الاثنين، 4 يوليو 2016

السير في الأرض

السير في الأرض

يوجد في القرءان أمر متكرر بالسير في الأرض وحث على ذلك، فهو بذلك أمر قرءاني مشدد وركن فرعي من أركان الدين يجب العمل بمقتضاه بقدر الاستطاعة، قال تعالى:
{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِين}[آل عمران:137]، {قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين}[الأنعام:11]، وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُون}[يوسف:109]، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين}[النحل:36]، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور}[الحج:46]، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِين}[النمل:69]، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[العنكبوت:20]، {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون}[الروم:9]، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِين}[الروم:42]، {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}[فاطر:44]، {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاق}[غافر:21]، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُون}[غافر:82]، {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا}[محمد:10].
وبالنسبة لهذا الأمر يجب العلم بما يلي:
1.     الأمر بالأعلى يتضمن الأمر بما هو أدنى مما يؤدي إلى تحقيق المقصد من الأمر، فالسير في الأرض هو الأمر الأشق والأعلى لتحقيق المقاصد المذكورة في الآيات، والسير في الأرض يعني التواجد الفعلي لتحقيق الخبرة المباشرة، وتوجد وسائل عصرية أيسر بالنسبة لبعض الأمور، فالكتب التاريخية ومشاهدة الأفلام الوثائقية وما إلى ذلك قد يوفر البديل الأيسر للنظر في عواقب أو مصائر الأمم الخالية.
2.     الأمر بالنظر يتضمن الأمر بتحصيل المادة والعلوم اللازمة لذلك، فهذا التحصيل يصبح بذلك أمرا لازما للعمل بمقتضى الأمر القرءاني.
3.     لذلك الأمر مقاصده المذكورة في الآيات أو التي هي من فحواها.
4.     الأمر بالسير في الأرض والنظر يعني أن كل ما يلزم لذلك وسائل قرءانية ودينية معتمدة وإن لم تُذكر صراحة في القرءان، كما يعني أن كل ما سيتم تحصيله من علوم وما يترتب على النظر من نتائج هي أمور مشروعة تماما، فلا يحق لأحد مثلا أن ينكر وجود شخصية أو واقعة تاريخية بزعم أنه لا وجود لها في القرءان.
مقاصد الأمر بالسير في الأرض وما يتضمنه:
الأمر بالسير في الأرض يتضمن ما يلي:
1.     الاستعمال الأمثل للحواس الإنسانية، وهذا يتضمن بذل كل ما يلزم لتوسيع ومدّ نطاقها إلى أبعد مدى ممكن، ومن ذلك العمل الجماعي المنظم والوسائل التكنولوجية الحديثة مثل أدوات الاستشعار عن بعد مثلا.
2.     إيقاظ الحواس الباطنة وتزكيتها، والحواس الباطنة هي ملكات القلب الإنساني من عقل وسمع وبصر.
3.     معرفة كيفية بدء الخلق.
4.     معرفة تاريخ الأمم السابقة والإفادة منه.
5.     معرفة عواقب من كذبوا بالرسالات الإلهية أو كفروا أو اقترفوا الذنوب وأخذ العبر من أحوالهم.
6.     اكتشاف وفقه وعقل ما يحكم على الظواهر والأحداث وما يسري فيها من السنن الطبيعة والتاريخية.

إن النظر في عواقب من سلف؛ أي بلغة العصر الحديث دراسة التاريخ وفلسفته (بالأحرى عبره وحكمه) هو أمر قرءاني راسخ ومؤكد وكبير يتفوق على الأوامر بالصيام والحج بكثير، ذلك لأنه يؤدي إلى العلم ببعض سنن الله الكونية المتجسدة في الحقائق التاريخية، والويل لمن لم يبالِ بهذه الحقائق أو تنكبها.
 ومن الحقائق التاريخية الراسخة:
1.     لا يمكن للأتباع الحقيقيين للمذاهب المحسوبة على الإسلام أن يتعايشوا سلميا مع بعضهم البعض، يمكن تحقق ذلك جزئيا بتجاهل جزء كبير من هذه المذاهب.
2.     التعايش السلمي لا يتحقق إلا في مجتمع هجر ما يُسمَّى بالدين بدرجة كبيرة.
3.     التعايش السلمي لا يتحقق إلا في وجود قوة قاهرة مستبدة.
4.     التعايش السلمي يمكن أن يتحقق في مجتمع علماني حقيقي.
والمقصود بالطبع هو التعايش السلمي داخل نفس الدولة أو الكيان، أو بين الدول التي يغلب على كلٍّ منها مذهب مختلف.
ويحاول بعضهم ليّ عنق آية قرءانية واستعمالها لإبطال كل الآيات القرءانية الآمرة بالنظر في الأمور التاريخية وأخذ العبر منها، والآية هي:
{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون} [البقرة:134]
وهذه الآية تتحدث عن شأن آخر، فهي تقرر مبدأ المسؤولية عن الفعل، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى؛ فلا تتحمل أمة مسؤولية أفعال أمة أخرى، ولا يتحمل فرد وزر فردٍ آخر، فالآية هي مقتضى العدل الإلهي.
والآية في الوقت ذاته تنهى الإنسان عن الانشغال غير المجدي بالسلف وأخبار السلف، وبالأحرى تنهاه عن أن يتفانى بسببهم أو أن يقترف الآثام المهلكة والجرائم من أجلهم، وما هو مطلوب شرعا من المسلم أن يقول:
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيم


*******

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق