الأربعاء، 18 مارس 2015

الركن الديني الرابع (ج2)

الركن الديني الرابع (ج2)

إقامةُ ودعمُ وترسيخ صلةٍ وثيقةٍ بالله وعلاقةٍ حميمةٍ معه

إن هذا الركن يقتضي إسلام الوجه لله والولاء لله والإخلاص لله والتوبة والإخبات والإنابة إلي الله والإخلاص لله وحب الله والتحقق بتقوى الله والاعتصام به والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه والاستعانة به والاستعاذة به والفرار إليه والشكر له واتخاذه ولياً والعمل لإعلاء كلمته والإقرار بنعمته والمبادرة بالاستغفار عند اقتراف أي خطأ في حقه والرضا بحكمه وبقضائه وقدره، فيجب أن تكون لله تعالى المكانة العظمي في الكيان الجوهري للإنسان، وهذا الركن يستلزم معرفة أفضل بالسنن الإلهية والكونية والظواهر الكونية والنفسية.
والصلاة الوسطي هي مقتضى القيام بهذا الركن، ويترتب عليها أن يقوم الإنسان قانتاً لربه، فتلك هي الصلاة الوسطي أي خير الصلاة لأنها ثمرة ومقصد كل صلاة.
*******
إن من تفاصيل ولوازم هذا الركن الفرح بفضل الله تعالى ورحمته-الاستعاذة بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم-الاستعاذة بالله السميع البصير من شر الناس-الإسلام لله-ذكر أسماء الله-ذكر آيات الله-ذكر آلاء الله-ذكر نعمة الله والإقرار بأن كل نعمة هي منه-صدق العهد معه-اللجوء إليه والتبتل إليه والقنوت إليه-أن يرجو رحمته وفضله وأن يخشى عذابه وغضبه-أن يتخذه ولياً ووكيلاً ونصيرا-أن يشكر له-أن يعتصم به-أن يتوكل عليه-أن يفوض أمره إليه-أن يستعين به- ألا يتقدم بين يديه- ألا يتخذ من دونه شفعاء أو أولياء-ألا يوالى أعداء الله- أن يتخذ الشيطان عدوا- التوبة-الاستغفار، والاستعاذة ليست بمجرد التلفظ بعبارة وإنما هي حالة وجدانية يعمل الإنسان علي اكتسابها والتحقق بها وما التلفظ بعبارات الاستعاذة إلا وسيلة للتحقق بتلك الحالة، فعلاقة الإنسان بربه تستلزم صفات يجب أن يعمل الإنسان على اكتسابها وتقتضي منه أعمالاً وأنماطاً سلوكية تؤدي إلي ترسيخ وتقوية تلك الصفات، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن: افتراء الكذب علي الله-اتخاذ أرباب من دون الله-الركون إلي غير الله-التقول علي الله بغير علم-الاعتصام بما هو من دون كتابه من الكتب والمذاهب-التكذيب بآيات الله-كراهية ما أنزل الله-تعدي حدود الله-ازدراء سنن الله-الكفر بشيء من سنن أو شؤون الله-الاستخفاف بأوامر الله ونواهيه، وكل ما يصدر عن الإنسان ينبغي أن يصطبغ بتقوى الله، وهذا الركن هو من الأركان الأعظم والأبقى.
*******
إن لب أركان الإسلام هو العمل على إقامة صلة وثيقة بالله تعالى فيهيم القلب به حبا ويتجه الإنسان بكل كيانه نحوه رهبا ورغبا ويشكر له كل ما هو فيه من نعمة ويمجد ما يراه من آياته من حيث أنها مظاهر حسنه وبديع سماته.
إن الشرط اللازم لمعرفة الله هو الحرص على إقامة صلة وثيقة به وهذان الأمران يشكلان حلقة تغذية خلفية موجبة؛ فبقدر حرص الإنسان على إقامة صلة وثيقة بربه بقدر ما ستزداد وترقي معرفته به وبقدر ما سيزداد بذلك حرصه علي دعم وترسيخ صلته به، هذا الأمر يتم بعلم الإنسان أو بدون علمه.
إنه لمعرفة الإله الأعظم وللتقرب منه يجب أن يسير الإنسان إليه بكل قوي وجوده فيتعلق الجانب الوجداني من قلبه به حبا ويؤمن به ويدعوه رهباً ورغبا ويثق به ويتوكل عليه وينظر من حيث ملكاته الذهنية في سننه وآياته ويتفكر في أسمائه وفي كمال سماته، ويجب على الإنسان الاعتصام به وبحبله والفرار إليه من كل شيء، ويجب دائما تذكر حضوره مع مخلوقاته مع تعاليه التام عليهم.
ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن الإجرام المضاد للإسلام، وهو ما يترتب على حرص شخص ما إلى قطع كل صلة له بالله، فهو ينكر وجوده أصلاً، أو يعيش حياته دون اعتبار لهذا الوجود أصلا ويتبع ذلك بأفعال إيجابية انطلاقاً من هذا الإنكار، فيتصدى لكل من يحاول إقامة الدين ويسخر منه، كما يتصدى لكل مصلح أو مجدد ويقول له بلسان الحال مثلما قال الذين كفروا من قبل: مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ.
*******
إن هذا الركن من الأركان الأعظم والأبقي، وهو يتضمن أركاناً فرعية هامة وعديدة علي رأسها التوبة والإنابة إلي الله والولاء لله والإخلاص لله وحب الله والتحقق بتقوى الله والاعتصام به والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه والاستعانة به والاستعاذة به، وهذا الركن من تفاصيل ولوازم ركن الإيمان بالله تعالي والقيام بمقتضيات هذا الإيمان.
إن أساس الدين وروحه هو في العلاقة الحية المباشرة التي يرتبط بها الإنسان ارتباطا اختياريا بربه ويستشعر دائما حضوره الذاتي ويخاطبه ويصلى له ويذكره ويتوجه إليه ويلوذ به ويسأله كل ما يريد.
*******
إن مما فطر عليه الإنسان أنه يجد سعادة في أن يجد كائناً له من الصفات والمكانة عنده بحيث يعترف له بكل صدق بكل ما يفعله أو يود أن يفعله ويبوح له بكل أسراره ولا يخفي عنه شيئاً مما يتعلق بكيانه، وهذا الأمر يفسر كثيرا من دوافع السلوك الإنساني وهو مرتبط أيضاً بما فطر عليه الإنسان من الرغبة في البقاء أو الخلود، ولقد حاولت بعض الأديان والمذاهب إشباع تلك الحاجة لدي الإنسان، والحق هو أن الله سبحانه هو الأحق بتلك المكانة وهو الأولى بها، بل هي له بالأصالة، وبإدراك الإنسان لذلك والعمل بمقتضياته تتحقق له السعادة الحقيقية، وذلك الإدراك وهذا العمل هو من لوازم وتفاصيل هذا الركن.
والإنسان يجد سعادته أيضاً في محاولة إقامة صلة بطريقة ما بغيره من الكيانات الأخرى المتوافقة معه في أمر أو أكثر  حتى يعالج نقصاً ما عنده أو يشبع حاجة أو يحقق كمالاً منشوداً، وهذه الصلة تأخذ صوراً عديدة طبقاً لطبيعة الكيان الإنساني الفرعي، ولكنها في كل الأحوال لازمة لتوفير كثير من احتياجات الإنسان الأساسية ومنها الاحتياجات البيولوجية والسيكولوجية والسوسيولوجية، وهي لازمة أيضاً لازم لتوفير احتياجات الكيانات واللطائف الإنسانية الأرقي، وكل ذلك ليس إلا من مظاهر وتفاصيل حاجة الإنسان إلي الارتباط بأصل الوجود والكمالات أي بالله سبحانه وإلي الانجذاب إليه والاتصال به بسبب من الأسباب، لذلك فإن السعادة الحقة للإنسان لا تتحقق له إلا بإقامة صلة وثيقة بالله تعالى، فتلك الصلة هي الأمر اللازم لتوفير أشد احتياجاته أصالة وجوهرية ورقياً وسمواً.
*******
إن التقرب إلى الله تعالي والدنوّ منه لا يكون بقطع مسافات في أقطار السماوات وإنما يكون باكتساب صفات الكمال، وذلك يمكن أن يتحقق بطاعة كافة أوامره بكل أنواعها، وكل أمر من تلك الأوامر لابد من أن يؤدي إلى إصلاح ورقي كيان إنساني، ذلك لأن كل أمر يقتضي نسقا من القوانين تُرتِّب على موقف الكيان الإنساني من الأمر آثار لازمة ويعمل علي تحقيقها نسق من الجنود والملائكة، أما من أنكروا المقاصد فذلك لظنهم أن المشيئة الإلهية هي كمشيئتهم أو أنها أمر عشوائي، وكفى بذلك كفراً وإثماً مبينا.
ومن لوازم هذا الركن ألا يتعلق الإنسان بشخص مثله وألا يتخذه بمثابة رب له، وهذا هو ما جاء الإسلام بمنهاجه الكامل لمحاربته والقضاء عليه وليعلن ألا وساطة بين الإنسان وبين ربه وأن رب الإنسان أقرب إليه من كل الكائنات الأخرى بل من نفسه فكيف يبحث عنه عند غيره؟ أم كيف يترك ربه القريب منه ليتعلق بشخص آخر بعيد عنه ليدله على من هو أقرب إليه منه؟ إنه حين يكون الإنسان مستعدا لكي يجود بنفسه في سبيل معرفة ربه فإنه يفوز بربه عوضا عن نفسه، وعندما يكون مستعدا لطلب ربه في أبعد نطاق يمكن أن يتصوره فإنه يجده قريبا منه.
ويجب العلم بأن الأوامر الدينية تعددت وتنوعت لتعدد وتنوع الكيانات الإنسانية وكذلك لتعدد وتنوع اللطائف الإنسانية، ويجب العلم بأنه على الكيانات الإنسانية أن تعرف الموازين الحقيقية للأمور، فلا يجوز مثلا أن يضحي الإنسان بطهارة كيان لطيف في سبيل الحفاظ على طهارة كيان كثيف مثلا ولا أن ينعم كيانه الكثيف علي حساب كيانه اللطيف، ولا يجوز التضحية بمصلحة أمة في سبيل مصلحة فرد واحد…. إلخ.
*******
يظن البعض أنه يمكن إدراك الإله أو رؤيته بتصفية النفس وصقل مرآة القلب وقمع الحواس الظاهرة وإيقاظ الحواس الباطنة ولكن هيهات، ولو كان الأمر كذلك لكان الملائكة المقربون أولى برؤيته منهم في حين أنه محتجب أيضاً عنهم، إن احتجابه سبحانه من حيث الكنه عن كل ما خلق هو أمر مطلق وذلك لعلوه سبحانه وسموه المطلق، فالحجاب ليس بكيان مادي يمكن أن يدرك، فالله سبحانه محتجب عن كافة ملكات الإنسان الوجدانية والذهنية، ومع ذلك فإن الإنسان لكي يحقق كماله المنشود عليه أن يهاجر إلى ربه بكافة عوالمه فيتدبَّـر بملكاته الذهنية آياته الكتابية والكونية ويتعلق قلبه به حبا ووجدا لجماله الظاهر في كل ما خلق وأبدع ولعظيم نعمائه ورحمته وحنانه وعليه أيضا أن يخشاه وأن يرهبه لسطوة جلاله وكبريائه، ويقتضي كل ذلك منه أن يتصف وأن يعمل بمقتضيات أسمائه وأن يعظم كتابه وأن يوقر رسوله الأعظم وأن يصلى عليه.
*******
والعلم بالله تعالي هو من لوازم هذا الركن، وهذا العلم إنما يكون باكتساب كل ما هو ممكن من الكمالات والتحقق بمقتضيات ذلك من التجليات والتي يترتب عليها تولد استعدادات لمزيد من التحقق بالكمالات، فكل ذلك يعطى الإنسان من السعادة والفرح الحقيقي المتجدد ما يفوق كل ما يمكن أن توفره له المتع الدنيوية.
إنه يجب على الإنسان العلم بالآيات التي تشير إلى الأسماء والسمات الإلهية، وعليه أن يعمل فيها ملكاته القلبية الذهنية والوجدانية، وأقل ما يجب عمله هو أن يذكرها بلسانه حتى يحفظها قلبه وأن يعمل وفق مقتضياتها وألا يشغل نفسه بكلام المتكلمين.
*******
إن اكتساب كمالٍ ما أو زيادة كمالٍ ما عند الإنسان يؤدى إلى مزيد من انجذابه إلى ربه لأنه هو أصل كل كمال، فالكمال النسبي المقيد ينجذب إلى الكمال اللانهائي المطلق لأنه من آثاره، وهو يجذب الكائن الذي يتحلى به إلى من له الحسن المطلق، وهذا القرب إنما يكون من حيث الأسماء فمن اكتسب كمالا فإنما يقترب من الاسم الذي اقتضاه، لذلك فأعلى العباد مرتبة هو من ينجذب إلى الاسم الذي هو الأعظم إحكاماً وإحاطة.
أما المعية الذاتية العامة فهي لكل ما خلقه الله تعالى وقدره واقتضاه إذ هو قيوم السماوات والأرض، فهو سبحانه مع كل شيء بهويته وذاته وبتلك المعية تعيَّن ما للكائنات من ماهيات وقامت الكائنات في الأرض والسماوات، ولولا تلك المعية لصارت الكيانات محض العدم، فالحضور الذاتي هو أمر عام يحظى به كل إنسان بل كل كيان، ولكن ثمة معية خاصة هي للعباد الذين اقتربوا منه بتحققهم بكمال من الكمالات وبصدور الأعمال المتسقة مع هذا الكمال، وفى حين أن كل البشر ينعمون بالمعية الذاتية العامة والتي تقتضي إحاطة أسمائه وسماته وسننه وأفعاله بهم فإن القليلين منهم هم الذين ينعمون بمعيته الخاصة والتي يترتب عليها نصرهم وتأييدهم وسعادتهم وتحققهم بكمالهم المنشود.
*******
إنه من حيث الميزان الحقيقي فإن المسلمين ينقسمون إلى الفئات الآتية:
1-       من عرف كيف يقيم صلة حقيقية مع ربه، وهو يجني ثمار ذلك في الدنيا قبل الآخرة، وبالطبع فهم يتفاضلون في الدرجات.
2-       من عرف الطريق ليقيم مثل هذه الصلة وعقد العزم على مواصلة سعيه ليتحقق له ذلك، ويتفاوت هؤلاء من حيث طبيعة معرفتهم وجودتها ومدي قوة عزمهم، فإيمانهم سيجذبهم إن عاجلاً أو آجلاً إلى ربهم.
3-       من لا يزال يبحث عن الحقيقة بصفة عامة ولكنه عقد العزم على اتباع ما يظهر له منها.
4-       من تمسك بما ألفي عليه آباءه حقاً كان أم باطلا.
5-       من فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ، وهذه الشيع قد تكون مذهبية وقد تكون سياسية وقد تكون مزيجا من ذلك، وهؤلاء لا يعبدون في الحقيقة إلا مذهبهم أو طائفتهم، ومنتهى أملهم هو الاستحواذ لحسابها على الجاه والنفوذ والسلطة وقهر كل المذاهب والطوائف الأخرى، لذلك لا عجب أن يكون أعدى أعدائهم هم المسلمين الآخرين وأن يتحالفوا مع شياطين الإنس والجن ضدهم.
6-       من أعرض عن البحث عن ربه واكتفي بالتكالب على متاع الدنيا.

والفئات الثلاث الأولى هم الأقلون عدداً والفائزون بالدرجات العلى، والفئات الرابعة والخامسة والسادسة هم في النار إلا قليلا من أفراد الفئتين الرابعة والخامسة، وأفراد الفئة الخامسة هم الذين خسروا أنفسهم وضل سعيهم في الحياة الدنيا، فهم البهائم في صورة بشر.
*******
إن الدنيا المذمومة هي ما انشغل بها الإنسان عن ربه فحالت بينه وبين التحقق بكماله المنشود، لذلك فهي جماع ما يحول بين الكيان الإنساني وبين تحقيق مقاصد الدين العظمي، وهي تتضمن أيضاً كل مكانة أو مرتبة فرح بها الإنسان وظن أنه يمكنه الاستقرار عندها فتخلف عن متابعة الترقي الذي هو سنة كونية وانجذب بذلك إلي المراتب الأدنى، وكما يتهاوى الجسم المادي إلي أدني مستوي من الطاقة إذا ترك وشأنه كذلك تتهاوى نفس الإنسان إلي أسفل المراتب إذا لم تعتصم بحبل يصلها بأعلي المراتب، فذلك الحبل هو حبل الله العلي الكبير، لذلك علي الإنسان أن يعلم أن كل ما شغله عن ربه الجليل هو قليل، لذلك فليتخذ الإنسان من كل ما لديه من إمكانات وملكات وطاقات وسيلة لإقامة صلة وثيقة بربه، وهذا هو جوهر العبادة التي هي كل سلوك مرضي عند الله تعالي أي كل سلوك من العبد قياما بحقوق الأسماء الحسنى.
وكل ما يشغل الإنسان عن ربه فمتاعه قليل ولذته محدودة، ولن يستطيع الإنسان أبداً أن يستخرج منه أكثر مما أودع فيه مهما تمادى في الضلال أو تمرغ في الأوحال.
*******
إن الكيان الجوهري للإنسان ما دام حياً بالحياة الحقيقية هو في حاجة إلي مدد مستمر من الكيانات الأمرية المعنوية، فهذا الرزق الروحاني  مترتب علي ارتباط الإنسان بربه وعمله علي القيام بحقه، أما إذا امتنع الإنسان عن طلب مثل هذه الكيانات أو أقفل علي نفسه الأبواب التي يمكن أن تأتيه منها فلن يبقي حياً بالحياة الحقيقية السامية وإنما بالحياة التي هي أدنى من حياة الأنعام؛ فيكون من حيث الشكل الظاهري كالإنسان ومن حيث الكيان الباطني الجوهري كالأنعام، فيفقد بذلك الملكات السامية أي الطبقات العليا من الفقه والعقل والعلم والسمع والبصر والفؤاد، فإذا ما تمادى في غيه فسيتردى إلي أن يكون كيانه الباطني كيان شيطان، وعندها سيكون رزقه الذي يحيا وينمو به هو آثار آثامه وآثام من يحرضهم علي التمرد والعصيان.
*******
إن هذا الركن يلزم كل كيان إنساني بأن يتواصوا بالإخلاص لله تعالي وبالولاء المطلق له، وبأن يعمل على أن تتعاون مكوناته على البر والتقوى وليس على الإثم والعدوان.
إنه مهما كانت بشاعة ما اقترف الإنسان من قبل من آثام ومهما كانت حالته السابقة من كفر أو فسوق أو عصيان فإنه سيبدأ في التحسن لتوه بمجرد السعي إلي إقامة صلة وثيقة بربه الرحمـن، ولدعم وترسيخ هذه الصلة يلزم أن يشتغل الإنسان بذكر الرحمـن وعليه أن يعي دائماً أنه قريب منه في عين علوه المطلق وتعاليه عليه، فيجب أن يتذكر الإنسان دائماً هذا القرب وأن يوطن نفسه علي الإحساس الدائم به وألا يغفل أبداً عنه، ولكن عليه أيضاً ألا يعدو قدره وأن يقر لربه بعظيم قدره وأن يعلم أن ثمة حجباً لن ترتفع أيضاً بينه وبينه، وهي ليست بحجب مادية كثيفة ولا بحجب روحانية لطيفة، بل إنها من مقتضيات سمو الله المطلق علي كل ما قدَّر وخلق.
أما من عصى بعض الأوامر مغلوبا علي أمره فلابد من أن يندم وأن يبادر بالتوبة وإن عاد إلي المعاصي ألف مرة، ومثل هذا إن استغفر ربه فسيجده توابا رحيما، أما من ألقى بنفسه في المعاصي كلما توفرت له سبلها أو سعي إليها بنفسه دون أن ينغص عليه أمره تأنيب ضمير فستحيط به آثار خطاياه وستأخذ بخناق قلبه الذي سيمتلئ نفاقا وسيصبح مرتعا للشياطين وسيخبو فيه بذلك نور إيمانه مفسحا الطريق شيئا فشيئا للنفاق والفسوق والعصيان، ومثل هذا سيستدرج به إلي الخسران المبين، أما من طغى وبغي وظلم وأفسد في الأرض فستحيط به الآثار البشعة لأعماله ولن تترك له أدني فرصة للتوبة أو لمراجعة نفسه، وما لجأ رجال الكهنوت إلي التهوين من شأن جرائم المتسلطين علي الأمر وما اقترفوه من كبائر الإثم إلا خوفاً وجبناً وهلعاً أو رغبة فيما لدي هؤلاء من حطام الدنيا، ولم يكن لهم أن يجعلوا من الرخص المتاحة للأمة في زمن الفتن أوامر دائمة يلزمون الناس بها إلي يوم الدين، ولقد تأذن الله تعالي ليملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين، ولقد أعلن في سورة هود أنه لابد من تمام كلمته هذه.
*******
ومن الأمور اللازمة لإقامة صلة وثيقة بالله التحقق بالشكر لله ومن ذلك معرفة قدر النعم الإلهية وعدم التبذير والإسراف فيما يتعلق بشأنها أو إهدارها وكلما كانت النعمة لصيقة بالإنسان مثل ملكاته القلبية ونفسه وجسده ووقته كلما عظمت قيمتها وعظم قدرها، ويلي ذلك ما هو مرتبط به وما هو مستخلف فيه كالمال والبنين والجاه والمكانة.
============
شرح بعض الأركان الفرعية

التقـوى
إن التقوى هي ركن فرعي من لوازم هذا الركن بصفة خاصة ومن لوازم أركان دينية عديدة بصفة عامة، فهي ركن فرعي من أركان الدين والتحقق بها يقتضي أنماطاً سلوكية يجب أن يلتزم بها المسلم؛ أي نهجاً يجب عليه اتباعه، وهي أيضاً صفة كلية جامعة شاملة، والتقوى هي ذلك الشعور القلبي الذي يجب أن يتحلى به المسلم في علاقته بربه واكتسابها يستلزم القيام بأركان عديدة مثل الصيام مثلا.
إنه يجب على كل إنسان أن يعلم أن الله تعالى معه بهويته بلوازمها من أسماء وسمات، وأن تلك المعيَّـة أمر يتعالى على كل إدراك وتصور ويترتب عليها أن الله بصير بالعباد وبكل أعمال العباد، أي أنه محيط بتلك الأعمال من كل حيثية وبكل كيفية، فهو يدرك الأعمال ويدرك الدوافع والمقاصد والنوايا والهيئات النفسية التي صدرت عنها، فالإله الأقدس ليس بمنزوٍ هنالك في ركن قصيّ، بل له الإحاطة الشاملة الكاملة بكل شيء، والغرض من كل الأوامر والتعليمات الدينية هو توطين الإنسان على الإحساس الدائم بهذا الحضور والعمل بمقتضياته، وكل تلك المقتضيات يجمعها أمر واحد هو التقوى، فالتقوى هي جماع ما يتصف به الإنسان قياما بمقتضيات ذكر الله أو بمقتضيات الإحساس بالحضور الذاتي الإلهي، إن كل أوامر الدين ونواهيه وأعماله وعباداته وترديد الأدعية والأذكار وسائل نحو الهدف الأكبر وهو ذكر الله تعالى أي الإحساس بالحضور الإلهي أي عدم الغفلة عن الله، وذلك يقتضي أموراً ويترتب عليه أشياء يجمعها كلها كلمة التقوى، فالتحقق بالتقوى هو المقصد من كل العبادات ومن كل أوامر الدين وتعاليمه، والتقوى هي الخلق اللازم للإنسان الرباني الفائق.
إن التقوى هي من أعظم أوامر الدين وقيمه ومقاصده في نفس الوقت، ذلك لأن الله سبحانه قد جعل التقوى مناط التفاضل والأكرمية عنده، والتقوى هي جماع مقتضيات إحساس الإنسان الصادق بحضور ربه معه بذاته وبمنظومة أسمائه الحسنى ومنها أسماء الرحمة والهدى، وهذا يستلزم منه القيام بمقتضيات ذلك من الالتزام بمنظومات القيم والسنن والأوامر الشرعية، أما العلم بالمنقولات والآثار وقصص السلف وأسماء الرجال وما زعموا أنه الفقه وما زعموا أنه أصول الدين … فلن يرفع من شأن أحد ولن يعلي من قدره فوق الناس ولا عند ربه إلا بمقدار ما يمكن أن يترتب عليه من سمو باطني، فالعلم بتلك الأمور كالعلم بغيرها، ويمكن للحاسب الآلي الآن أن يختزن كل ما لديهم من المعلومات وأن يتفوق عليهم في تحليلها وتمحيصها، وكذلك الأمر بخصوص ما في التراث من تفسيرات الأقدمين للآيات والتي حشدوا فيها وأرهقوها بكل وما وصل إليهم من خزعبلات وأساطير وأباطيل أهل الكتاب وبكل ما كان شائعا في عصرهم من العلوم والمصطلحات والمعارف البدائية، وكل ذلك لم يعد يجدي الآن إلا في تكريس هجران الناس للقرءان ومنعهم من التفاعل الحي معه وتلقى إمداداته من علوم وأحوال وأخلاق، واتخاذ القرءان مهجورا هو الإثم الأكبر الذي وقعت فيه كل طوائف الأمة وانهارت بسببه حضارتهم وتدهورت مكانتهم وامتهنت كرامتهم.
ولعلم الحق سبحانه بطبيعة النفس الإنسانية فإنه أعلن من قبل أن مناط التفاضل والأكرمية عنده هو التقوى والتحقق بها هو أمر ممكن لمن كان له قلب أو ألقى السمع لآيات الكتابين الكتاب المقروء والكتاب المشهود، وهو لم يسمح لأحد من الفضوليين أن يتطفل على العلاقة بينه وبين عباده ولا أن يقحم نفسه عليها.
ومن لوازم التقوى ألا يتعدى المرء حدود الله تعالي؛ وذلك من لوازم ومقتضيات أركان عظمي مثل العمل بمقتضيات الأسماء وتقوي الله، والعلاقة بين الله سبحانه وبين عباده محددة وفق نسق من القوانين والسنن والأحكام والأوامر والتعليمات، وكل إنسان ملزم بالتوافق مع كل ذلك والعمل وفق مقتضياته، فأي إنسان لم يفعل ذلك يكون قد تعدى حدود الله تعالى، ولقد بين الكتاب للناس تلك الحدود وأمرهم ألا يتعدوها أو يعتدوا عليها، وهذا الأمر يتضمن بيانا بأن الإنسان حر مريد مختار فيما يتعلق بتلك الحدود، والنسق المذكور هو ما اقتضته منظومة أسماء الرحمة والهدى فهي التي اقتضت كل ما يتعلق بالإنسان المكلف المختار من أوامر شرعية دينية، أما القوانين والسنن الكونية فلا يملك الإنسان ترف العلو عليها أو تعديها.
والتحقق بتقوى الله هو جماع تحقق الإنسان بمقتضيات ذكر الله فيحبه ويجله ويوقره ويخشاه ولا يتعدى حدوده، فالتقوى هي جماع مقتضيات الإحساس القلبي الصادق بالحضور الإلهي، والتقوى هي ثمرة الركن الثاني وكذلك هي ما ينتج عن التحقق بذكر الله، ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن كراهية ما أنزل الله وتعدي حدود الله وألا يقيم الإنسان وزناً لأوامر الله ونواهيه، ومن لوازم هذا الركن المبادرة بالتوبة والاستغفار كلما صدر عن الإنسان معصية.
أما علم العقيدة الذي أسموه بعلم الكلام فهو حقا ليس إلا كلاما في كلام، ولقد صاغوا فيه تلك العقيدة وفق مقتضيات المنطق الصوري ومطالبه ووفق مصطلحات الفلسفات الغابرة، وهكذا حولوا العقيدة الإسلامية الحية النابضة الموحية إلى تمارين كلامية وتدريبات على هذا المنطق الشكلي الأجوف الذي لا يمكن أن يقدم أية معرفة جديدة.
ولعلم الحق سبحانه بطبيعة النفس الإنسانية فإنه أعلن من قبل أن مناط التفاضل والأكرمية عنده هو التقوى والتحقق بها هو أمر ممكن لمن كان له قلب أو ألقى السمع لآيات الكتابين الكتاب المقروء والكتاب المشهود، وهو لم يسمح لأحد من الفضوليين أن يتطفل على العلاقة بينه وبين عباده ولا أن يقحم نفسه عليها.
------------
إن التحقق بالتقوى هو من مقتضيات القيام بحقوق الأسماء الحسنى وإجلال وتعظيم السنن الإلهية واحترام الحقائق الوجودية، والتقوى لا تعني بالضرورة التباكي ولا سكب الدموع مدراراً، ولكن التقوى هي جماع ما يترتب علي الوعي والإحساس الصادق بالحضور الذاتي الإلهي من أقوال وأعمال ومشاعر، والتقوى تدفع الإنسان إلى النظر في الظواهر الطبيعية المألوفة من حيث هي آيات إلهية تشير إلى سمات إلهية، وللتحقق بالتقوى يجب الالتزام والعمل بمقتضيات كل ما ورد مصاحباً للأمر بالتقوى والعمل علي اكتساب ما وصف به المتقون في القرءان الكريم، أما من تحقق بالتقوى وصارت كل أفعاله بمقتضاها فهو موعود ومبشر بالجنة.
والتقوى من أركان المنظومة الأمرية الرحمانية أي منظومة القيم الإسلامية، والتحقق بالتقوى هو على رأس مقاصد الأوامر القرءانية، وهي من الأهمية بحيث أنها من مقاصد إنزال القرءان وجعله عربياً ومن مقاصد الظواهر الطبيعية والآيات الكونية والأركان دينية، وهي من الأركان الفرعية لهذا الركن ولركن التزكية، والآيات الآتية تبين أهمية التقوى كمقصد من مقاصد الدين:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة21  *  {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة179  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة183  *  {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }الأنعام153  *  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }البقرة187  *  {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الأنعام51  *  {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـكِن ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}الأنعام69  *  {إِنَّ فِي اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ }يونس6 {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قرءاناً عَرَبِيّاً وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً}طه113  *  {قرءاناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الزمر28
والأمر بالتقوى من أسباب الفوز بالمعية الإلهية الخاصة وهو مستند إلي الأسماء والشؤون الإلهية، والإنسان ملزم بالتحقق بها والعمل بمقتضياتها، قال تعالى:
وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }البقرة194-*-وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}البقرة196-*-وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }البقرة203 -*- وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}البقرة223-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}البقرة231-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}البقرة233-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }البقرة282-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ }المائدة4-*- وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }المائدة7  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }المائدة8  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }المائدة96  *  المجادلة9  *  وَاتَّقُوا اللّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}المائدة108  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الأنفال69 وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ}الشعراء184  *  وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الحجرات1  *  وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}الحجرات12  *  وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الحشر7 وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}الحشر18  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2  *  وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}المائدة8  *  {وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ }المدثر56.

وثمة مراحل ثلاث للوصول إلي المراتب العليا للمتقين: المرحلة الأولية-المرحلة المتوسطة-المرحلة النهائية، والمرحلة الأولي تتضمن أوامر صريحة مباشرة، أما المرحلة المتوسطة فهي لمن بدأ يجني ثمار العمل بالأوامر، فهم طائفة في سبيلهم إلى أن يكونوا من المتقين، فهم ما زالوا في مرحلة جهاد النفس وتزكيتها، ويذكرون في الآيات بأنهم الذين اتقوا أو يتقون، ولذلك تتضمن الآيات حثاً لهم وتحريضاً على متابعة العمل بمقتضى التقوى وبياناً بأنها خيرٌ عاقبة وسبب للنجاة والفوز والفلاح ووجوب الرحمة، ومن كان من الذين يتقون ومات على ذلك فهو من أهل الجنة وإن ولم يتحقق بمرتبة المتقين، قال تعالى:
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}الأعراف156  *  {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }الأنعام32  *  وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }الأعراف169  *  {وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ}يوسف57  *  {وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }النمل53  *  {وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}فصلت18 {وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }البقرة103  *  {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }البقرة212  *  لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }آل عمران15  *  لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}آل عمران172  *  {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلاً مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ }آل عمران198  *  {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأعراف96  *  {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}يوسف109  *  {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ }الرعد35{إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}النحل128 *  {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً }مريم72{لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ }الزمر20  *  {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}الزمر61  *  {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ }الزمر73

وأعلي المراتب هي لمن كان من المتقين، والمتقي هو من تحقق بالتقوى؛ أي هو من تزكى بالعمل بمقتضى الأوامر القرءانية التي تتضمنها الآيات التي ورد فيها كلمة التقوى ومشتقاتها، فهو الذي صارت سمة التقوى وصفاً لازماً له وعلماً عليه وصار هو من تمثلاتها ومظاهرها، فمثل هذا سيجد هداه في كتاب الله، فله بذلك حسن العاقبة والقبول، وله أن ينعم بالولاية والمحبة والمعية الإلهية الخاصة، وهو مبشر بالجنة بل هو يحيا فيها بالفعل، فالتقي هو من أصبحت التقوى سجية له وملكة راسخة في كيانه الجوهري، والآيات الآتية تبين ما يتعلق بهذا المصطلح ومقتضياته:
{ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{4} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{5} البقرة  *  {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }البقرة177  *  {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }البقرة194  *  {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }آل عمران76  *  {وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ }آل عمران115  *  {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }آل عمران133  *  {هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ }آل عمران138  *  قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }المائدة27  *  {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }الأعراف128  *  {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }الأنفال34 {فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }التوبة4  *  {فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }التوبة7 {وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }التوبة36  * {لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ }التوبة44  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ }التوبة123  *  {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }هود49  *  {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ }الرعد35  *  {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ }الحجر45  * {وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ }النحل30  *  {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ }النحل31  *  {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً }مريم85 {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً }مريم97  *  {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }النور34  *  {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيراً }الفرقان15  *  {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ }الشعراء90  * {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }القصص83  *  {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ }ص28  *  {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ }ص49  *  {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }الزمر33  *  {وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }الزخرف35  *  {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ }الزخرف67  *  {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ }الدخان51 {وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ }الجاثية19  *  {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ }محمد15 {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ }ق31 *  {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}الذاريات15  *  {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ }الطور17 *  {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ }القمر54  *  {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ }القلم34 *  {وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ }الحاقة48  *  {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ}المرسلات41 *  {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً }النبأ31.
------------
إن المقصد الأعظم للدين هو تعريف الإنسان بأسماء الله تعالى سماته حتى يقوم بحقوق تلك الأسماء أي بحقوق التجليات الإلهية، والتجلي الأعظم الذي يجب على الكل القيام بحقه هو الحضور الذاتي الإلهي مع كل شيء، قال تعالى: { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ( الحديد: 4 )، يجب على كل إنسان أن يعلم أن الله تعالى معه بهويته بلوازمها من أسماء وسمات، وأن تلك المعيَّـة أمر يتعالى على كل إدراك وتصور، ويترتب عليها أن الله بصير بالعباد وبكل أعمال العباد، أي هو محيط بتلك الأعمال من كل حيثية وبكل كيفية، فهو يدرك الأعمال ويدرك الدوافع والمقاصد والنوايا والهيئات النفسية التي صدرت عنها، فالإله الأقدس ليس بمنزوٍ هنالك في ركن قصيّ، بل له الإحاطة الشاملة الكاملة بكل شيء، والغرض من كل الأوامر والتعليمات الدينية هو توطين الإنسان على الإحساس الدائم بهذا الحضور، لذلك فلا قيمة للالتزام بآلاف الأوامر وأداء العبادات بل والمغالاة فيها إذا انشغل بها الإنسان عن هذا الحضور أو ظنّ أنها مقصودة لذاتها، بل أنها تصبح وبالاً على الإنسان إذا ما صدَّته عن المقصد الأعظم، وهكذا فلا قيمة للصيام مثلاً إذا انشغل الإنسان بجوعه وبمقتضياته وبإحكام الصيام عن رب العالمين، فالإحساس بالحضور الذاتي الإلهي هو ذكر الله، أي عدم الغفلة عنه، وهو الهدف الأكبر من كل الأوامر والتعليمات والعبادات، قال الله تعالى لموسى عليه السلام : { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذكْري}  (طه: 14)، وقال: { إِنَّ الصَّلاّة تَنْهَى عَنْ الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ } ( العنكبوت: 45)، أما ترديد الأسماء أو التسابيح أو الأدعية أو الأذكار المأثورة فهو ليس إلا وسيلة للوصول إلى هذا الذكر.
إن كل مقتضيات ذكر الله تعالى أو الإحساس بالحضور الإلهي يجمعها أمر واحد هو التقوى، فالتقوى هي القيام بمقتضيات ذكر الله أو بمقتضيات الإحساس بالحضور الذاتي الإلهي، وهكذا فالمعادلة واضحة تماماً: كل أوامر الدين ونواهيه وأعماله وعباداته وترديد الأدعية والأذكار وسائل نحو الهدف الأكبر وهو ذكر الله تعالى أي الإحساس بالحضور الإلهي أي عدم الغفلة عنه سبحانه، وذلك يقتضي أموراً ويترتب عليه أشياء يجمعها كلها كلمة التقوى، فالتقوى هي المقصد من كل صور العبادات ولكل أوامر الدين وتعاليمه، قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقكُم وَالَّذِين مٍنْ قَبْلِكُم لَعَلَّكْم تَتَّقُونَ } (البقرة: 21)، { خُذُوا مَا ءاتَيْنَاكُمْ بقُوَّةٍ واذْكُرُوا مَا فيه لَعلَّكُم تَتَّقُونَ } ( البقرة : 63 )، { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوليِ الأَلبْابِ لَعَلَّكم تَتَّقُونَ } ( البقرة: 179 )، { كُتِبَ عَليكُم الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِين مِنْ قَبْلِكُم لَعَلَّكم تَتَّقُونَ } ( البقرة : 183 )، { ذَلِكُم وصَّاكُم به لَعَلَّكم تَتَّقونَّ } (الأنعام : 153 ).
وهكذا فكل التعاليم والتشريعات والعبادات الدينية وسائل، ولا ينبغي أبداً أن تتحول إلى طقوس تقليدية، أو إلى أهداف مقصودة لذاتها، وحتى يكون كل إنسان على بصيرة من أمره فإن لذكر الله تعالى علامات على المرء أن يفتش عنها في نفسه، قال تعالى :{ الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ } ( ‏آل عمران191)، {يَـأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ } (المنافقون : 9)، {رِجَالٌ لاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ } ( النور: 37).
وهكذا فعلامات ذكر الله ألا ينشغل المرء بمال أو بولد أو بعمل أو بحالة يكون عليها، كذلك قال تعالى: {إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} ( الأنفال : 2 )، { الّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ } ( الرعد : 28 )،{ ثُمّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىَ ذِكْرِ اللّهِ } ( الزمر: 23)، { أَلَمْ يَأْنِ لِلّذِينَ آمَنُوَاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللّهِ } ( الحديد : 16).
إن علامات ذكر الله يجدها المرء في قلبه أي في جوهره ولبِّه وهي الطمأنينة والخشوع والوجل واللين، ويجدها أيضا إذا ذكر الله أمامه أو تليت عليه آياته فيعمل بما يقتضيه هذا الذكر فيكون بذلك من المتقين، وذاكر الله تعالي هو المؤمن الحقيقي كما تبين الآيات فهو الذي أمن من الارتداد أو الشكوك والريب، أما الجائزة الكبرى للذاكر فهي أن يذكره الله تعالي ذكرا خاصا إذ هو أصلاً لا يضلّ ولا ينسى، قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } ( البقرة : 152 )، فالله تعالى بهذا التعهُّد قد أوجب على نفسه أن يكون ذاكره دائماً بباله، يعمل على قضاء حاجاته وصلاح أمره ورفع ذكره وشرح صدره وضمان النجاة والسعادة له.
وفي الجانب المقابل فإن من يفتقد الإحساس بالحضور الإلهي أي يغفل عن ذكر الله تعالى سيجد لذلك علامات في نفسه، وسيراها الناس فيه، قال تعالى :{وَإِذَا قَامُوَاْ إِلَى الصّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىَ يُرَآءُونَ النّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاّ قَلِيلاً}(النساء: 142)، {وَإِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزّتْ قُلُوبُ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } (الزمر : 45)، { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرّحْمَـَنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } (الزخرف : 36)، { اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللّهِ } ( المجادلة : 19)،{ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }( الكهف : 28 )، { فَأَعْرِضْ عَن مّن تَوَلّىَ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاّ الْحَيَاةَ الدّنْيَا } (النجم : 29)،{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَىَ} ( طه: 124 )، فالإعراض عن ذكر الله يؤدي إلى فساد القلب وعماه، وهذا هو عين النفاق، وهو مرض خطير يصيب جوهر الإنسان فتنطمس بصيرته؛ التي هي عين كيانه الباطن، فيحشر يوم القيامة أعمى، لأن الأمر سيكون هناك لما كان عليه باطن الإنسان، فمن كان كذلك فإنه لا يؤدِّي الصلاة إلا رياء طمعاً في مرضاة إنسان مثله أو نفاقاً إذا كان مغلوباً على أمره، ولا يطيق أن يذكر الله أمامه، بل يتلذَّذ دائماً بذكر من هم دونه، فلا تعلق له إلا بالدنيا ولا اتباع إلا لهواه، يسير كما تتقاذفه الدنيا بلا هدى وبلا دليل وبلا برهان، لقد استسلم مثل هذا بمحض اختياره لعدوه ومكَّنه تماماً من نفسه، فاستحوذ عليه الشيطان وأنساه ذكر ربه، وصار له قريناً يقوده إلى ما فيه هلاكه وحتفه، ولذا لا انتفاع له بمتاع دنياه القليل بل هو في هم وغم وضنك.
إن ذكر الله تعالى يجعل كل عمل يؤديه الإنسان قياماً بمقتضيات التقوى وتحققاً إضافياً بها، وطبقاً للقوانين والسنن الإلهية لابد من نتيجة لتلك التقوى. فما هي؟ قال تعالى: {وَاتّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنّ اللّهَ مَعَ الْمُتّقِينَ }(البقرة: 194)، { إِنّ اللّهَ مَعَ الّذِينَ اتّقَواْ }( النحل: 128)، وهكذا فإن المتقي يظفر بالمعيِّة الإلهية الخاصة، وتلك المعيِّة الخاصة تكون بأن يحب الله عبده وبأن يكون ولياً له فينصره ويتولى أمره، قال تعالى: { إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتّقِينَ} (التوبة:  4 ، 7)، {وَاللّهُ وَلِيّ الْمُتّقِينَ }(الجاثية: 19 )، وتلك المحبة الإلهية للمتقين تعني أن يضمن لهم سبحانه أن يكون لهم فرقان يعرفون به الحق من الباطل، وأن يجعل لهم نوراً يمشون به، وأن يضمن لهم الأمن والنجاة والفوز وحسن العاقبة في الدنيا والآخرة، وأن يضمن لها الدرجات العلى في الجنة وأعلاها أن يكونوا في مقعد صدق عنده، قال تعالى :{ قُلْ مَتَاعُ الدّنْيَا قَلِيلٌ وَالاَخِرَةُ خَيْرٌ لّمَنِ اتّقَىَ }(النساء : 77)،{ فَمَنِ اتّقَىَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}(الأعراف: 35)،{ لِلّذِينَ اتّقَوْا عِندَ رَبّهِمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ } (آل عمران : 15)، { إَن تَتّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ }‏(الأنفال: 29)، {وَيُنَجّي اللّهُ الّذِينَ اتّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسّهُمُ السّوَءُ } ( الزمر: 61 )، { إِنّ الأرْضَ للّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ }( الأعراف: 128)، { فَاصْبِرْ إِنّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتّقِينَ } ( هود : 49 )، { إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَنَعِيمٍ } ( الطور : 17 )، { لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتّقِينَ }( النحل: 31)، { وَالاَخِرَةُ عِندَ رَبّكَ لِلْمُتّقِينَ } ( الزخرف: 35)، {إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مّقْتَدِرِ }( القمر: 54، 55)، { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَآمِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } ( الحديد: 28 )، وتُبيِّن هذه الآيات أن التقوى درجات، وأعلى درجات التقوى هي مقتضيات أعلى درجات الذكر، فأعلى درجات الذكر أن لا يغفل الإنسان عن ربه طرفة عين، وهذا يستلزم أن تكون صلاة الإنسان ونسكه ومحياه ومماته لرب العالمين وحده بلا شريك، فمن كان كذلك فهو في جناتٍ ونهر في مقعد صدق عند مليكٍ مقتدر.
ومن كل هذا يتضح أن ذكر الله والتقوى هما العلامة الفارقة بين المؤمن وبين غيره، من حيث الشعور والإحساس والوجدان.
وهكذا فإن المتقين قد فازوا بحب رب العالمين، أما المنافقون فقد باءوا بخسران مبين، لقد فاز المتقون بمعية رحمن رحيم، أما المنافقون فقد فازوا بشيطان مجرم ورجيم، لقد فاز المتقون بالأمن وجنات النعيم وباء المنافقون بالعمى وعذاب الجحيم.
*******
التـوكـل
إن التوكل الصادق على اسم إلهي يترتب عليه أن يعمل ذلك النسق من القوانين الذي اقتضاه الاسم وكذلك الملائكة والجنود الموكلون به لصالح الإنسان المتوكل، فالتوكل لا يعنى العلو على القوانين والسنن وإنما هو يستحث ملائكة وجنوداً يخدمون سننا من أنساق أعلي ليعملوا لصالح الإنسان.
إنه على الإنسان أن يعمل وفق المرتبة التي هو عليها وعلى الإنسان ألا يحمل نفسه من الأمر ما لا يطيق، والتوكل لا يعنى ازدراء القوانين والسنن ولكنه يعنى إجلالها وتوقيرها مع العلم بأن الله تعالى فوقها وأن لديه منها أنساقا أعلى لا يعلم معظم الناس عنها شيئا، وقد يترقى الإنسان بحيث يدرك أو يعلم بعضها فعليه عندها أن يكون عمله وفق مقتضيات ما علمه، ولكن ليس له أن يلزم الناس بما ليس في وسعهم وعليه ألا يفتتن بما وصل إليه علمه أو حاله أو أن يظن أن تلك القوانين تعمل بمعزل عن المشيئة الإلهية، ذلك لأن كل القوانين هي بالأصالة من مقتضيات تلك المشيئة.
*******
الاستغفـار
الاستغفار هو ركن فرعي من أركان الدين، ذلك لأنه من لوازم أركان عظمي مثل ذكر الله وتزكية النفس، وهو كذلك من مقتضيات القيام بحقوق منظومة المغفرة والتي تتضمن الأسماء التي تشير إلى صفة المغفرة مثل الغفور الرحيم والغفار والعزيز الغفور والعزيز الغفار والغفور الحليم والحليم الغفور، والاستغفار لازم لكل إنسان وذلك للنقص الملازم لماهيته واللازم لتعينها والذي يسري ويظهر في كل عمل من أعماله، فالإنسان في حاجة للوقاية من آثار أعماله للنقص الظاهر فيها والملازم لها، هذا بالإضافة إلى أنه لا يستطيع أحد القيام بما يجب للإله الأعظم من الحقوق، كما أن من يسعى على صراط من له الكمال اللانهائي المطلق يشعر دائما أنه مازال أمامه بقدر ما ترك وراءه وأنه مطالب بأداء واجبات لا تتناهى وأن ما قدمه لا يعد شيئا مذكورا بجانب ما يجب أن يقدمه، هذا بالإضافة إلى أن من يترقى بصفة دائمة يحس بقصور الحالة التي كان عليها، لذلك كان الاستغفار عنوان النجاة والسعادة والترقي الدائم.

والاستغفار من أركان الدين الفرعية الكبرى وهو سابق على التوبة النصوح، وهو من لوازم القيام بحقوق الأسماء الحسنى مثل الغفور الرحيم والقريب المجيب والرحيم الودود والغفَّار والتواب، والاستغفار يؤدي إلي سعة الرزق وزيادة القوى والقدرات وهو يحمي الإنسان من عواقب ذنبه ولوازم نقصه، ويمكن للإنسان أن يستغفر للمؤمنين بل إن ذلك من حقوقهم عليه، والاستغفار يحمي الإنسان من آثار أعماله السيئة التي هي مقتضيات نقصه الذاتي، وهو أيضاً من الوسائل المعتمدة لعلاج النفس وتزكيتها، ويجوز أن يطلب الإنسان من غيره ممن يثق في صلاحه أن يستغفر له، قال تعالى:
{وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }البقرة199  *  {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة286 {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }آل عمران(16)الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} آل عمران  *  {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران135  *  {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }آل عمران147  *  {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159  *  {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }النساء64  *  {وَاسْتَغْفِرِ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء106 {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً }النساء110  *  {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة74  *  {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ }الأعراف23  *  {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}الأعراف151  *  أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ }الأعراف155  *  {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الأنفال33  *  {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ }هود3  *  {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ }هود52  *  {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ}هود61  *  {وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ }هود90  *  {قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ }يوسف97  *  {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }يوسف98  *  {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ }إبراهيم41  *  {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً }الكهف55 {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً }مريم47  *  {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ }المؤمنون109  *  {وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ}المؤمنون118  *  {وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النور62  *  {قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }النمل46  *  {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }القصص16  *  {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }ص35  *  {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ }غافر7  *  {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ }غافر55  *  {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ }فصلت6 {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الشورى5 {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }محمد19  *  {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }الذاريات18  *  {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }الحشر10  *  {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }الممتحنة5  *  {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }التحريم8  *  {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً }نوح10  *  {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً }نوح28  *  {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}المزمل20  *  {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً }النصر3

 

وأفضل صيغ الاستغفار هي ما كانت عملا بمقتضى ما هو في القرءان وتأسياً بما استعمله الصفوة الأخيار من عباد الله، ومن لذلك: "رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"، "سبحانك ربي وبحمدك، اغفر لي إِنَّك كنت تَوَّاباً"، "رب اغفر لي إنك كنت غَفَّاراً"، "رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ"، "وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"، "رب اغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم"، "رب اغفر لي إنك أنت القريب المجيب"، "رب اغفر لي إنك أنت الرحيم الودود"، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ".

والاستغفار هو واجب محتم على كل إنسان وذلك لجبر آثار النقص اللازم والملازم لماهيته أو طبيعته الذاتية وكذلك لكيانه حال تحققه وظهوره, وبسبب هذا النقص فإنه لا يمكن لأحد أن يقوم بما يجب لله تعالى من عبادة وتقديس وحمد وشكر فإن المحدود المقيد لا يقوم بحق اللانهائي الواجب المطلق, فالاستغفار يجبر نقص الأعمال كما أنه يحمي الإنسان من آثار أعماله السيئة, فالاستغفار حق لله تعالى على عباده فما عبده أحدهم حق عبادته ولا أدى واجب شكره ولا أحصى نعمه ولا أثني عليه كما يليق بمرتبته, ولذا فكلما ارتقى الإنسان إلى مرتبة أعلى أدرك ما كان عليه من ذنوب في مرتبته الأدنى, فالذنب أيضا هو أمر نسبي يختلف باختلاف الدرجة والمرتبة.

*******

الشكـر

من لوازم إقامة صلة وثيقة بالله أن يحرص الإنسان دائماً على القيام بواجب الشكر، والشكر هو شعور قلبي بأن كل ما بالإنسان من نعمة هو من الله، ويصدق هذا الشعور ما يقتضيه من قول وعمل، فالشكر هو استعمال الإنسان كل ما لديه من إمكانات وملكات لتحقيق مقاصد ربه الدينية والوجودية، فهو بعمله بأركان دينه يظهر للناس تفاصيل الكمال اللانهائي المطلق لربه.
------------
إن الشكر هو شعور وجداني يقتضي عملا، والشعور هو الفرح بالمنعم الحقيقي الذي خلق الكائنات وأبدع سلاسل الأسباب والنتائج التي ساقت تلك النعمة إلى ذلك الإنسان وكأنه أبدع كل شيء وصرَّف الآيات ودبر الأمر ليسوق إليه تلك النعمة, إذ لو اختلف أمر بسيط فيما ذكر لما وصلت تلك النعمة إلى ذلك الإنسان أصلاً, وإن أعظم  النعم التي نالها إنسانٌ ما هو وجوده ذاته, فإن احتمال وجود إنسانٍ ما بعينه طبقاً لنظرية الاحتمالات يكاد يكون معدوماً إذ هو مترتب على أمور حدثت وكائنات وجدت على مدى مليارات السنين, ومع ذلك فإنه تحقق, فتلك هي النعمة الكبرى, وعلى الإنسان أن يعرف قدرها وأن يؤدي واجب شكرها، لذلك فلا أقل من أن يجعل صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين وأن يذعن له الإذعان التام وأن يعبده مخلصاً له الدين، وهذا يعني أن يكون وجوده كله لله رب العالمين, وهذا يستلزم منه الحفاظ على كيانه الظاهر وصيانته؛ فكل عمل يؤدي إلى صيانة الجسم  وصلاحه وتقويته هو من مقتضيات شكر النعمة, ومن تلك المقتضيات أيضا تزكية كيان الإنسان الجوهري الباطن وهذا يستلزم التحقق بذكر الله والتقوى.
------------
من حيث العبد فإن الحمد هو الإقرار لله بما هو له من السمات والأفعال والنعماء والآلاء، فهو يُحمد بكل ما هو له، أما الشكر فهو حالة خاصة منه، وهو يتضمن العمل بمقتضى الحمد، وهو من الأخلاق الإسلامية العظمى ومن مقاصد الدين كما أنه يقتضي أفعالاً هي من لوازم الإسلام الحقيقي، الشكر هو الإقرار بأن النعمة من الله واستعمالها كما يريد الله أي كما تقتضي الأوامر الشرعية، وهذا يقتضي عملا يعبر عن الإقرار للمنعم بالنعمة وإظهار الامتنان له.
والشكر يقتضي معرفة قدر ما استخلف الإنسان فيه وحسن استعماله للقيام بحقوق الأسماء الحسني وتحقيق مقاصد الدين العظمي، والشكر هو النقيض الفعال لكل من الكفر والشرك، فهو الإقرار لله بما هو له من الأسماء والسمات والشؤون والنعماء والآلاء والعمل بمقتضي ذلك، وهو من الأخلاق والأعمال العظمي.
------------
إن الشكر يعني الإقرار بأن النعمة هي بالأصالة من الله تعالى وحده والعمل بمقتضى ذلك، لذلك فإنه يضاده الكفر الذي يعني إنكار أن النعمة من الله أصلا وكذلك يضاده الشرك الذي يعني نسبة النعمة لمن هم من دون الله.
------------
إن الشكر كصفة هو من أركان المنظومة الأمرية الرحمانية، أما كعمل فهو ركن فرعي من لوازم وتفاصيل عدة أركان دينية مثل ركن العبادة وركن التزكية، والتحلي بالشكر والعمل بمقتضى ذلك من لوازم تحقيق المقصد الأعظم الثاني أي من لوازم أن يكون الإنسان إنساناً ربانياً صالحا، وهو من أفضل العبادات الموجبة لدخول الجنة، والتحقق بالشكر أعلي مرتبة من التحقق بالتقوى بل هو من مقاصدها، لذلك فالشيطان يسعى دائما لمنع الإنسان من اكتساب تلك الصفة أو العمل بمقتضاها.
الشكر هو صفة وعمل بمقتضى هذه الصفة، وهو النقيض الموضوعي والحقاني والفعال للكفر والشرك، والشكر من مقاصد الأفعال الإلهية ومن مقاصد الإنعام على الإنسان وتزويده بالحواس والملكات ومن مقاصد العبادات ومن مقاصد تصريف الأمور والآيات الكونية وهو مضاد للكفر، والشكر يتضمن الإقرار بالنعمة وبأنها من عند الله، ولذلك يقابله الكفر وهو جحود وإنكار النعمة، والشكر يرقي بالإنسان ويساعده على الإفادة من الآيات الكونية ومن الوقائع التاريخية.
والشكر هو ركن فرعي كبير من أركان الدين، وهو من لوازم العديد من الأركان الكبرى الجوهرية، وهو أيضاً من مقاصد الدين، وهو المضاد للكفر والشرك، فهو الإقرار لله بالنعمة والفضل وبأن النعمة بالأصالة هي منه وحده وتجنب نسبة ما هو له إلى غيره، والآيات الآتية تبين كل ما يتعلق بالشكر بأجلى بيان، وهي تبين أن التحقق بالشكر من مقاصد تدبير الأمور وتصريف وتبيين الآيات ومن مقاصد الأوامر والأركان الدينية والعبادات:
{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ }البقرة152  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }البقرة172  *  {ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}البقرة52  *  {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقرءان هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }البقرة185  *  {إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }البقرة243  *  {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }آل عمران123  *  {مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِراً عَلِيماً}النساء147  *  مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }المائدة6  *  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }المائدة89  *  {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ }الأعراف10  *  {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ }الأعراف58  *  {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }الأنفال26  *  إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ }يونس60  *  {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ }إبراهيم7  *  وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }إبراهيم37  *  {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}النحل14  *  {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }النحل78  *  {فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }النحل114  *  كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }الحج36  *  {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ}المؤمنون78  *  رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ }النمل19  *  {قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ }النمل40  *  {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ }النمل73  *  {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }القصص73  *  فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }العنكبوت17  *  {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }الروم46  *  {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}لقمان12  *  {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ }لقمان14  *  {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ }السجدة9  *  اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }سبأ13  *  {كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ }سبأ15  *  {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }فاطر12  *  {وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ}يس73   *  {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}الزمر7  *  {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ }غافر61  *  {اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }الجاثية12  *  رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }الأحقاف15  *  {لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ }الواقعة70  *  {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ }الملك23  *  وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144  *  {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ }آل عمران145  *  {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ }الأنعام53  *  {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ }الأعراف17  *  {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ }الأعراف144  *  {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ }الأنبياء80  *  {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ }الزمر66  *  {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }الإنسان3  *  {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً }الإسراء3  *  {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }لقمان31  *  {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ }سبأ13
وإن مرتبة الشكر بالنسبة إلى التقوى هي مرتبة الغاية بالنسبة إلى الوسيلة، وهذا مما يبين أهمية التحقق بالشكر.
والشكر هو شكر لله وشكر له على ما أنعم به على الإنسان من نعم ظاهرة وباطنة.
*******
التسبيـح
إن تسبيح الله تعالي يتضمن إدراك أنه متعال علي كل ما هو من دونه وإدراك أن حقيقة ذاته وحقائق أسمائه وأفعاله لا يمكن أن تخطر ببال مخلوق هالك، لذلك فإن نسبة الأمور إليه ليس كنسبتها إلى غيره؛ فكينونته مثلا هي أمر ذاتي له قائم به أما وجود من هم من دونه فإنما هو قائم به وله وهو من إيجاده وإبداعه، فهو القيوم المطلق، وإنما تنسب إليه الضمائر والأظرف الزمانية والمكانية والحروف اللغوية اللفظية كما يليق بذاته وليس بذوات مخلوقاته وليس في ذلك تعطيل وإنما هو تنزيه له عن تصورات المغضوب عليهم والضالين من عبدة الأسلاف والمشبهين، والإنسان لا يدرك من السمات الإلهية إلا ما يتصوره هو من صفاته، لذلك وجب عليه تنزيه ربه عن أوهامه وأوصافه وتصوراته، وهذا التنزيه هو لصالح نفسه ولن يبلغ به نفع ربه.
ولما كان الإنسان ذا قلب ونطق وجب عليه تسبيح ربه بلساني الحال والمقال، لذلك أُمِر بتسبيح ربه في كل الأحوال، والحق هو أنه ما سبح الله إلا الله، فهو وحده الذي يدرك ذاته كما يليق بذاته ويدرك حقيقة تعاليه على كل مخلوقاته، وتسبيحه لنفسه منزه عن أحكام الزمان والمكان، لذلك عبر عنه بالمصدر غير المقيد بزمان أو مكان (سبحان)، أما من هم من دونه فقد نسب إليهم تسبيحه وأُمروا بتسبيحه بالأفعال المقترنة بالزمان لخضوعهم لأحكام هذا الزمان، وكل الكائنات تسبح لله وتسبح أسماء الله وتسبح بحمد الله ولكن لا يفقه الإنسان كنه هذا التسبيح إلا بتعليم وتفقيه إلهـي، والإنسان من دونهم مأمور بتسبيح أسماء الله وبالتسبيح بأسماء الله.
أما المغضوب عليهم والضالون من أتباع المذاهب فلا يعنيهم في شيء أمر التسبيح لله، والذي هو ركن فرعي من لوازم كل أركان الدين الجوهرية، وترى أحدهم يسمع اسم الله يُذكر أمامه فلا يقيم له وزنا، أما إذا سمع اسم (صحابي جليل) أو اسم واحد من سدنة مذهبه فتراه ينتفض صارخاً بأعلى صوته "رضي الله عنه وأرضاه"، وهو نفسه لا يقيم لله أصلا وزنا، ولكنه بذلك لا يقصد إلا تعظيم وثنه!
------------
إن التسبيح المحض يقتضي من الإنسان تزكية نفسه بالعمل على تطهيرها من الصفات الرديئة والأخلاق الذميمة، والقيام بالتسبيح من الوسائل الفعالة لتحقيق ذلك خاصة إذا كان في جوف الليل، أما التسبيح بالحمد فيقتضي من الإنسان العمل على اكتساب الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة، وهو أيضاً من الوسائل الفعالة لتحقيق ذلك، فالتسبيح بنوعيه والتزكي بفرعيه يشكلان حلقة تغذية موجبة ومزدوجة يقوي كل عنصر فيها العناصر الأخرى.
------------
إن التسبيح يتضمن  خضوع كل الكائنات لسنن ربها والتسبيح بالحمد يتضمن مع ذلك إظهارها لتفاصيل حسنه المطلق وحسن سماته، والإنسان العاصي مسبح من حيث خضوع كل مكوناته لسنن ربه ومن حيث أن عصيانه يظهر ما لدي الإنسان من إرادة حرة واختيار ويظهر الحلم الإلهي عليه، أما الإنسان المؤمن الطائع فهو مسبح لربه ومسبح بحمد ربه من حيث عمله بمقتضي الأوامر التكليفية، ولابد من الطاعة والعصيان ليتميز كل منهما عن الآخر وللدلالة علي الأصل العدمي للكيانات المخلوقة ولكل ما هو غير وسوى، فمن لوازم التسبيح بالحمد الإيمان بما لله تعالي من الحسن المطلق والأسماء الحسني وأن تكون حياة الإنسان إظهاراً لكمالات ربه وإتماماً لظهور حكمته، وهذا يقتضي أن يكون داعيا إلى ربه وداعيا إلى الخير، ولما كان التسبيح من الأركان الفرعية لركن الذكر فلقد سبق إيراد آياته هنالك.
إنه بتسبيح كل كائن يتعين وجوده ويتحقق، وبهذا التسبيح تظهر وتفصل سمات الحسن الإلهية وبذلك يحمد، والتسبيح هو مجال للفقه، فلابد من ملكة الفقه لإدراك حقيقة التسبيح، ولابد ليتعين التسبيح ويتحقق من إطار ملائم، وهذا الإطار من مقتضيات الاسم "الأول والآخر والظاهر والباطن"، فلا غنى لكيان عن إطار يتعين وجوده بالتسبيح فيه.
إن التسبيح الحقيقي يشبع نزعة التقديس الكامنة في نفوس الناس بطريقة سليمة مأمونة حقانية مثمرة، وهو يتضمن إقراراً من المسبِّح بتغيره هو والناس وبتنزه المسبَّح عن مثل هذا التغير، لذلك من التسبيح الشركي الخاطئ ألا يكف أحدهم عن سرد مزايا ومناقب أحد الأسلاف دون أن يبين للناس الحقيقة كاملة وكيف أنه كان من قبل في ضلال مبين وكيف أنه قد يكون قد بدل وغيَّر وانقلب على عقبيه، ويجب العلم بأن تزكية الناس بدون علم أو برهان مبين هي إثم عظيم منهيٌّ عنه في القرءان الكريم، إنه من الأفضل للناس أن يتعلموا كيف يسبحون ربهم وأن يكفوا عن تسبيح غيره، إنه يجب العلم بأن أمر الله تعالى للناس بأن يسبحوا بحمده يتضمن نهياً عن أن يسبحوا بحمد غيره، كما أن أمره لعباده بأن يستغفروا لإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان يتضمن الإعلام بأنهم لم يكونوا معصومين من الذنوب وأنه كان منهم من لم يؤمن أو من ارتد على أعقابه وأنهم ليسوا بسادة ولا بأرباب لغيرهم وأنه لا يجوز اتخاذهم كذلك أبدا.
------------
إن كل مخلوق بمجرد تعينه ووجوده يكون مسبحاً بحمد ربه، ذلك لأنه لا وجود له ولا تأثير له ولا ظهور له إلا بتغير إحداثياته في إطار أو أكثر، وهو بذلك يشير إلى تنزه الخالق عن كل ذلك وإحاطته بكل ذلك، وهو بذلك أيضاً يظهر ويفصِّل بعض آيات ربه، وهذا هو التسبيح بالحمد.
*******
الحمــد
إن الحمد بالأصالة هو لله تعالى بمعنى أن له سمة الحسن المطلق وله كل تفاصيل تلك السمة من سمات الحسن، والقول بأن الحمد لله هو الإقرار بما هو للحميد المجيد من حسن السمات وإظهار ذلك على أي مستوى من المستويات، ومن الحمد لله الإقرار له بما سمي به نفسه من الأسماء الحسني وما نسبه إلى نفسه من الأفعال والسنن والشؤون والسمات العليا.
ومما يحمد به الله أنه لم يتخذ ولداً فهذا يعني أن كل الخلق سواسية أمامه لا فضل لأحد علي أحد إلا بما بينه هو من التقوي والعمل الصالح، وتلك المساواة هي من مقتضيات ومظاهر ولوازم أنه الحق، فهو يأمر بالعدل وبالقيام بالقسط، والعدل هو من أعظم ما يحن إليه البشر وهو من أعظم المطالب الإنسانية وسعياً لتحقيقه اشتعلت الثورات وسُفكت الدماء، والقيام بالقسط من مقاصد إرسال الرسل بالبينات، قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}(الحديد: 25)، ويكاد يكون أقوى أمر قرءاني من حيث أساليب التأكيد المستعملة هو هذا الأمر: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء:58].
ومن الحمد لله أن يعلم الإنسان أنه لا شريك له في ملكه؛ فكلهم خاضعون له مربوبون له خاضعون لسننه، فليس لأحد أن يتعالى على أحد ولا أن يدعي أنه ابن لله أو أنه يشاركه في ملكه أو يدبر الأمر معه أو أنه نصيره والمتحدث من دون الناس باسمه، وليس له أن ينسب إلى نفسه سلطاته، وما ادعي شيئا من ذلك إلا من كان في قلبه مرض أو تسلط عليه شيطان مريد، وما تسلط على الناس بادعاء ذلك إلا كل متكبر جبار ذاق الناس بسببه ألوانا من الذل والعذاب.
أما الرب الذي يستحق الحمد فهو الذي له الملك والعلو والعظمة والكبرياء والقهر وهو مع ذلك (عفو غفور) و(رحيم ودود) و(رؤوف رحيم) و(غفور ودود)، والإنسان الذي يدرك ذلك هو في راحة عظمي وسعادة كبري، فأي نعمة أعظم من التحقق بإدراك أن الذي يربُّك ويتولى شؤونك ويدبر أمرك هو الله الذي له الأسماء الحسنى، فهو الذي خلقك وهو الأدري بك، وهو الذي يعلم ماذا يصلحك ويسعدك، وهو الذي يهديك إلى ما به تمام ظهور تفاصيل حسنه المطلق الذي هو عين ما به وصولك أنت إلى كمالك المنشود والذي هو عين القرب المأمول منه والذي هو عين تجليه عليك بما هو له وبما يتحمله ويسعد به كيانك.
------------
والثناء على الله هو من لوازم إقامة صلة وثيقة بالله، وهذا يتضمن ذكر ما هو له من سمات الحسن وشئون الكمال، والثناء على الله لا يستلزم نفي وجود كائنات أخرى ولا نفي صفاتها وأفعالها، كما لا يستلزم القول بأنه عينها أو عين وجودها، بل إنه سبحانه يُحمد ويُسبح بحمده بوجود هذه الكائنات وما يسري عليها من السنن، أما صفات النقص الظاهرة في المخلوقات فإنما يرجع إلى العدم التي هي مسبوقة لا محالة به، أما المحظور والممنوع فهو أن يزعم أحدهم لنفسه أو لغيره عين السمة الإلهية أو أن يزعم للإله شيئاً من لوازم البشرية أو أن يقيده بشيء من تصوراته المنتزعة من عالمه.
------------
ويجب العلم بأن الله سبحانه هو الغني المطلق، فلا حاجة به إلى أن يثني أحد عليه، فالإنسان هو الذي سينتفع بالثناء على الله بذكر ما هو له من الأسماء الحسني وسيتزكى به كيانه الجوهري، والإنسان بتسبيحه بحمد ربه إنما يعمل على التوافق باختياره مع السنن الكونية فينتفع بذلك على كافة المستويات.
*******

التكبيـر

إن الله هو الأحق بالتعظيم والتكبير؛ فهو الكبير لذاته ولمرتبته والمتكبر على كل ما هو من دونه، وهو أكبر من كل صفة يمكن أن يوصف بها ومن أرقي تصور يمكن أن يخطر ببال مخلوق وما حام حول حماه إدراك، وما أُمر الإنسان بتكبيره إلا ليعود نفع ذلك عليه، ذلك لأن من كبَّره عظُمَ شأنه في قلبه فهان عليه أمر كل من هم من دونه فلا يفتتن ببشر ولا يخضع قلبيا لمجرم ظالم ولا يخشى الموت ولا يقيم للدنيا كبير وزن ولا يكتئب ولا يفرح بأمر دنيوي ولا تعتريه المشاعر المخربة.
------------
إن التكبير هو استجابة لأمر إلهي واضح، وهو يتضمن إدراك سموّ وتعالي الله على كل ما هو من دونه، والحمد يعني إدراك سمو أسمائه وسننه وأفعاله وسماته وإدراك أنه غاية كل قصد وأنه يمكن للإنسان أن يعتمد عليه وأن يركن إليه دون احتياج إلى مخلوق مثله يؤذيه بمنِّه ويتعمد إذلاله لما يري من حاجته إليه، والحمد يتضمن إدراك أنه أعلم بحاجات عباده يلبيها لهم دون سؤال منهم وربما أجابهم مع كفرهم به، فهو يقبل من عباده اليسير من الطاعة ويلبي احتياجاتهم باليسير من الدعاء، وربما أجاب من دعاه بلسان الحال قبل أن يتوجه إليه بالمقال.
------------
إن الله سبحانه ليس محلا لأفعال العباد ولا لآثار أعمالهم ولا يمكن أن تغير تصوراتهم حقيقة ذاته فهو الذي له الكبرياء الذاتي المطلق دونما حاجة لأن يكبِّره أحد، ولكن الذي سينتفع بالتكبير والذي هو محل له هو الإنسان، فالتكبير هو أمر واجب وفرض ديني لازم وهو من تفاصيل كل الأركان الدينية الجوهرية، ومجاله هو ما لدى الإنسان من تصور أو مفهوم عن ربه؛ فيجب على الإنسان أن يكبر ربه بلسانه بحضور قلبه ثم بكل كيانه حتى يعظم عنده قدره ويهون شأن كل من هو من دونه فلا يجرؤ الإنسان بعد ذلك على عصيان أمره بل تكون لربه المكانة الأعظم عنده فلا يقيم وزنا لأمر يخالف أوامر ربه.
------------
إن التكبير يقتضي أن يحتفظ الإنسان لربه في قلبه بالمكانة العظمى والعمل بمقتضى ذلك وبكل ما يمكن أن يزكي ذلك، وللتحقق بذلك يجب أن يعلم الإنسان أن الله سبحانه يسمو ويتعالى فوق كل التصورات والمفاهيم، فهو فوق مفهوم الذات والسمات والصفات والشخصية والوجود، وكيانه الحقيقي يغني ويكفي عن كل ذلك ويقوم بكل ذلك دون أن يتقيد بشيء من ذلك.
============
الاستعاذة بالله
إن الإنسان مأمور في القرءان بالاستعاذة بالله، والاستعاذة بالله ليست بمجرد التلفظ ببضع كلمات وإنما تعني إبداء مشاعر حقيقية تجاه الله سبحانه كتلك التي يشعر بها الطفل الصغير تجاه أبيه إذا ما واجه خطراً داهما، لذلك فعلي الإنسان أن يلوذ بربه وأن يعتصم به وأن يلجأ إليه وأن يحتمي به وأن يستشعر خطورة الشيطان وجنده على نفسه وأن يثق ثقة تامة في قدرة ربه علي حمايته، وهذا كله يقتضي الإحساس الدائم بالحضور الإلهي والتذكر الدائم لهذا الحضور، قال تعالى:
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأعراف200  *  {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ }هود47  *  {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقرءان فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ }النحل98  *  وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ{97} وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ{98} المؤمنون  *  {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}غافر56  *  {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }فصلت36  *  قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ{1} مِن شَرِّ مَا خَلَقَ{2} (الفلق)  *  قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{1} مَلِكِ النَّاسِ{2} إِلَهِ النَّاسِ{3} مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ{4} (الناس)
*******
اتخاذ الله وليا
إن الإنسان مأمور في القرءان بأن يتخذ الله وليا، لذلك يجب أن يتخذ الإنسان ربه ولياً وأن يلتزم بالولاء المطلق له، وهذا يلزمه بألا يتخذ ولياً من دونه، ومن كبائر الإثم أن يوالي الإنسان من اتصف بصفة مكروهة أو ملعونة أو من كان عدوا لله وكتابه ورسوله، والولاء لله إنما يكون من منطلق شدة الحب له والثقة التامة به والعلم بأسمائه الحسني ومقتضياتها من السنن، واتخاذ الله وليا يقتضي الاعتصام بالله-الولاء له-الاستنصار به-التوكل عليه-أن يتبع ما أنزل إليه-ألا يتبع من هم من دونه، ومن يتخذ الله ولياً لا يخشى شيئا، قال تعالى:
قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ{195} إِنَّ وَلِيِّـيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ{196} (الأعراف)  *  {وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}الأنفال40  *  وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }الحج78  *  {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ }محمد11  *  وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة286  *  {بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ }آل عمران150  *  {ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ }الأنعام62  *  {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }التوبة51  *  {هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }يونس30  *  وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}التحريم2  *  {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}البقرة107  *  {قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }البقرة120  *  اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ (257) (البقرة)  *  وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ(68) (آل عمران)  *  وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(51) (الأنعام)  *  {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ}الأنعام70  *  {إِنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}التوبة116  *  رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ{101} (يوسف)  *  {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ }الرعد37  *  {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً}الكهف26  *  {وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاء وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ}العنكبوت22  *  {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ }السجدة4  *  وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ(8) أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(9) (الشورى)  *  وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ(31) (الشورى)  *  وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ(19) (الجاثية).
*******
الخشية والخوف
إن الخشية هي حالة من الإجلال والهيبة والشعور بعظمة الله وليست حالة من الرعب والذعر والهلع، أما الخوف فهو من الله ومن تبعة المخالفة عن أمره ومما خوَّف به عباده، وهو يخوف عباده رحمة بهم ولعلمه بطبيعة نفوسهم، قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ{57} وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ{58} وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ{59} وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ{60} أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ{61}المؤمنون  *  {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقرءان عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الحشر21  *  فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}البقرة150  *  الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}المائدة3  *  فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }المائدة44  *  أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ }التوبة13  *  {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ }الرعد21  *  {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ }الأنبياء49  *  {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً }الأحزاب39  *  إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ }فاطر18  *  {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }الزمر23  *  {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }الملك12  *  {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران175  *  {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }الأنعام51  *  {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }الأنعام81  *  {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ }الرعد21  *  {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً }الإسراء57  *  {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ }النور37  *  {وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ }الذاريات37  *  {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً }الإنسان7.
*******
الرضا عن الله 
إن الرضا عن الله يكون بالرضا عن سلاسل الوقائع والأحداث والابتلاءات التي دبَّرها الرب سبحانه وجعلها سببا ليتم الظهور التفصيلي للكمال المطلق وليصل بالإنسان أيضاً إلى كماله المنشود، ومن العبث الذي لا طائل من ورائه أن يتصور الإنسان أن سلاسل أخرى كان من الممكن أن تؤدي به إلى أفضل مما هو عليه بالفعل، وهو بتصوره هذا يرجح أمراً عدمياً على أمرٍ وجودي ويرجح اختياره على اختيار ربه، وكفى بذلك جهلا، ولا يعني هذا أن يكون الإنسان راضياً عن معصية ارتكبها أو أن يكون فخورا بها، ولكن عليه أن يستغفر ربه كلما تذكرها وأن يعلم أنها تشكل جزءا كان لازما لبناء النسق واتصال السلسلة التي أوصلته إلى ما هو عليه، فرُبَّ معصية دفعت الإنسان دفعا إلى البعد عن كل أسباب المعاصي والفرار منها إلى ربه فكان في ذلك سعادته، وربَّ طاعة دفعت صاحبها إلى الاستطالة على الناس وازدرائهم فأورثته كبرا لا علاج له تمكن منه وقاده إلى عذاب الجحيم.
============
إن الله تعالى هو أجلُّ الناظرين إلينا، وهو الناظر إلينا من حيث ذاته ومن حيث أسماؤه وآلاته، فلا يخفي عليه شيء منا، وهو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فمن يؤمن بذلك حقاً فإنه يعمل على إقامة صلة وثيقة به ولا يقترف معصية إلا مغلوباً على أمره.
ومن لوازم إقامة الصلة الوثيقة بالله تعالى أن يجعل الإنسان له المكانة الأعظم في قلبه وأن يغضب له وأن يحب من أحبه وأن يعظم كل ما نسب إليه، فعليه أن يعظم قدر كتابه وأن يثق بوعوده.
------------
إنه من رحمة الله بعباده أنه سمح لهم أن يعاملوه كشخص بينما هو فوق كل المفاهيم البشرية، وليس معنى ذلك أنه معنى أو نسق من المعاني، بل إن له الإنية الحقيقية المطلقة The true & the absolute I-ness بكل ما يعنيه ذلك، إن كيانه المطلق يعلو فوق كل التصورات، وهذا الكيان يقوم مقام الذات والكينونة والوجود والسمة والشخصية والقانون دون أن يتقيد بما لدى الإنسان من تصورات عن كل ذلك.
------------
من لا يعرف الله تعالى فليس في الحقيقة حيا، ومن لم يذق حلاوة الإيمان فهو يتقلب في دياجير الظلام، ومن لا يعقد العزم على اتباع الرحمن فسيتبع لا محالة الشيطان.
------------
من لوازم إقامة صلة وثيقة بالله أن يحرص الإنسان دائماً على القيام بواجب الشكر، والشكر هو شعور قلبي بأن كل ما بالإنسان من نعمة هو من الله، ويصدق هذا الشعور ما يقتضيه من قول وعمل، فالشكر هو استعمال الإنسان كل ما لديه من إمكانات وملكات لتحقيق مقاصد ربه الدينية والوجودية، فهو بعمله بأركان دينه يظهر للناس تفاصيل الكمال اللانهائي المطلق لربه.
------------
الاستغفار هو ركن فرعي من أركان الدين، ذلك لأنه من لوازم أركان عظمي مثل ذكر الله وتزكية الكيان الإنساني، وهو كذلك من مقتضيات القيام بحقوق منظومة أسماء المغفرة والتي تتضمن الأسماء التي تشير إلى سمة المغفرة مثل الغفور الرحيم والغفار والعزيز الغفور والعزيز الغفار والغفور الحليم والحليم الغفور والتواب الرحيم والتواب.
------------
إن الشقي التعس هو من لم يحاول معرفة ربه، أما المحروم فهو من لم يذق حلاوة حبه ولم ينعم ولو للحظة بقربه.
------------
إن الذي هو لكل داء خير الدواء أن يقيم الإنسان صلة وثيقة بربه وأن يعمل دائماً علي دعمها وترسيخها بأن يذكر دائما ربه بقلبه وأن يملأه بحبه وأن يسبح بحمده وأن يتغنى بذكره وأن يشدو بحسنه وجماله وأن يسجد لعزته ومجده وجلاله وان يراه محيطاً بكل شيء قاهراً فوق كل شيء.
------------
إن لب أركان الدين هو إقامة صلة وثيقة بالله تعالي والعمل علي دعمها وترسيخها، وهذا يقتضي إسلام الوجه لله والولاء لله والإخلاص لله والتوبة والإخبات إلى الله والإنابة إلي الله وحب الله والتحقق بتقوى الله والاعتصام به والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه والاستعانة به والاستعاذة به والفرار إليه والشكر له واتخاذه ولياً والعمل لإعلاء كلمته والإقرار بنعمته والمبادرة بالاستغفار عند أي خطأ في حقه واتباع الكتاب الذي أنزل.
إن الإخبات إلي الله من تفاصيل ركن إقامة صلة وثيقة به، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ إِلَى رَبِّهِمْ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }هود23، {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ }الحج34، {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}الحج54، والإخبات هو الاطمئنان إلي الله والثقة به وبأقواله ووعوده والخشوع له.
*******
إنه يجب أن يتعلم الإنسان منذ طفولته كيف يقيم علاقة وثيقة مع ربه وكيف يدعوه ويتوكل عليه ويعتصم به.
فيا أيها المؤمن إن الله سبحانه هو الحي القيوم، وهو أقرب إليك من نفسك يخاطب اعماق أعماقك وتستطيع انت أن تخاطبه في كل وقت وحين، بل إن من أركان دينه الحق أن تقيم علاقة وثيقة معه، فلماذا تضرب في الأرض ذات اليمين وذات الشمال بحثاً عن إمام أو شيخ أو ضريح أو مذهب يدعي أنه الصحيح، لقد دلَّـك على ما فيه راحتك وما يحفظ حقوقك ويصون كرامتك، فلماذا التعب ولماذا البحث عن الذلة لغيره؟ لماذا تعرض عمن هو أقرب إليك من نفسك وتبحث عن كل ما هو بعيد عنك؟ إن الله معك فتوكل عليه وفوض أمرك اليه وحدثه بكل ما يعن لك، وقد أنزل عليك الكتاب ويسره للذكر وجعله متاحا لك، ولقد حدثك فيه عن نفسه وعن نفسك ونبأك بمقاصده ومراده منك وبكل ما فيه صلاح أمرك في الدنيا والآخرة فهلمّ إليه ودع عنك التعلق بغيره.

*******





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق