الاثنين، 11 يوليو 2016

قتيبة والصين والأمويون

قتيبة والصين والأمويون


ها هو مثال يبين أسلوب العرب في تعاملهم مع الأمم الأخرى وأسلوب تعاملهم فيما بينهم أثناء العصر الأموي:
لقد اكتسح القائد العبقري العظيم قتيبة بن مسلم وسط آسيا حتى اقترب من حدود الصين، لم يرسل إليهم بالطبع من يشرح لهم ماذا يريد منهم أو من يدعوهم إلى الإسلام ويشرحه لهم، ولكن ملك الصين نفسه عندما علم بالحشود على حدوده هو الذي كتب إليه أن يبعث إليه رجلا يسأله عن دينه وعما يريده منهم، أما وصية قتيبة للوفد الذي أرسله فهي: "أعلموه أني قد حلفت ألا أنصرف حتى أطأ بلادهم وأختم ملوكهم وأجبي خراجهم"، فهذا كلام طاغية مستكبر وليس كلام داعية إلى دين الحق والرحمة ومكارم الأخلاق.
وصل الوفد إلى عاصمة الصين، وعليهم شخص اسمه هبيرة، فلما قدموا عليهم دعاهم ملك الصين فلبسوا ثيابا (فاتنة مغرية) تمكنهم من استعراض مفاتنهم!!! ودخلوا عليه وعنده عظماء قومه فجلسوا ولم يكلمهم الملك، ولا أحد ممن عنده، وكان نتيجة عملية الإغراء هذه أن الصينيين قد فُتنوا بهم وانتصبت أعضاؤهم، كما يقول ابن الأثير، قال: ذلك لأن الملك قال لمن حضره بعد انصرافهم!!!: كيف رأيتم هؤلاء؟ فقالوا: رأينا قوما ما هم إلا نساء ما بقي منا أحد إلا انتشر ما عنده!!!
والمشكلة: كيف عرف ابن الأثير كلام ملك الصين مع خاصته بعد انصراف الوفد المغري الفاتن؟!
ويستطرد ابن الأثير فيقول: فلما كان الغد دعاهم فلبسوا الوشي والعمائم الخز والمطارف وغدوا عليه فلما دخلوا قيل لهم ارجعوا، وقال لأصحابه كيف رأيتم هذه الهيئة؟ قالوا أشبه بهيئة الرجال من تلك، فلما كان اليوم الثالث دعاهم فشدوا سلاحهم ولبسوا البيض والمغافر وأخذوا السيوف والرماح والقسي وركبوا، فنظر إليهم ملك الصين فرأى مثل الجبل، فلما دنوا ركزوا رماحهم ودفعوا خيلهم كأنهم يتطاردون، فقال الملك لأصحابه: كيف ترونهم؟ قالوا ما رأينا مثل هؤلاء!!!!
فلما أمسى بعث إليهم أن ابعثوا إليَّ زعيمكم فبعثوا إليه هبيرة فقال له ملك الصين: "قد رأيتم عظم ملكي وأنه ليس أحد منعكم مني وأنتم في يدي بمنزلة البيضة في كفي، وإني سائلكم عن أمر فإن لم تصدقوني قتلتكم"، قال: "لِمَ صنعتم بزيكم الأول اليوم الأول والثاني والثالث ما صنعتم؟"، قال هبيرة: "أما زيّنا الأول فلباسنا في أهلنا، والثاني فزيّنا إذا أمنا أمراءنا، والثالث فزيّنا لعدونا".
قال: "ما حسن ما دبرتم دهركم، فقولوا لصاحبكم ينصرف فإني قد عرفت قلة أصحابه وإلا بعثت إليكم من يهلككم"، فقال له هبيرة: "كيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك وآخرها في منابت الزيتون؟ وأما تخويفك إيانا بالقتل فإن لنا آجالا إذا حضرت فأكرمها القتل ولسنا نكرهه ولا نخافه، وقد حلف ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم ويختم ملوككم و يعطى الجزية".
قال ملك الصين: "فما الذي يرضي صاحبكم؟"
قال: إنه حلف ألا ينصرف حتى يطأ أرضكم، ويختم ملوككم، ويعطي الجزية، قال: فإنا نخرجه من يمينه ونبعث تراب أرضنا فيطأه و نبعث إليه ببعض أبنائنا فيختمهم و نبعث إليه بجزية يرضاها فبعث إليه بهدية و أربعة غلمان من أبناء ملوكهم ثم أجازهم، فأحسن فقدموا على قتيبة فقبل قتيبة الجزية وختم الغلمان!! وردهم ووطئ التراب!!!
وهكذا!!! استعرض الوفد مهاراتهم القتالية لإرهاب أهل الصين، أما الحوار الذي دار بين رئيس الوفد وبين ملك الصين فلم يرد فيه ذكر الله أو ذكر دينه أو بيان محاسنه ولم يحدث فيه أي بيان لطبيعة الإسلام فلم يرد فيه إلا التهديد والوعيد، حتى قال ملك الصين ما قال، ودبَّر له الأمر حتى يخرجه من يمينه أو من قسمه الجائر!!!
وفي ذلك قال الشاعر:
لا عيب في الوفد الذين بعثهم***للصين إن سلكوا طريق المنهج
لم يرض غير الختم في أعناقهم*** ورهائن دفعت بحمل سمرج
والحق هو أن ملك الصين كان أقرب إلي روح الإسلام وخلق المسلم من القائد العظيم المسلم قتيبة بن مسلم، ولقد تصرف ملك الصين بحكمة ومسؤولية ولم تأخذه العزة بالإثم وحقن دماء الفريقين بقبول ما طلبه قتيبة بدون وجه حق.
أما قتيبة فلم يقدم لهم المثل الذي يريده الإسلام من أهله ورجاله، أما الذي أنقذ قضية الإسلام فهو هلاك الوليد وتسلط مجرم آخر من بني أمية على أمر المسلمين هو سليمان بن عبد الملك الذي كان يحنق علي قادة أخيه ويتربص بهم، وسرعان ما قُتِل قتيبة كما قتل أو اضطهد غيره من قادة حركة الفتوحات الكبار، وحملت رأسه إلى سليمان.
فما علاقة كل هذا بالإسلام؟ إن سلوك قتيبة ليس بالمسلك اللائق بداعية إسلامي وإنما بمن أصيب بحالة من هذاء العظمة (Delusion of Grandeur) وهذا هو الذي دفعه إلي مطالبه الغريبة من ملك الصين من قبل وإلى مناطحة الخليفة الأموي الجديد من بعد.
أما أباطرة الصين فإنهم لم يتصدوا للدعوة الإسلامية وسمحوا للإسلام بالانتشار السلمي بين الصينيين، وبالطبع كان في جيش قتيبة مسلمون صادقون يتصورون أنهم يجاهدون في سبيل الله ولكن فاتهم أنه لا يمكن التقرب إلي الله بالعدوان علي الآمنين وسفك دمائهم وإذلالهم ونهب أموالهم دون دعوتهم  إلي الإسلام وتقديم الأسوة الحسنة لهم كما كان يفعل أسلافهم، إن تلك القصة تبين كيف أن قتيبة قد جاء الصين بقوم يحبون الاستعلاء والاستكبار والغنائم والمكاسب الدنيوية أكثر من حب الصينيين للحياة، ولو دخلت جيوش قتيبة الصين لصارت مثل الغرب الآن أشد الناس عداءً للإسلام والمسلمين.
إن أهل الغرب بشر كسائر الناس فهم لم يولدوا كشياطين يكرهون الإسلام ويتربصون به وإنما يدرسون تاريخهم، فينشئون منذ صغرهم على استذكار ما فعلته جيوش الأمويين والعثمانيين بهم وكيف هددت في يوم ما كيانهم وما يعتبرونه مقومات حضارتهم ووجودهم، لذلك فهم لا يحملون عداءً ما للأديان والمذاهب الأثرية الآتية من شرق آسيا مهما بلغت غرابتها ومجافاتها لكل أسس حضارتهم ويتعاملون معها بموضوعية وإنسانية بينما ينقلبون وحوشًا ضارية ويكشرون عن أنيابهم كلما ذُكر الإسلام.
إن ما كان يحدث من قادة الأمويين لا يعني الإسلام والمسلمين في شيء ولقد تلاشى واندثر الكيان الذي يحق له التفاخر بإنجازاتهم، ولا يجوز أن يتحمل الإسلام والمسلمون أوزارهم، وإن من سيحاول أن يسلك الآن مسلكهم أو مسلك من اتبع سنتهم سيدفع الثمن غاليا، أما الإسلام العالمي فهو لا يعمد إلى إذلال أو قهر أو امتهان كرامة أي شعب من الشعوب.
والآن ماذا يمكن أن يكون شعور أي صيني يقرأ التاريخ ومنه تلك الواقعة ويدرك أن بلاده قد تعرضت للامتهان والإذلال دون أدني ذنب علي يد قائد متغطرس يمثل في نظرهم الإسلام والمسلمين؟ فما بالك بشعوب أخرى قد تعرضت بالإضافة إلى ذلك للعدوان البشع الذي حطم كل مقومات حياتهم وحضارتهم وجعل أعزة أهلها أذلة وعرض بنات ملوكها لمهانة الاسترقاق وأشرافها للاستعباد؟ لقد تسبب ذلك مثلاً في أحقاد لا تندمل في نفوس الفرس ضد العرب ودفعهم ذلك إلى التآمر عليهم والكيد لدينهم ولهم، ولقد تسبب ذلك في مقتل أحد الخلفاء الراشدين، ولقد انهارت الدولة الأموية وأبيد الأمويون بسبب ذلك أيضا، أما الأمر الأخطر فهو التحريف الذي لحق بالدين نتيجة ما دسه في التراث الإسلامي زنادقة الفرس، ولقد كان من جراء ذلك ظهور المذاهب المتطرفة.
كان إمبراطور الصين في جنوحه للسلم وإقدامه على كل ما هو مطلوب لتجنب الحرب أقرب إلى روح الإسلام من القائد العظيم المعتدي قتيبة، ولو نجح قتيبة في غزو (جزء) من الصين لترك هناك عداوة لا تخبو تجاه الإسلام، ولتحالفوا مع الغرب ضد المسلمين.
أما نهاية القائد العظيم "قتيبة بن مسلم" فقد قتله أتباع الخليفة الأموي الجديد وقطعوا رأسه وحملوه إليه!!!!! والذي جنى ثمار انتصاراته العسكرية هو الخليفة الأموي الذي قتله!!!!

*******

هناك 4 تعليقات: