الجمعة، 1 يوليو 2016

المثانى الخاصة بيوسف عليه السلام

المثانى الخاصة بيوسف عليه السلام

إن المثنى الرئيس الذي أوتيه يوسف عليه السلام هو الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، وذلك بمعنى أن هذا الاسم هو الذي كان يتولى كافة شؤونه لوجود استعداد في ماهيته لذلك، ولقد أدرك يعقوب عليه السلام ذلك وعرَّفه به عندما قصَّ رؤيته عليه، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}يوسف6، وقال الله سبحانه على لسان يوسف عليه السلام عندما تمت أحداث قصته:
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}يوسف100.
وذلك الاسم يعبِّر عن سمة واحدة تفصيلها العلم المقترن بالحكمة مع التقدم والأسبقية للعلم، ولذا فإن من مقتضيات ذلك الاسم إدراك الحكمة في الأمور باستخلاصها من الكثير من التفاصيل، ومن مقتضياته أيضاً علم التأويل وهو لا يتعلق بالرؤى المنامية فقط بل بكل ما ظهر وتحقق من الوقائع والأمور، فمن تولاه الاسم الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ يستطيع أن يستخرج الحكمة من كل الوقائع الجزئية ومن الأحاديث، ومنها أحاديث الناس العشوائية، وكأنه يستمع إلى ربه يخاطبهم من بينهم وعلى ألسنتهم.
ومن مقتضيات هذا المثنى أيضا اللطف في التدبير بإخفاء النعمة في ثوب النقمة واستدراج الناس إلى ما فيه الخير لهم، ويظهر ذلك في قصة يوسف عليه السلام فقد كان تآمر أخوته عليه وإلقاؤه في الجب وبيعه بيع الرقيق وإلقاؤه في السجن؛ كل ذلك كان سبباً في توليه منصب عزيز مصر ثم ملك مصر، وإقرار أخوته  بأفضليته عليهم، وكذلك ظهر ذلك في تصرف يوسف عندما جعل السقاية في رحل أخيه فظهر أخوه بذلك في صورة السارق واحتفظ به إلى جانبه، وكان كل ذلك سبباً في نجاة عائلة يعقوب من شظف العيش وجفاف البادية وهجرتهم إلى مصر البلد الآمن الموصوف بأنه ذو جنات وعيون وكنوز ومقام كريم، وتجري من تحت ملوكه الأنهار.
ومن مقتضيات هذا الاسم الظهور بالعلم والتحلي بالجمال والظهور بسمات الكمال، ولذلك كان يوسف عليه السلام آية في الحسن، ولذلك أيضاً كان يبادر بإظهار ما أوتيه من علم وما خُصَّ به من مكارم دون تحفظ مما أثار حفيظة أخوته عليه في حين أن من يتولاه الاسم الحكيم العليم يميل إلى الخفاء وكتمان حاله ولا يبدي ما لديه من كمالات إلا بقدر معلوم هو ما تقتضيه الحكمة وتمليه طبيعة الأحوال كما كان شأن الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ.
وقصة يوسف عليه السلام بكاملها هي بييان وتفصيل للمثنى "العليم الحكيم"، وبه بدأت وبه خُتمت، فتلك القصة هي في مجملها شرح وتفصيل لمقتضيات هذا الاسم على مستوى تدبير الوقائع والأحداث، فاللطف في التدبير إذن هـو من مقتضـيات ذلك المثنى، ولذا كان الاسم اللطيف من تجلياته، قال تعالى على لسان يوسف عليـه السلام: {... إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ }يوسف100.
وليوسف عليه السلام أيضاً المثني "السميع العليم" والمثنى "الغفور الرحيم"، قال تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }يوسف34، {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ }يوسف53.
ومن أوتي المثنى "السميع العليم" يظهر للناس رجاحة عقله وحلمه وحسن تدبيره، ويقرون له بذلك وينتفعون به فينجح معهم، ويحقق المهام المنوطة به.


*******

هناك تعليقان (2):