الجمعة، 13 مارس 2015

آل عمران183، 184

آل عمران183، 184



{الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)} آل عمران

الآية تؤنب بني إسرائيل المعاصرين للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بسبب ما فعله آباؤهم ولم يفعلوه هم، فالمعاصرون للرسول لم يقتلوا رسلا كما هو واضح ومعلوم، ولكنهم تبنوا موقف أسلافهم ولم يتبرؤوا أبدا منه، بل حولوا جرائمهم إلى نصوص مقدسة، يؤمنون بها ويرتلونها ويُصنعون على عينها، فقد أصبحت جزءا من تكوينهم، ولابد من القصاص من أخطاء الأمم في هذه الدنيا، ولا يوجد لهم من مخرج إلا بأن يتبرؤوا من أخطاء أسلافهم، ولن يستطيعوا طالما أصبحت نصوصا مقدسة! وإذا كان أسلافهم قد قتلوا الرسل والأنبياء ماديا فإنهم مستمرون في اغتيالهم معنويا بالإيمان بكل ما افتراه أسلافهم والترويج له والتقديس له.
وهذه سنة إلهية كونية، لابد من هلاك القرى والقرون الظالمة، لذلك لا مخرج لهذه الأمة من الحالة المزرية التي تتردى فيها إلا بأن تتوب إلى ربها وأن تتبرأ من أخطاء وجرائم أسلافها التي لم تشارك بالطبع في اقترافها، بل ربما كان أجدادهم الحقيقيون من ضحاياها، ومشكلة هذه الأمة أقل حدة من مشكلة بني إسرائيل، فلم تتحول أخطاء السلف إلى آيات قرءانية لتعهد الله تعالى بحفظ كتابه، وإنما ظلت مرويات، هذا رغم أنهم قالوا إن هذه المرويات هي السنة وجعلوها قاضية على القرءان، فالأمل في صلاح ولو فئة قليلة من الأمة باقٍ.
والعودة إلى دين الحق الماثل في القرءان وما يصدقه مما هو منسوب إلى الرسول تعني التبرؤ التلقائي من جرائم السلف وإفسادهم في الأرض وتحمي الناس من آثار هذه الجرائم التي لابد من دفعها في هذه الدنيا.
وعلى المستوى الفردي فأنت غير مسئول بالطبع عن أخطاء أو جرائم غيرك، فمن السنن الإلهية الكونية أنه لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَأَنه لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى، ولكنك مسئول عن موقفك من هذه الأخطاء والجرائم، لذلك من كبائر الإثم أن تركن إلى الذين ظلموا وأن توالي أعداء الله ورسوله، فمن يتولى واحدا من أكابر مجرمي السلف ويدافع عنه بالباطل فقد حمَّل نفسه شيئا من أوزاره وأضاع نفسه مجانا.
وعلى سبيل المثال أنت تقول مثلا إن معاوية صحابي جليل مرضي عنه!! من يتبعه فقد اهتدى وأنه خال المؤمنين، هذا رغم أنف كل جرائمه المسجلة عليه في التاريخ، ورغم أنه كان مضادا للإسلام بكل منظومة قيمه، لقد اخترت موقفك هذا، وعليك أن تتحمل مسئولية اختيارك في الدنيا والآخرة.
ولذلك يجب على كل مسلم الحذر بخصوص اختيار من يتبعهم من الأسلاف، فالوهابية مثلا هم شركاء لابن عبد الوهاب في كل ما تسبب عن مذهبه الضال من الإفساد في الأرض وسفك دماء المسلمين في العراق والخليج والحجاز، هذا فضلا عن أنهم شركاء لمعاوية ويزيد وغيرهم في دماء من قتلوهم من أهل بيت الرسول والمهاجرين والأنصار.
والأمة ملزمة بالطبع بالتبرؤ ممن اقترف شيئا من كبائر الإثم التي ذكرها الله تعالى في كتابه، ومنها الظلم والاعتداء على الآخرين، وليس لأحد أن يقول لربه: "لقد ظلمت في سبيلك" أو "لقد اعتديت على الآخرين وسفكت دماءهم ونهبت أموالهم وسبيت نساءهم من أجلك أنت"!! كما أنه ليس لأحد أن يقول: "إننا نقدس هؤلاء لأنهم خير من ظلموا الناس في سبيلك، وأفضل من اعتدوا على الآخرين وسفكوا دماءهم ونهبوا أموالهم واستحيوا نساءهم من أجلك"!! إنه لا يمكن التقرب إلى الله باقتراف ما نهى عنه.
لذلك فأنت لا يعنيك في شيء مثلا اقتحام العرب لشبه الجزيرة الأيبيرية ولا الخطبة العصماء التي وضعوها على لسان طارق بن زياد، وأنت لم تشاركه في الاعتداء، ولم يطالبك أحد بأن تتأسى به ولا أن تعتبره بطلك القومي، ولقد استمر المحسوبون على الإسلام في أيبيريا حوالي ثمانية قرون فلم يستطيعوا أن يجعلوا من السكان هناك أمة إسلامية، بل جعلوهم أشد الناس حقدا على الإسلام والمسلمين، ولقد كان الإسبان والبرتغاليين هم الذين قاموا بحركات الكشوف الجغرافية الكبرى التي كان المقصد منها تطويق العالم الإسلامي الذي جاءهم منه الخطر والتهديد وحرمانه من التحكم في طرق التجارة العالمية، ولقد أدى ذلك إلى اكتشاف العالم الجديد وتضخم الغرب الذي كان قزما هزيلا وإفلاس مصر التي كانت مقر أقوى وأغنى إمبراطورية إسلامية في ذلك العصر، والتي سقطت بسبب ذلك فريسة للاحتلال العثماني الهمجي الذي أبعدها عن ركب الحضارة وخربها وكاد يبيد سكانها.
ولكن ما الذي جنته مصر لتتحمل عواقب فعل العرب في أوروبا؟
إن السنن الإلهية الكونية لا تتغير ولا تتبدل من أجل أحد ولا تلين لأحد، إن مصر قد اعتنقت الديانة اللاسنية الإجرامية التي تعتبر معاوية والأمويين أبطالها المقدسين، وتقدس الاعتداء على الآخرين، وكل محسوب على الإسلام بمصر يهتز طربا كلما تليت عليه قصص الاعتداءات العربية السافرة على الشعوب الأخرى، وهو يجهل بالطبع أن تمويل تلك الحروب كان يتم من موارد بلاده.
وبالمثل فإن اعتداء العثمانيين على أوروبا الشرقية لم يؤد إلى دخولهم في دين الله أفواجا، وإنما جعل منهم من أشد الأمم حقدا على الإسلام والمسلمين، ولقد أبيد ما لا حصر له من المسلمين هناك بعد أن ضعفت الخرافة العثمانية، كما اندفعت روسيا القيصرية في إطار صراعها مع هذه الخرافة واستولت على أراضٍ إسلامية شاسعة تمتد من ضفاف الفولجا وسواحل البحر الأسود إلى المحيط الهادي وتشمل كل دول وسط آسيا التي كانت مراكز لحضارة إسلامية مزدهرة، وأبادت عشرات الملايين من المسلمين.
إن كل المعاصي التي اقترفها اليهود والتي ذكرها القرءان وندد بها قد فعلها المسلمون بل وتمادوا فيها فسفكوا دماء بعضهم البعض وأخرجوا أنفسهم من ديارهم ووالوا أعداءهم وأعداء ربهم ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل ولم يتناهوا عن منكر فعلوه ولم يحملوا كتاب الله بل أعرضوا عنه وهجروه بل كفَّروا كل من نادي بالعودة إليه وتحكيمه فيما هو من دونه...إلخ، ولذلك أيضا بعث الله عليهم من يسومهم سوء العذاب وجعل بأسهم بينهم وجعل منهم -علي المستوي الباطني الجوهري- القردة والخنازير وعبدة الطاغوت.

*******



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق