الجمعة، 6 مارس 2015

الاسم الإلهي اللطيف

الاسم الإلهي اللطيف

قال تعالى:
{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} يوسف100، {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ} الشورى19.

فهذا الاسم بذلك من الأسماء الحسنى، وهو من أسماء النسقين الأول والثاني.

اللطيف
الله سبحانه اللطيف المطلق لأنه هو النور المطلق ولأن له البساطة المطلقة؛ أي لأنه هو الصمد المطلق، فلا تركيب فيه بأىِّ وجه من الوجوه، ومن كان كذلك كان له الإحاطة المطلقة بتفاصيل كل ما هو دونه من المعاني والمباني واللطائف والكثائف، وكان له أيضا القوة الذاتية المطلقة والهيمنة على كل ما هو من دونه والعلم المطلق بكل أمور الوجود وله القدرة والاقتدار على كل من هم دونه.
فلطفه المطلق يفصَّل إلى نوعين من اللطف ويقتضى أمرين، فثمَّـة لطف مرتبط باسمه العليم الحكيم، وثمة لطف مرتبط باسمه القوى العزيز، فاللطف المرتبط باسمه العليم الحكيم هو من لوازم إحاطته التامة من حيث هو اللطيف المطلق، ولذلك فهو يتعلق بتدبيره الخفي المحكم للأمور والرفق في التدبير وتأليف الوقائع والأحداث بما يحيِّر ألباب الناس، فلا يدركون الحكمة فى الأمر إلا بعد لأى وجهد وعلم مفصل، فاللطف هنا هو لطف في التدبير بناء علي علم تفصيلي محيط قد يقتضى إخفاء النعمة في ثوب النقمة واستدراج الناس إلى ما فيه الخير لهم، فهذا اللطف يؤدى إلى دفع عجلة الوقائع والأحداث في اتجاه كشف الخفايا والنوايا والأسرار وإخراج الخبء في السماوات والأرض وإبراز طبائع النفوس وإظهار أكبر قدر من  الكمالات، وبذلك يتحقق المقصد الوجودي الأعظم، أما حيرة الكائـنات في تدبيره للأمور فما ذلك إلا لما هم عليه من القصور، فحجبوا عمَّـا هو له من النور والكمالات بالأهواء والظلمات والضلالات، بل حجبوا بما لبعضهم من الكمالات النسبية عما هو له من الكمالات المطلقة الأصلية.
ومن كان له اللطف المطلق كان له السمة التي تفصيلها القوة المطلقة المقترنة بالعزة المطلقة، واللطف المقترن باسمه القوى العزيز هو لطف في إيصال الأرزاق للكائنات طبقاً للقوانين والسنن فيدبر الأمر بحيث يصل إلى كل كائن ما يلائمه من رزق لطيف أو كثيف؛ معنوي أو مادي، كما أنه لا يرزق كائناً ما إلا وفق ما يحقق المصلحة المطلقة والحكمة البالغة، فكلا النوعين من اللطف يتضمن رفقاً وحناناً وعطفا، فهو لا يتوانى عن إيصال الرزق اللازم إلى من كفر به وأنكر وجوده أو أشرك به، أو قال عنه ما لم يقله عن نفسه.
وسمة اللطف هي من السمات العظمى، وإليها يشير المثنى (اللطيف الخبير)، قال تعالى:
{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الأنعام103، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }الحج63، {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ }لقمان16، {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً }الأحزاب34، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الملك14.
فتلك السمة تعني أن له الخفاء المطلق في حال حضوره التام، ومن كان له الخفاء المطلق كان له الإحاطة المطلقة، فهو يدرك كل ما يتسم بالخفاء النسبي المقيد، فلا يحجبه شيء عن شيء، وهو يدرك كل شيء من حيث لا يدركه شيء، وهو لذلك يدبر الأمر ويصرِّف الآيات من وراء حجب القوانين والسنن والأسباب الظاهرة، وهو الذي يدرك ما يخفيه كل كائن في أعمق أعماق نفسه أو ما هو مستكن في نفس هذا الكائن فلا يعلمه عنها، فمن حيث هذا الاسم له إدراك كل كائن من حيث أن هذا الكائن هو جماع كيانات أمرية لطيفة وتجسيد لها.
إن اللطف المطلق يعني بالضرورة القوة المطلقة والعزة المطلقة، لذلك كلما ارتقت الكائنات كلما كانت الهيمنة والقوة للسمات الألطف، وكلما اشتدت هيمنة وسيادة المعاني على المباني واللطائف على الكثائف.
*******
إن الله سبحانه هو اللطيف المطلق، بل إن المعاني وهي من ألطف اللطائف تُعدّ كثيفة بالنسبة إليه، وهي لم تتعين إلا بنوره وكمقتضيات لأسمائه، فهو الذي أعطى للمعنى معناه كما أعطى للمبنى معناه ومبناه.
إن اللطف الإلهي المطلق مرتبط بالصمدية المطلقة، فالله تعالى الصمد لأنه اللطيف، وهو اللطيف لأنه الصمد، فهذان الاسمان يشيران إلى حقيقة ذاته.

*******





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق