الاثنين، 25 يوليو 2016

النهي البات عن العدوان

سورة البقرة 190
قال تعالى:
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {190} البقرة.
هذه الآية البيِّـنة المحكمة تتضمن حكما قرءانيا ملزما هو أنه لا يجوز للأمة المسلمة أن تقاتل إلا من قاتلها أي بدأ بقتالها، كما تتضمن نهيا صارما عن الاعتداء، فالآية تبين أن الاعتداء من كبائر الإثم على كافة المستويات، ذلك لأنه فعل أعلن الله تعالى في هذا النص البيِّن المحكم أنه لا يحبه.
والنهي عن الاعتداء غير قابل للنسخ أبدا، ذلك لأنه مقتضى سمة إلهية لا تتغير، ولكي يمكن معرفة كل أحكام القرءان المتعلقة بالقتال يجب أخذ كل الآيات التي ورد فيها هذا المصطلح في الاعتبار والنظر فيها مع التسليم بأنه لا اختلاف في القرءان؛ فهي متسقة تماما مع بعضها البعض، وكل منها يجلي ويضيء جانبا من الأحكام المطلوب معرفتها، كما يجب الإيمان بما نسبه الله تعالى إلى نفسه من السمات والشئون والسنن وبما نسبه إلى كتابه من السمات.
أما العدوان فهو محرم تحريما باتا بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، والسمة الإلهية سمة واجبة لازمة لا تتبدل ولا تتغير، وما نسبه الحق إلي نفسه هو أمر لازم لا تبديل له ولا تحويل، وبذلك لم يترك حجة لأي اعتداء على الناس مهما كانت الذرائع، ومنها نشر الدين مثلا، وهو ليس بحاجة إلى مخلوق من مخلوقاته ليكره الناس على الإيمان به، وقد أبى ذلك على رسوله الكريم عندما قال له في قرءان يُتلى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100)} يونس
إن كون تحريم العدوان من مقتضيات شأن إلهي يدحض حجة من سيزعمون أن هذه الآية منسوخة بما يسمونه بآية السيف، وكذلك قولهم بالنسخ مدحوض لأنه حتى وفقا لاصطلاحهم فإن النسخ يلحق بآية كاملة وليس بجزء منها ولا يلحق بخبر وإنما بحكم.
إنه يجب العلم أن كل الآيات المتعلقة بأمرٍ ما كالقتال مثلاً لا يمكن أن يكون فيما بينها وبين بعضها ولا فيما بينها وبين باقي آيات الكتاب اختلاف ما وإنما يعضد بعضها بعضا ويبيِّـن بعضها بعضا ويفصِّل بعضها بعضا.
ومن المعلوم أن المؤمنين في مكة لم يكونوا مطالبين برد الاعتداءات المتكررة من الكفار والمشركين عليهم لأنهم كانوا أفرادا مبعثرين لا يجمعهم كيان واحد بل كانوا مختلطين بأهاليهم المشركين، فلم يكونوا أمة ليؤمروا بالقتال أصلا؛ فالأمة لم تنشأ إلا بعد انفصال المؤمنين عن الكافرين بالهجرة إلى المدينة.
ولقد قالوا إن هذه الآية منسوخة بآيات عديدة منها ما يسمونه بآية أو آيات السيف، وذلك لخلطهم بين الأمور ولعدم دراكهم للمنهج القرءاني.
وقد يتصور البعض أنه يوجد تناقض بين آية النهي عن العدوان وبين الآية {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِين} [البقرة:194]
وفي هذه الآية يأمر الله تعالى برد الاعتداء بمثله، وسماه اعتداء لأنه مجازاة اعتداء بمثله، فالاسم مشترك، ولكن ما صدر عنهم ليس باعتداء حقيقي، فرغم الاشتراك في الصورة فهو مجازاة وعمل بأمر قرءاني، ولقد سُمِّي جزاء الاعتداء اعتداءً على سبيل المشاكلة، وإلا فهو رد لاعتداء، فالاعتداء الحقيقي هو من الذي بدأ.
وطالما أصبحت الأمة المؤمنة في حالة حرب لم تُحسم مع من اعتدى عليها وقاتلها في الدين ولم يجنح عدوها للسلم فيها فإن لها أن تبادر بالهجوم لحسم القتال، ولا يعتبر هذا اعتداء، بل هو رد للعدوان الأول.


*******

هناك تعليق واحد: