الخميس، 14 يوليو 2016

مختصر أدلتنا على دحض القول بوجود آيات قرءانية منسوخة بالاستناد إلى أسس كلية

مختصر أدلتنا على دحض القول بوجود آيات قرءانية منسوخة بالاستناد إلى أسس كلية
إن دحْض القول بوجود آيات قرءانية منسوخة يستند إلى أسس كلية راسخة، ولا حاجة بعد ذلك إلى مناقشة مزاعمهم المتعلقة بالنسخ ولا إلى مناقشة المزاعم المتعلقة بكل آية على حدة، ومع ذلك، فكل الآيات التي زعموا أنها منسوخة لا يمكن أبدا أن تكون كذلك، وهي تتضمن أوامر وأنباءً متعلقة بالعقيدة بحيث يكون القول بنسخها من الكفر المبين، فقد حصَّن الله تعالى آيات كتابه مسبقا بحيث ينكشف بسهولة أمر أعدائه أو عملائهم من الضالين المغفلين ولا يستمر في التجني بعدها على آياته إلا كل ظالم أو عاتٍ أو عابد شقي لمذهبه الشركي.
إن قولهم بوجود آيات قرءانية منسوخة هو باطل نتيجةً لأسس كلية راسخة هدانا الله تعالى إليها باتباع المنهج القرءاني العلمي المنطقي، فهذه الأسس هي من عناصر ومقتضيات هذا المنهج، فهي لم تُستنتج من التتبع الجزئي لأقوالهم في الآيات التي زعموا أنها منسوخة، ولا من تمحيص وتفنيد أقوالهم في هذا الشأن، بل هي تغني عن الحاجة إلى ذلك، وما فنَّدنا أقوالهم إلا عندما اضطرونا إلى ذلك، ولم نجد من عملٍ أيسر من دحض مفترياتهم بخصوص النسخ! وكم من مرة فاجأني أحدهم بمزاعم لا تخطر إلا على بال شيطان متمرس بخصوص النسخ، فتم دحض كلامه في التوّ واللحظة!
وبطلان وجود آيات منسوخة في القرءان بالاستناد إلى أسس كلية راسخة يمكن بيانه كما يلي:
1.           إن كل مسلم ملزم بالإيمان بكتاب الله تعالى كما هو وليس بعد إلغاء الكثير من آياته بحجة أنها منسوخة.
2.           لا يوجد أي مصدر ديني أعلى من القرءان ليقرر أي شيء بخصوصه أصلا.
3.     حقيقة القرءان أنه كلام الله وأنه روحٌ من أمر الله تعالى، وهذا يعني كماله وتمامه وعدم وجود اختلافات أو تناقضات فيه تستدعي القول بالنسخ للتغلب عليها.
4.           القرءان هو المصدر الأعلى والمرجع الأعلى مطلقا للدين والمهيمن على كل ما هو دونه من الكتب، فلا يوجد ما هو أعلى منه لكي يقرر أي شيء بخصوصه، ولا يمكن أبدا استعمال المصادر الثانوية لإلغاء أحكام نصوص في المصدر الأصلي الأعلى خاصة مع إقرارهم بأن دورها هو البيان والتفصيل والتقييد، والإبطال والإزالة ليست من هذه الأمور.
5.           قال الله تعالى إنه لا اختلاف في القرءان لأنه من عنده، فلا يوجد أي اختلاف في القرءان لكي يتولى القول بالنسخ معالجته، وأي تفسير للآيات يجب أن يتم على ضوء هذه الحقيقة، وكذلك أي سعي لاستخلاص أو استنباط القول القرءاني في أية قضية أو مسألة، ومن يقول بالنسخ يسلم بوجود اختلاف لا سبيل إلى دفعه إلا بالقول بالنسخ، فهو منكر لا محالة لقول ربه، ومن نشأ الاختلاف إلا في خياله وذهنه بسبب سوء فقهه.
6.           لقد سمَّى الله تعالي كتابه ببعض أسمائه الحسنى فقال إنه عليّ حكيم وكريم وحكيم وعظيم ومجيد ونور ومبين ومهيمن وعزيز، كما قال بأنه الصدق والحق وأنه لا اختلاف فيه وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالقول بوجود آيات منسوخة فيه هو مضاد تماما لكل هذه الأسماء ويتضمن تكذيبا لما ذكره الله تعالى.
7.           لقد قال الله عن كتابه أنه كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِير، والآية المحكمة لا تكون ملغاة أو باطلة الحكم.
8.           محاولاتهم لجعل آية قرءانية دليلا على وجود آيات قرءانية منسوخة هي محاولات باطلة ومدحوضة أصلا، ذلك لأن كل آيات القرءان متكافئة، فلا يجوز استعمال إحداها لإبطال آيات أخرى، ومعاني هذه الآية لا علاقة لها بما يحاولون فرضه عليها من المعاني، فهي تعني أن آيات القرءان حلت محل ما نُسخ أو أُنسي من آيات الشرائع السابقة، ولا تعني أن آيات القرءان ينسخ بعضها بعضا، وقد جاءت في سياق يحذر من أهل الكتاب، والسورة تنص على أحكام حلت محل ما كان في الشرائع السابقة، ومنها التوجه نحو المسجد الحرام وإباحة الرفث إلى النساء في ليالي الصيام وتحريم الربا بعد أن كانوا يقولون "إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا"، فهذا القول منسوخ بقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}
9.           القول بالنسخ هو مضاد تماما لكون الكتاب العزيز هدىً للمتقين وبرهانا مبينا ونورا، ومضاد لكونه لا اختلاف فيه، ومضاد لكونه مبينا ومبيِّنا وتبيانا لكل شيء.
10.      القول بالنسخ هو مضاد تماما لكون كتاب الله كتابا عزيزا، لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ، فوجود آية لا حكم لها ولا يعمل بها هو عين القول بوجود باطل في الكتاب.
11.      للقرءان منظومة سماتً ثابتة بآياته قطعية الورود والدلالة، هذه السمات لها الحكمُ والتقدم على كل ما يُقالُ بخصوص القرءان، ذلك لأن هذه السمات هي من مظاهر أسماء مَنْ القرءان كلامُه، والقول بالنسخ مضاد تماما لمنظومة السمات هذه، فهذا القول بذلك هو من كبائر الإثم ومن الكفر المبين لتعارضه مع سمات ومقتضيات القرءان الكريم، فالقول بالنسخ يتناقض مع عناصر منظومة السمات القرءانية ويلقي بظلال قاتمة من الشك على الدين كله لأي ناقد محايد، وعلى سبيل المثال من سمات القرءان أنه كِتَابٌ عَزِيزٌ، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، فهل ثمة باطل أشد من الزعم أنه في هذا الكتاب العزيز آيات قد بطل حكمها وأُلغي العمل بها؟ وهل يمكن أن يسمح بذلك من هو حكيم حميد؟ هل يمكن لمشرع بشري أن يتضمن القانون الذي يضعه للناس نصوصا باطلة وملغاة ولا حكم لها ولا يجوز العمل بها؟ فالقول بوجود آيات قرءانية منسوخة هو إلقاء شيطاني وإفك مبين.
12.      قال الله تعالى إنه أنزل كتابه بالحق والميزان ولم يجعله مجالا لعبث الشيطان، والقول بالنسخ يجعله عرضة لتلاعب الناس والحكم عليه بأهوائهم.
13.      كل آيات القرءان آيات بينات وعلى نفس الدرجة من الحجية والمصداقية.
14.      لقد تحدَّى الله تعالى بآيات القرءان الجن والإنس، والتحدي لا يكون بألفاظ مرسومة لا حكم لها!
15.      أنواع آيات القرءان مذكورة بكل وضوح في القرءان، ومنها المحكمات والمتشابهات والبينات...الخ، وكلها مبينات ولا يوجد أي نص قرءاني على وجود آيات منسوخات في القرءان مع خطورة هذا القول.
16.      لم يرد فيما نسبوه إلى الرسول من مرويات أي حديث عن وجود آيات قرءانية منسوخة رغم خطورة هذا الأمر، ولقد كان الرسول مأمورا في القرءان بالبلاغ المبين، وكل مسلم ملزم بالإيمان بأنه فعل وبلَّغ.
17.      لقد ذكر الله سبحانه أن في كتابه المنزل آيات محكمات وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، ولكنه لم يذكر أبداً أن في كتابه آيات منسوخات، وذلك رغم أن القول بأن في الكتاب المنزل آيات منسوخات لا يقل في الأهمية والخطورة عن القول بأن فيه آيات متشابهات، فلا يوجد أي نص في القرءان على أن فيه آيات منسوخات.
18.      لا يوجد أي دليل قطعي في القرءان على أن فيه آيات منسوخات، بل يمكن بكل يسر وسهولة دحض أي استدلال على أن فيه شيئا من ذلك، ومن المعلوم أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال فقد بطل به الاستدلال حتى في أهون الأمور فكيف إذا تم دحضه؟ فالآيات التي يحتجون بها لإثبات قولهم بالنسخ لا علاقة لها بكلامهم، ومن الواضح أنهم قالوا قولهم الكفري المترتب على إلقاء شيطاني ثم حاولوا فرضه على الآيات واستنطاقها به.
19.      الآيات التي قالوا بأنها منسوخة مازالت موجودة في المصحف، يتعبد الناس بتلاوتها والعمل بمقتضياتها، وكل قول بنسخ آية يترتب عليه بالضرورة التكذيب بمضمونها أي الكفر بها وبما تتضمنه من الأخبار الإلهية.
20.      كل الآيات التي زعموا أنها منسوخة لا يمكن أبدا أن تكون كذلك، وهي تتضمن أوامر وأنباءً متعلقة بالإيمانيات، وقد تذكر اسما من الأسماء الحسنى أو شأنا إلهيا، بحيث يكون القول بنسخها من الكفر المبين، فقد حصَّن الله تعالى آيات كتابه مسبقاً بحيث ينكشف بسهولة أمر أعدائه أو عملائهم من الضالين المغفلين ولا يستمر في التجني بعدها على آياته إلا كل ظالم أو عاتٍ أو عابد شقي لمذهبه الشركي.
21.      لا توجد آية قرءانية يمكن القول بأنها كلها منسوخة، وكل آية زعموا أنها منسوخة بها أنباء أو أخبار غير قابلة للنسخ أصلا، أو فيها أحكام لم يستطيعوا القول بأنها منسوخة، سيقولون إن المراد بالنسخ ليس الآية بل هو حكم الآية!! ثم سيقولون: كلا، كلا! بل إن المراد به نسخ حكم جزء من الآية، وهذا ما ليس عليه أي دليل، ودليلهم لا يسعفهم إلا إذا كانوا يظنون أن لديهم الحق ليستدركوا على رب العالمين.
22.      رغم أنهم أقروا بأن دليلهم يقول بأن الآية تُنسخ بما هو خير منها أو مثلها فإنهم لم يتورعوا عن نسخ آيات قرءانية بمرويات آحادية بل بما لا وجود له !!!! فافتضحوا، وهم بالطبع لا يدركون أنهم أدوات رخيصة بأيدي شياطين الإنس والجن!
23.      القرءان نص قطعي الثبوت، أما المرويات والآثار فهي ظنية الثبوت مهما كابروا بشأنها، وما يسمونه بدرجات أو مراتب الحديث ليس إلا درجات احتمال صحة المروية وفقاً لمقاييس بشرية، فهم لم يجرؤوا على القطع بصحتها، ولا يجوز أبداً تحكيم الظني في القطعي، ولقد أمر الله تعالى باجتناب الظن وندد بمن يتبعون الظن تنديدا شديدا.
24.      وبعد أن طال عبثهم بكتاب الله تعالى ولم يجدوا من يتصدي لإفكهم وضلالهم وبعد أن سحروا أعين الناس واسترهبوهم وأعدوا لكل من يحاول الدفاع عن القرءان كل ما استطاعوا من اتهامات بالخروج على القطيع وخلع الربقة ومفارقة الملة وإنكار السنة لم يتفقوا أبدًا !!!! على الآيات المنسوخة!!!!!!؟؟؟؟!!!!! وعددها عندهم يتراوح بين العشرات وبين المئات!!!!!؛ فأعطوا لأعداء الإسلام أمضى سلاح ضد القرءان!!! ولو كان النسخ من الأمر المعلومة بالضرورة لما اختلفوا بشأن الآيات التي زعموا بأنها منسوخة.
25.      لم يكن الله تعالى ليترك كتابه الحاوي للرسالة الخاتمة الملزمة للعالمين لعبث المضلين والمهرجين.
26.      من المعلوم أنه لا يوجد مشرع بشري يمكن أن يبقي على النص الذي تم إلغاؤه واستبدال آخر به في المدونة القانونية الملزمة للناس، وأسباب ذلك بديهية، ومن يفعل ذلك سيعرض نفسه لسخرية الناس أو للمساءلة، والله تعالى مقدس ومنزه عما يعتبرونه من النقص عندما يصدر عن مخلوق من مخلوقاته، ذلك لأن لله الكمال المطلق، وهو الأصل الأوحد والمصدر المطلق لكل كمال في الوجود

27.      ثبت أن قولهم بالنسخ كان لشرعنة اعتداءاتهم على الأمم الأخرى وسفك الدماء والإفساد في الأرض وإعداد دين بديل يحل محلّ دين الحق.

******* 

هناك تعليق واحد: