الاثنين، 4 يوليو 2016

آية سورة البقرة 134

آية سورة البقرة 134

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ{134}
الآية تقرر مبدأ المسئولية عن الفعل، فالكيان الإنساني مسئول فقط عن أعماله الاختيارية، وليس مسئولا عن أعمال غيره بما فيهم أسلافه، ولكنه يصبح مسئولا عن ذلك إذا ما اختار الولاء المطلق لهم والتقديس لأقوالهم وأفعالهم واتخاذهم أربابا يدافع عن أخطائهم وآثامهم، عندئذ فقط يتحمل معهم تبعات أخطائهم، فإذا كانوا قد قتلوا نبيًّا مثلا فإنه يكون قد قتله مثلهم، ولذلك خوطب بنو إسرائيل المعاصرين للرسول كقتلة للأنبياء باعتبار ما فعله أسلافهم.
فالآية تفصيل وبيان للآيات:
{.... وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون} [الأنعام:164]، {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا}[الإسراء:15]، {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِير}[فاطر:18]، {.... وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور}[الزمر:7]، {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)} النجم
فآيات القرءان تتكامل ويبين بعضها بعضا.
إن المسلم مطالب باستثمار عمره ووقته وموارده فيما ينفعه، فعليه أن يشتغل بما يعنيه وألا يحمل نفسه شيئا فيما يختص بالأمم السابقة، والله سبحانه يحكم بين الناس بالحق، ولا يسأل أحدا عن أعمال غيره، ولا تزر وازرة عنده وزر أخرى.
والمسلم مطالب بأن يتخلق بمقتضيات سمات ربه، فعليه أيضًا ألا يحمِّل أحدا أوزار الآخرين وألا يحاسب أحدا على أعمال أسلافه.
ولا يجوز استعمال هذه الآية لإلغاء آيات قرءانية عديدة تأمر بالنظر في عواقب الذين خلوا من قبل، فهذه الآيات تقرر ركنا دينيا ملزما للكيانات الإسلامية، فلا اختلاف ولا تناقض في الأوامر القرءانية، وإنما يصنع الاختلاف أهواء الضالين الذين يلوون عنق الآيات لتقول بما قرروه هم أو ما يريدون فرضه على الناس.
إنه يوجد في القرءان أمر متكرر بالسير في الأرض وحثٌّ على ذلك، وقد ورد الأمر بالسير في الأرض للبحث والنظر أكثر بكثير من الأمر بالصيام أو بالحج، فهو بذلك أمر قرءاني مشدد وركن فرعي من أركان الدين يجب العمل بمقتضاه بقدر الاستطاعة، قال تعالى:
{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِين}[آل عمران:137]، {قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين}[الأنعام:11]، وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُون}[يوسف:109]، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين}[النحل:36]، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور}[الحج:46]، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِين}[النمل:69]، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[العنكبوت:20]، {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون}[الروم:9]، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِين}[الروم:42]، {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}[فاطر:44]، {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاق}[غافر:21]، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُون}[غافر:82]، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا}[محمد:10].

وعبيد السلف يفسرون هذه الآية تفسيرا خاطئا ثم يستخدمون تفسيرهم الخاطئ لضرب الكثير من آيات القرءان، وهذا يكشف حقيقة هؤلاء الضالين المشركين، فالأولوية العظمى عندهم هي لأوثانهم، إنه لا يجوز أبدًا استعمال هذه الآية للدفاع عن أهل البغي والمفسدين في الأرض والدعاة إلى النار والمنافقين لحمل الناس على الاستمرار في التسبيح بحمدهم والتقديس لهم.
*****
الآية بيان بأنه على كل جيل أن يتحمل مسؤولية نفسه وأن يتدبر أمره وأن الخلف لا شأن لهم بأمور السلف وأنهم مسئولون عن أنفسهم وعن معتقداتهم وعن أعمالهم، ولن ينفع الخلف احتجاجه بأمر السلف، ولا يؤاخذ الإنسان إلا بما وقر في قلبه من اعتقاد حقيقي وإلا بما اكتسب من نتائج أعماله الاختيارية التي تؤدي إلي إعادة تشكيل صورته الجوهرية، فعلي كل جيل أن يتدبر أمره وفق ما هو ثابت لديه من أمور دينه ووفق مقتضيات عصره وأن يعلم أنه ليس لدي السلف من حلول لما يستجد من مشاكل وتحديات، كذلك عليه أن يعلم أن الله تعالي هو رب السلف والخلف وأنه لا يمكن للخلف أن يفلحوا إذا ما أصروا علي رؤية الأمور بأعين السلف، ولقد حاول صدام –مثلا- أن يتقمص شخصية صلاح الدين وظن أنه يمكنه أن يتبع أساليبه وأن يسير علي دربه فباء بالخزي والخذلان.
*******

هناك تعليقان (2):

  1. اتمنا ان نطبق الآية على أنفسنا
    ان نبش ألمقابر عمل كريه
    مع هذا نضطر في بعض الاحيان إلى نبش القبور والعبث ب العظام كي نحصل على خيط يهدم خرافة
    اللهم سلم

    ردحذف