الجمعة، 22 يوليو 2016

الاسم الإلهي البديـــع

الاسم الإلهي "البديـــع"
قالَ تعالى:
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ} البقرة117 * {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }الأنعام101
فالاسم "البديع" هو بذلك من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.
والبديع هو الذي لا نظير له ولا كفء له؛ فهو المنفرد بذاته، وهو البديع من حيث تجلياته فلا يمكن أن يكرر تجليا واحدا مرتين، ولا أن يكرر شيئا من خلقه، فكل مخلوق يوجد بالضرورة ما يميزه عن غيره، وهو المبدع المطلق؛ فكل ما يخلقه ويقتضيه ويقدره هو على الدوام أمر جديد لابد من تميزه واختلافه عن غيره، وهو لا يكرر شيئا ما مرتين، وهو البديع من حيث أنه ليس بحاجة إلى الاستنباط أو إعمال ملكات، فإتيانه بالجديد هو من مقتضيات حقيقته الذاتية وكنهه الذاتي فلا يحتاج منه إلى تكلف أو تعمل، هذا في حين أن كل كائن من دونه بحاجة إلى أمثلة سابقة ومعلومات مستمدة من خارجه، هذا بالإضافة إلي حاجته إلى كيان يقله هو أرضه وكيان يظله هو سماؤه وإلي إطار زمكاني، أما الله سبحانه هو مبدع كل السماوات والأرضين والأطر الزمكانية؛ فهو بذلك لا نظير له ولا عهد لأحد بمثله.
وهذا الاسم ورد مرتبطا بالسماوات والأرض فهو بديعهما بمعنى أنه هو الذي أبدعهما وجعلهما مجالا يظهر فيه إبداعاته ويطالع فيها ويطالع الناس آياته، وقد يقول بعضهم بأن ورود هذا الاسم مضافا إلى السماوات والأرض يجعله مقيدا، وهو بذلك ليس من الأسماء الحسنى، والحق هو أن الإضافة إلى كيانين متقابلين متتامين هي الإطلاق بعينه.
وهو سبحانه البديع المطلق الذي لا نظير له ولا كفء له فلم يكن مسبوقا بغيره، فهو لم يولد؛ أي لم ينتج من وجود سابق عليه، فهو البديع الذي ليس كمثله شيء؛ البديع في ذاته ولوازمها من الأسماء وما خلقه من كائنات وموجودات، وهو البديع في ماهيته أو حقيقته العظمى ولوازمها من السمات، فهو البديع فيما تحلَّـت به ذاته من سمات وما تجلت به من أسماء، وهو البديع في مقتضيات ذاته وأسمائه وسماته من شؤون وأمور وقوانين وسنن وأفعال، كما أنه بديع السماوات والأرض أي مبدعهما بلا مثال خلا من غيره، وهو يبدع فيهما في كل وقت وحين من الأوضاع والصور ما لا يتكرر أبدا ولا يمكن أن يتكرر، فإن هذا الاسم يمنع أي احتمال للتكرار فلا يمكن أن يتشابه كائنان أو حدثان من كافة الحيثيات والكيفيات، فالسماوات والأرض هما المجال الذي يمارس فيه سمة الإبداع ويظهرها فيأتي فيهما بكل جديد ولا يكرر شيئا أبدا.
*****
إن الاسم "البديع" ورد مضافا إلى السماوات والأرض، ذلك لأنه بديعهما ومبدعهما، فهو الذي أبدعهما وجعلهما مجالا يظهر فيه إبداعاته ويطالع فيها ويطالع الناس آياته، وهو البديع المطلق الذي لا نظير له ولا كفؤ له فلم يكن مسبوقا بغيره، فهو لم يولد؛ أي لم ينتج من وجود سابق عليه، فهو البديع الذي ليس كمثله شيء، البديع في ذاته ولوازمها من كائنات وموجودات وهو البديع فى ماهيته أو حقيقته العظمى ولوازمها من السمات.
وقوله سبحانه: {بَدِيعُ السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(117)} (البقرة) يوضح أن أوامره إبداع محض خاص به، وأنه لابد من تحققها ونفاذها، فالآية تعبِّـر عن مقتضيات اسمه البديع من حيث الأوامر والتشريعات والقضاء في الأمور بالنظر إلى القوانين والسنن، فسورة البقرة تبين مقتضيات هذا الاسم من حيث الأوامر والأحكام والتشريعات.
وقوله سبحانه:{ بَدِيعُ السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(101)} (الأنعام) يبيِّـن أن هذا الاسم لا يعنى فقط أنه مبدع السماوات والأرض بل يعنى أيضا أنه البديع المطلق في كافة العوالم اللطيفة والكثيفة والباطنة والظاهرة وفى العالمين، فهو الذي ليس كمثله شيء، إذ  ليس له من صاحبة ولا شريك ولا ولد، فلا يمكن أن يصدر عنه ما هو من نفس كنهه، أما العلاقة الممكنة الوحيدة بينه وبين من هم سواه من كائنات فهي كل ما يقـتضيه أنه هو خالقهم العليم بهم والمحيط بهم والمقتدر عليهم والمتصرِّف فيهم، ولذا فكل أمورهم موكولة ومفوضة إليه، فآية سورة الأنعام تبين مقتضيات الاسم البديع من حيث العقيدة أي ما يجب على المسلم اعتقاده بخصوص ما يُـنسَب إلي رب العالمين من سمات.
وعلى كل إنسان أن يذكر ربه باسمه هذا ليتحقق بمقتضياته وليعرفه به، وهذا ما يقـتضى منه أن ينمي لديه ملكة الإبداع في كل مجال أتيحت له فرصة معرفته أو العمل فيه، والذكر بهذا الاسم لا يعنى التكرر اللساني الآلي له، ولكنه يعنى ترديد الآيات القرءانية التي ورد فيها والتي تـفصِّل  مقتضياته وتبينها للناس، وهذا بهدف فقهها وذكرها والتحقق بها والعمل بمقتضياتها واكتساب الملكات والأخلاق الملائمة لها، فالذكر لا يعنى اتخاذ الاسم وسيلة لإذكاء حاسة الخيال أو التعبد لصورة بشرية أو لطيفة أو محاولة احتوائها أو الاتحاد بها.
والإنسان من المظاهر العظمى للاسم "البديع"، وله من مقتضياته النصيب الأوفر، فللماهية الإنسانية حظها الأعظم من سمة الإبداع التي هي – أى الماهية- من مقتضياتها أصلا، ولذلك فعلى الإنسان  أن ينمى لديه ملكة الإبداع، وإنما يرقى الإنسان بقدر ما ينميها وبذلك يصبح إنسانا حقا، وإنما ترقي الأمم بقدر ما تنمى لدى أفرادها ملكة الإبداع وبقدر ما ترعى المبدعين من أبنائها وبقدر ما توفر لهم الأسباب والمجالات لكي يمارسوا مقتضياتها، وإنما تتهاوى الأمم بقدر ما تحارب الإبداع والمبدعين من أبنائها وبقدر ما تعمل على عرقلة جهودهم أو الخلاص منهم بدفعهم إلى الهجرة أو بوأدهم أحياءً.
------
والرمز يشير إلى أنه هو الذي يبدأ كل أمر وأن ذلك شأن ذاتي له لا يمكن لغيره أن يقوم به، كما يشير إلي أن ظهور كل أمر إنما يشير إلي الغيب النسبي الذي هو له.
------
ويجب العلم بأن الابتداع المنهي عنه هو إحداث أمرٍ في الدين ليس منه، ولقد كان تفرق الدين إلى مذاهب وشيع متناحرة بسبب ما أحدثوه فيه كنتيجة للإلقاءات الشيطانية، ومن أخطر ما فعلوه أن جعلوا المرويات الظنية هي السنة، كما جعلوها قاضية على كتاب الله وحاكمة عليه وقالوا بأن حاجته إليها أشد من حاجتها إليه!!! وكذلك استمدادهم 80% من مادة الدين من المرويات وقولهم بالنسخ بالمعنى الذي أحدثوه...........
ومن الإحداث إلزام الناس بعبادات معينة ما أنزل الله بها من سلطان مثلا، فالأصل في شرائع الدين وأوامره الاتباع لا الابتداع، ولذا فمن أراد أن يصلى مثلا فليصلِّ كما كان يصلي الرسول، وإذا أراد أن يبدع فليبدع في إتقان الصلاة وفي الخشوع فيها وفي التزكي بها وفى إدراك الأسرار المتعلقة بكيفيات أدائها، ذلك لأن الصورة الظاهرية للصلاة هي أمر أراد الله تعالى أن يكون بسيطا يستطيع الطفل الصغير أن يستوعبه، ولا قيمة للاختلافات الشكلية بين المذاهب، أما المعراج الباطني الذي ترمز إليه الصلاة والذي يمارسه المصلى حقـا ففيه يتفاوت الناس تفاوتـا هائلا، وفى التحقق به والرقى بسببه فليبدع المبدعون وليتنافس المتنافسون.
فالبدعة المنهي عنها هي إحداث أمر في الشريعة لم يرد فيه نص صريح قطعي الدلالة من الكتاب العزيز أو مما هو منسوب إلى الرسول ومتوافق مع الكتاب العزيز، فالكيفيات المتعددة الواردة في شأن الصلاة مثلا جائزة ويمكن الأخذ بأيٍّ منها، أما ما لم يرد فهو البدعة المنهي عنها، أما الاجتهاد للالتزام بأمر قرءاني أو نبوي لم يرد بشأنه تفصيلٌ ما فلا شيء فيه ولا غبار عليه، فلقد جاء في القرءان مثلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا(41)} (الأحزاب)، وقال الرسول ما معناه: (لا يزالُ لسانُك رَطباً بذِكْرِ اللهِ)، ولذلك فإن كل اجتهاد للالتزام بتلك الأوامر هو أمر مندوب إليه شرعا على ألا يؤدى ذلك إلى الإخلال بأي أمرٍ ديني آخر وعلي ألا يترتب عليه إلزام المسلمين بهذا الاجتهاد، بل إنه لا تقييد في أركان الدين الجوهرية أصلا وإنما هي مجال للإبداع، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، ويلاحظ أن عبيد المذاهب الضالة قد تصدوا لأية محاولة يقوم بها إنسان للتعبير عن حبه لربه في حين أنهم لم يتصدوا للشعراء المنافقين الذين كانوا يتبارون لتسبيح وتقديس حثالات المتسلطين على المسلمين.
فالبدعة المنهي عنها هي كل ما ليس له أصل في الدين وكل ما خالف أمرًا ثابتـا من أمور الدين، وهي كل زيادة في الدين الذي هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله، فهي تـتضمَّن كل كلام صدر عن إنسانٍ ما يعبر عن اجتهاده في أمر من أمور الدين ويراد فرضه على الناس، فالبدعة المذمومة هي ما يراد إقحامه على نصوص الدين الثابتة وكذلك محاولة مساواته بتلك النصوص، فليس من حق أحد أن يفرض على الناس عبادات جديدة بمسميات من عنده، وإن كان من الممكن أن يتأسَّي به الناس في اجتهادات وصل إليها، ولكن ينبغي أن يكون ذلك مع علمهم بحقيقة الأمر.
-------
إن الله تعالى هو البديع، فهو مبدع البدائع، لم يبغ في إنشائها عونا من خلقه، فهم أنفسهم من مبدعاته، وكل مخلوق هو آية من آياته، تتجلى فيها آثار أفعاله، وتشير بكليتها وتفاصيلها إلى بديع سماته.

*******

هناك تعليق واحد: