الاثنين، 23 مارس 2015

اسم مصر ج1

اسم مصر ج1



ورد ذكر اسم "مصر" صراحة اسما عَلَميا  Proper name لبلد محدد معلوم للمخاطبين في خمسة آيات، أربع منها لم يمارِ فيها أحد أبدا، هي:
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ }يونس87، {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف21، {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ }يوسف99، {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ }الزخرف51.
فمصر في هذه الآيات المحكمة تشير إلى بلد محدد معلوم للمخاطبين من العرب وأهل الكتاب، ولم يجادل أحد أبدا في أن المقصود هاهنا هو مصر المعروفة للناس كافة، فهذا الاسم كان معروفا بكل اللغات السامية لهذا البلد، فهي في اللغة العبرية "مصرايم"، ويقابلها في اللغات السامية الأخرى: "موصور" بالآشورية و"ميصير" و"ميزرَيم" أو "ميصرَيم" بالبابلية، وصيغة المثنى في العبرية والبابلية هي من باب التعظيم والتفخيم، وهي أيضاً إشارة إلى الوجهين القبلي والبحري، أو مصر العليا ومصر السفلى، وهذه الأسماء وردت في وثائق وآثار الحضارات السامية الكبرى التي ظهرت في الشرق الأدنى في الزمن القديم، فلم تنفرد الكتب الدينية المنزلة بذكر هذا الاسم للدلالة على بلاد وادي النيل المعروفة، وبذلك أجمعت الكتب السماوية والسجلات التاريخية على هذه الحقيقة.

ومصر هذه وردت في سياق قصة نبيين بالتحديد؛ يوسف وموسى عليهما السلام، والقرءان يتحدث عن كيان كبير به شيع من الناس، وتجري فيه الأنهار وفيه مدائن كثيرة، وهو كيان به خزائن هائلة، وتنتابه أعوام من الوفرة وسنين من القحط، وبه زراعة وأبقار، وبه قانون يعاقب على بعض الجرائم بالسجن، وهو يتخذ من الحاكم إلها، وبه جنود تابعون للملك وجنود تابعون لشخصية نافذة اسمها هامان، كما أن به ثروات هائلة حتى إن أحد الأشخاص وهو قارون كان عنده من الكنوز مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ.
وفي هذه البلد كان يمكن لهامان أن يوقد على الطين فيبني صرحا ضخما، فهذه البلد يتوفر فيها الطين بكميات ضخمة كافية لبناء صروح ضخمة، والمصريون القدماء كانوا بالفعل يبنون الصروح والبيوت بالطين المشوي، ولا يستخدمون الحجارة إلا في المعابد والتماثيل؛ باستثناءات قيلة بالطبع، ولذلك لم يتبق من آثارهم إلا المعابد والتماثيل والقبور المنحوتة في الصخور أو تحت الأرض.
وعلى كل من يحاول أن يدعي خلاف ذلك أن يبين للناس ما هي البلد المعلومة للعرب ولأهل الكتاب التي كانت معروفة بهذا الاسم، فهي بالتأكيد بلد شرق أوسطي، ولا يمكن أن يقترب من هذه المواصفات ولو قليلا (بنسبة لا تزيد على 10%) إلا بابل، ولكن اسم بابل موجود في القرءان، ولو كان المقصود بمصر بابل لذكرها القرءان صراحة، ولو أخذنا التوراة في الاعتبار لما بقي أي مجال للشك في أن المقصود هو مصر المعروفة.  
والقرءان في كل ذلك مصدق لما بين يديه من التوراة، وتورد التوراة أيضا الكثير من تقاليد المصريين القدماء مثل وفرة المحاصيل الزراعية واحتقارهم لرعاة الأغنام ووفرة الأسماك والتماسيح في أنهارهم وصناعة الكتان، كما تتحدث عن التحنيط الذي انفردت به مصر في العالم القديم، كما تستعمل كلمات وأسماء من اللغة المصرية القديمة في وقت لم يكن أحد يعلم عنها شيئا، وهي تورد أخبار مصر ليس على سبيل الثناء وإنما في سياق تهديدها بالويل والثبور وعظائم الأمور، كما تتحدث عن اليهود الذين فروا إلى مصر بعد السبي البابلي وتتوعدهم ببئس المصير.
ولكن حدث أن ظهر في العصر الحديث مؤرخ لبناني بروتستانتي اسمه الصليبي وقذف الناس بنظريته الفاشلة والتي ذكر في ثناياها أن مصر التوراة هي قرية (بالمفهوم العامي الدارج وليس بالمفهوم القرءاني) في عسير، وكان برهانه الكاذب بأنه توجد قرية اسمها مصريم هناك!!! وكان المقصد من كل نظريته التأكيد طعن الأديان في مقتل لحساب الصهيونية العالمية، فكل المقصود كان إثبات أن المسجد الأقصى ليس في القدس!! وهو يجعل قصة الأديان الإبراهيمية محاولة من الإله اليمني يهوه لافتراس الآلهة الآخرين أو تحويلهم إلى بشر فانين، وهو بالطبع لم يوضح كيف يمكن لقرية صغيرة أن تستعبد شعبا كان عدد المقاتلة فيه أكثر من ستمائة ألف!!!!! أي إن عدده بالنساء والشيوخ والأطفال كان حوالي مليونين!!!!!!!!! وهو لا يحاول أن يشكك في هذه الأرقام لأن نظريته تسلم بالصحة التاريخية للتوراة، لذلك هو يوردها مسلما بصحتها!!!!!!
وقد تلقف خليط من المهرجين والمهووسين والمغرضين وطالبي الشهرة كلامه وأخذوه على أنه حقيقة مطلقة، فما أورده الصليبي بدون أي دليل يُعتد به أصبح هو دليلا يحتجون هم به!!!! هذا رغم أنه اضطر إلى القول بأن هذه القرية كانت محض مستعمرة مصرية تتبع مصر في كل شيء!! ورغم أنه لم يستطع التمادي كثيرا في زعمه واضطر للاعتراف بأن مصر التوراة تعني أيضا مصر المعروفة، وهذا إقرار صريح منه بفشل نظريته وإيذان بذهابها إلى مزبلة التاريخ.
ويحتج هؤلاء بأن قصة موسى وبني إسرائيل وغرق جيش فرعون لم ترد مدونة على جدران المعابد المصرية!!!! وإليهم هذه الأسئلة:
1.      هل وردت قصة أي نبي من الأنبياء في أي مدونة بخلاف الكتب المنزلة؟
2.      هل توجد أي آثار تدل على وجود أي نبي من الأنبياء في أي بلد أو في أي عصر؟ ويجب العلم هنا بأن كل الأضرحة أو الأمكنة التي يزعمون أن الأنبياء مدفونون فيها لا صحة لها من الناحية التاريخية، وإنما هي محض أوهام وأماني، النبي الوحيد الذي ثبت وجوده تاريخيا هو النبي الخاتم، ومن الواضح تماما أن الله تعالى قد جعل ما يتعلق بالأنبياء أمورا من الغيب، ولذلك ألزم الناس بالإيمان بها كما ذكرها في كتابه، كما ذكر أن كتابه مصدق لما بين يديه من الكتاب؛ ومن الكتاب التوراة وكتب الأنبياء بالطبع، فالكتاب هو ما يسمونه بالعهد القديم.
3.      هل لديكم سجلات كاملة تتضمن كل التاريخ المصري القديم؟ لا يوجد بالطبع فأكثر من 99% من الآثار والمدونات القديمة قد اندثر، إن أكثر التاريخ المكتوب الآن هو مجرد تخمينات ونظريات وليس حقائق راسخة.
4.      التدوين على جدران المعابد كان عملا تعبديا لمقاصد معلومة، ومنها أن الملك يذكر للآلهة إنجازاته ويثبت لها ولاءه وحسن بلائه، وبالتالي فهو لم يكن يذكر أبدا أية هزيمة تعرض لها.
5.      وجود شيعة محدودة العدد في مصر لمدة قرنين ونصف عاشت مضطهدة ومستعبدة في أكثرها ليس بالحدث الجلل الذي يجب تدوينه، ولا أهمية له في بلد عمره الحقيقي يمتد لآلاف السنين أكثر بكثير مما يقرره المؤرخون المغرضون، كما أن إنشاء المقابر الفخمة والتدوين على جدرانها كان عملا لا يقدر عليه إلا الملوك والأثرياء، ولو كان لبعض بني إسرائيل أية مقابر أو قصور لكانت قد تعرضت للنهب والتدمير بالطبع بعد هروبهم بزينة المصريين.
6.      من البديهي أن غرق جيش آل فرعون قد أعقبته فوضى عارمة ترتب عليها نهب وتدمير ممتلكات الأسرة ومقابرها، وهذا ما أشار إليه القرءان، وبالتالي لم يكن هناك من سيهتم ليدون هذه الفواجع المتتابعة.
ورغم أن هؤلاء الضالون لا يأخذون بالمرويات إلا أنهم هاهنا تشبثوا بالمروية التي وجهها الرسول إلى بطريرك مصر ولقبه فيها بعظيم القبط لإثبات أن مصر اسمها القبط!!! وبالتالي ألغوا مصر من الوجود وقالوا إن هذا الاسم هو الذي سيطلقه العرب من بعد على بلاد القبط!!!! وعليهم أن يعلموا ما يلي:
1.      لم يكن الملوك يخاطبون بأسماء رسمية لبلادهم كما هو الحال الآن، والرسول خاطب إمبراطور الروم باللقب: عظيم الروم، مع أنه كان يحكم الإمبراطورية البيزنطية، وهي إمبراطورية يونانية، فلا يعني هذا الخطاب ضرورة محو الإمبراطورية البيزنطية من الوجود.
2.      لم يكن الرسول يخاطب الملوك بألقابهم الرسمية، فكلهم عنده عظماء لأقوامهم أو قبائلهم وليسوا ملوكا أو رؤساء لدول كما هو الحال الآن.
3.      لم تكن مصر في ذلك الوقت دولة مستقلة، بل كانت ولاية تابعة للروم، وخوطب المقوقس باعتباره أكبر متنفذ فيها، فالرسول كان يعلم أن مصر تابعة لدولة الروم وليست مستقلة تماماً وأن هذا البطريرك كان لديه نوع من الاستقلالية عن الرومان وأن الشعب الأصلي المقيم في مصر هو القبط، فهو خاطبه بصفته الحقيقية كعظيم لهذا الشعب الذي له هوية خاصة تختلف عن باقي شعوب الإمبراطورية، وهو كذلك خاطب حكام غسان التابعين للرومان، بل خاطب عظيم الروم نفسه، فلم يذكر اسم بلده، بل ذكره كعظيم لشعبه المعروف عند العرب بالروم، هذا رغم أنهم كانوا يونانيين بيزنطيين ولا علاقة لهم بروما!!!! فلم يكن مفهوم الأوطان المعروف الآن موجوداً أو شائعا في ذلك الوقت، وهو عندما كان يخاطب أهل مكة كان يدعوهم بالقرشيين وليس بالمكيين وهكذا.
4.      هؤلاء يتجاهلون المرويات الأخرى والرسائل المشهورة المتبادلة بين عمر بن الخطاب وبين عمرو بن العاص والتي تذكر اسم "مصر" صراحة.
5.      الاسم "مصر" هو بالطبع الاسم المعروف للعرب عن بلاد وادي النيل، ولم يحدث أن عقدوا مؤتمر قمة واتفقوا مع اليهود على أن يوحدوا مصطلحات القرءان والتوراة بحيث يكون اسم البلاد متشابها عند الطائفتين.
6.      كان المرء يُنسب قديما إلى الطائفة التي ينتمي إليها أو إلى القبيلة، وليس إلى البلد.
*******
يوجد في المتحف البريطاني لوح جاء فيه إنه في السنة السابعة والثلاثين من حكم نبوختنصر ملك بابل هاجم بوختنصر هذا ميصريم (Mitzraim) وأن أمازيس (أحمس الثاني) جمع جيشه ضده، وأن نبوختنصر أعاد بناء وتزيين بابل.
والمرجع الذي أورد ورود الاسم Mitzraim (مصرايم) على اللوح البابلي المحفوظ في المتحف البريطاني:
Elgood, Percival George. 1951. Later Dynasties of Egypt. Oxford: Basil Blackwell, p. 106.
ومما ورد عن هذا الاسم في ويكيبديا:
Mizraim (Hebrew: מִצְרַיִם / מִצְרָיִם, Modern Mitzráyim Tiberian Mirāyim / Miráyim ; cf. Arabic مصر, Mir) is the Hebrew and Aramaic name for the land of Egypt, with the dual suffix -āyim, perhaps referring to the "two Egypts": Upper Egypt and Lower Egypt.
Neo-Babylonian texts use the term Mizraim for Egypt. The name was for instance inscribed in the famous Ishtar gate of Babylon. Ugaritic inscriptions refer to Egypt as Msrm, in the Amarna tablets it is called Misri, and Assyrian and Babylonian records called Egypt Musur and Musri. The Arabic word for Egypt is Misr (pronounced Masr in Egyptian colloquial Arabic).
وجاء في سفر التكوين الأصحاح العاشر:
6وَبَنُو حَامٍ: كُوشُ وَمِصْرَايِمُ وَفُوطُ وَكَنْعَانُ.
13وَمِصْرَايِمُ وَلَدَ: لُودِيمَ وَعَنَامِيمَ وَلَهَابِيمَ وَنَفْتُوحِيمَ 14وَفَتْرُوسِيمَ وَكَسْلُوحِيمَ. الَّذِينَ خَرَجَ مِنْهُمْ فِلِشْتِيمُ وَكَفْتُورِيمُ.
وفي الحقيقة لم يعد من الممكن الآن الاستهانة بهذه المعلومات ولا الإعراض عنها لمجرد أنها وردت في التوراة، فلقد ثبت بالفعل انتماء الجزء الأكبر من المصريين إلى الهابلوجروب E1b1b1  الذي ينتمي إليه الكوشيون والأمازيج وسكان كريت وجزر بحر إيجة القدماء وهم المعروفون بالفلستيين، وهو بذلك يمكن اعتباره الهابلوجروب المميز للسلالة الحامية.
وطبقاً للمؤرخ إيوزيبيوس فإن مانيتون قال إن  المصريين هم أحفاد مَصَر أو مِصر (Mizraim)، أما المؤرخون المسلمون فيجعلون مصر هذا ابنا لـ بنصر أو بيصر ابن حام.
وكل هذا يمكن أن يشير إلى أن للسلالة E1b1b1 التي أتت إلى مصر والد واحد، وهذا طبيعي، وأن النوبيين وسكان أرض كنعان الأوائل ينتمون إلى أصول مشتركة وإلى أن سكان كريت الأوائل كانوا من سكان مصر.
ومن الوثائق الخارجية المحفوظة رسالة بعث بها أمير كنعاني في القرن الرابع عشر قبل الميلاد إلى ملك مصر يطلب فيها حمايته ويستأذنه في إرسال أهله إلى "ماتو مصري" أي إلى أرض مصر.
ومصر تعني أيضاً بالكتابة المصرية المقدسة ( الهيروغليفية ابن رع أي ابن الإله ) مس أو مص تعنى ولادة أو وليد أو ابن (ر) تشير إلى رع أي الإله
ويلاحظ أن اسم موسى نفسه يعني: "وِلد" أو "وليد"

*******


هناك تعليقان (2):