الأحد، 1 مارس 2015

البِــرّ

البِــرّ


إن البر يتضمن كل أعمال الخير الأصلية والمتسقة مع فطرة الإنسان والتي هي بحكم طبيعتها نامية متكاثرة، والاتساق مع الفطرة يعني أنها من مقتضيات صفات الكمال التي تتضمنها الماهية الإنسانية، ولكون الإسلام هو دين الفطرة فإن البر يكاد أن يكون هو كل الإسلام، لذلك فإن أركانه المذكورة في الآيات الآتية هي من أركان الإسلام الحقيقي، ويجب أن يبدأ الإنسان بنفسه عندما يأمر بالبر.
وكرمز فإن اللفظ بر يشير إلى كل السمات والأفعال المترتبة على تسليم الإنسان وإقراره بعبوديته لرب العالمين وإلى كون تلك الأفعال مستمرة متكررة تعبر عن باطنٍ صالح، فهو يشير إلى خير ما إن ينتهي حتى يبدأ من جديد، لذلك فالاشتغال به يستحث حلقة تزكية مستمرة للإنسان.  
والآيات الآتية تبين ما يتعلق بهذه الصفة وكذلك مقتضياتها:
{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }البقرة44  *  {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }البقرة177  *  {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }البقرة189  *  {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }آل عمران92  *  {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }المجادلة9

فالبر هو كل وصف أو خلق يتصف به الإنسان وكذلك كل عمل يصدر عنه كمقتضى من مقتضيات وآثار الأسماء الحسنى وكأمر مضاد لمقتضيات النقص الذاتي للإنسان، وهو بالتالي يؤدى إلى تأكيد وتحقيق مقصد من مقاصد الدين العظمى أو الفرعية، وهو بذلك أيضا لابد له من أثر طيب على بعض أو كل كيانات الإنسان يجده في الدنيا أو في الآخرة أو في كليهما.
فالبر هو كل خلق أو عمل يؤدي إلى تقوية ذلك الكيان الإنساني المتعلق بالإله وكذلك الكيان الملكي في نفس الإنسان، فهو كل عمل يؤدى إلى تحسين صورة الإنسان الباطنة، أما الإثم فهو ما كان مضاداً لما سبق ذكره، فهو ما يؤدى إلى تقوية الجوانب الحيوانية والشيطانية في نفس الإنسان.
وأصل البر هو معرفة أسماء الله الحسنى كما وردت في الكتاب العزيز ومعرفة الآيات الكتابية والكونية والسنن الإلهية والكونية التي اقتضتها تلك الأسماء والتحلي بالأخلاق والصفات التي هي من مقتضياتها، كذلك يتضمن البر ما يلزم الإنسان من أعمال حتى يقابل تجليات تلك الأسماء بالأدب اللائق.
ومن البر الإيمان بالقدر والقضاء، وهو مترتب على الإيمان بأسماء الله الحسنى، ذلك لأنه يعنى الإيمان بأن كل ما وجد أو سيوجد من كائنات أو تحقق أو سيتحقق من وقائع إنما كان بمقتضى قوانين الله وسننه وتدبيره وتقديره وتعريفه وكل ذلك من مقتضيات أسمائه الحسنى.
ومن البر الإيمان بالكتاب أي بالقرءان الكريم، وهو الذي يتضمن أصول البر كما يتضمن ما يلزم لتعريف الناس بحقوق ربهم عليهم، لذلك فهو يتضمن ما يلزم للعلم بآياته وآلاته وسماته وأفضاله.

والبر هو جماع مقتضيات المثنى (الْبَرُّ الرَّحِيمُ) والاسم الإلهي (البر).

والمثنى (الْبَرُّ الرَّحِيمُ) هو من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.

أما الاسم (البـرُّ) فلم يرد بمفرده وإنما ورد للإشارة إلى سمة يمكن أن يفصل إليها المثني البر الرحيم.
فهذا الاسم من لوازم وتفاصيل أسماء النسق الأول، فهو بذلك من أسماء النسق الثاني؛ أي نسق الأسماء الحسنى المفردة.
والاسمان (الْبَرُّ الرَّحِيمُ) و(الْبَرُّ) من أسماء منظومة الرحمة والهدي التي اقتضت كل ما يلزم لصلاح الإنسان من قيم وأوامر وسنن، وسمة البر مقترنة ومرتبطة بالرحمة، والظهور الأكمل لهذا الاسم سيكون للمؤمنين في الجنة.
والاسم (الْبَرُّ الرَّحِيمُ) من أركان منظومة الرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء وكذلك الرحمة التي كتبها الله على نفسه للذين يتبعون ما أنزله عليهم من البينات والهدى.
وللقيام بحقوق الاسم (الْبَرّ الرَّحِيم) يجب أن يكون الإنسان بارّاً بمعنى ان يتسم بالبر كما بينه القرءان، قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ(177)} (البقرة)، فلا عبرة في البر بالظواهر السطحية للأمور، ولكن البر يتضمَّن ما يلي:
1.              الإيمان، فلابد من يصدق الإنسان بكل ما أتى به القرءان وخاصة الأركان العظمى للإيمان وعلى رأسها الإيمان بالله تعالى كما تحدث عن نفسه في القرءان، فذلك الإيمان هو الشرط اللازم لكي ينتـفع الإنسان بثمار عمله، ويكون عمله دائما سببا لرقى نفسه، فالإيمان يشكِّـل الأساس المنطقي السليم لعمل الإنسان.
2.              عدم الاستـئـثار بالمال فامتلاكه ليس بوسيلة للتعالي على الناس أو امتهان كرامتهم، ولكنه وظيفة اجتماعية ومسؤولية ملقاة على عاتق من استخلفه الله تعالى فيه ومكن له من أسبابه، وهو من وسائل ابتلاء الإنسان، ولأهمية ذلك هناك ركنان دينيان يلزمان الإنسان بالإنفاق من ماله في سبيل الله.
3.              إقامة شعائر الدين والتي ذكرت الآية منها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وبإقامة الشعائر تعلن الأمة المسلمة عن هويتها.
4.              التحلِّي بمكارم الأخلاق، ولقد ذكرت الآية منها الوفاء بالعهد والصبر في البأساء والضراء وحين البأس، فالبار يعلم أن الأمور تجرى بقوانين الله وسننه لتحقيق الغاية التي من أجلها خلق الأكوان، فهو لهذا يحيى مطمئناً ثابت الجنان.

فالبر هو الصفة الإيجابية العظمى التي تدفع الإنسان إلى أداء كل ما عليه من الحقوق بالحسنى أو بالتي هي أحسن.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق