انفراده بالملك العظيم، وهذا ما سوف يتحقق في يوم الدين، حين يتبدى الأمر الحق، ويذهب أدراج الرياح كل ملك كان لأحدٍ من الخلق ما ناله إلا ابتلاء له ولغيره، فذلك هو اليوم الذي ينبغي أن يخشاه كل عباد الله.
وهذا الاسم يقتضي من الإنسان الخضوع لله تعالى والإخبات التام له وازدراء المتكبرين والمتغطرسين وألا يغفل عن يوم الدين، وذكر هذا الاسم هو علاج فعال ضد الوساوس والأوهام.

*******


هناك تعليق واحد: