الثلاثاء، 24 مارس 2015

سورة محمد، من 1 إلى 6

سورة محمد، من 1 إلى 6



الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)

"الَّذِينَ كَفَرُوا" هم الذين رفضوا رسالة النبي الخاتم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وأتبعوا ذلك باقتراف أعمال بمقتضى رفضهم هذا؛ أي أعمالا كفرية، ومنها الصدّ عن سبيل الله تعالى عمدا مع الإصرار الشديد، ولما كان محتما انتصار الرسول ومن آمن معه فلن تحقق أعمال "الَّذِينَ كَفَرُوا" من أهدافها.
أما "الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ" فهم الفائزون حقا، وتبشر آيات قرءانية عديدة الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بالجنة، والآية هنا توضح أن الله تعالى سيقيهم سيئات أعمالهم وسيصلح بَالَهُمْ، وإضافة الشرط "وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ" يوضح أن مطلق الإيمان لن ينفع أحدا من بعد إنزال الرسالة الخاتمة، ومن المعلوم أن آيات القرءان يكمل بعضها بعضا، فهي تتكامل ولا تتناقض، وهذا يقوض مزاعم من قال إن اليهود والنصارى من أهل الجنة، فلا نجاة لأحد الآن إلا بالإيمان بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ طالما بلغه البلاغ المبين، والنصّ على أن الإيمان المطلوب هو بِمَا نُزِّلَ يعني أنه يجب الإيمان بمحض مَا نُزِّلَ وليس بما فقهه سلف أو خلف منه، فيجب الإيمان بمحض القرءان وليس بفهم السلف ولا بتأويل الناس له.
والآية 4 تتحدث عن لقاء الذين كفروا في ميدان المعركة بالتحديد، والقتال هو ذروة الصراع بين الذين كفروا وبين الذين آمنوا، وفي ميدان القتال لا مجال للتهاون، وأنت لن تتغلب على عدوك فيه بتقبيله من فمه ولا بإبداء أي قدر من التخاذل، فالضرب هاهنا هو الضرب بالسيف على الرقاب، وبذلك تنهار الروح المعنوية للذين كفروا ويتم تشريد المتأخرين بضرب المتقدمين.
ولا مجال لصرف فعل "ضرب الرقاب" عن معناه المعلوم استرضاءً للاتجاهات العصرانية.
وفي العصر الحديث، فإنه في ميدان المعركة يجب العمل بمقتضى هذه الآية، فيتمّ ضرب العدو في مقتل بكل قوة وشدة، ويتم العمل على بث الرعب في قلبه بكافة الوسائل.
أما إذا أثخن المؤمنون في أعدائهم وأيقنوا من تحقق النصر فيمكنهم عندئذ الاكتفاء بأسر الذين كفروا، ولا يجوز عندئذ الإسراف في القتل، ولقد سبق القرءان بذلك التشريعات المعاصرة بهذا الحكم.
وحكم الأسرى منصوص عليه هاهنا، وهو المنّ أو الفداء، ولا يوجد حكم آخر.
وما ورد هاهنا هي أحكام ملزمة، ولقد أوخذوا عندما لم يلتزموا بها في بدر، وهددوا تهديدا شديدا.   
ومع ذلك، فلقد أجمع ما يُسمى بجمهور العلماء على رد هذه الآية وإباحة قتل الأسرى فحرَّم بعضهم المنَّ المطلق وخيَّر آخرون الإمام بين القتل وبين الرق، وقالوا إن الآية منسوخة، أو خيَّروه بين ما يلي: القتل، الرق، المن، الفداء، وموقفهم هذا من الآية هو كفر مبين بها، بل إن بعضهم يكفِّر الناس على ما هو أهون من ذلك بكثير كانتقاد بعض تصرفات من قالوا إنهم (الصحابة) المخالفة لكتاب الله تعالى.
أما ما أباحوه للإمام المزعوم مما لم يرد له ذكر في الكتاب العزيز فهو استرقاق الأسرى بل استرقاق نسائهم وأولادهم، وهذا مما يدل على تأصل الهمجية والجاهلية والبربرية في نفوسهم إذ جعلوا الدين الذي جاء لتحرير الإنسان وتكريمه والدفاع عن حقوقه ديناً للعدوان على تلك الحقوق، وإذا كان الدين قد عمل على تجفيف منابع الرق فقد عملوا هم على تفجير منابع جديدة، أما المعاصرون فقالوا: أليس الذي يرفض العبودية لله يستأهل أن يكون عبدا للإنسان؟ وذلك تبريراً لما قرره السلف، وهذا يبين أنهم هم وأسلافهم ألد أعداء الإنسان ومنظرو الترويع والاسترهاب وأنهم اعتبروا الدين سلاحا في أيديهم يشهرونه في وجه الناس ليستعبدوهم.
وإذا كان لدى السلف عذر هو خضوعهم لمقتضيات عصرهم وظروف بيئتهم البدائية والوحشية فأيُّ عذر للخلف إلا اتباع ما ألفوا عليه أسلافهم بدون برهان مبين؟
والسلف والخلف يؤمنون بأنه فُرض على المسلم أن يقاتل من يليه من غير المسلمين حتى يعتنقوا الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فهل هذا حق؟ وهل القتال هو العلاقة الممكنة الوحيدة بين الأمة الإسلامية وبين من عداها من الأمم؟ ألم يعتبر القرءانُ القتالَ هو الاستثناء المكروه وحدد شروطه وحرم العدوان تحريماً باتاً؟ وماذا ينتظر المسلمون إذاً من سائر الناس؟ ألا يعطي هذا مبررا لهؤلاء لاتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لإضعاف المسلمين والقضاء على كل فرصهم للتقدم ولامتلاك أسباب القوة؟ ألا يحق لهم إذاً المبادرة بتوجيه ضربات استباقية لقمعهم وربما لاستئصالهم درءاً لشرهم؟
ولقد فرق المسلمون دينهم وصاروا شيعاً تعتبر كل فرقة منهم نفسها الطائفة الناجية المنصورة وتكفر من عداها وتأبى أن تعاملهم ولو كأهل الكتاب وتستحل دماءهم وأموالهم وتستبيح سبي نسائهم، وهذا ما فعله الوهابية السلفية في المسلمين في العراق والطائف عندما تمكنوا منهم، وهذا ما فعلته طالبان بأهل السنة الآخرين في أفغانستان، وهذا ما يفعله السلفية في الجزائر والعراق والصومال الآن، وهذا ما كان يتبادل فعله الأتراك السنة مع الفرس الشيعة، ولقد امتلأت جبال الجزائر بأطفال من سبوهم من نساء المسلمين، فماذا يكون مطلوباً من دولة محسوبة على الإسلام إذا رأت نفسها مهددة بأمثال هؤلاء؟ وبافتراض أن هؤلاء تمكنوا بالفعل من القضاء على غير المسلمين وإخضاعهم ألن يستديروا من بعد إلى من لا يتبع مذاهبهم من المسلمين؟ وإذا ما تمكنوا من إخضاع العالم كله ألن يظهر من بعدهم من سيرميهم بالتهاون في بعض أمور الدين ويكفرهم ويستبيح دماءهم وأموالهم؟ وهل سيتركهم الله تعالى ليسعوا في الأرض فسادا؟
إن محدثي المذاهب ورجال الكهنوت قد تولوا صياغة الدين ليسمح للسلاطين بالاعتداء على الشعوب الأخرى للاستيلاء على أموالهم ولجلب المزيد من الجواري الحسان إلى قصورهم، فهل كان جهاد الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ والذين معه من السابقين الأولين في سبيل أن يتولى الأمرَ الأمويون والعباسيون ليملئوا قصورهم بالعبيد والحور العين وليأكلوا أموال الناس بالباطل؟ لقد جهل رجال الكهنوت أن ما أقدموا عليه من مخالفة للأوامر والسنن الإلهية لا بد له من آثار تحيق بهم وبالأمة من بعدهم، والمسلمون الآن يدفعون ثمن ما فعله أسلافهم طالما ظلوا متمسكين بما ألفوا عليه آباءهم.
*******
إن المؤمنين مخيرون بين أمرين بخصوص الأسرى إما المن وإما الفداء، فلا مجال لاسترقاق الأسرى، ولم يسترق المسلمون أياً من الأسرى حتى في غزوة خيبر، أما ما حدث في غزوة حنين فهو أن قائد هوازن اصطحب النساء والأطفال إلى المعركة فلما هزم وفر هو وجنوده وقع هؤلاء في أيدي المسلمين ولم يكن ثمة عائل لهم، فحكم هؤلاء مفوض إلى أولي الأمر من المؤمنين، وهذا ينطبق فقط على من خرج إلي ميدان القتال من النساء والأطفال ولا ينطبق على من ظل في بيته، أما من ظل في بيته ولم يقاتل فله كافة حقوقه كإنسان مكرم ومستخلف في الأرض.
فحكم الأسرى هو إطلاق سراحهم منَّـاً أو مقابل فدية، وأولو الأمر مفوضون في الاختيار، فلا يجوز استرقاق أسير إلا بحكم الاضطرار، وما ورد في بعض الآثار من استرقاق الأسرى أحيانا فكان نظراً للظروف التاريخية الخاصة والمعلومة كما حدث مع ذراري بنى قريظة، فالذي حكم بذلك فيهم هو من اختاروه بأنفسهم وارتضوه حكما وهو حليفهم القديم سعد بن معاذ، ولم يكن ثمة سبيل آخر بعد أن قتل رجالهم في القتال أو بسبب جرائمهم ونقضهم الحلف وانضمامهم إلى الأعداء في حالة حرب بل في حالة مدينة محاصرة ومهددة بالإبادة التامة، وهذا يفوق ما هو معروف الآن بالخيانة العظمي، ولقد تعرضت قصة بني قريظة إلى تحريف وتهويل خطير، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أجلّ بكثير مما حاولوا إلصاقه به.
أما هوازن فلقد اصطحبوا نساءهم وذراريهم إلى قلب المعركة ثم هزموا وفروا عنهم تاركين إياهم فصار حكمهم بذلك حكم غنائم الحرب لا حكم الأسرى، ولو تركوهم في بيوتهم لما نال أحد منهم شيئا، ومع ذلك فلقد انتهى الأمر إلى إطلاق سراحهم، أما ما حدث من تجاوزات ومخالفات أثناء قمع المرتدين ومانعي الزكاة وأثناء الفتوحات فإنما يسأل عنها من اقترفها ولا يتحمل الإسلام وزرها، ومن الجدير بالذكر أن كثيرا ممن شارك في تلك الحروب كانوا حديثي عهد بالإسلام ولم يصحبوا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفترة الكافية لتعليمهم وتزكية أنفسهم، ولقد اعترض على مسلكهم بعض أكابر السابقين الأولين، ولكن يجب العلم أن للاضطرار أحكامه الخاصة.
*******
إن حكم القرءان في الأسري هو بين وواضح وهو إطلاق سراحهم منا أو مقابل فدية، وأولو الأمر مفوضون في اختيار أحد الأمرين، أما ما حدث من استرقاق أحيانا فإنما كان لظروف خاصة معلومة كما حدث مع ذراري بنى قريظة بعد أن قتل رجالها بسبب الخيانة العظمى التي ارتكبوها والتي عرضت المسلمين لخطر الإبادة، وبالتالي لم يعد للذراري والنساء من عائل، أما هوازن فلقد اصطحبوا نساءهم إلي قلب المعركة ثم فروا وتركوهم فصاروا من غنائم الحرب، ولو تركوهم في بيوتهم لما نال منهم أحد شيئاً، ومع ذلك فلقد انتهى الأمر إلي إطلاق سراحهم، ومع ذلك يجب العلم بأن لقوم كل رسول أحكام خاصة لا يجوز تعميمها، فلا خيار لقوم رسول جاءهم من أنفسهم وخاطبهم بلسانهم وأقام عليهم الحجج، فلابد من نجاة وانتصار من آمن من قوم الرسول ولابد من هلاك من تصدى له وشاقَّه إما بآية كونية وإما بسيوف من آمن، وتلك هي السنة التي قد خلت من قبل ولا تبديل لها، أما الآن فإن الحكم هو للرسالة العالمية التي حملها الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للعالمين والتي يتضمنها القرءان الكريم وهي رسالة رحمة وتسامح ولا إكراه فيها فيما يتعلق بالدين.
*******
والأمر بضرب الرقاب عند لقاء الذين كفروا يوضح النهج القرءاني، فإن هذا الضرب بالطبع لا يكون إلا في ميدان المعركة بعد اكتمال شروط القتال اللازمة والتي أوضحتها آيات أخرى، فهذا ليس بأمر مطلق لكل مؤمن لقي من يعده هو كافراً ولو في عرض الطريق مثلا، والآية تتحدث بوضوح عن حرب مستعرة وقائمة: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}.
فيجب تدبر آيات الكتاب والتفقه فيها وتدبر السياق، كما يجب ألا يقيد القرءان بالفهم الحرفي الدارج لبعض البدو الدمويين المتعصبين.
ويهاجم بعض المتبولسين الإسلام لتضمنه أمراً بضرب الرقاب أثناء المعركة، فماذا يريد هؤلاء من دين أُنزل ليعمل الناس به وليس ليتشدقوا بآياته مع الحرص التام على عدم الالتزام بها؟ وماذا يفعل جندي يواجه عدوه في ميدان القتال؟ هل يلقي سلاحه ويعانقه مثلا؟ إن القتال قد كُتب على المسلمين وهو كره لهم، ولكنه في أحيان كثيرة يصبح الخيار الوحيد لتأديب المعتدين الغاصبين.
*******
إنه يجب العلم بأنه طالما كان ثمة نص قرءاني قطعي الدلالة يتضمن حكماً بخصوص أمرٍ ما فإنه لا يجوز مجرد البحث عن حكم آخر فيما هو دونه، هذا فضلاً عن أنه لا علم لأحد بكل الظروف والملابسات التي صاحبت الوقائع والأحداث في العصر النبوي، ولقد اتهم مالكُ بن أنس ابنَ اسحاق -وإليه ترجع أصول ما لدى الناس من السيرة- بأنه دجال الدجاجلة، أما ابن حنبل فقد قال إن المغازي لا أصل لها مثلها مثل الملاحم والتفسير، فكيف يوثق بما لدي الناس مما يتعلق بكل ذلك؟ إن جل المرويات وخاصة تلك المتعلقة بأكثر وقائع السيرة هي ظنية وهي في ذاتها بحاجة إلى إثبات من القرءان أو مما أحال الناس إليه من آيات الآفاق والأنفس.
*******
إنه بمقتضي سبق قضائه سبحانه بختم النبوة وإتمام استخلاف الإنسان في الأرض فلقد كان يترك عباده ليتدبروا أمرهم وليجتهدوا، لذلك فإنه إذا كان ثمة نص صريح في الكتاب بخصوص أمر ما فعلي المؤمن الاكتفاء التام به، وليس له أن يشغل نفسه أو يشغل غيره بما هو من دونه، والآية 4 تبين بطريقة قطعية حكم الأسري من الكفار دون غيرهم، أما الحكم علي غير الكفار من الأسري كالمشركين مثلاً فهو مفوض إلي أولي الأمر ولكن ليس لهم أن يتعدوا الحكم الصادر علي الأسير الكافر.
*******
من نوادر المجتهدين الجدد أنهم يحاولون إلغاء مضمون هذه الآية:
{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لاَنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُم} [محمد:4]
ورغم أن الآية واضحة، بل شديدة الوضوح، فهم يرون أنها تجرح مشاعر الكفار المعتدين أثناء المعركة!!! لذلك فبعضهم يجعل ضرب الرقاب تعني فصل الأسرى، وبعضهم يقول إن "ضرب" لا تعني "ضرب" وإنما تعني أي شيء آخر مثل "التطنيش" مثلا أي الإعراض عنهم، أما "أَثْخَنتُمُوهُمْ" فقد جعلوها تعني "الإثخان في الأسرى" بمعنى الاستكثار منهم.
ويقولون إنهم بذلك يجعلون الإسلام أكثر إنسانية ويتحررون من "دين قريش"!!!!
ويوما ما سيأتي مجمج ضخم يتفوق على كل ما هو متوفر الآن من مجاميج ليثبت أن الآية تعني أنه عندما تلقى الكفار في ميدان المعركة فيجب أن تمطرهم بالقبلات وأن تقذفهم بالورود وأن تتقبل أن يذبحوك وأنت راضٍ قرير العين!!!!!!!!!!!!!
المقصود هنا هو أنه في ميدان المعركة يجب الاستبسال في قتال المشركين والإثخان في ذلك، والأمر بضرب الرقاب هو الأمر بقتل هؤلاء الكفار المعتدين ولتهويل أمر هذا القتل في القتال المتلاحم، وفى هذه العبارة من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل، لما فيها من تصوير القتل بأشنع صورة، وأنت مطالب بأن تحرص على ضرب رقاب أعدائك –أي على قتلهم- في ميدان القتال، ولست مطالبا بالضرورة بقطع أعناقهم، والتعبير بضرب الرقاب في ميدان القتال هو الأسلم، أما قطع العنق فيمكن أن يحدث لمن لا يقاتل وقد أُسلم للقصاص مثلا، فالمقصود هو أنه في ميدان المعركة يجب أن تخوض القتال بكل قوة وأن تضرب جنوده في مقتل وأن تكون حريصا على إيقاع أكبر قدر من الخسائر البشرية بعدوك قبل أن تفكر في أخذ الأسرى.
ومن المعلوم بالطبع أن هذا القتال لن يحدث من ناحية المؤمنين إلا إذا تحققت كافة الشروط الشرعية، وكلها عادلة وإنسانية.
ومن المعلوم أيضاً أن المسلمين تعرضوا للتأنيب الشديد والتهديد بالعذاب الأليم عندما قصَّروا في القتال في بدر وانشغلوا عن ذلك بأخذ الأسرى طمعا في عرض الدنيا، قال تعالى:
{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)} الأنفال.
ويقولون إن ضرب الرقبة ليس هو ضرب العنق، "الرَقَبَةُ" هي مؤخَّرُ أصلِ العنقِ؛ والجمع رَقَبُ ورَقَباتٌ ورِقابٌ، والاستعمال المجازي للكلمة لا يُلغي معناها الأصلي، وضرب "مؤخَّرُ أصلِ العنقِ" هو ضرب للعنق، والمقصود تحري إلحاق أبلغ الضرر بالعدو وقتله قتلا شنيعا في بداية المعركة لإلقاء الرعب في جنوده حتى ينهزموا، وعندها فقط يمكن أخذ الأسرى.
ويبدو أن من يحاولون القول بأن ضرب الرقاب لا تعني ضرب الأعناق يجهلون أنه قد ورد الأمران في القرءان؛ أي الأمر بضرب الأعناق، والأمر بضرب الرقاب، قال تعالى:
{إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَان} [الأنفال:12]، {فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ...} القتال 4
و"الرَقَبَةُ" هي مؤخَّرُ أصلِ العنقِ؛ وضرب الرقاب يعني ضرب الأعناق بالضرورة!
*******
وقوله تعالى: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} يبين شيئا عن المقاصد الوجودية، فابتلاء بعض الناس ببعض هو من وسائل تزكية النفوس والظهور التفصيلي للكمال الإلهي المطلق، والآية تبين أن حسم الأمر مع من رفضوا رسالة الرسول لن يكون بآية كونية مثلما كان يحدث من قبل وإنما بالقتال بين من آمنوا وبين من كفروا، وفي ذلك بشرى معجلة بالنصر النهائي للمؤمنين، فلابد دائما من نجاة وانتصار المؤمنين:
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين} [الروم:47].
والآيات تشير إلى الحياة البرزخية لمن قُتلوا في سبيل الله، وهي حياة حقيقية، تكاد تكون حسية، وعندما سيدخلون الجنة في اليوم الآخر سيكون لديهم علم مسبق بأحوالها.



هناك تعليق واحد: