الأربعاء، 6 يوليو 2016

ركن 11 إقامة الصلاة ج1

ركن 11 إقامة الصلاة ج1

إقامة الصلاة تتضمن إقامة الصلوات الخمس المعلومة، كما تتضمن وصل ما أمر الله به أن يوصل، بمعنى إقامة شبكات من الوصلات والعلاقات الشرعية بين الإنسان وبين الكيانات الأخرى التي هو مأمور أن يقيم صلات بها، كما تشمل تقديم واتباع الله باتباع الكتاب الذي أنزله، والإقامة الحقيقية للصلاة تشكل خلاصة مكثفة لأكثر الأركان الدينية الجوهرية، والأهمية القصوى يجب أن تكون لأركان الصلاة ومقاصدها المذكورة في القرءان.
وعلي الإنسان أن يعمل علي تحقيق مقاصد إقامة الصلاة، ومنها: إقامة صلة وثيقة بالله والتحقق بذكر الله وتلاوة آيات الكتاب والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، وهي تتضمنُ إقامةَ الصلواتِ الخمس، كما تتضمن وصلَ ما أمر الله به أن يوصل؛ أي إقامةَ شبكات من الوصلات والعلاقات الشرعية بين الإنسان وبين الكيانات الأخرى التي هو مأمور أن يقيم صلاتٍ بها، ويجب العلم بأن تحقيق المقصد أهم بما لا يقاس من الانشغال المبالغ فيه بالأمور الشكلية، ولابد أن تقام الصلاة بخشوع وخضوع وإخبات وحضور ذهن، ولابد أن يعمل الإنسان علي الاتصاف بالصفات التي ذكرها الله تعالى في كتابه للمصلين، وهذا الركن هو التجسيد علي مستوى الشعائر لركن إقامة الصلة بالله تعالي، وبالإضافة إلي الصلوات المعلومة علي الإنسان أن يحرص علي التهجد نافلة له، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن الغفلة عن تحقيق مقاصد الصلاة أو محاولة التكسب بأدائها.
*******
إن إقامة الصلاة هي العبادة الظاهرة العظمى في الإسلام، وهي من أعظم وسائل الإنسان لتحقيق المقصد الديني الأعظم الثاني، أي ليكون إنسانا ربانيا صالحا مفلحا محسنا، وهذا يعنى أنها وسيلة الإنسان ليتحقق بذكر الله تعالى والتقوى وليتطهر من المعاصي والذنوب ولينتهي عن الفحشاء والمنكر وليتحلى بمكارم الأخلاق وليتطهر من مساوئها، وهي أيضا استجابة المؤمن لربه وقيامه له واستقامته له ومعراجه إليه ووسيلة من وسائل القيام بحقوق تجلياته.
ويلاحظ أن الكتاب العزيز لم يقدم وصفا دقيقا لشكليات الصلاة رغم أنه فعل ذلك في أمور أقل أهمية بكثير، ومن أسباب ذلك ألا يشغلهم بمظاهرها عن مقاصدها وبرسومها وشكلها عن روحها ومضمونها، ولكن القرءان قدم أركانها موزعة على الآيات طبقا للمنهج القرءاني المعلوم، كما أمر الرسول والمسلمين باتباع ملة إبراهيم ومنها إقامة الصلاة، وقد حفظها الله تعالى في ذرية إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام لحرصه الشديد على الأمر بها كما شهد له القرءان، بينما أضاعها بنو إسرائيل.
والصلاة هي عبادة فردية من حيث الأصل ولكنها أيضا جماعية من حيث أنه على الإنسان أن يؤديها بكل كياناته وملكاته أي بكل قوى وجوده، وعندما يؤديها الإنسان منفردا فإنما يكون الإمام أنيته (أناه أو حقيقته العليا، His I-ness) ويأتمُّ بها سائر مكوناته وحقائقه الأخرى والملائكة الملحقون به والجن المؤمن الملازمون له، وفى حالة وجود الأمة المؤمنة الفائقة فإن الأداء الجماعي للصلاة يصبح أمرا ملزما لكل كيان من مكونات الأمة ووسيلة من وسائل تقوية وتدعيم وتحقيق المقصد الأعظم الخاص بها، وكل هذا يقتضى أن يؤديها المسلمون وهم على قلب رجل واحد ويأتمون بمنظومة قيم واحدة ويدركون أنهم أعضاء جسد واحد ويكون مسلكهم من مقتضيات هذا الإدراك.
وفي هذا العصر فإن الأمر بالإقامة الجماعية للصلاة يشمل المؤسسات المستحدثة، وفي ذلك سبيل للرقي بها وتزكيتها وجعل كل مؤسسة كجسد واحد متماسك، وليس المقصود أن يتحول الإنسان إلي دابة في قطيع ولكن المقصود أن يكون إنساناً ربانياً فائقاً في أمة من الأحرار الأباة الأشداء علي الأعداء الرحماء فيما بينهم، فإقامة الصلاة مع التحقق بكل ذلك يؤدى إلى الجمع البناء لكل قوى وقدرات وامكانات الأمة مما يضاعف من ثرواتها المادية والقيمية والمعنوية ويزيد من ثقلها الأمري على كافة المستويات، أما الآن في ظل وجود الشيع الضالة والمذاهب المنحرفة ودعاة الشقاق والفتنة الذين يحتكرون المنابر فربما كان من الأسلم أن يصلي المسلم في بيته وبذلك أمره الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ من قبل.
ويجب العلم بأن الصلاة هي أمر واحد ينبغي إقامته كما أقامه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وأن كل حركاتها من قيام وركوع وسجود وتلاوة وبالترتيب المعلوم هي مطلوبة، وليس ثمة تعارض بين القيام بحركات الصلاة وبين ذكر الله تعالى، فإن ذكر الله يقتضي القيام بما أمر به، فكل حركات الصلاة مطلوبة لأنها تقتضي أموراً ويترتب عليها أمور في ظاهر الإنسان وباطنه ومآله وعاقبة أمره، ولا يمكن الفصل بين الحركات الظاهرة وأداتها البدن وبين ذكر الله والتقوى ومحلهما القلب كما لا يمكن الفصل بين الإنسان وبين نفسه، فالصلاة بالكيفية المعلومة هي أمر لازم للتحقق بالذكر، ولكن يجب ألا ينشغل الإنسان بالأداء الشكلي للصلاة عن جوهرها ومقاصدها، بل إن ذكر الله تعالى مقدم على كل أمر آخر في حالة التعارض، وقد ذكر القرءان أركان الصلاة الجوهرية: ذكر الله، الخشوع، حضور الذهن، الانتهاء بها عن الفحشاء والمنكر...الخ، إن الأداء الشكلي للصلاة ليس لغزا محيرا ولا معضلة صعبة، وهو ليس بحاجة إلى تلك المجلدات المطولة التي كتبت فيه وكل المعاهد التي كُرِّست لتدريسه، فإن ذلك الأداء وكل ما يتعلق به قد قُدِّر وصمِّم ليستطيع صبي في السابعة من عمره القيام به، وكذلك الحال فيما يتعلق بأمر الوضوء.
*******
إن إقامة الصلاة هي الوسيلة وهي التجسيد العملي للب أركان الدين وهو إقامة صلة وثيقة برب العالمين.
*******
أما عدد الصلوات الواجبة وكيفية أداء كل صلاة فقد تم نقل كل ذلك بالتواتر العملي (الملايين عن مئات الألوف عن عشرات الألوف عن الألوف) المعضد بأحاديث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، ذلك لأن الكتاب العزيز قد أمر بها إجمالا لكونها كانت معروفة لديهم لوجود أتباع ملة إبراهيم الحنفاء بينهم، ولكون بعضهم ومنهم الرسول نفسه كان عليها، كما بيَّن تفاصيلها وأوقاتها موزعة على آيات عديدة طبقا للنظم القرءاني المعلوم، ولقد ثبت عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ أنه قال ما معناه: "صلوا كما رأيتموني أصلِّي"، ويلاحظ أنه قال "كما رأيتموني" لأنه لا دراية لهم بأحواله الباطنة عند إقامته الصلاة وذلك أمر لا طاقة لهم به فلم يكلفوا به، لذلك فكيفية الأداء الشكلي للصلاة يمكن أن تؤخذ من أي مذهب (فقهي) راسخ الأصول مع استبعاد ما ثبت عدم صحة نسبته إلي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ.
ومن المعلوم أن الرسول كان من متبعي ملة إبراهيم كما أمره ربه، قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}النحل123، {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }الأنعام161.
وكيفيات الصلاة والصيام والحج كانت معلومة لكل متبعي ملة إبراهيم عليه السلام، ولقد طهَّرها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مما أحدثه المبطلون على مدى العصور، ولقد أخذت تلك العبادات صورها التامة بما أُوحي إلى الرسول في القرءان وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، وقد اختار الرسول لأمته الأذكار اللازمة فيها، وكلها محض استجابة لأوامر قرءانية، ولقد أورد الله تعالى في كتابه كيفية الوضوء في جزء من آية، ولو كان أمر الصلاة فيه شيء من الخفاء لأورده، وأول آيات القرءان نزولا تأمر بإقامة الصلاة لأنها كانت معلومة مثلما كان الصيام معلوما مثلا، فقوله تعالى {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} هو مثل قوله {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}.
لذلك لا يجوز لأتباع المذاهب الضالة وأعداء القرءان استغلال موضوع الصلاة للتطاول على القرءان وتقديم المصادر الثانوية عليه وصياغة الدين بعيدا عنه.
وصلاة الجماعة تفوق بصفة عامة صلاة الفرد لأنها من وسائل تحقيق المقصد الديني الأعظم الخاص بالأمة فضلاً عن المقصد الخاص بالفرد، أي هي من وسائل إعداد وبناء الأمة الربانية الخيرة الفائقة، وهي كذلك من وسائل الحفاظ على كيانها وبنيانها وزيادة تماسكها وتقويتها، ومع ذلك فكل إنسان أدرى بحاله، وتحقيق مقاصد الدين العظمى مقدم على أي شيء آخر، ولكن في أزمنة الفتن التي يتخذ شياطين الإنس والجن فيها المساجد وسائل لاصطياد الشباب الغر واستدراجه إلى هلاكه أو أوكارا لتأجيج الفتن أو لترسيخ الممارسات الشركية ونشر الجهل والتخلف والضغائن قد يكون من الأفضل أن يؤدي الإنسان الصلاة منفردا وأن يحمي من يعول من أي خطر يستيقن منه.
ويجب إقامة الصلاة بإخلاص وحضور ذهن وتركيز وخشوع مع ذكر الله تعالى بمعنى استشعار حضوره مع الالتزام بالكيفيات التي أوردها أئمة (الفقه)، ولقد دوَّن أبو حنيفة كيفيات الصلاة كما وصلته من أتباع مدرسة ابن مسعود كما دون مالك ابن أنس كيفيات الصلاة كما رأى أهل المدينة يؤدونها، وكلاهما لم يخطئا في مثل هذا المسلك، ولا يجوز لأحد أن يتخذ من عدم ورود تفصيلات الأداء الشكلي للصلاة في القرءان فرصة ليتطاول عليه ولا لينتقص من كماله ولا ليشكك في صدق ما وصفه الله به من أنه كلمة الله التامة ومن أنه كتاب مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء، ولا يجعل من المرويات الظنية قاضية عليه كما يفعل المغضوب عليهم من عبيد المرويات.
وتوقيتات الصلوات المكتوبة تجعل الإنسان أكثر ارتباطا بالطبيعة وأكثر احتفالا بآياتها وأعظم إصرارا على معرفة أسرارها وقوانينها وأكثر إدراكا لمواطن الجمال والجلال فيها، ولقد كان ذلك مع ضرورة الالتزام بالتوجه نحو القبلة من أسباب تقدم المسلمين في علوم الفلك والجغرافيا في العصور الوسطى.
*******
إن الليل من مقتضيات بطون الذات أو الغيب المطلق أو الكنه الذي لا يدرك والأنوار فيه من مقتضيات الأسماء، والشمس تشير إلي التجلي الأعظم النافع للكائنات وهو التجلي بالألوهية، وقبلة الإنسان الحقيقية هي وجه الله، ولابد للإنسان في عبادته من تذكر كل ذلك والقيام بحقه، فالجهر في الصلاة قيام بحق الأسماء، والإسرار فيها قيام بحق الذات، ولابد ألا يغفل الإنسان عن أداء حق البطون حال الظهور ولا عن أداء حق الظهور حال البطون، لذلك لابد من الاقتصاد في الأمرين، قال تعالى: {....وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً } الإسراء110.
*******
إن إقامة الصلاة من أركان الدين الحق ومن أركان الدين القيم دين الفطرة، فما من نبي أُرسل إلا وأُمِر بها وأمر أهله وقومه بها، ولقد أشاد الله تعالى بإسماعيل عليه السلام لشدة حرصه على الصلاة، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)} مريم
وإقامة الصلاة هي أيضا من أركان الإسلام الظاهري، ولم يُفصَّل في الكتاب ما تُرِك لكي نبي مرسل ليختاره ويسنه لقومه، ولقد كانت إقامة الصلاة من أركان الإسلام الذي بُعث به النبي إبراهيم عليه السلام وتوارثها الصالحون من ذريته إلى أن خَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ، ولم يحتفظ بصورة شبيهة بصورة صلاة إبراهيم عليه السلام إلا البقية من الأحناف من سلالة إسماعيل والصابئين وبعض اليهود، ولقد اختصت هذه الأمة بالصلاة في صورتها التامة الكاملة.
*******
إن الصلاة هي من المتابعة واللزوم والاتصال، وإقامة الصلاة هي الشروع في كل ذلك بالوسائل المبينة في الكتاب مع الالتزام بالآداب اللازمة، وأركانها القرءانية هي ذكر الله وتلاوة القرءان والدعاء والوعي وحضور الذهن والعلم بما يقال أو يُتلى فيها والخشوع والقنوت، وعدم المخافتة او الجهر فيها والركوع والسجود والتسبيح والتوجه شطر المسجد الحرام.
*******
إن أركان إقامة الصلاة هي الإخلاص لله، القيام لله، حضور الذهن، ذكر الله ومنه التسبيح باسم الله العظيم وتسبيح اسمه الأعلى والتسبيح بحمده والتكبير، قراءة ما تيسر من القرءان، الانتهاء بها عن الفحشاء والمنكر فلا يشغل قلبه بشيء من ذلك، الخشوع لله، القيام والركوع والسجود لله (ظاهريا ومعنويا)، الدعاء، استقبال المسجد الحرام (ويقابله على المستوى الجوهري الإخلاص وألا يخطر بباله إلا ربه في الصلاة)، الشهادة لله، الصلاة على النبي، الهمة والنشاط والجدية في الأداء، النية أي تحديد ماهية الصلاة، ولقد تضمن القرءان أركانها الأصلية التي أُمِر كل الناس في كل العصور بها، وقد أخذت صورتها الحالية مع إبراهيم عليه السلام، ولقد طهرها الرسول مما ألحقه الناس بها وبيَّن للناس أذكارها وتسبيحاتها وهي من القرءان الكريم.
وعلى الإنسان أن يعمل علي تحقيق مقاصد الصلاة وهي تشمل إقامة صلة وثيقة بالله والتحقق بذكر الله وتقوى الله وتلاوة آيات الكتاب والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، ويجب العلم بأن تحقيق المقاصد أهم بما لا يقاس من الانشغال المبالغ فيه بالأمور الشكلية، ولابد أن تقام الصلاة بعد ما يلزم من التطهر بخشوع وخضوع وإخبات وحضور ويقظة ذهن، ولا بد من المحافظة والمداومة عليها، ولابد أن يعمل الإنسان علي الاتصاف بالصفات التي ذكرها الله تعالى في كتابه للمصلين، أما مبطلات الصلاة التي ذكرها المختصون بالأحكام العملية فهي تنقض الشكل الخارجي، والمبطلات الأخطر هي التي تنقض روحها، فمن تلك المبطلات الرياء والغفلة والسهو عن ذكر الله ومنع الماعون.
وركن إقامة الصلاة هو التجسيد على مستوى الشعائر لركن إقامة الصلة بالله عزَّ وجلَّ، وبالإضافة إلى الصلوات المعلومة على الإنسان أن يحرص على التهجد نافلة له بمقدار ما يتيسر له، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن الغفلة عن تحقيق مقاصد الصلاة أو محاولة التكسب بأدائها.
*******
إن إقامة الصلاة هي إقامة شبكة من الوصلات والصلات (Network of bonds) بين هذا الإنسان وبين كلفة الكيانات الأخرى، وأهمها وأساسها هو الصلة بينه وبين ربه.
أما إيتاء الزكاة فهو صيانة وتطهير وتنمية هذه الصلات (To maintain, purify and develop these bonds).
*******
إن إقامة الصلاة هي العبادة الظاهرة العظمى في الإسلام، وهي وسيلة الإنسان لتحقيق المقصد الديني الأعظم الثاني، أي ليكون إنساناً ربانيا فائقا، وهذا يعنى أنها وسيلة الإنسان ليتحقق بذكر الله عزَّ وجلَّ والتقوى وليتطهر من المعاصي والذنوب وليبتعد عن الفحشاء والمنكر، وهي أيضا معراج المؤمن إلى ربه ووسيلة من وسائل القيام بحقوق تجلياته، وهي تتضمن من الأوضاع ما يؤدي إلى الرقي العام بالإنسان.
وإقامة الصلاة من أركان الدين العظمى على مستوي كل من الفرد والأمة، فهي بالنسبة إلى الفرد من وسائل إقامة صلة وثيقة بالله عزَّ وجلَّ، فإقامة الصلاة من وسائل التحقق بذكر الله والتقوى وذلك بتعظيم قدره سبحانه ظاهرا وباطنا بمعني أن يكون ذلك بكافة ما استخلف الإنسان فيه من كيانات مادية ومعنوية، فهي بالنسبة إلى الفرد وسيلته العظمى لكي يكون إنسانا ربانيا صالحا مفلحا أي لكي يحقق المقصد الأعظم الثاني، أما بالنسبة إلى الأمة فهي من وسائل ومظاهر ولوازم إعداد الأمة الخيرة الفائقة وبأدائها الجماعي تعلن للعالمين عن شخصيتها وهويتها.
*******
إن الصلاة هي مجموعة من الأنشطة البدنية والقلبية، والأنشطة القلبية تتضمن أنشطة ذهنية ووجدانية، وهي بحكم طبيعتها لابد لها من مقاصد، فهي صلة وممارسة مقتضيات صلة وسعي إلى إقامة صلة بين العبد وربه، ومن الأدب أن تؤدى الصلاة بهمة وإقبال ونشاط؛ ذلك لأنه لا يجوز أن يتظاهر الإنسان بأنه يسعى إلي دعم صلته وترسيخ صلته بكائن وهو يظهر له في الوقت ذاته زهده في إقامة هذه العلاقة وعدم أخذها بالجدية اللازمة وتشككه في جدواها.
*******
إنّ (الصلاة) هي جماع المعاني الآتية: الدعاء-الدين-الرحمة-الاستغفار-العبادة-الصلات.
والصلاة بصفة عامة هي عمل يؤدى بطريقة موجهة لإقامة صلة بكائن غيبي وإلى فتح قنوات اتصال خاصة معه وإلى الاستمداد والتلقي منه، وهي تتضمن تفاعلاً مستمرا بين ظاهر الإنسان وجسده من ناحية وبين باطنه ونفسه من ناحية أخرى.
والمقصد هو أن تكون الصلاة معراجا للمؤمن يعرج به نحو ربّه فيتعرّف على تجليات أسمائه شيئا فشيئا فتتزكى نفسه ويتحقق بكماله ويجذب محبّة ربّه إليه فيعود هذا العبد المصلّي محبوبا عنـد ربّه فيتقرّب منه ويحظى بذلك بمحبّته وبقربه وبرضوانه.
*******
إن ما ذكره القرءان عن إقامة الصلاة هو أهم ما هو فيها، فمن أركانها الخشوع وذكر الله وحضور الذهن والنشاط (عكس الكسل والتكاسل)، قال عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً }النساء142، {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ}التوبة54، ومن أركانها ذكر الله وتلاوة القرءان والخشوع وحضور الذهن والقيام لله والركوع والسجود والدعاء والتطهر والتوجه شطر المسجد الحرام، والصلاة تكون بجماع كل إمكانات ولطائف الإنسان فهي تكون بالنفس وبالجسد، فسجود الجسد إشارة إلي وجوب سجود النفس و إلي وجوب سجود القلب، وكما يسجد الجسد شطر القبلة الظاهرة المادية يجب أن يسجد القلب للقبلة الحقيقية؛ ألا وهي وجه الله.
*******
إن الصلاة التي أُمر الناس أن يتركوا ما يمارسونه من عمل من أجلها هي الصلاة من يوم الجمعة، فهي كما هو واضح من اسمها الصلاة التي ينبغي أن يجتمع لها المسلمون، ودين الحق الذي يتضمنه القرءان والذي من سماته العالمية والصلاحية لكل زمان ومكان لا يلزم الإنسان بأداء باقي الصلوات في المساجد وخاصة في حالة افتقاد وجود الأمة الخيرة الفائقة.
فلا يجوز أن يترك الإنسان عمله ليؤدي كل صلاة في المسجد أو لأول وقتها، بل يجوز له أن يأخذ بالجمع الشرعي المعلوم لكيلا يكرر قطع عمله في كل وقت، فالعمل الصالح الذي هو من مقتضيات قيام الإنسان بواجبه كخليفة في الأرض وبواجبه نحو أسرته وأمته هو أيضا من أركان الدين الركينة وهو من وسائل تحقيق الإنسان لذاته ولكماله المنشود وأدائه لواجباته نحو الكيانات الإنسانية الأخرى، وحقوق الغير لا مسامحة فيها.
أما خطبة الجمعة فيجب أن تكون وسيلة لتعليم الناس آيات الكتاب والحكمة وتزكيتهم وتعليمهم ما لم يكونوا يعلمون، يقوم على ذلك المؤهلون الجديرون بذلك، لذلك فالمسلم ليس ملزما بالإصغاء إليها إذا ما اتخذها البعض وسيلة لنشر مذاهبهم الشركية الضالة أو للدعوة إلى غير الله أو لإيقاد نيران الفتنة وتفريق المسلمين أو للدفاع عن المبطلين أو لشغل الناس بالباطل أو لصدهم عن كتاب ربهم، أو للدعاء على كل من اختلف عنهم من البشرية جمعاء أو مطالبة رب العالمين بأن يغنمهم نساءهم وأطفالهم وأموالهم، ذلك لأن دفع المضرة مقدم علي جلب المنفعة، وما الذي يضطر المسلم الصادق للإنصات إلى خطبة يلقيها غرّ جهلوتي مضلل يحاول فيها الدفاع عن بعض السفاحين والمجرمين كيزيد اللعين مثلاً؟ أما ممارسات القرن الإسلامي الأول التي لم يرد لها ذكر في الكتاب فلقد كانوا هم المسئولين تماماً عنها، وكان ثمة أحكام خاصة بهم اقتضاها ضرورة إخراجهم بالحكمة مما كانوا عليه من ظلمات وضلال مبين كانوا المعنيين أساساً بها ولم يؤمروا أبداً بتدوينها حتى لا يلتبس على الناس أمر دينهم بعد اكتماله.
ويجب العلم بأن المسلمين في معظم فترات العصر النبوي كانوا قلة محدودة يمكن أن يحتويهم مسجد واحد وكانوا معروفين لبعضهم البعض وكان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يعيش بين ظهرانيهم، فكان الأفضل لهم دائما الالتقاء به وتلقي العلم عنه، وكانت الصلوات المعلومة هي أفضل الفرص لتحقيق ذلك لهم، فكان لابد لهم من أن يحرصوا عليها، وإن من لديه فرصة كهذه ثم يفرط فيها فإنه لابد من مؤاخذته خاصة وأن الاجتماع للصلاة كان يهيئ المجال الأمثل للبت في الأمور والحكم بين الناس وتعليمهم وتزكيتهم، فلقد كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نبيا وإماما ووليا لكافة أمورهم وكان منوطا به القيام بمهام خاصة بهم، ومن المعلوم أنه رغم كل الأوامر المشددة بالحرص علي لقاء الرسول والصلاة معه والتعلم منه فإنهم شُغلوا عنه بالصفق في الأسواق والعمل في الحيطان وكانوا إذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوه قائما، ولا عجب في ذلك إذ كانوا من قبل في ظلمات وفي ضلال مبين، فكان لابد أن يتلقى كل منهم قدراً كافياً وقسطاً وافراً من التربية والتعليم والتزكية ليهتدوا وليخرجوا من الظلمات إلي النور، لذلك كان ثمة تشديد في حضور الصلوات الجامعة معه، ولا يعني ذلك أن فضل إقامة الصلوات في المساجد قد انقضى الآن ولكن يعني أن كل إنسان هو أدري بحاله، وهو مطالب بالقيام بأركان دين الحق المذكورة في القرءان بقدر وسعه، فعليه أن يقدر لكل أمر قدره خاصة وأن شياطين الإنس والجن قد تسلطوا على كثير من مساجد المسلمين واستغلوها لترسيخ المذاهب الضالة ولتأجيج الفتنة.
ويجب العلم بأن الإسلام يجعل من كل مسلم رجل دينه، وهو يعامله كرجل حر مكرم مسئول وليس كغـرّ يجب فرض الوصاية عليه، وللمسلم على أخيه حق النصح والتواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن ليس له عليه حق الوصاية.
*******
إنه بالقيام بالصلاة يعلن الإنسان لربه إقراره بأن جسده هو ملك له أي لربه وأنه يصرفه وفق ما أمره ربه، والقيام هو عمل يؤدي إلى ارتفاع واتصال بعالم أسمي وإلي تمام وكمال، ومن تلك الأعمال اليقظة المفاجئة وعقد العزم على الثبات والتمسك بمبدأ أو مثل أو قيمة.
أما كلمة (أقام) فتشير إلى إيجاد وتجسيد العمل المشار إليه، فالإنسان بإقامة الصلاة يكون السبب في إيجاد كيان أمري حقيقي يعمل على اكتماله واتصاله بالكائن الذي يصلي له، وحياة هذا الكيان الأمري هي أركان الصلاة الباطنة من خشوع وإخبات وذكر لله تعالى.
ولقد امتدح الله تعالى مقيمي الصلاة لأنهم بإقامتهم لها قد حققوا المقصد منها، بينما توعد المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون ويمنعون الماعون لأنهم ما أقاموا الصلاة لإخلالهم ببعض أركانها ومنها الحضور الذهني والإخلاص والإخبات إلي الله فيها، أما مقيم الصلاة فلقد فعل وحقق لذلك مقاصدها ومنها التحقق بالإخلاص بالتخلص من الرياء ومنها ألا يمنع الماعون بل يكون سببا له.
*******
إن الصلاة تتمثل في كل سعي متصل دؤوب من كائن لإقامة صلة بكائن آخر، ولاتخاذه إماما ولإقامة صلة به، وكل كائن في حركته الذاتية والخارجية ووجوده وفق السنن هو مصل لربه مسبح له ومسبح بحمده، قال سبحانه وتعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً{44}} الإسراء، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ{41}} النور.
واتباع الله تعالى يكون باتباع الكتاب الذي أنزله.
*******
إن إقامة الصلاة من أركان دين الفطرة، وهي الركن الجامع والمجسد والمختصر لأركان دينية عديدة، ولذلك فله أهميته الشديدة، ولقد كانت الصلاة واحدة من ثلاثة أركان كان الفرد من قوم الرسول يعلن بإقامتها انتماءه إلى الأمة المسلمة؛ أي يظهر هويته كمسلم، قال تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}التوبة11، لذلك لم يكن مسموحا في العصر النبوي بأي تهاون بخصوصها.
*******
إن الأمور المذكورة في القرءان مقترنة بالصلاة هي سننها الكبرى أي أركانها، وهي: استقبال البيت الحرام، النية، ذكر الله ومنه التسبيح باسم الله العظيم وتسبيح اسمه الأعلى، الخشوع، الإخلاص لله، القيام لله، قراءة ما تيسَّر من القرءان، الإخبات، الحضور القلبي، الركوع، السجود، الشهادة لله، الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، الهمة والنشاط والجدية في الأداء، وبالإضافة إلى ذلك فقد حفظت سنة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في إقامة الصلاة بالتواتر الحقيقي العملي، فمن تلك السنن الكبرى أي الأركان أيضا: تكبيرة الإحرام، قراءة الفاتحة، أن يكون القيام والركوع والسجود وترتيب الأداء بالكيفية المعلومة، الجلسة بين السجدتين، الطمأنينة في جميع الأفعال، التشهد الأخير، والجلوس له، والصلاة على النبي وآله، والتسليم إعلانا بالخروج من الصلاة.
أما عدد الصلوات وتوقيتاتها وعدد الركعات في كل صلاة وكيفية أداء كل ركعة وترتيب الأداء المعلوم فكل ذلك من ملة إبراهيم عليه السلام، وقد كان النبي الخاتم مأموراً باتباعها، فالدين واحد هو الإسلام، وباتباعها أصبحت من سنته، بالإضافة إلى ما سنَّه من قراءة الفاتحة وتحديد التسبيحات اللازمة، وثمة سنن ثانوية منها: جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، قول: (سمع الله لمن حمده) وقول: (ربنا ولك الحمد) عند القيام من الركوع، التشهد الأول، والجلوس له، الاستفتاح، جعل كف اليد اليمنى على اليسرى فوق الصدر حين القيام قبل الركوع وبعده، رفع اليدين مضمومتي الأصابع ممدودة حذو المنكبين أو الأذنين عند التكبير الأول، وعند الركوع، والرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول إلى الثالثة، ما زاد على قول: (ربنا ولك الحمد) بعد القيام من الركوع، وما زاد عن واحدة في الدعاء بالمغفرة بين السجدتين، جعل الرأس حيال الظهر في الركوع، مجافاة العضدين عن الجنبين، والبطن عن الفخذين، والفخذين عن الساقين في السجود، رفع الذراعين عن الأرض حين السجود، جلوس المصلي على رجله اليسرى مفروشة، ونصب اليمنى في التشهد الأول وبين السجدتين، التورك في التشهد الأخير في الرباعية والثلاثية وهو: الجلوس على مقعدته وجعل رجله اليسرى تحت اليمنى ونصب اليمنى، الإشارة بالسبابة في التشهد الأول والثاني من حين يجلس إلى نهاية التشهد وتحريكها عند الدعاء، الدعاء في التشهد الأخير، وضع اليدين على الركبتين مفرجتي الأصابع حين الركوع.
والتشهد هو أن تقول: (التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله)، ثم تصلي على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى آله، ثم أن تدعو بما تشاء، ولاسيما المأثور ومنه: (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم).
أما في التشهد الأول فيقوم بعد الشهادتين إلى الثالثة في الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإن صلى على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فهو أفضل.
وتسمية صيغة الذكر هذه بالتشهد لا يعني وجوب اقتصارها على شهادة التوحيد، أو الاكتفاء بالشهادة لله تعالى فقط كما يظن (القرءانيون) بمثل ما أن اسم الصلاة لا يوجب اقتصارها على الدعاء.
والرسول كان يقول: "السلام عليك أيها النبي" أيضا، ولقد أورد القرءان نصَّا يسلم فيه المسيح على نفسه، فلا مشكلة، وأنت مأمور بأن تسلِّم على نفسك أيضا ولكن في غير الصلاة بالطبع.
وينتفع الإنسان من صلاته بقدر ما قُبِل منها، أي بقدر ما أدت إليه من تحسن كيانه الجوهري، وذلك مرتبط بمدى إحسان القيام بها بالصورتين المعنوية والمادية المذكورتين.
*******
إن الركوع هو إشارة إلى تكرار سعي الإنسان إلي عين الوجود وأصل كل شيء بإظهار العبودية الحقيقية الكاملة، والركوع المعلوم هو إشارة إلي هذا الركوع ورمز وتجسيد له، أما الركوع الحقيقي فهو المشار إليه في قوله تعالي: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ}البقرة43، {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}المائدة55، فالركوع الحقيقي من أركان دين الفطرة، {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ }آل عمران43، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }الحج77.
-------
إن الركوع هو عين التسبيح باسم الله العظيم، والسجود هو عين تسبيح اسم الله الأعلى، وإنما يذكِّر الإنسان نفسه بما هو أصل فعله ويصدق بلسانه ما يقوم به جسده وما يجب أن يقوم به كل كيانه، والركوع والسجود هما من الأركان الجوهرية للإسلام الفطري، فهما مع كونهما من أركان الصلاة عبادتان مستقلتان، والسجود مأمور به ليلا، وتسبيح الرب العظيم يتضمن التسبيح باسم الرب العظيم وتسبيح الرب الأعلى يتضمن بالضرورة تسبيح اسمه الأعلى.
*******
ولقد حُفِظت سنن الصلاة للناس بالتواتر العملي الحقيقي الذي من الصعب تزويره أو تحريفه، ولا يجوز الطعن في حجية التواتر العملي بحجة أن كثيرا مما تواتر من الأخبار والقوانين قد ثبت فيما بعد كذبه، ذلك لأن التواتر هو حجة لإثبات صدور الفعل أو القول وليس برهاناً علي صحة أو حقانية موضوعه أو مضمونه، وما انتقل بالتواتر إلي أن دوَّنه أئمة (الفقه) هو كيفية الأداء العملي الشكلي الظاهري للصلاة وليس نظريات وفلسفات ومعاني خاصة بالصلاة، لذلك فعلى المسلم أن يطمئن إلي أنه يؤدي الصلاة من الناحية الشكلية كما كان يؤديها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ، ولا يجوز الالتفات إلى المحدثات في هذا الأمر.
*******
إن الحركات الظاهرية في الصلاة ليست مجرد أمور شكلية وإنما هي وسائر ما يصاحبها من أذكار لسانية بمثابة الجسد لذلك الكيان المسمى بالصلاة، فظاهر الصلاة وباطنها يتبادلان التأثر والتأثير، والإنسان بإقامته الصلاة ينشئ كيانا حقيقيا يرتبط به ويظل ملازماً له، وليس صحيحا أن حركات الصلاة هي بمثابة قشر الثمرة وغلافها الخارجي، ولكن تلك الحركات هي عبادة البدن من حيث أنه بدن، ولها تأثيراتها علي الكيان الجوهري للإنسان بل علي الكيانات الكونية الأخرى، وكلما ارتقى كيان الإنسان كلما عظم تأثير ما يصدر عنه علي الكيانات الأخرى.
*******
إن الرسول قد سن للناس الصلوات بالكيفية المعلومة متبعا في ذلك ملة أبيه إبراهيم، وتلك الحركات والهيئات لم يكن لها تلك الصرامة التي هي لها الآن، ولذلك كانت هذه الاختلافات المعروفة.
*******
إن إقامة الصلاة بمثابة الدواء النفسي والغذاء الوجداني للكيان الجوهري للإنسان.
*******
إن لفظ (أكبر) هو صيغة تفضيل، والقول بأن "الله أكبر" عند كل انتقال في الصلاة يعنى أنّه مهما خطر للإنسان من أفكار ومفاهيم تتعلق بذات الله أو أسمائه وسماته فإن الله أكبر منها، ومهما خطر للإنسان من خواطر تتعلّق بأيّ كيان في هذا الوجود فإنّ ذات اللّه تعالى أكبر منه ومهما خطر للإنسان من مقامات فإنّ مقام اللّه تعالى أكبر من ذلك المقام، ومهما خطر له من تذكر أو نوال عطاء فإنّ عطاء اللّه تعالى يكون أكبر من ذلك العطاء، فلله العلو والتعالي المطلق فوق الحواس والمدارك والأوصاف وكل المفاهيم والتصورات المستخلصة من عالم الشهادة.
*******
إن الإنسان عندما يجلس للتشهد بعد القيام ببعض واجبات العبودية تجاه ربه يؤدي له أزكى ما يستطيع من التحية لإدراكه أنه في حضرته، ثم يدرك حضور النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وأنه هو الحجاب القائم بين يدي ربه الذي يتحمل وحده جلال التجلي الإلهي المباشر وأنه وُجد واهتدي بسببه فيلقي عليه السلام ويصلي عليه كما أُمر، ثم يدرك أن معه في هذا المشهد آخرين من العباد الصالحين وخاصة من الملائكة فيسلِّم علي نفسه وعليهم، وردًّا علي من سيزعم من بعد من المشركين والمغضوب عليهم أن في ذلك شركا يشهد المصلي أنه لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وهذا هو لبّ التشهد، فالاعتراف للنبي المطلق المضاف إلى الهوية الإلهية بمكانته لا يتضمن أبدا شركا وإنما الشقي التعس هو من تجاهل قدره أو أنكر فضله، وهؤلاء هم عادة من المبشَّرين بسوء الخاتمة.
*******
إن إقامة الصلاة هي من أركان الدين العظمى على مستوي كل من الفرد والأمة، فهي بالنسبة إلى الفرد من وسائل إقامة صلة وثيقة بالله تعالي، فإقامة الصلاة من وسائل التحقق بذكر الله والتقوى وذلك بتعظيم قدره سبحانه ظاهرا وباطنا بمعني أن يكون ذلك بكافة ما استخلف الإنسان فيه من كيانات مادية ومعنوية، فهي بالنسبة إلى الفرد وسيلته العظمى لكي يكون إنسانا ربانيا فائقا أي لكي يحقق المقصد الأعظم الثاني.
أمَّا بالنسبة إلى الأمة فهي من وسائل ومظاهر ولوازم إعداد الأمة الخيرة الفائقة وبأدائها الجماعي تعلن للعالمين عن شخصيتها وهويتها، وإقامة الأمة للصلاة تعني اتباع الله تعالى باتباع كلامه ورسالته المنزلة إليها، وذلك يتضمن إقامة شبكة من الصلات بين الأمة وبين كل كيان إنساني من الكيانات المكونة لها بما ذلك الأفراد، وكذلك فيما بين كل هذه الكيانات.
وما ذكره الكتاب العزيز بخصوص العبادات كالصلاة مثلا هو الأمر الأعظم أهمية، ولقد كانت الأشكال الخارجية لشعائر الإسلام مثل الصلاة من البساطة بحيث يستطيع الطفل الصغير الإلمام بها حتى لا ينشغل الإنسان بالمظهر عن الجوهر ولا بالوسيلة عن الغاية، وما الصلاة مع جلال قدرها وعظم شأنها الا وسيلة للإنسان لكي يقيم صلة وثيقة بالله عزَّ وجلَّ وليتحقق بذكره، ولو حدث ذلك لانتهى تماما عن الفحشاء والمنكر ولتحقق له المقصد الأعظم الثاني، فالصلاة هي عمل حي وليست طقساً روتينيا جامدا رتيبا، والتنوع الوارد والثابت في كيفيات أدائها هو خير برهان على ذلك، فلم يكن مطلوبا من القرن الأول أن يؤدوا الصلاة بصورة نمطية جامدة رتيبة بل كان مطلوبا منهم الاستغراق التام في ذكر الله تعالى حتى يكون القلب هو الذي يقود الجوارح ويسيِّرها لا العكس، والإنسان الذي يتذكر أمراً مبهجاً تنفرج أساريره وتتحرك جوارحه طربا لتلك الذكرى، وطالما لم ترد صورة نمطية شديدة التحديد لكيفية الأداء الشكلي للصلاة فإنه على المسلم ألا يشغل نفسه كثيرا بهذا الأمر فليؤدها كما صح عنده أو عند اهل بلده على ألا يتعصب لمذهبٍ ما أو ضد مذهبٍ ما حتى ولو ثبت طبقا للمرويات أنه مرجوح، وبالأحرى فإن عليه ألا يجعل من أمر كيفية الأداء الشكلي للصلاة وسيلة للتهجم على المسلمين وتفريق أمر الدين.
*******
إن إقامة الصلاة هي سعي من الإنسان للقيام بحقوق الأسماء الإلهية ولذلك تنوعت الحركات التي تتضمنها، وهي أيضا قيام بحق التجليات الإلهية التي ترتب عليها هذا الوجود.
فتكبيرة الإحرام إعلام بأن الله هو خير وأبقى وأن إليه وحده يجب الفرار من كل ما هو من دونه، وأن من أراد إقامة صلة وثيقة معه عليه أن يكرِّس كل نفسه وقلبه له، وأن وراء كل تجل ظهر تجل أكبر منه بحيث يشير التجلي الظاهر إليه ويكسب الإنسان استعداداً لتقبله، وهي عمل بمقتضى الأمر القرءاني بالإنابة إلى الله.
أما التكبير بعد كل جزء من أجزاء الصلاة فهو إعلان بأن ثمة دائما تجليات أكبر مما يمكن أن يظهر للعبد عند أدائه لهذا الجزء وإشارة إلى حقيقة الكمال المطلق الذي لا يتناهى وإلى أن كل ذلك من مقتضيات الاسم الأعظم (الله)، ذلك لأن الله تعالى أكبر من كل تجلٍّ يمكن أن يظهر به فكل ما لم يدخل الوجود الظاهر غير مقيد وغير محدود.
أما القيام فهو سعى نحو القيام بحق الاسم الحي القيوم وتلاوة القرءان فيه إشارة إلى أن كل شيء قائم بكلمات الله تعالي التي لا تبديل لها ولا تحويل، وهو أيضا عمل بركن ركين من أركان الدين، وهو القيام لله رب العالمين، فيجب أن يكون الإنسان لله كما أراد الله له أن يكون.
أما الركوع فهو سعى نحو القيام بحق الاسم العظيم، أما السجود فهو للقيام بحق الاسم الأعلى والجلوس بين السجدتين هو للقيام بحق الاسم الرحمـن الذي استوي على العرش.
أما الجلوس للتشهد فهو إشارة إلى أن الصلاة هي معراج العبد إلى ربه وأنه بإقامتها يدخل في حضرته ولذلك وجب عليه أن يؤدى التحية لربه ولمن سبقه إلى هنالك من عباد الله الصالحين على رأسهم إمامهم النبي الأعظم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، وأُشير إليه هنا بالنبي لأن النبوة هي المرتبة الباقية والتي تصله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ بربه، ولأنه هو النبي بالأصالة وكل الأنبياء نوابه وحقائقهم هي تفاصيل حقيقته الجامعة.
وللأهمية القصوى للصلاة ولتنوع ما فيها من تجليات إلهية خاصة كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شوق دائم لإقامتها ولذلك كان يقول عندما يطلب رفع الأذان: "أرحنا بها يا بلال"، فبإقامة الصلاة كان يدخل في معية الله الخاصة التي لا يصل أحد إلى إدراك كنهها ومقدار علوها ولا يمكنه تصورها أو إعطاؤها حق قدرها، فصلاته لا يرقى إلى إدراكها غيره، ولذلك قال لهم: "صلوا كما رأيتموني أصلى"، ولم يقل لهم "صلوا كما أصلى"، ولذلك أيضا تنوع ما نقلوه عنه من كيفيات الصلاة، ولم يكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يريد أن يشق على الناس بالإكثار من الصلاة حتى لا يتأسوا به في ذلك فتكتب عليهم، ولذلك فقد ألزم نفسه بأدنى حد ممكن منها حتى لا يشق على أمته وعلى العالمين الذين أرسل رحمة لهم وبقى بذلك على شوقه الدائم إلى الصلاة وما فيها من التجليات.
*******
إن صلاة الجماعة أفضل بكثير من صلاة الفرد، لذلك ينبغي أن يقيم الإنسان الصلاة بكل قوى وجوده وبكل حقائقه ولطائفه، فصلاة القلب هي في ذكر الله تعالى بمعنى الإحساس الصادق بحضور الله معه وممارسة كل ما يزكى هذا الإحساس، أما صلاة الجانب الوجداني ففي خشوع القلب لهذا الذكر وفي حالة الوجل التي تعتريه إذا ذكر الله، أما صلاة الجانب الذهني أو العقل فهي في تدبر آيات الله تعالي وفقه ارتباطها بأسمائه وصفاته وشئونه وفي التفقه في سننه، أما صلاة البدن فهي في تلك الطقوس والحركات الظاهرة المعلومة وما يؤديه اللسان بأمر القلب من تسبيح وتهليل وتلاوة وتكبير، ويؤم الجميع إنية الإنسان ويترجم عنها كيانه الجوهري، والأداء الحقيقي للصلاة في جماعة هو أمر أجل وأعظم مما يشاهد الآن في المساجد، وهو وسيلة من وسائل إعداد الأمة الخيرة ودعمها وتقوية بنيانها، ولقد كان المسجد في العصر النبوي هو الذي يمارس فيه كل ما هو منوط بأولي أمر الأمة.
أما الصلاة الواردة في مثل قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ }البقرة45 فهي محاولة إقامة صلة بالله تعالى، وهي الدعاء بأوسع معانيه، والدعاء ليس مجرد ترديد لصيغ محفوظة وإنما يعبر عن حاجة فطرية لدى الإنسان هي التي تدفع الطفل الصغير لكي يلجا إلي أبيه وكله ثقة في إمكاناته وقدرته على توفير الحماية له وتحقيق مطالبه، فحاجة الإنسان إلي أن يلوذ بربه هي أشد بكثير من حاجة هذا الطفل إلي أبيه، فكل إنسان بحاجة إلى أن يأوي إلى ركن شديد عندما يواجه خطرا داهما.
*******
إن روح إقامة الصلاة هي ذكر الله الأكبر، وبذلك الذكر يتحقق المصلى بأن الله أكبر من كل تجلٍّ يمكن أن يتجلى به ومن كل اسم ظهر له ومن كل نعمة يمكن أن يمن بها عليه ومن كل ما يمكن أن ينشغل به الإنسان عنه.
*******
إن الإنسان بإقامته الصلاة إنما يتسبب في إنشاء كيان لطيف ينتفع الإنسان بوجوده ونشاطه، أما الإخلاص لله تعالى وهو إقامتها ابتغاء وجه الله فهو روح هذا الكيان، فمن أقامها بإخلاص فقد تسبب في إيجاد كائن لطيف سيظل مرتبطا به وسيظل مستفيدا من وجوده إلى يوم القيامة فهذا الكائن سيعمل على حمايته من تأثيرات الشياطين وسيعمل على تزكية باطنه، أما في الآخرة فستأخذ تلك الصلوات الصور التي يريدها الإنسان منها وستكون من وسائل تنعيمه في الجنة.
أما الإقامة الجماعية للصلاة فهي من وسائل توحيد كافة الاتجاهات وتأليف القلوب وتجميع كافة قوى الأفراد تجميعا بناءا مقويا، ومما يزيد من فعالية ذلك أن يكون الإنسان نفسه موحد القوى والكيانات، أما إذا كانت قلوب المصلين شتى فإن أداء الصلاة بصدق وإخلاص سيخفف من آثار هذا التشتت، وقد يكون كل إنسان من الأمة قويا في نفسه وفى ذاته ولكن لا يوجد نمط موحِّد ومنظم لعلاقاته بالآخرين، وعندها يكون تجميع القوى غير بناء أيضا، وسيادة منظومة واحدة من القيم والتزام كل الناس بها من وسائل إيجاد هذا النمط، والإقامة الجماعية للصلاة هي من وسائل إعداد الأمة الخيرة وتدعيم بنيانها؛ فهي إذاً من وسائل تحقيق المقصد الأعظم الخاص بالأمة.
*******
إن إقامة الصلاة كما سنها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ وكما بيَّنها للناس تؤدى إلى الوفاء بالحد الأدنى اللازم لأركان أخرى والتذكير بها، ومن تلك الأركان: إخلاص العبادة لله تعالى والشهادة له بالوحدانية، الاستجابة لله عزَّ وجلَّ بالقيام بحقوق الأسماء الإلهية، ذكر الله، تلاوة آيات الكتاب، الانتهاء عن الفحشاء والمنكر أثناء إقامتها، التزكي، الصيام، الصلاة والسلام علي النبي وآله، تذكر الحج بالتوجه نحو مركز طواف المسلمين فيه.
*******
لقد كان من الممكن أن يوجز الله تعالي كيفية إقامة الصلاة وعدد الصلوات ومواقيتها وعدد ركعات كل صلاة وذلك في آية أو في بعض آية ولكنه لم يفعل وإنما ركز على بيان صفات المصلين الحقيقيين وصفات من لم ينتفع بصلاته من المصلين وعلي بيان المقاصد منها حتى يكون الإنسان علي نفسه بصيرة ويعرف إلى أي مدي نجح في إقامة الصلاة ولقد علم الله سبحانه أن الناس سيوثنون شكليات الصلاة وسينصرفون عن مقاصدها، كما أنه سبحانه لرحمته بعباده ولعلمه بما سيؤول إليه الأمر أراد ألا يطالبهم بالالتزام الدقيق بالأمور الشكلية، ولو نص عليها بكل جزئياتها لكان في ذلك من الحرج عليهم ما فيه وخاصة في أوقات الشدائد والمحن والفتن وانقراض الصالحين وضعف شأن الدين.
أما التسبيح في الركوع وفى السجود فإنما هو من العمل بالأمر القرءاني بالتسبيح باسم الرب العظيم وبتسبيح اسم الرب الأعلى، ولقد بيَّن لهم الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك وكان ذلك من المهام المنوطة به، فالتسبيح في الصلوات هو الحد الأدنى اللازم للقيام بهذا الأمر الذي هو من تفاصيل ركن ديني عظيم هو ذكر الله تعالى والذي هو أيضاً من مقاصد الصلاة، وللمسلم أن يبذل ما في وسعه للقيام بهذا الركن، ولا يعد هذا من الابتداع في الدين وإنما هو من العمل بأركانه العظمى وليس ثمة حاجة لتوصيف التسبيح في الركوع مثل القول بأنه سنة أو مندوب مثلا، فالمسلم ملزم بالتسبيح في الركوع بقدر وسعه، ولكن عليه أن يلتزم بحد أدنى مع العلم بأن العدد القليل من التسبيحات بحضور القلب أفضل من آلاف التسبيحات التي لا تتجاوز اللسان.
وكذلك الأمر فيما يتعلق بتلاوة القرءان في الصلاة، فإن تلك التلاوة هي من مقومات الصلاة وشروطها وهي أيضا من لوازم القيام بركن ديني مستقل ومقدم على إقامة الصلاة وهو ركن تلاوة كتاب الله والقيام بحقوقه.
*******
إن إقامة الصلاة هي مراده للمقاصد منها وهي التحقق بذكر الله تعالى والانتهاء عن الفحشاء والمنكر وكلا المقصدين من أركان الدين ومن لوازم أركان الدين، ويجب العلم بأن تحقيق المقصد أهم بما لا يقاس من الانشغال المبالغ فيه بالأمور الشكلية، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن الغفلة عن تحقيق مقاصد الصلاة.
وبالإضافة إلى الصلوات المعلومة على الإنسان أن يحرص على التهجد نافلة له.
*******
إن إقامة الصلاة هي من أركان الدين العظمى على مستوي كل من الفرد والأمة، فهي بالنسبة إلى الفرد من وسائل التحقق بذكر الله والتقوى وذلك بتعظيم قدره سبحانه ظاهرا وباطنا بمعني أن يكون ذلك بكافة ما استخلف الإنسان فيه من كيانات مادية ومعنوية، فهي بالنسبة إلى الفرد وسيلته العظمى لكي يكون إنسانا ربانيا فائقا أي لكي يحقق المقصد الأعظم الثاني.
*******
إن ما ذكره الكتاب العزيز بخصوص العبادات كالصلاة مثلا هو الأمر الأعظم أهمية، وما الصلاة مع جلال قدرها وعظم شأنها الا آلية أو وسيلة لكي يتحقق الإنسان بذكر الله تعالى ولو حدث ذلك لانتهى تماما عن الفحشاء والمنكر ولتحقق له المقصد الأعظم الثاني، فالصلاة هي عمل حي وليست طقساً روتينيا جامدا رتيبا، والتنوع الوارد والثابت في كيفيات أدائها هو خير برهان على ذلك، فلم يكن مطلوبا من القرن الأول أن يؤدوا الصلاة بصورة نمطية جامدة رتيبة بل كان مطلوبا منهم الاستغراق التام في ذكر الله تعالى حتى يكون القلب هو الذي يقود الجوارح ويسيرها لا العكس، والإنسان الذي يتذكر أمراً مبهجاً تنفرج أساريره وتتحرك جوارحه طربا لتلك الذكرى، وطالما لم ترد صورة نمطية شديدة التحديد لكيفية الأداء الشكلي للصلاة فإنه على المسلم ألا يشغل نفسه كثيرا بهذا الأمر فليؤدها كما صح عنده أو عند اهل بلده على ألا يتعصب لمذهبٍ ما أو ضد مذهب ما حتى ولو ثبت طبقا للمرويات الظنية أنه مرجوح، وبالأحرى فإن عليه ألا يجعل من أمر كيفية الأداء الشكلي للصلاة وسيلة للتهجم على المسلمين وتفريق أمر الدين.
*******
إنه على الإنسان أن يتزكى قبل الصلاة بالتطهر ولو مؤقتا من الصفات الذميمة، وذلك بأن ينتهي عن التفكير في الفواحش والمعاصي والمنكر، وأن يذكر اسم ربه، وعليه ألا يقرب الصلاة وهو في حالة سكر تحول بينه وبين إدراك ما يقول أو الوعي بما يفعل، ومن ذلك الانشغال الشديد بأمر دنيوي أو تحت تأثير مخدر أو مسكر، وعليه أن يذكر ربه قبل صلاته بمعني أن يستشعر حضوره معه.
وإقامة الصلاة تتضمن الوفاء بمعظم أركان الدين، فهي من وسائل إقامة صلة وثيقة بالله والعمل على دعمها وترسيخها، وهي من وسائل القيام بأركان الذكر والتزكية والانتهاء عن الفحشاء والمنكر والصيام....
*******
إن سنَّ كيفية إقامة الصلوات وأوقاتها وكيفية أداء مناسك الحج كان منوطاً بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ من حيث أنه كان منوطا به الاختيار لأمته وأن الضبط الدقيق كان مفوضاً إليه باعتبار أنه كان بمثابة آلة إلهية، فإقامة الصلاة ركن من أركان الدين، ولقد سبق ذكر أركانها الفرعية أما كل ما هو من دون ذلك فهو من سنة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتي يجب علي الناس اتباعها والأمور التي لا خلاف عليها هي الأمور الأعظم أهمية، أما ما اختُلِف فيه فأمره هين ولا يجوز أن يتناحر المسلمون بسببه وإنما من الأولي بهم الاشتغال بما أهملوه أو وأدوه من أركان الدين الأخرى المذكورة في القرءان، وكل مسلم ملزم بأداء الصلاة كما ورد في كتب الأحكام الشرعية العملية.
ولقد كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مأمورا باتباع ملة أبيه إبراهيم عليه السلام، ولقد كانت ملة إبراهيم الأصلية تتضمن صلاة شبيهة بما يؤديه المسلمون الآن؛ فكانت تتضمن ركوعا وسجودا، فالركوع والسجود من أركان دين الفطرة، ولقد قام الرسول بوحي من ربه وهديه بتنقية وتطهير تلك الصلاة مما لحق بها عبر القرون وعلم المسلمين الكيفيات الصحيحة لإقامة الصلاة؛ فالمسلم إذ يقيم الصلاة بالكيفية المعلومة إنما يتبع سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وسنة أبيه إبراهيم عليه السلام، فلا تعارض بين الأمرين، ولم يكن ثمة ما يستدعي أن يتضمن القرءان الوصف المدرسي الدقيق للأمور العملية المتعلقة بإقامة الصلاة، ولقد كان ذلك أيضاً من باب التيسير ورفع الحرج عن الأمة، هذا فضلا على أنه لا توجد أصلا كيفيات صارمة متعلقة بتلك الأمور العملية.
*******
إن من أركان الإسلام الأساسية والأصلية إقامة الصلاة، والأركان الفرعية لهذا الركن هي ذكر الله (أي حضور القلب معه) والإخلاص له في أدائها والخشوع وتلاوة القرءان والتطهر قبل أدائها والقيام والركوع والسجود بصفة عامة...، أما تحديد أوقاتها وكيفيات أدائها فمن سنة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي كان أعلم الناس بالقرءان وبمنطوق وفحوى آياته، والسنة بحكم تعريفها يجب اتباعها والعمل بها ويأثم من يخالفها، فهي لا ترادف المندوب كما يزعم (رجال الدين)، ولقد صلي الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بالناس ورآه يصلي الآلاف منهم، ولقد علَّم كل منهم أهله وذويه كيف يصلون، ولقد حفظت بذلك كيفيات أداء الصلاة ونقلت بالتواتر العملي الحقيقي إلى المسلمين إلى أن دوَّنها الأئمة من علماء الأحكام الشرعية العملية بعد تمحيص كل ما وصلهم، وما لم يختلف فيه هؤلاء هو الأعظم أهمية بعد الأركان المذكورة في القرءان، أما ما اختلفوا فيه فلا بد أن أمره كان فيه سعة ولم توجد له كيفية دقيقة صارمة مثل وضع اليدين أثناء القيام أو رفع اليدين عند الركوع أو القيام منه ….إلخ.
أما ما يقوِّض الصلاة ويمنع الإنسان من الإفادة منها فهو ما يناقض الأركان القرءانية المذكورة، ومن ذلك الغفلة عن الله أو المراءاة بالصلاة أو الامتناع عن قراءة القرءان فيها أو عدم الخشوع أو الامتناع المتعمد عن الركوع أو السجود أو التسبيح أو التكبير أو أدائها بدون وضوء، وكذلك يقوضها مخالفة سنة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ فيها، ومن ذلك مثلاً السجود أكثر أو أقل من مرتين في الركعة الواحدة أو عدم الالتزام بعدد الركعات المعلوم، وليس للمرء من صلاته إلا ما أقامه منها؛ أي ما أداها وفقا للمقاصد القرءانية، وما يحكم به علماء الرسوم من الصحة من حيث الأداء الشكلي الظاهري لا يغني من الحق شيئا.
*******
ويسبق إقامة الصلاة عملية إعداد أو تطهر ذكرها القرءان، ولا حرج من تسمية "عملية التطهر التي تسبق القيام إلى الصلاة" بالوضوء على سبيل الاختصار طالما لن يغير ذلك من حكمها شيئا، ولكن الممنوع هو إحداث مصطلح يأخذ صفة دينية ويترتب عليه تغيير الحكم أو الصفة الدينية، ومثل هذه المصطلحات لا إجبار فيها، ويمكن بلا حرج العدول عنها إذا وُجد ما هو خير منها.
*******
إن الصلاة هي صلة بين كيانين يترتب عليها انتقال كيانات أمرية من الكيان الأعلى إلي الكيان الأدنى، فالكيان الأدنى هو المنتفع بتلك العلاقة في كل الأحوال إذ بها يتزكى كيانه الجوهري، ووجود أمر بالصلاة يتضمن إمكانية تلك العلاقة والسماح بها واعتمادها، ومن حيث الكيان الأدنى أو الإنسان بصفة عامة فإن أبسط صور الصلاة هي الدعاء المحض وأتم صورها هي الصلاة الإسلامية إذ بها يسعى الإنسان بكل كيانه إلي إقامة صلة بربه.
*******
إن الصلاة تنسب إلي كل كيان كما يليق بهذا الكيان، والصلاة بصفة عامة تتضمن أو تعبر عن صلة، والتعبير عنها بفعل مضارع يعني استمرارها ودعمها وترسيخها؛ فصلاة الله عزَّ وجلَّ علي النبي هي صلة مستمرة يترتب عليها إمداد النبي بالنصر والعون والتأييد وكافة الكيانات الأمرية السامية التي بها يترقى وتكون كل آخرة خير له من الأولى، وصلاة الملائكة علي النبي هو سعيهم جميعاً لمناصرته وتأييده علي كافة المستويات، أما صلاة النبي علي المؤمنين فهي تتم بمقتضى الإذن الإلهي ويترتب عليها إمدادهم بالكيانات الأمرية من علم وحكمة وتزكية، وهذا الإمداد مستمر وهو المعني الحقيقي للشفاعة، والمقام المحمود للرسول المحمود هو ظهور تلك الحقيقة ظهوراً بيناً يوم القيامة، وصلاة المؤمنين علي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تتضمن كل سعي منهم لإقامة صلة به ويترتب عليها استمدادهم منه، ولقد كان السماح بها فضلاً إلهياً علي هذه الأمة.
*******
إن العبد المصلي إنما يسعى دائما إلى اتباع من له السبق عليه والائتمام به، وهو يتبع كتاب الله لأنه كلام الله الذي له العلو والتقدم والسبق المطلق، وباتباع كلام الله تعالى يكون الإنسان متبعا لربه سالكا صراطه المستقيم، وفي ذلك الفوز المبين.
*******
إن إقامة الصلاة تتضمن الكثير من أركان دين الفطرة مثل ذكر الله وتلاوة آياته والقيام له والركوع والسجود والتسبيح والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، والأمر بإقامة الصلاة يعني الإذن للإنسان بإقامة صلة مكثفة ومركزة مع ربه الرحمن، والإنسان عادة لا يستطيع الحفاظ علي صلته بربه علي هذا النحو لمدة طويلة، لذلك جُعِل للصلاة أوقات معلومة تناظر التغيرات الحاسمة في يومه المألوف حتى يعلم كيف يحيي ويجدد صلته بربه وخاصة عند التغيرات الحاسمة في حياته؛ فلكل إنسان يوم يمتد بطول عمره، والتسبيح من أركان دين الفطرة وهو من العبادات التي تؤديها كل الكائنات لربها، وهو من الأركان الفرعية لهذا الركن ولأركان عديدة.
*******
إن موقف الإنسان من الصلاة يكشف حقيقة كيانه الجوهري، فمن يتكاسل عن القيام بها حق القيام لابد أن ثمة نفاقا في كيانه الجوهري، والحرص علي إقامة الصلاة يرفع من درجة الوعي واليقظة الإنسانية ويصبح أكثر إحساساً بذلك الكيان المسمى بالزمن أو بالوقت وتزداد قيمته عنده مما يدفعه إلي حسن استثماره، فبذلك الحرص تزداد يقظة الإنسان وحضوره وإحساسه بالحياة، فالصلاة فعل حي ونشاط متجدد، فهي تضاد الغفلة والسكر والغيبوبة والتماوت والتكاسل والإخلاد إلي الأرض، ولذلك كانت ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا وأُمِر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقيام الليل وإحيائه بقراءة القرءان وإقامة الصلاة.

*******

هناك 5 تعليقات:

  1. لم اكتب هنا لمجرد الكتابة الفلسفية الجميلة والمعانى المجردة ، بل أقصد فعلا ان هيئة الصلاة الموروثة ( من حركات وأقوال وأوقات ) هى اجتهاد النبى محمد عليه السلام ، وليست فريضة من الله على الناس .
    لقد قرأنا الكتاب ( القرآن ) ، وكل عبارة وردت فيه تناولت الصلاة والركوع والسجود والوضوء والغسل ، وندرك بصورة جيدة ان هيئة الصلوات التى ورثناها عن سلفنا واوقاتها هى اجتهاد النبى محمد عليه السلام فى تدبر تلك العبارات ، وحجة أشد المدافعين عن قداسة هيئات العبادات الموروثة من صلاة وزكاة وحج هى حجتنا عليهم ( انه أنه لا سبيل إلى معرفة تفاصيل هذه الصلوات بتفاصيلها الموروثة بغير إدخال النبى محمد عليه السلام كمصدر للتشريع ) ، ولتجاوز معضلة توحيد الربوبية و الألوهية التى تعطى القداسة للافعال والأقوال الموروثة ( التى نسميها عقائد وعبادات ) ، تم اختراع نسبة كل أقوال وأفعال النبى محمد عليه السلام إلى الله مباشرة ، اى انه قد تم حذف تجربة النبى كمثال وقدوة من الدين الاسلامى ، وبالتالى تم تحريف الدين الاسلامى و إخراج الإنسان منه تماما ، وبدلا عن ) لا رهبانية فى الإسلام ) تم تحويل المسلمين إلى مرتبة أعلى من الرهبان ، إلى مرتبة الانابة عن الله مباشرة لكل مسلم بموجب إعلانه فقط ( إسلامه ) .
    ان وظيفة الكتاب ( القرآن ) هو الهدى للإنسان ليس غير ، لا يمكن أن ننسب إلى القرآن تفاصيل الأعمال والأقوال التى يقوم بها انسان اطلع عليه ، سواء كان نبى او غيره ، وهذا من الوضوح بحيث نقرأ فى الكتاب ان الانبياء والناس سيتم حسابهم والتدقيق على أعمالهم ونواياهم فى الآخرة ، وأنه لا توجد هناك استنثاءات او حصانات لاحد مطلقا.
    والله المستعان .
    #وبس

    ما ذكره عامر الحاج في الصلاة أنقل هنا دون زيادة أو نقصان فما رأيكم؟!

    ردحذف
  2. مقال مفيد جداً عن مشكلة الانطواء عند الطفل ..
    لا يفوتكم ⬇⬇

    https://noslih.com/article/%D8%A7%D9%86%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%A1+%D8%B7%D9%81%D9%84%D9%83+%D8%A8%D9%8A%D8%AF%D9%83+%D8%A3%D9%86%D8%AA%21

    ردحذف
  3. اللهم بارك في عمره واصلح له جسده

    ردحذف