الثلاثاء، 19 يوليو 2016

النساء من 1 إلى 3

النساء من 1 إلى 3

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)
أمر الله سبحانه الناس بتقوى الله تعالى أي بالتحلي بمقتضيات الإحساس الصادق بالحضور الإلهي، وذلك من لوازم القيام بحقوق من خلق الناس كلهم من نوع واحد لا من أنواع متعددة وجعل من نفس هذا النوع صنفين هما الذكر والأنثى، وخلق من هذين الصنفين أعدادا هائلة من الرجال والنساء وكلها صور ممكنة ومحتملة للصنفين الأولين، وبذلك تتحقق الشروط اللازمة لإظهار وتفصيل القدر الأعظم من الكمالات الإلهية، فالله سبحانه يمنُّ على الناس أن جعلهم من نوع واحد ولو كان الأمر غير ذلك لكانت الحياة جحيما لا يطاق.
وتحقق الإنسان بالتقوى هو عين إدراكه أن ربه رقيب عليه، فمن أيقن حقًّا أن من أسماء الله الحسنى "الرقيب" فسيتقي الله ربه، ولن يجرؤ على المخالفة عن أمره.
فالآية تشير إلى وحدة الأصل أو النوع البشرى وأن زوج أي إنسان من نفس نوعه، فالنوع البشرى واحد فلا يوجد نوعان، والأصل واحد والذكر والأنثى هما صورتان ممكنتان لنفس النوع، فهما ينتميان لنوع واحد، وهذا يجعل لكلتا الصورتين نفس الحقوق الإنسانية.
***
إن آية النساء 1 تقول إن كل الناس خلقوا من نفس النوع، وإنه من نفس النوع أيضا خلق لكل نفس زوجها، أي إن النوع جُعل زوجين، فكل من الذكر والأنثى زوج للآخر، فالآية تعنى أن الناس خلقوا أزواجا، وسبب الإشكال هو أن كلمة النفس مؤنثة من حيث اللفظ وأن النفس لا وجود لها إلا في إحدى الصورتين فليس ثمة مثال لنفس كلية محايدة في عالم الشهادة، فلابد أن تأخذ النفس إحدى الصورتين أو أن تظهر في إحداهما، وكذلك فإن كلمة الزوج تعنى أيضا الرجل أو المرأة، فالآيات تؤكد وحدة النوع الإنساني وأن الزوجين من نوع واحد وأنه لابد من وجود الصنفين وأنه من تلك الصورتين تم بثُّ أعداد كثيرة من الرجال والنساء، وتبين الآية أن التحقق بالتقوى هو الأدب اللازم تجاه اسم الله الرقيب والذي هو من الأسماء الحسني.
والخطأ الذي وقع فيه المفسرون يرجع إلى ما يلي:
1.    وقوعهم تاحت تأثير أهل الكتاب وأساطيرهم، والتي تجعل المرأة مخلوقة من جزء منتزع من جسم الرجل.
2.    أن لكلمة النفس معاني عديدة، وهي تؤدي معاني النسمة الإنسانية، الكيان الإنساني الجوهري، النوع، كما أن كلمة نفس تُستعمل للتأكيد بصفة عامة.
3.    أن النفس مؤنثة من حيث اللفظ.
4.    جهلهم بمعنى التعبير "خلق من".

والآية الثانية تنهى عن أكل أموال اليتامى ظلما، فلا يجوز أن يتبدل المؤمن الخبيث بالطيب، بل يجب عليه أن يتمسك بالطيب، وهو ما يحل له، وأن ينتهي عن الخبيث، وهو ما يحرم عليه، وأكل أموال اليتامى ظلما هو حوب كبير، ومن يحوب حوبا يكتسب إثما.
والآية الثالثة تتضمن شرطا وجوابه، فالشرط هو الخوف من ألا يقسطوا في اليتامى، ذلك لأنه أثناء الجهاد كان المقتول في سبيل الله تعالي يترك أزواجه وأطفاله اليتامى بلا عائل مما يعرضهم لذل الحاجة ولافتقاد الأمن الأسري، وفي ذلك ظلم لهم وجور عليهم، فالآية تتضمن حثًّا للناس على أن ينكحوا ما طاب لهم من هؤلاء النساء بشرط العدل، فالآية ليست نصًّا في مشروعية النكاح فهو من سنن الفطرة وليست نصًّا لإباحة تعدد الأزواج فلقد كان مباحا في ملة إبراهيم، وهو لم يُنسخ ولم يبدل، كذلك ليست الآية أمرا بوجوب تعدد الأزواج.
ولقد استنبطوا من التوقف عند (رباع) أن ذلك هو العدد الشرعي للزوجات الذي يجب ألا يزاد عليه.
فالرابط بين الشرط وجوابه في هذه الآية أن يكون النساء المأمور بنكاحهن من اليتامى أو من راعيات اليتامى أي من اللاتي توفى عنهن آباؤهن أو أزواجهن تاركين أولادهم وبناتهم وإياهن للأمة في بيئة لا توفر رزقا أو عملا للنساء، ولقد أدرك المسلمون بإرشاد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أن التوقف عند (رباع) يعني أن هذا هو الحد الأقصى المسموح به للجمع بين النساء بصفة عامة وليس فقط في تلك الحالة الخاصة، وبذلك التزموا ولا جناح عليهم في ذلك إذ هم منهيون عن الإسراف في كل ما يتعلق بمتاع الدنيا.
أما تعدد الزوجات فقد كان أمرا مباحا في ملة إبراهيم والأنبياء من بعده، والآيات لم تتعرض لهذا الأمر، فهو أمر مسكوت عنه ومتروك لظروف وأحوال كل عصر ومصر، ولم يأت نص يتضمن أمرا مطلقا غير مشروط للرجل بأن يتزوج حتى أربعة نساء، وكل ما أحدثه الناس في مثل هذه الأمر لا علاقة ضرورية له بالإسلام وإنما له علاقة بأحوال وظروف الناس ودرجة تطورهم.
وليس من حق أحد أن يلغي مدلول الشرط ولا مدلول الأمر المشروط، بل إن كل الناس ملزمون باتباع هذا الكتاب الذي أنزل إليهم من ربهم، وكل قول منسوب إلى أحد عباده مهما عظم شأنه هو ابتلاء للناس تقام به الحجة على المشركين منهم وهم أكثرهم.
والآيتان الثانية والثالثة تقدمان أيضا حلاً لمشكلة يتامى النساء اللاتي لديهن أموال أو غير ذلك ويُخشى أن يتعرضن للظلم على أيدي أوليائهن فلقد شرع للمسلمين أن يتزوجوا منهن مع الالتزام بالحد الأقصى المبين، فالآية تشير إلى إمكانية أن يتزوج الرجل بأكثر من واحدة مع الالتزام بالعدل، ولكنها تجعل الزواج وسيلة لحل مشاكل اجتماعية وليس مجرد استجابة لشهوات الذكور.
ولقد بينت آيات واردة في سورة آل عمران بما لا يدع مجالا للشك أن ثمة ما هو أفضل من شهوات الدنيا المزيَّنة للإنسان كالنساء مثلا، ولقد ذكرت الآيات منها التقوى والأيمان والصبر والصدق والقنوت وإنفاق المال والاستغفار بالأسحار، وكل ذلك يبين أنه على المسلم ألا يجعل شغله الشاغل شهوة النساء حتى لو كان ذلك عن طريق النكاح المباح، فالإنسان مأمور بألا يسرف، فعليه ألا يجعل الدنيا ومتاعها القليل أكبر همه أو مبلغ علمه، ولو كان للقيم العليا والمشاعر الوجدانية السامية وعشق الكمال السيطرة علي كيان الإنسان لما تضخم عنده أمر شهوات الفروج ولما انشغلوا بها هذا الانشغال المرَضيّ الذي اشتهرت به الحضارة العربية.
***
قال الأصوليون: ((قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 4]، ظاهر في إباحة نكاح ما حل من النساء لأن هذا معنى يتبادر فهمه من لفظ، فانكحوا ما طاب لكم منهن من غير توقف على قرينة، وهو غير مقصود أصالة من سياق الآية؛ لأن المقصود أصالة من سياقها هو قصر العدد على أربع أو واحدة كما قدمنا)).
قولنا: بل إن نكاح ما طاب من النساء ذوات الصلة باليتامى هو المقصود بالفعل من السياق، وكيف لا يكون مقصودا وهو جواب شرط موجود في الآية؟ ولكن المشكلة هي أنهم دأبوا على اقتطاع عبارة من السياق وتفسرها بمعزل عن باقي الآية وسياق الآيات، وها هو السياق:
{وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)} النساء
فالآيات تتعلق بحفظ حقوق اليتامى وخاصة في مجتمعات بدائية لم يكن فيها مؤسسات لرعاية اليتامى والضمان والتكافل الاجتماعي، ومن ينكح أم أو أكثر من أمهات اليتامى سيحميهم من أن يجور الناس عليهم، ولكن عليه هو في المقابل ألا يجور عليها هي.
وليس من حق أحد القطع بأن المقصود أصالة هو قصر العدد على أربع، بل يمكن القول بأن الآية لا تقصد إلى أي تحديد إلا في حالة الخوف من ألا يعدلوا، ولكن هناك أوامر عامة بعدم التبذير أو الانشغال بمتاع الدنيا القليل، ومن علم عناصر دين الحق يعلم أنه ملزم بالقيام بما يشغله عن الانغماس في متاع الدنيا وإهدار إمكاناته فيها.
وهذه الآيات توضح أن النكاح هو قيام بمسؤوليات اجتماعية، هذا بالإضافة إلى أنه من سنن الفطرة، ولقد أكد القرءان عليه بأن ذكر من يحل للرجل من النساء، وذلك بذكر من يحرمن عليه، قال تعالى:
{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24) وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26)} النساء
*****
إن إعداد الأسرة الصالحة هو من مقاصد الدين العظمى، وذلك يتمثل في القوانين التي تضمنها القرءان للحفاظ على هذا الكيان الإنساني الهام، ولم يرد في أي دين آخر أو في أي قانون بشري شيء يرقى إلى مستوى هذه الآية الكريمة وما تقتضيه:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} [الروم:21]
والآية تلزم المسلم بالتفكر في الأمر المذكور لإدراك أن فيه آيات حقيقية، وهي في الوقت ذاته تندد بمن لا يرى أو لا يحاول أن يرى هذه الآيات، ومن المعلوم أن التفكر هو من العلامات الفارقة بين الإنسان وبين الأنعام.
*****
لم يتعرض القرءان لموضوع مدة الزواج، فهو أمر متروك للزوجين، والأصل في الزواج المودة والرحمة، وهذا ما يوجب استمراره، وإلا فإن الأمر مفوض لأولي الأمر الشرعيين وإلى قاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين، وهذا الحكم سارٍ أيضا في موضوع العدد، فمن حق الزوجة أن تشترط على زوجها في عقد الزواج –وهو ميثاق غليظ- ألا ينكح عليها امرأة أخرى إلا بإذنٍ منها، فحقه في النكاح ليس حقا مطلقا، ولا يوجد في الشرط أية مخالفة لنصٍّ شرعي.
ومما لا شك فيه أن تزوج الرجل من امرأة أخرى غير امرأته بلا أي مبرر حقيقي إلا الاستجابة لنزواته يتنافى مع المودة والرحمة التي جعلها الله بين الزوجين، كما يتضمن جرحا لمشاعر إنسانة بلا أي مبرر، ومن الأولى بالإنسان الحقيقي أن يغلب المشاعر السامية على الغرائز الحيوانية، ولا يوجد أي نصٍّ قرءاني يوجب عليه الزواج من أخرى ليتعلل به، بل إن آيات القرءان تكشف محدوية المتاع الدنيوي، قال تعالى:
{.... قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلا} [النساء:77]، {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)} آل عمران
فالاستغفار بالأسحار والصدق والصبر والقنوت وإنفاق المال في سبيل الله خير للإنسان من شهوة النساء وغيرها من مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، أما الزواج من أمهات اليتامى فهو وظيفة اجتماعية عندما لم يكن ثمة مؤسسات لرعاية الأيتام، وهو يبقى أمرًا مباحا لمن استطاعه.
فالزواج في الإسلام وظيفة اجتماعية ومسئولية في مجتمعات كان الأبناء يتشردون إذا فقدوا عائلهم ولم يكن للنساء بحكم التقاليد أي مورد للرزق عن طريق العمل ولم يكن هناك دولة ومؤسسات اجتماعية
فآية النساء3 تتحدث بالأصالة عن حقوق اليتامى وليس عن حقوق الرجال في اقتناء النساء.
وكما سبق القول: آية النساء3 لم تتعرض لموضوع تعدد الزوجات، فهو أمر متروك لظروف التطور ومدى التقدم وللعرف، ولأحوال العصر والمصر، ولأولي الأمر أن يسنوا من القوانين ما يحقق الصالح في هذا الأمر.
***
الآية الثالثة تتضمن شرطا وجوابه، فالشرط هو الخوف من ألا يقسطوا في اليتامى، ذلك لأنه أثناء الجهاد كان المقتول في سبيل الله تعالي يترك أزواجه وأطفاله اليتامى بلا عائل مما يعرضهم لذل الحاجة ولافتقاد الأمن الأسري، وفي ذلك ظلم لهم وجور عليهم، فالآية تتضمن حثاً للناس علي أن ينكحوا ما طاب لهم من هؤلاء النساء بشرط العدل، فالآية ليست نصا في مشروعية النكاح فهو من سنن الفطرة وليست نصا لإباحة تعدد الأزواج فلقد كان مباحا في ملة إبراهيم التي لم تُنسخ ولم تُبدل، كذلك ليست الآية أمرا بوجوب تعدد الأزواج، ولقد استنبطوا من التوقف عند (رباع) أن ذلك هو العدد الشرعي للزوجات الذي يجب ألا يُزاد عليه.
فالرابط بين الشرط وجوابه أن يكون النساء المأمور بنكاحهن من اليتامى أو من راعيات اليتامى أي من اللاتي تُوفى عنهن آباؤهن أو أزواجهن تاركين أولادهم وبناتهم وإياهن للأمة في بيئة لا توفر رزقا أو عملا للنساء، ولا يوجد فيها نظام للرعاية الاجتماعية ولا للتكافل الاجتماعي، ولقد أدرك المسلمون بإرشاد الرسول أن التوقف عند (رباع) يعني أن هذا هو الحد الأقصى المسموح به للجمع بين النساء بصفة عامة وليس فقط في تلك الحالة الخاصة، وبذلك التزموا ولا جناح عليهم في ذلك إذ هم منهيون عن الإسراف في كل ما يتعلق بمتاع الدنيا.

والآيتان الثانية والثالثة تقدمان أيضا حلاً لمشكلة يتامى النساء اللاتي لديهن أموال أو غير ذلك ويخشى أن يتعرضن للظلم على أيدي أوليائهن فلقد شرع للمسلمين أن يتزوجوا منهن مع الالتزام بالحد الأقصى المبين بشرط العدل.

*******

هناك تعليق واحد: