السبت، 9 يوليو 2016

المنظومة الأمرية الرحمانية

المنظومة الأمرية الرحمانية

المنظومة الأمرية الرحمانية هي المنظومة المعنوية الإسلامية، فهي منظومة السنن والقيم والمبادئ والمثل والصفات والأخلاق الرحمانية، وسُميت بالرحمانية لأنها من مقتضيات الاسم الرحمن الذي له الأسماء الحسنى، والذي استوى على عرش هذا العالم، وهي أمرية لأن عناصرها من عالم الأمر.
ومنظومة القيم الإسلامية هي منظومة من منظوماتها التفصيلية، وعناصرها هي القيم والأخلاق التي يجب أن يتحقق بها الإنسان لكي يكون إنسانا ربانيا صالحا مفلحا، وهي المقتضيات المعنوية الأمرية للصفات الرحمانية في ذات الإنسان.
فمنظومة القيم الإسلامية تتضمن القيم المقدسة لدى المسلم والتي يجب أن يسعى إلى التحقق بها والعيش بمقتضاها، فهي الصفات التي يجب أن يتزكى بالتحلي بها والتطهر مما يناقضها، وهذا يشكل ركنا جوهريا من أركان الدين ومقصدا من مقاصده، هذه القيم والمعاني والصفات هي المقتضيات المعنوية للأسماء الإلهية في الكيان الإنساني، فالأسماء الإلهية هي مصدر القيم في دين الحق، فالمصدر الأوحد لكل حسن (كمال) هو الله تعالى وحده.
وهذه المنظومة ثابتة بالقرءان ثبوتا قطعيا بثبوت الأسماء الإلهية الحسنى والأفعال والشؤون والسنن الإلهية المذكورة فيه، وكذلك بالأوامر القرءانية المباشرة الصريحة، ولذلك فلها التقدم والهيمنة والحكم على كل ما هو دونها وكذلك على مصادر الدين الثانوية.
إن الاعتداد بتلك المنظومة وأخذها في الاعتبار كافٍ تماما لسن التشريعات فيما يستجد من الأمور دونما حاجة إلى الكدح في تتبع الآثار والتحقق من صحتها، ومن حيث تلك المنظومة فإنه يجب على المسلم التحلي بمكارم الأخلاق الإسلامية وأن يقوم بالقيم التي هي عناصر هذه المنظومة وأن يسعى إلى التعرف على السنن الإلهية والكونية لكي يتوافق معها، ولكي تكون من وسائله للتعرف على ربه.
والقيم هي من أمور الدين المقدسة الكبرى، لذلك فالقرءان هو المصدر الأوحد لها، والقيم هي أساسا مقتضيات الأسماء الإلهية في الكيان الإنساني، فالله تعالى هو المصدر الأوحد للحسن (الكمال) في الوجود، ولكل منظومة أو اسم من الأسماء الحسنى منظومة من القيم المقتضاة.   
ومن عناصر تلك المنظومة: حب الله، تقوى الله، الإخلاص لله، الإخبات لله، التوكل على الله، الشكر لله، القيام بحقوق أسماء الله الحسنى، الحق، العدل، القسط، الصدق، الرحمة، الحكمة، العلم، توقير سنن الله، الصبر، الجنوح للسلم، احترام حقوق وكرامة الإنسان، الشعور بالمسؤولية تجاه كل الكائنات الأرضية، الكرم، الإيثار، الإيجابية، القوة، الطهارة، العفة، إقامة الوزن بالقسط، الوفاء بالكيل، إعطاء كل ذي حق حقه، ألا يبخس الناس أشياءهم، ألا يكتم الشهادة، ألا يقول زورا، ألا يرمي بريئا بالإثم، الجدية في معالجة الأمور، الحرص على ما ينفع، الفردية، التميز، تأكيد الذات، تطهير الذات، الاتساق الذاتي، السلام الداخلي، الحفاظ على سلامة ومتانة البنيان الجسدي والنفسي، الاتساق الذاتي، السلام الداخلي، الحرص علي وحدة الكيان الإنساني، اكتساب كل ما يجعل الإنسان نافعا للناس من أخلاق وإمكانات، تلبية حاجات السائلين وإغاثة المستغيثين بقدر الاستطاعة، الصفح، العفو، التسامح، السماحة.... الخ.
وتتعين طبقا لسنن الوجود وطبيعته منظومة مضادة للقيم الإسلامية، ألا وهي المنظومة المعنوية الشيطانية، فجماع العناصر المضادة للقيم الإسلامية يشكل الصفات والأخلاق الشيطانية وما تقتضيه من سلوكيات وأفعال، فكلها محرمة ومنهيٌّ عنها نهيا باتا، فالانتهاء عنها عمليا وفعليا هو ركن من أركان الدين، وتطهير الكيان الإنساني منها هو ركنٌ آخر من أركان الدين.
لذلك فإن كبائر الإثم كالظلم والجور والعدوان والبغي والإجرام وانتهاك حقوق وكرامة الإنسان والإفساد في الأرض (ومن ذلك تبديد الموارد وإهدار الثروات) والجهل والتبذير .... الخ كلها محرمة تحريما باتا فليس ثمة حاجة إلى التحريم بالقياس؛ فالاتجار بالمخدرات أو تعاطيها مثلا هو محرَّم ومجرَّم لأنه إفساد في الأرض ولأنه شروع في قتل النفس أو الآخرين والعدوان على حقوقهم ولأنه إهدار للمال وليس مجرد تبذير ولأنه إنفاق في سبيل الشيطان وليس في سبيل الرحمن، وتعاطي المخدرات هو من باب قتل النفس فهو محرم كما يحرم الانتحار.
إن الظلم والبغي والعدوان والإجرام والإفساد في الأرض من المحرمات طبقا لآيات قرءانية قطعية الدلالة، وتورط طائفة في البغي يوجب على المؤمنين قتالها حتى وإن كانت هذه الطائفة من المؤمنين.
ولما كان من عناصر منظومة القيم الإسلامية القيام بواجبات حمل الأمانة والاستخلاف في الأرض والشعور بالمسؤولية عن كل ما هو فيها كان الإفساد في الأرض من أركان المنظومة الشيطانية، ولذلك ليس من حق إنسان أن يقتل إنسانا أو حيوانا بغير حق؛ أي بغير مبرر شرعي، ولا يحتاج هذا إلى قياس على شيء ولا إلى الأخذ بشرائع أمم سابقة،
وصور كبائر الإثم قابلة للتغير والتجدد والاتساع مع اطراد التقدم.
*****
إن منظومة القيم الناجحة هي التي تؤدي إلي تنمية الملكات وكذلك إطلاق الطاقات الخلاقة للأمة، وهذا لن يتحقق لتلك الأمة إلا بعودتها إلى كتاب الله تعالي تالية وقارئة ومتدبرة ومتفقهة ومتذكرة وذلك من مقتضيات السعي الواعي والمتبصر لتحقيق مقاصد الدين العظمى وعلى رأسها أن يعرف الإنسان ربه بما هو له من الأسماء الحسنى الحقيقية، وبذلك تعود إلى الأمة ملكات الفقه والعقل والذكر والفكر فتتزكى القلوب والأنفس، ومنظومة القيم الناجحة هي أيضا التي يمكن أن تتوافق مع متطلبات التقدم والتطور، فالتقدم يستلزم سيادة قيم خاصة ولا يمكن أن يتحقق هذا التقدم في بيئة تسود فيها قيم مضادة.

*******


هناك تعليق واحد: