الاثنين، 16 مارس 2015

الركن الرابع (ج1)

الركن الرابع (ج1)

إقامةُ ودعمُ وترسيخ صلةٍ وثيقةٍ بالله وعلاقةٍ حميمةٍ معه

من أركان الدين الجوهرية العمل على إقامة ودعم وترسيخ صلة وثيقة بالله تعالي وعلاقة حميمة معه سبحانه، وهذا الركن يقتضي الإسلام لله وإسلام الوجه لله والولاء لله والإخلاص لله والتوبة والإنابة والقنوت والإخبات إلي الله وحب الله وتقوى الله وذكر الله والاعتصام به والتوكل عليه وتفويضَ الأمر إليه وإجلالَه وتعظيم قدره والاستعانةَ به والاستعاذةَ به والتسبيح له والفرار إليه والشكرَ له واتخاذَه ولياً والعمل لإعلاء كلمته والإقرار بنعمته واستغفاره.
فهذا الركن يستلزم من الإنسان القيام بكل ما يجعله جديرا بحب الله وبمعيته الخاصة.
*******
إن من يقرأ القرءان بعناية وتدبر يجد أن ركن هذا الدين الركين هو العمل على إقامة صلة وثيقة بالله تعالي وعلاقة حميمة معه سبحانه والعمل على دعمهما وترسيخها، ويتضمن ذلك عدة أركان فرعية هامة على رأسها العلم بما ذكره الله عن نفسه في كتابه من أسمائه وشؤونه وسننه والتوبة إلي الله والإنابة إلي الله والولاء لله والإخلاص لله وحب الله والتحقق بتقوى الله والاعتصام به والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه والقنوت إليه والاستعانة به والاستعاذة به من الشيطان ومن كل شر، فيجب أن تكون لله تعالى المكانة العظمي في الكيان الجوهري للإنسان.
والتوبة تكون من كل مظاهر النقص الإنساني ومقتضياته فيفر منها الإنسان إلي ربه، والتحقق بتقوى الله يعنى أن يتحلى الإنسان بمقتضيات تحققه بذكر الله فيحبه ويجله ويوقره ويخشاه ولا يتعدى حدوده، فالتقوى هي جماع مقتضيات الإحساس القلبي الصادق بالحضور الإلهي، والتقوى هي ثمرة الأركان السابقة وكذلك هي ما ينتج عن التحقق بذكر الله، والاعتصام بالله يعني أن يتخذ المؤمن منه ملاذا ومولي ونصيرا ويتمسك بكل ما أمره به، وهذا يقتضى الاعتصام بحبله وهو القرءان الكريم، فيجب أن يتحلى المؤمن باليقين بأنه يستند إلي ركن ركين هو تأييد ونصر رب العالمين، والتوكل على الله يقتضي تفويض الأمر إليه والفرار إليه والاعتماد علي حوله وقوته، وهذه صفات تقتضي أفعالا وكلها من لوازم القيام بحقوق الأسماء الحسني، ومن ذلك الفرح بفضل الله تعالى ورحمته، الاستعاذة بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، الاستعاذة بالله السميع البصير من شر الناس، ألا يوالى أعداء الله، أن يتخذ الشيطان عدوا، والاستعاذة ليست بمجرد التلفظ بعبارة وإنما هي حالة وجدانية يعمل الإنسان علي اكتسابها والتحقق بها وما التلفظ بعبارات الاستعاذة إلا وسيلة للتحقق بتلك الحالة، فالعلاقة بين الإنسان وربه تتضمن صفات يجب أن يعمل الإنسان على اكتسابها وتقتضي منه أعمالاً وأنماطاً سلوكية تؤدي إلي ترسيخ وتقوية تلك الصفات.
ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن اتخاذ أرباب من دون الله والركون إلى غير الله والاعتصام بما هو من دون كتابه من الكتب والمذاهب وكراهية ما أنزل الله وتعدي حدود الله وألا يقيم الإنسان وزناً لأوامر الله ونواهيه، ومن لوازم هذا الركن المبادرة بالتوبة والاستغفار كلما صدر عن الإنسان معصية، وكل ما يصدر عن الإنسان ينبغي أن يصطبغ بتقوى الله، وهذا الركن هو من أركان الدين الجوهرية، وهو من الأركان الأعظم والأبقى.
*******
إن المعنى الشامل لإقامة الصلاة تتبع واتباع الأوامر الإلهية لتوثيق الصلات بالله تعالى، فهي تعني اتخاذ الله تعالى ممثلاً في كتابه إماما.
والصلاة هي الاسم الجامع لكل ما أمر الله به أن يوصل، فهي جماع الصلات التي اقتضتها وارتضتها الأسماء الإلهية بين الناس وربهم وبين الناس وبين بعضهم البعض وبينهم وبين غيرهم من الكائنات، والأمر موجه للإنسان بإقامتها لأنه حامل للأمانة، فلابد أن تكون البداية منه.
إن الله هو خير وأبقى، لذلك فإن إقامة صلة وثيقة بالله هي خير الصلاة؛ فهي الصلاة الوسطى التي أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يحافظوا عليها وهي تقتضي أن يقوم الإنسان لربه قانتا، وهي خير الصلاة لأنها من الصلاة المعلومة بمثابة المقصد منها، فركن أركان الدين أن يقيم الإنسان صلة وثيقة بربه وأن يعمل على تنمية ودعم وترسيخ تلك الصلة، وأهمية الصلاة المعلومة أنها تجسيد وتعبير عن السعي الرسمي للإنسان للقيام بهذا الركن بطريقة بيِّنة ظاهرة.
وقد يعبر عن الصلاة بلوازمها وتفاصيلها كالدعاء، والصلاة كعلاقة بين طرفين تكون من الجانب الأعلى بمعني الالتزام الاختياري بالنصر والدعم والرحمة والتأييد والاصطفاء وتكون من الجانب الأدنى بمعني الولاء والالتزام بالأوامر والدعاء والعمل والتمسك بكل ما يقوي ويدعم الصلة.
*******
إن التوجه إلي الله سبحانه باعتباره الملجأ والملاذ والسند هو حاجة وجدانية بقدر ما هو ضرورة منطقية، وما أشبه من يجحد وجود ربه أو من يعرض عنه بمن ترك البيت الوثير الدافئ ليحيى في غابة موحشة ذات ليل قاس عاصف مطير لا ضوء ولا دفء فيها، إنه يجب أن يعتصم الإنسان بربه كما يلوذ الطفل الصغير بأمه، ويجب أن يعلم أنه حتى إن نسيته أمه فإن ربه وخالقه لن ينساه.
يجب أن تكون لصلة الإنسان بربه الأولوية العظمي على كل ما عدا ذلك، فلا يجوز أن يشكو الخالق إلى مخلوقاته ولا الملك إلي عبيده، ولا يجوز أن يشكو من يرحم إلى من لا يرحم، ولا من له كل الكمال الذاتي المطلق إلى من ليس له من ذاته إلا العدم المحض، إن الصلة الوثيقة برب العالمين هي أثمن ما لدي الإنسان وأفضل ما يجب أن يحافظ عليه وأن ينميه.
إن الله سبحانه ليس بمعزل عن خلقه، بل له من الصلات بهم ما يليق بذاته وما يتناسب مع درجة رقي كياناتهم الجوهرية، فهو يصلي عليهم ليخرجهم من الظلمات إلي النور، وتلك هي صلاته العامة، وله صلاته الخاصة على من آمن به واتبع هداه ولاذ بجنابه من عباده، وهذه الصلوات لا تقيِّده، وإنما هي من مجالات ممارسته لمقتضيات أسمائه.
إن العلاقة بين الإنسان وبين ربه هي علاقة أشد خصوصية وأشمل وأعمق من العلاقة بين الإنسان من ناحية وبين أمه وأبيه وزوجته وأبنائه ورؤسائه من ناحية أخرى، فهل يقبل الإنسان أن يتطفل أحد علي العلاقة بينه وبين أيٍّ من هؤلاء، وبالمثل لا يجوز للإنسان أن يسمح لكهنوتي ولا لغيره أن يتطفل علي العلاقة بينه وبين ربه، إن الله تعالى أقرب إلى كل إنسان من نفسه، وهو أولى به من نفسه فكيف يقبل إنسان لمن هو من دونه أن يقحم نفسه بينه وبين ربه، وكيف يتخذ الإنسان ولياً من دونه، وليس لإنسان أن يسمح لأي اهتمام بشأن خاصٍّ أو عام أن يشغله عن روح حياته وسر ذاته.
إن كل ما يراه الإنسان من حوله أو ما ينبع من داخله أو ما يجول في باطنه كذلك كل ما يسمع ويري أو ما يصدر عنه أو عن غيره من أفعال أو أقوال أو ما يواجهه من وقائع أو أحداث أو ما يصل إليه من عطية أو بلية أو نعمة أو نقمة أو سعادة أو شقاء كذلك كل ما يري من جمال أو يسمع من نغم عذب أو شعر رائق أو ما يري من منظر بهي أو شكل جميل وكذلك كل ما يصل إلى علمه من قانون كوني أو سنة طبيعية أو علم مبهر كل ذلك من آثار تجليات الأسماء الإلهية فينبغي أن يتلقاها بالأدب الشرعي اللائق، فإن رأي جمالاً فيجب أن يري ذلك الجمال من الله وبالله ولله، وإن علم قانونا كونيا فليعلم أنه من إبداع الله، وإن يأته رزق فإنه يجب أن يراه آتيا من الله؛ فعليه أن يلهج بشكره والثناء عليه وكذلك يجب أن يفعل إن أتته نعمة أو صدرت عنه طاعة، وإذا رأي أن أحداً قد فُضِّل عليه بشيء أو رأى رزقاً قد أتي إلي شخص آخر فحذار من الاعتراض بدون وجه حق وقد علم أن الأمر كله لله وأنه المنفرد بالألوهية يعطي من يشاء ويرزق من يشاء، والمشيئة هي جماع قوانينه وسننه التي هي مقتضيات أسمائه، ولا يحيط الإنسان بشيء من ذلك علماً فعليه ألا يرجح جهله العدمي علي العلم المحيط الشامل الوجودي.
ولا يجوز للإنسان أن يبدد طاقاته فيما سيعود حتماً بالوبال عليه أو فيما لا جدوى منه، وعلي كل إنسان أن يقوم بما هو منوط به حتى يحقق مقاصد الدين وحتى يتحقق بكماله المنشود دون أن يحفل بما يصادفه من عقبات في الطريق، فبافتراض أن ثمة سباقاً للعدو في طريق غير ممهد، فمن يريد الفوز لا يضيع وقته في الاعتراض علي شكل الطريق أو في الاحتجاج علي ما فيه من عقبات أو في تمني أن يكون الطريق أفضل حالا بل هو ينطلق ويمضي قدما في طريقه محاولا التغلب علي ما يواجهه من عقبات أو أن يتجنبها وواضعاً نصب عينيه ضرورة إنجاز ما هو منوط به لا يلتفت أبداً إلي الخلف بل ينظر دائما إلي الأمام وإذا ما تعثر فإنه لا يجلس ليندب حظه ولكنه يبادر بالقيام ومتابعة العدو عالما بأنه لا مفر له من اجتياز الطريق، فهكذا الأمر.
ولكل إنسان في هذه الحياة طريقه الخاص به والذي لابد له من سلوكه واجتيازه بل إن لاختياراته وأفعاله دخلا في صياغة وتعيين وتحديد طريقه، ولقد أعد له ربه في هذا الطريق كل ما من شأنه أن يخرج خبء نفسه وأن يحقق إمكاناته حتى يتحقق بكماله المنشود، ولابد من تقاطع وتداخل طريق هذا الإنسان مع طرق كثير من الناس، وقد يعترض أحدهم طريقه فيصب جام غضبه عليه ويركز عليه عدوانه وكراهيته، وفي الحقيقة ما كان هذا الإنسان إلا آلة بيد خالقه، فهو الذي يبتلي هذا بذاك ويدبِّر الأمر ويفصِّل الآيات وليحقق مقاصده الوجودية وليخرج الخبء في الأرض والسماوات، لذلك يجب علي الإنسان ألا يضيع وقته ومجهوده في معارك مع الأدوات والأشباح وليتوجه رأساً إلي من بيده أمر كل شيء وملكوت كل شيء.
ولما كانت الحياة حافلة بما لا نهاية له من الأنماط البشرية بحيث لو حاول إنسانٌ ما أن يضع قواعد وأسس لمعاملة كل نمط من تلك الأنماط لأضاع أضعاف عمره فإن الدين جاء رحمة للخلق وتضمن من المبادئ والأسس والموازين ما يهتدون به في ظلمات البر والبحر.
أما الأساس الأعظم الذي يغني الإنسان عن تتبع ما لا حصر له من الجزئيات والذي هو لكل داء خير الدواء فهو في أن يقيم الإنسان صلة وثيقة بربه وأن يعمل دائماً علي دعمها وترسيخها بأن يذكر دائما ربه بقلبه وأن يملأه بحبه وأن يسبح بحمده وأن يتغنى بذكره وأن يشدو بجماله وأن يسجد لحسنه وجلاله وان يراه محيطاً بكل شيء قاهراً فوق كل شيء، فالمتحقق بذلك ينعم بالقرب الإلهي الخاص ويصبح كل ما يصدر عنه عبادة خالصة لربه ويصبح نوراً يُهتدي به ويتطهر من أهواء نفسه بل يقدمها بعد أن زكاها لربه، فمثل هذا لا يغضب إلا للحق ولا يطالب بأمر إلا بالحق ولا يجاهد إلا بالحق في الحق للحق، أما قبل التحقق بكل ذلك فإن الإنسان علي خطر عظيم وما من فعل أو قول يصدر عنه إلا ولابد من أن يكون مشوباً بأهواء نفسه، ومثل هذا سيرى الأفعال صادرة رأساً من الناس دون أن يري محركهم ومسكنهم وقيومهم الآخذ بنواصيهم، فهو يوقع نفسه في صراع مرير وتصادم مستمر معهم، فمثل هذا سيُستدرج به وسيسلطون عليه، والأسلم لذلك الإنسان أن يوطن نفسه علي رؤية الأمور كما هي وأن يبرأ من حوله وقوته إلي حول الله وقوته وألا يرتاب في حتمية تحقق العدل المطلق وأن يصبر صبرا جميلا حتى يري الحكمة السارية في كل شيء.
إنه على الإنسان أن يتجه إلي الله سبحانه في كل ما يأمله ويريده وعليه ألا يغفل قط عن ذكر ربه وأن يعلم أن من هم من دون الله ليسوا بالنسبة إليه إلا آلاته ومظاهر ومقتضيات أسمائه التي يفعل بها في حق ذلك الإنسان ما يريد به ويظهر له من خلالهم ما يريد أن يتجلى به عليه فكيف ينشغل الإنسان بهم عمن هو آخذ بنواصيهم والمصرف لهم والمتصرف بهم؟
إن المسلم الذي يقيم صلة وثيقة بالله تعالي ويعمل دائما علي دعمها وترسيخها وتنميتها لا تهزُّه الأمور الجزئية ولا الأحداث العابرة اليومية ولا يعكر صفوه أفعال الناس وتقلباتهم ولا تصيبه رغبات دنيوية ولا تضعضعه البلايا أو المصائب ولا يتهاوى أمام ضربات المحن ولا تحركه الأطماع ولا تشتته المتناقضات ولا تفتنه الظواهر، وإنما يفيد من كل ذلك في دعم وتوثيق صلته بربه.
إن المعرفة الوثيقة بالله تعالى هي التي تبدل سيئات المرء حسنات، وتلك المعرفة هي السعادة الحقة، أما متاع الدنيا ولذاتها من حيث هي؛ فهي جدّ محدودة، وإنما ينتج شقاء الإنسان من محاولته أن يستخرج منها أكثر مما أودع فيها وأن يمد نطاقها وأن يطيل أمدها، وهو بسعيه هذا إنما يحاول أن يحقق ما هو بالضرورة مستحيل، فهو بذلك يجلب الشقاء علي نفسه وعلي غيره، أما العلم بالله تعالى فهو الإكسير الذي كان يبحث عنه الفلاسفة، فهو الذي يحول المعدن الخسيس إلي معدن نفيس، وهو الذي يحقق للإنسان السعادة ويطيل أمد ويوسع نطاق لذاته الحقيقية حسية كانت أم معنوية بل يحقق له اللذة الخالصة التي لا يشوبها نقص أو ألم، إن الصلة الوثيقة بالله تعالى هي الأمن الدائم والفرح المتجدد.
ومن لوازم القيام بهذا الركن العلم بالله تعالى كما تكلم عن نفسه في القرءان، فيجب العلم بأسمائه الحسنى وشؤونه وقيمه وسننه المذكورة فيه، وهذا ما يقدمه الركن الأول الذي هو أساس أركان الدين.
*******
إن الله مع علوه المطلق هو قريب من عباده القرب المطلق، ولا يكون ذلك إلا له، فليس بينه وبين عباده ما يمنعهم من مناجاته واللجوء إليه وطلب الحاجة منه مباشرة، وهو الآخذ بنواصي كل الناس وبيده مقاليد السماوات والأرض وعنده مفاتح الغيب، فما الذي يضطر الإنسان إلى اللجوء لغيره من الأحياء أو الأموات يتوسل بهم ويدعوهم ليشفعوا له عند الله ويسألهم مالا يملكون ويطلب منهم ما لا يقدرون عليه؟ إنه يجب على الإنسان ذي الهمة العالية أن يوطن نفسه على أن يلجأ إلى ربه مباشرة وأن يتوسل إليه التوسل المشروع وذلك بالتقرب إليه بالطاعات والتوسل إليه بالأعمال الصالحة والتوجه إليه بالدعاء بأسمائه الحسنى وسماته العليا، أما إذا ما اضطر الإنسان إلى طلب حاجة ممن هم من دون ربه فليطلبها وهو مستحضر استحضاراً تاماً أن من طلب منه ليس إلا أداة بيد الله يصرفها كيف يشاء ويستعملها فيما يريد، ولا حرج في أن يطلب الإنسان من إنسان آخر شيئاً ما عملاً بمقتضى السنن الإلهية أو إدراكاً منه مثلاً لأنه ذو صلة أوثق بربه، ولا فرق هاهنا بين أن يكون من يطلب منه ما يريد حياً أو ميتاً، فكم من إنسان يظنه الناس ميتاً وهو حي عند ربه يرزق قد أورثه الله الأرض يتبوأ من الجنة حيث يشاء.
إنه إلى الله المرجع والمآل لأن لديه كان الأصل والبداية، والله هو القريب الأدنى في عين كونه البعيد الأعلى، فمنه ولديه الأمن والفرح المتجدد والنعيم الدائم والسعادة الحقيقية، فهو الصاحب والصديق والرب والوكيل.
------------
إنه طالما ظل الإنسان حياً على الأرض يسعى فكيانه الجوهري عرضة للتغير وفقاً لآثار أعماله، ولذلك فان المؤمن الحقيقي يتحلى بالتقوى فيخشى ربه ويطلب منه العون على نفسه ويلوذ به طالباً الحماية من تقلبات الأمور والأحوال.
------------
إن شهادة الله تعالى هي الشهادة الأولى والأجدر بالاعتبار مهما تناقضت مع ما ألفه الإنسان أو أدانت أحب الناس إليه، ذلك لأنها هي الحقيقة الكاملة التامة، وكل ما هو في القرءان هو شهادات منه سبحانه يجب إجلالها والأخذ بها دون قيد أو شرط.
------------
إنه لمعرفة الإله الأعظم وللتقرب منه فإن الشرط اللازم هو التحلي بالحب الحقيقي له المستند إلي علم بما ذكره عن نفسه في كتابه العزيز وإدراك لسموه المطلق على كل التصورات، فالحب الحقيقي يكون بجماع الملكات القلبية الذهنية والوجدانية.
إن المؤمن الصادق هو من يتوق شوقاً إلى معرفة ربه وإقامة صلة وثيقة به يجد آثارها في قلبه ومن يجعل أسماءه دائماً نصب عينه ومن يتوجه إليه بكله ومن يسعى بكل قواه إلى التحقق بقربه؛ فهو يحبه ويرجو رضاه ويغضب له ويجعل مكانة كل إنسان عنده بقدر إجلال هذا الإنسان لربه، ولا يقيم وزنا لمن يراه يتقول عليه أو يخطئ في حقه أو لا يبالي به.
------------
إن الأمر الذي هو لكل داء خير الدواء هو أن يقيم الإنسان صلة وثيقة بربه وأن يعمل دائماً علي دعمها وترسيخها بأن يذكر دائما ربه بقلبه وأن يملأه بحبه وأن يسبح بحمده وأن يتغنى بذكره وأن يشدو بجماله وحسنه وأن يسجد لعزته ومجده وجلاله وان يراه محيطاً بكل شيء قاهراً فوق كل شيء حاضرا لا يخفى عليه شيء.
------------
إن القرب من الله تعالي يكون بالتحقق بالصفات التي أثني عليها وعلى المتصف بها ووعده وعدا حسنا أو ذكرها كصفات للمصطفين الأخيار من عباده أو بشَّر من اتصف بها بالجنة، فهو ليس بقرب مكاني أو زماني لإحاطته سبحانه بالزمان وبالمكان الإحاطة المطلقة؛ فكلهم من حيث الزمان والمكان بالنسبة إليه سواء.
------------
إن سبيل والسعادة النجاة هو في الاعتصام الحقيقي بالله تعالي والثقة التامة به والتوكل عليه ودوام التفكير في أسمائه وآلائه ونعمائه وذكر أسمائه وتدبر آيات كتابه وفقه سننه، وبذلك يتحرر الإنسان من قيود نفسه ويضع عنها ثقل أوزاره، فيجب أن يثق الإنسان بربه وفي فعاليته التامة وعنايته بعباده ورأفته بهم وتودده إليهم واستجابته لتوسلاتهم.
------------
إن روح الإنسان وحقيقة وجوده هي في الارتباط بربه، وكلما تأكد هذا الارتباط وازداد كلما ترسخت حقيقة الإنسان وتأكدت وكلما ازداد تحققه بكماله وتحقيقه الغاية الشرعية من وجوده وكلما أصبحت حياته أكثر حقانية، وما لدي الإنسان من ملكات قلبية هو استعدادات وإمكانات لابد من ايقاظها وبرمجتها وترسيخها وتزكيتها وتحفيزها والحث الدائم لها لتحقق للإنسان الغايات منها، والرزق الذي تحتاجه ملكات الإنسان العليا لتنمو وتتزكي يأتي عبر توثيق الصلة بالله تعالى، وعن طريق هذه الصلة يؤيده ربه بروح منه فيما هو مستعد له.
*******
بعض الأركان الفرعية لهذا الركن الكبير
الإسلام لله
إن الإسلام هاهنا هو في تمسك الإنسان بما فُطِر عليه من الإقرار لله بأنه رب العالمين والخضوع التام له والانقياد له والإخبات له واتخاذه وليا والعمل بمقتضى ذلك، فالإسلام هو الإذعان والانقياد لله تعالى، قال تعالى:
{إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }البقرة131  *  {أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }آل عمران83  *  {قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ}الأنعام14  *  {فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ }الحج34  *  {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ }الزمر54  *  {قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}غافر66  *  {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم}[البقرة:128] * {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون}[البقرة:136] * {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:80] * {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون}[آل عمران:102] * {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} الأنعام{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِين}[يونس:84] * {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَـؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين}[النحل:89] * {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين}[النحل:102] * {وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُون}[الروم:53] * {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69)} الزخرف * {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)} القلم * {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} [الجن:14] * {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب:35]

ويلاحظ أن الإسلام في آية الأحزاب 35 استعمل للدلالة على مجموعة معينة من الصفات والسلوكيات، وليس بمعنى ذلك الدين المعلوم، وإلا فإن متبع دين الحق يجب أن يكون مؤمنا قانتا صادق صابرا خاشعا متصدقا صائما حافظا لفرجه ذاكرا الله كثيرا، والإسلام بهذا المعنى لا يضاد الإجرام فقط كما يظن بعض المجتهدين الجدد والذين رتبوا على ذلك الضلال الذي لم يسبقهم به أحد من العالمين، وهو القول بأن اليهود والنصارى مسلمون!! فالمسلم الحقيقي مثلا يجب أن يكون القرءان له عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى، والمسلم لا يكون قاسطا (جائرا ظالما)، ولا يتخذ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ فضلا عمن هم دونهم أَرْبَابًا.
*******
إسلام الوجه لله
والإسلام لله هو دين الفطرة وهو الدين القيم، وهو الدين الكامل الخاتم، وأعلي حالاته هو إسلام الوجه لله، وهو يعني أن يكرس الإنسان كل كيانه وكل قوى وجوده لله رب العالمين وأن يعبده بإخلاص تام، فهذا يقتضي أن يجعل الإنسان ربه وجهته ومقصده وغاية رغبته، قال تعالى:
{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}البقرة112  *  {فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }آل عمران20 {وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }النساء125 {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}لقمان22.
*******
الاعتصام بالله
إن الاعتصام بالله هو السبيل الوحيد للنجاة والاهتداء والفوز بالسعادة الحقيقية؛ ذلك لأن الله هو العاصم الحقيقي ولا عاصم لأحد من أمره، وكل كيان إنساني بدءاً من الفرد وانتهاءاً بالأمة ملزم بهذا الاعتصام.
والاعتصام بالله تعالى يعني أن يتخذ المؤمن منه ملاذا ومولي ونصيرا وأن يركن إليه وأن يتشبث به وأن يتمسك بكل ما أمره به، وهذا يقتضي الاعتصام بحبله وهو القرءان الكريم، وهذا أيضاً من لوازم القيام بأركان عديدة، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن الركون إلي غير الله تعالي والاعتماد عليه والاعتصام بما هو من دون كتابه من الكتب والمذاهب.
إن الاعتصام بالله هو أمر وجداني عرفاني يجب أن يتحلى به المرء ولابد من أن يستحضره دائماً في نفسه وهو كنز للإنسان يستطيع أن يستمد منه ومعين لا ينضب من الممكن دائما أن يرتوي منه وركن شديد يمكن للإنسان أن يأوي دائما إليه، إن الاعتصام بالله هو عين الاهتداء إلى الصراط المستقيم، ومن اعتصم بالله فقد دخل في رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ.
والاعتصام بحبل الله هو التشبث بكل ما جعله الله وسيلة إليه وليحاولوا بذلك الارتفاع إليه، وحبل الله الأعظم هو كتابه الأكرم.
قال تعالى:
{وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }آل عمران101  *  {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }آل عمران103  *  {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً }النساء146  *  {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }النساء175  *  فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78  *  {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }المائدة67  *  قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ }هود43  *  {قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً }الأحزاب17.
*******
التوبة
إن المبادرة بالتوبة إلي الله هي مقتضي القيام بحقوق أسمائه الحسنى وخاصة منظومة أسماء التوبة ومنها: التواب الرحيم والتواب الحكيم والتواب وقابل التوب، والتوبة تتضمن ندم الإنسان علي خطئه في حق ربه وعزمه علي ألا يعود إلي معصيته مع إقراره بأنه لا حول له ولا قوة إلا بربه، وبالتوبة يحمي الإنسان نفسه من آثار أعماله السيئة التي هي من مقتضيات نقصه ويطفئ غضب ربه ويستجلب رحمته وعفوه، والتوبة هي من مقتضيات ووسائل التحقق بذكر الله وإقامة صلة وثيقة به، وهي تتضمن إقرار الإنسان بما هو له من النقص وبما لربه من الحسن والكمال، وهو بذلك يهيئ نفسه لتلقي الرحمة والتوبة والفضل من ربه، قال تعالى:
{وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة128 * {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }النساء  *  {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }التوبة104 {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}الشورى25  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا}التحريم8 * {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }التوبة112  *  {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}التوبة118  *  {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ }هود3 {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ }هود52  *  {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ }هود61  *  {وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ }هود90  *  وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }النور31.
*******
الإنابة
هي الرجوع بإخلاص وخضوع إلى الله عز وجل والمقترن بالإقرار بأن بيده مقاليد الأمور وبأنه الملجأ والملاذ وبأنه لا مفر منه إلا إليه، فهي توبة من الغفلة ومن الانشغال عن الله بما هو من دونه مقترنة بعقد العزم على طاعته وإسلام الوجه له، وهي مقترنة بالعمل بمقتضى كل ذلك، قال تعالى:
{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ }الزمر54  *  {قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ }الرعد27  *  {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }لقمان15  *  وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ }ص24  *  {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ }الزمر17  *  {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ}هود75  *  {...وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }هود88 * {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }الروم31  *  {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ}سبأ9  *  {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ }غافر13  *  {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }الشورى10  *  اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }الشورى13  *  وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ{7} تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ{8} (ق)  *  وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ{31} هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ{32} مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ{33} (ق) *  
*******
الفرار إلى الله
وعلي المسلم أن يفر إلي ربه من كل ما يشغله عنه، قال تعالى:
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ(50) وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ(51) (الذاريات).
-------
الحب
إن الحب الحقيقي إنما يتعلق بالسمة الإلهية المحكمة التي هي الحسن، وهي السمة المفصلة بكل السمات التي تشير إليها الأسماء الحسنى وبكل ما اقتضته هذه الأسماء، كما أن الحب يتعلق بالجمال الذي هو من مقتضيات اتساق عناصر منظومة الأسماء وتوافقها لكونها من لوازم كيان واحد، وهذا الحب لا يستحقه بالأصالة إلا الإله الذي له الأسماء الحسني، فهذا الحب لا يتعلق إلا بمن له صفات الكمال الباقية المطلقة وما اقتضته من مظاهر وتجليات جمالية لا تتناهى عددا ولا تتكرر أبدا لكثرتها وللسعة الإلهية والذي يجود علي عبده بنعم لا تعد ولا تحصي، فحق له أن تتعلق به كل الملكات الوجدانية، وكذلك تتعلق الملكات الذهنية بأسمائه التي هي لوازم ذاته وصفاته التي هي لوازم حقيقته وبآياته وقوانينه وسننه والتي هي من مقتضيات كماله.
والحب إنما يتعلق بالأصالة بالجمال الحقيقي وبالتبعية يتعلق بمظاهره ومقتضياته ومنها السنن والقوانين الكونية الطبيعية، إن جمال القوانين الطبيعية أمر قد لاحظه العلماء وفرض نفسه عليهم حتى أن بعض فطاحلهم اشترط وجود الجمال كشرط لصحة القانون الطبيعي الحقيقي، فجمال القوانين يرجع إلى استنادها إلي لأسماء الحسنى ، فلابد من أن يتبدَّى فيها جمالها، إن الظواهر الطبيعية (الآيات الكونية) ومفاهيم الإنسان عنها والقوانين التي تحكمها كل ذلك إنما يستند إلى نفس النسق من الأسماء وهو الأسماء الحسنى، فلا يمكن أن يكون ثمَّة تعارض أو تناقض، والماهية الإنسانية مقدَّرة أساساً للإدراك التفصيلي لتلك القوانين، فذلك الإدراك التفصيلي من مقاصد خلق الإنسان وتعليمه البيان، وبجمال واتساق القوانين والسنن الطبيعية تتعلق الملكات القلبية الذهنية الإنسانية.
لكي يحظى الإنسان بالمحبة الإلهية عليه أن يتصف بالصفات وأن يقوم بالأعمال التي ذكر الله في كتابه أنه يحبها وأن يتجنب ما ذكر أنه لا يحبه
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، اللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً، اللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ.
إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ، إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ، إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ، إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً، اللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، اللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ، اللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ، اللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ، إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ، إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ }البقرة165  *  {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ }البقرة190  *  {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}البقرة195  *  {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}البقرة205  *  إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}البقرة222  *  {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}البقرة276  *  {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}آل عمران31  *  {قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }آل عمران32  *  {وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }آل عمران57  *  {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }آل عمران76  *  {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران134  *  {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }آل عمران140  *  {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ }آل عمران146  *  {فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}آل عمران148  *  فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159  *  {إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }النساء36  *  إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً }النساء107  *  {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً}النساء148  *  فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }المائدة13  *  وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }المائدة42  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }المائدة54  *  كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }المائدة64  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }المائدة87  *  وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }المائدة93  *  كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }الأنعام141  *  {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ }الأعراف31  *  {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }الأعراف55  *  {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ }الأنفال58  *  إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}التوبة4  *  فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }التوبة7  *  لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }التوبة108  *  {لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ }النحل23  *  {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ }الحج38  *  {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }القصص77  *  {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }الروم45  *  {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }لقمان18  *  {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}الشورى40  *  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الحجرات9  *  {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ }الحديد23  *  {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }الممتحنة8  *  {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ }الصف4.
إن خير من عبر عن الحب الوجداني هم بعض أئمة التصوف وعلي رأسهم الشاعر المصري عمر بن الفارض، ولكن يجب الإشارة إلي أنه لا يجوز التعبير عن الحب الإلهي بعبارات حسية يرد فيها ذكر الغواني والخمر وما يتعلق بها، فما أغناه سبحانه عن ذلك، ولقد علم عباده في القرءان كيف يخاطبونه، وأمر بأن يدعوه بأسمائه الحسنى، إن استخدام العبارات الحسية لن يؤدي إلا إلي تغليب الحواس الخيالية علي ما عداها من الحواس القدسية ويبقي السالك بذلك أسير عالم الخيال، إن الثناء علي الله تعالي لا يكون باستخدام عبارات التغزل في النساء والخمر وما أشبه ذلك، إن هذا المسلك قد أدي بمن اتبعه إلي طريق مسدود لضيق العبارات والتشبيهات التي استخدموها ومحدوديتها، أما الطريق الذي بينه الله تعالي لعباده في القرءان فهو أن يثنوا عليه وأن يحمدوه بما ذكره عن نفسه ويكون أيضاً بتدبر آيات الله تعالي والنظر في آياته الكونية ومحاولة إدراك عظمتها بالتعرف علي ما يسري فيها وعليها من السنن الإلهية، وهذا هو الطريق اللامحدود، فكل كشف لقانون والقدرة علي صياغته برموز هو معرفة إلهية جديدة تكشف جانباً من عظمة الإله اللانهائية وتمكن الناس من التعبير عنها بطريقة أفضل، وهذا من لوازم تحقيق المقاصد الوجودية وتفصيل الكمال اللانهائي المطلق.
*******
المعية الخاصة
إن المعية الإلهية الخاصة هي حضور الله تعالى مع عبده بأسماء النصر والتأييد وإصلاح الأمر والاستجابة، وهي تكون لمن اتصف بالإيمان والتقوى والصبر وعمل بمقتضى كل ذلك، قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }البقرة153، {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }البقرة194، {...كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }البقرة249، {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ }الأنفال19، {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال46، {الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال66، {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }التوبة36، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }التوبة123 {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}النحل128، {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ }محمد35
*******
التقوى
إن التقوى هي من أعظم أركان الدين ومقاصده في نفس الوقت، ذلك لأن الحق سبحانه قد جعل التقوى مناط التفاضل والأكرمية عنده، والتقوى هي جماع مقتضيات إحساس الإنسان الصادق بحضور ربه معه بذاته وبمنظومة أسمائه الحسنى ومنها أسماء الرحمة والهدى، وهذا يستلزم منه القيام بمقتضيات ذلك من الالتزام بمنظومات القيم والسنن والأوامر الدينية.
والتقوى من أركان المنظومة الأمرية الرحمانية أي منظومة القيم الإسلامية، والتحقق بالتقوى هو على رأس مقاصد الأوامر القرءانية، وهي من الأهمية بحيث أنها من مقاصد إنزال القرءان وجعله عربياً ومن مقاصد الظواهر الطبيعية والآيات الكونية والأركان دينية، وهي من الأركان الفرعية لهذا الركن ولركن الاستجابة لله ولركن التزكية، والآيات الآتية تبين أهمية التقوى كمقصد:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة21  *  {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة179  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}البقرة183  *  {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}الأنعام153  *  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }البقرة187  *  {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الأنعام51  *  {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}الأنعام69  *  {إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ} يونس6، {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قرءاناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً}طه113  *  {قرءاناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الزمر28
والأمر بالتقوى من أسباب الفوز بالمعية الإلهية الخاصة وهو مستند إلي الأسماء والشؤون الإلهية، والإنسان ملزم بالتحقق بها والعمل بمقتضياتها، قال تعالى:
وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }البقرة194-*-وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}البقرة196-*-وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }البقرة203 -*- وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}البقرة223-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}البقرة231-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }البقرة233-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }البقرة282-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}النساء1-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }المائدة4-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }المائدة7  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المائدة8  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}المائدة96  *  وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}المائدة108  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}الأنفال69 * وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ}الشعراء184  *  وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الحجرات1  *  وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}الحجرات12  *  وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الحشر7 وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}الحشر18  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}المائدة8  *  {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ }المدثر56.
*******
التوكل على الله
التوكل يتضمن إسناد مهام أو أعمال إلى الموكل ليقوم بها نيابة عن موكله وهو يستند إلى ثقة الموكل بالموكل إليه، والتوكل علي الله تعالي مرتبط بحسن الظن به وبالثقة به، فالإنسان مطالب بأن يثق بربه، ومن ذلك أن يعلم أنه قد نبَّأه في كتابه بكل ما يلزمه من معلومات وتوصيات وأوامر وقوانين وسنن وأحكام وكل ما هو كفيل بتحقيق السعادة له في الدنيا والآخرة، وكذلك حذره مما يمكن أن يعرضه للهلاك، فالاعتقاد بأن ثمة أمورا كبري لم يتضمنها الكتاب أو يبينها يندرج تحت سوء الظن بالله تعالي، ومن ذلك اقتراف المعاصي؛ فالعاصي المصر علي معصيته يظن أن ربه يريد حرمانه من الاستمتاع ومن السعادة أو هو ينكر وجود ربه أصلا أو لا يقيم له وزنا.
إن التوكل على الله تعالى وتفويض الأمر إليه والفرار إليه والاعتماد على حوله وقوته من تفاصيل هذا الركن، وهذه صفات تقتضي أفعالا وكلها من لوازم القيام بحقوق الأسماء الحسني، فالتوكل من تفاصيل ولوازم ركن الإيمان بالله تعالي والقيام بمقتضياته.
والتوكل علي الله أمر ديني واجب وفرض لازم وهو ركن فرعي من أركان الدين، وهو من مقتضيات ولوازم الإيمان بالإله الذي له الأسماء الحسني ومن مقتضيات القيام بحقوق تلك الأسماء والتوكل هو من الصفات التي أعلن الله تعالى بكل وضوح أنه يحبها ويحب المتحققين بها، وهو بذلك من لوازم إقامة صلة وثيقة بالله تعالى، ولقد وردت الأوامر الخاصة به في الكتاب بصيغ أقوي وأكثر عددا من تلك الخاصة بالحج والصيام.
ومصطح التوكل يُطلَق على ما يلي:
1-          الحالة القلبية (الوجدانية العرفانية الذهنية) التي تعنى وتتضمن التحقق بالمعرفة اللازمة بالله تعالى وبأسمائه الحسنى وما اقتضته من القوانين والسنن والإيمان واليقين اللازم لكل ذلك، فيؤمن الإنسان بقدرة الله تعالى المطلقة وعلمه الشامل وإحاطته بالأمور ويوقن بأنه هو الذي يدبِّر الأمر ويفصِّل الآيات ويسيِّر أمور الكائنات وأنه ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، فتلك الحالة تتضمن الثقة التامة بالله تعالي وتستلزم أن يفوض الإنسان كل أموره إليه وأن يؤمن بأنه معه يسمع ويرى ويراقب ويرتب الآثار على النتائج ويسير الأمر وفق قوانينه وسننه وأنه لا تبديل ولا تحويل لكلماته.
2-          جماع الآليات والوسائل التي يمكن أن تؤدى إلى اكتساب تلك الحالة الوجدانية والتحقق بها، ولقد فوَّض الله تعالي أمرها إلي الناس لأنها تختلف باختلاف الأشخاص والعصور بل وتختلف باختلاف أحوال نفس الشخص، ومن الآليات الممكنة تكرار ذكر العبارات التي هي بمثابة استجابة للأوامر الإلهية الخاصة بالتوكل، فإذا قال الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} فيردد الإنسان سرا وجهرا العبارة الآتية: (توكلت عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً)، وإذا قال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} يردد الإنسان: (تَوَكَّلْت عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) مع الحضور القلبي والتركيز واستحضار كافة المعاني اللازمة لهذا القول وأن يتأدب الإنسان بالأدب اللازم لذلك، ولابد بالطبع من المداومة على هذا العمل كما يداوم الإنسان على تناول الطعام مثلا حتى يزود الإنسان كافة كياناته بما يلزمها من طاقات.
3-          حالة التحقق بالتوكل والرسوخ فيه، فيصبح سجية راسخة للإنسان، يتصرف بمقتضاها بتلقائية، ويعامله الوجود كله بمقتضى ذلك.
واكتساب صفة أو إحساس أو حالة وجدانية يلزم الإنسان بالعمل وفق مقتضياتها، وهذا يؤدي إلى ترسيخ تلك الصفة.
والتوكل هو من علامات الإيمان ولوازمه:
{إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ}آل عمران160  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }المائدة11  *  {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }التوبة51  *  {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ }يونس84  *
ومن يتوكل على الله حقاً لا يخشَ شيئا، وهو يستطيع أن يتحدى أمة ولو لم يكن له فيهم ظهير ولا نصير، ومن يتوكل على الله حقاً لا سلطان لشيطان عليه:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ} يونس71  *  {قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ{54} مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ{55} إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{56} هود  *  {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}النحل99.
والتوكل هو من مقتضيات القيام بحقوق الأسماء الحسني، ومن تلك الأسماء: الله-الرحمن-الرب-العزيز الرحيم-العزيز الحكيم-السميع العليم-الوكيل-....، والآيات الآتية تبين أهمية ومكانة هذا الركن الديني الفرعي:
وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }آل عمران122  *  {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}آل عمران159  *   {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ }آل عمران160 * وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً }النساء81  *  وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }المائدة23  *  {وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ }الأعراف89  *  {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}الأنفال2  *  {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }الأنفال49  *  {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنفال61  *  {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ }التوبة129  *  {فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }يونس85  *  {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}هود88  *  {وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }هود123  *  {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }يوسف67  *  {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ }الرعد30  *  {وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }إبراهيم11  *  {وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}إبراهيم12  *  {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً}الفرقان58  *  {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ }الشعراء217  *  {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ }النمل79  *  {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً }الأحزاب3  *  {وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً}الأحزاب48  *  {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ }الزمر38  *  {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }الشورى10  *  {فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }الشورى36  *  {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }المجادلة10  *  {رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }الممتحنة4  *  {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }التغابن13  *  {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}الطلاق3  *  {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الملك29  *  {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(42)} (النحل)  *  {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ(58)الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(59)} (العنكبوت)  *  وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا(8)رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا(9) (المزمل)
إن التوكل على الله هو من مقتضيات القيام بحقوق الاسم الجليل (الفعال) الذي يشير إلى انفراد الله سبحانه بالتأثير وبالفعل الحقيقي المطلق.
إن التوكل على الله هو من مقتضيات توحيده والإيمان بأسمائه الحسنى والإخلاص له، فمن كان مؤمناً موحداً يعلم أن كل ما هو من دون الله عدم من حيث أصله وما هو إلا أداة للحق يفعل بها ما يشاء، لذلك فهو يعلم أن الانشغال بمعاداة الناس مضيعة للوقت وجهل بحقيقة الأمر، فإذا ما عاداه أحدهم فإنه لا ينشغل كثيراً به وإنما يتوجه أولا إلى ربه طالبا كشف الضر وطالباً التأييد والنصر على ألا يغفل عن الوفاء بمقتضيات النصر ومنها اليقظة التامة لعدوه وإعداد كل ما يلزم من عدة لمواجهته دون أن يتمنى تلك المواجهة.
إن التوكل علي الله تعالي هو أمر واجب لازم وهو المفتاح لكي يستمد المؤمن قوى وإمكانات من عالم الغيب، بل إنه بالتوكل يستمد من عزة الله وحكمته ورحمته وعلمه، فالتوكل لكي يؤتي ثمرته ينبغي أن ينبعث من إيمان راسخ بأسماء الله تعالي، أما التفويض فهو مرتبة عالية من مراتب التوكل وثمرة من ثماره.
لقد أعلن الله تعالي للناس أنه ربهم ومليكهم ووليهم لكي يلجئوا إليه للتغلب علي كل ما يحول بينهم وبينه ولكي يفروا إليه من كل من يوسوس لهم، وليس أخطر علي الإنسان من شياطين الإنس والجن الذين يخدعون الإنسان ويميلون به عن الصراط المستقيم ويزينون له سبل الضلال ويدفعونه إلي التخلي عن حريته في سبيل الباطل ويعتدون علي فطرته بيديه طلبا لتحصيل أوهام وخيالات ويزينون له الطريق إلي الهلاك ويجعلون من أنفسهم أرباباً له تحت شتي الذرائع ليحولوا بينه وبين ربه الحقيقي الآخذ بناصيته، إنه علي كل إنسان أن يعلم أن ربه أقرب إليه من نفسه وأنه أولي به من غيره بل أولي به من نفسه.
-------
التفويض
ومن لوازم هذا الركن تفويض الأمر إلي الله تعالى:
{فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} غافر44.
وفي الحقيقة فكل الأمور مفوضة إلى الله تعالى، وإنما يوطِّن الإنسان نفسه على تذكر ذلك والتحقق به، فيوطِّد بذلك صلته بربه، ويستمد من حالة التفويض التي يتحقق بها شيئاً فشيئا قوة هائلة تمكنه من مواجهة التحديات والثبات في الشدائد والصمود في وجه المحن.
*******
الاستعانة بالله
إن الاستعانة إنما تكون أصلا بالله تعالى من حيث أنه مالك الملك والفاعل الحقيقي الذي يدبر الأمر ويفصل الآيات، ويجوز للإنسان أن يستعين بالأسباب التي خلقها الله تعالى من حيث أنها مظاهر إرادته وقوانينه وسننه، ويجوز أن يستعين بالكائنات الأخرى من حيث أنهم آلاته التي يفعل بها ما يريد في كل عالم من العوالم أو كون من الأكوان على أن يكون الإنسان على يقين تام بأنه تعالى آخذ بنواصيهم ومسخرهم فيما يريد أن يمضيه، فالإنسان الذي هو على يقين من ذلك لا شيء عليه ولا حرج في أن يكون من يستغيث به حيا أو منتقلا فإن من المنتقلين من هم أحياء عند ربهم يرزقون كما هو معلوم ومنهم النبيون والصديقون والشهداء، ولا يمكن أن يعد ذلك عبادة لهم أو شركا إلا إذا استعان بهم أو توجه إليهم من حيث اعتقاده أنهم مستقلون بالفعل أو بالتدبير، ومع ذلك فإنه من الأفضل للإنسان إذا أراد أمراً من عالم الغيب أن يتوجه إلى ربه رأساً حتى لا يوقع نفسه في الشبهات، أما في عالم الشهادة فإن الشبهات أقل، ذلك لأن الناس لا يجدون عادة حرجاً في الاستعانة ببعضهم البعض، وهم يدركون عادة أن من يستعينون بهم هم بشر مثلهم، أما كل ما استحدثه الناس بخلاف ذلك فهو من البدع المذمومة ويجب الكف عنه ويجب الالتزام التام بأوامر الله ورسوله r.
أما القول الفصل في هذا الأمر فإنه على الإنسان أن يوطن نفسه على الإحساس الدائم بالحضور الإلهي وبالقرب الإلهي وأن يرى أن كل من هم دونه آلاته وأدواته وأسبابه وأنه هو الآخذ بنواصيهم والمتصرف فيهم سواء أكانوا في عالم الغيب أم في عالم الشهادة وبذلك فعليه أن يتجه رأسا إلى ربه وأن يقر له بفضله.
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }الفاتحة5، {....اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}الأعراف128، {....وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }يوسف18، {قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ }الأنبياء112
*******
القنوت لله
إن القنوت لله هو لزوم الطاعة والخضوع له والانقطاع إليه والامتناع عما هو من دونه، وهو أن يجعل المرء نفسه دائما تحت الأمر الإلهي، فالقنوت هو الانقطاع لله المقترن بالخضوع التام له والانقطاع عما سواه، والقنوت لله أو قيام الإنسان له قانتاً هو من تفاصيل هذا الركن ومن لوازم الحفاظ على الصلاة الوسطى التي هي عين ومقتضى ومقصد القيام بهذا الركن، وهذا القنوت لا يستلزم العزلة وإنما أن يرى الإنسان في كل ما هو من دون الله آلات بيده يسيرها كيف يشاء بالنسبة له، فهو لا ينشغل بهم من حيث ذواتهم، ومن يتحلى بالقنوت لله يخلص تماماً له ويرفض كل قول ينال من قدره مثل الزعم بأنه اتخذ ولدا، والآيات الآتية توضح صفات القانتين:
{وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُون}[البقرة:116]،{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِين}[البقرة:238]، {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَار}[آل عمران:17]، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِين}[النحل:120]، {وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُون}[الروم:26]، {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب:35]، {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَاب}[الزمر:9]، {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِين}[التحريم:12]، {يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِين}[آل عمران:43]، {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا}[الأحزاب:31].

*******


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق