الثلاثاء، 3 مارس 2015

الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ

الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ

الرَّزَّاقُ، خَيْرُ الرَّازِقِينَ

المتيـن

 

قال تعالى:

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ{57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ{58} الذاريات.

 

وقال: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}الحج58  *  {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }الجمعة11  *  {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }المائدة114  *  {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }المؤمنون72  *  {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }سبأ39

وبذلك تكون الحلقة الإلهية (الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) اسماً من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى، ومن تفاصيل تلك الحلقة الأسماء الرزَّاق، القـوي، ذو القوة، المتيـن؛ فهذه الأسماء من نسق الأسماء الحسنى المفردة.
ولقد ورد في القرءان اسم آخر يشير إلى سمة الرزق هو خَيْرُ الرَّازِقِينَ، فهو صورة لنفس الاسم (الرزاق)، فالأصل في تعيين وتصنيف الأسماء هو السمة التي يشير إليها الاسم وإنما تتعدد الصور وفقاً لمدى ومجالات الفعل.

وبداية يجب العلم بأن كل ما سوى الله هو من نتاج أفعاله المتعددة الوارد ذكرها في القرءان، والرزق هو تخصيص To allocate مقادير من هذا الناتج بكائنٍ ما، وهذا التخصيص يتم بسريان نسق من القوانين والسنن اقتضته الحلقة الإلهية (الرزاق ذو القوة المتين) وكذلك الأسماء المفردة التفصيلية لهذه الحلقة، وتلك السنن تقتضي ترتيب أسباب للرزق، وبالطبع لا يوجد تطابق تام بين ما يعرفه الإنسان من أسباب وبين الأسباب الحقيقية، فما يعرفه الإنسان من أسباب مقيد محدود بحكم طبيعته، لذلك عليه أن يسلك من الأسباب ما يعرفه مع صدق التوكل على الله والثقة به وتفويض الأمر إليه.
وقد يحاول إنسان الحصول علي المال أو المأكولات مثلا بمخالفة أمر شرعي، فالحكم في ذلك الأمر كما هو الحكم في سائر المعاصي، فلا يجوز أن يُنسب الشر أو مقتضيات النقص إلى الله بأيِّ حال من الأحوال، فلا يجوز أن يصف هذا العاصي ما حصل عليه بالسرقة بأنه رزق ساقه الله إليه أو أراده له، فمثل هذا يجمع إلى معصيته سوء أدب مع ربه وسوء ظن به، ففعل السماح ليس كفعل الإرادة، فكل فعل لا يتم إلا بالتوافق مع قوانين الله وسننه، ولكن ذلك لا يغير من طبيعة الحكم الشرعي الصادر عليه والذي يترتب عليه الجزاء والذي من الأولى بالإنسان أن يعرفه، فالفعل من حيث الإنسان وبالنظر إلى الأمر الشرعي هو الموصوف في الحقيقة بالحلال أو بالحرام، وهذا الوصف هو من مقتضيات منظومة الرحمة والهدى والإرشاد، ويترتب علي الفعل الإنساني من حيث الحكم آثار تغيِّر من صورة الكيان الجوهري، ويكون ذلك بمقتضى نسق من القوانين والسنن الكونية مترتبة على السنن الشرعية، هذا النسق هو من مقتضيات المنظومة الكلية للأسماء الحسنى، ولذلك لابد من سريانه، ولا جدوى من محاولة التملص منه.
------
إن لفظ الرزق يطلق على الفعل الإلهي ويُطلق أيضاً على مجال هذا الفعل؛ أي جماع مفعولاته، فكل ما يمكن أن يكون رزقاً لدابة من دواب الأرض مثلا هو رزق ممكن، ولكنه لا يكون رزقاً لدابة بالمعنى الاصطلاحي الحقيقي إلا عندما يتم تخصيصه لها، فبهذا التخصيص يتحول الرزق الممكن إلى رزق حقيقي، فالرزق هو أن يتم تخصيص كيان مادي لصالح كائن حي يكون من لوازم الحفاظ على بعض كياناته وتنميتها ويتم ذلك به، وهذا التخصيص أو التعيين يتم بسريان نسق من القوانين والسنن هو من مقتضيات المنظومة الكلية للأسماء الحسنى وخاصة منظومة أسماء الرزق.
والرزق مثله مثل كل فعل منسوب إلى الله يتم وفق نسق من السنن اقتضتها منظومة الأسماء الحسنى من حيث مجموعة خاصة من الأسماء مثل الحلقة الإلهية (الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) والرزاق والمتين، ولأن المنظومة الكلية هي التي تقتضي سريان السنن فإن صفات الإنسان من اختيار وإرادة حرة وتدبير وسعي تؤخذ في الاعتبار؛ ذلك بمعنى أنه لا غرابة في أن تكون تلك الصفات والأفعال من العوامل التي يترتب عليها تحديد الأرزاق الخاصة بالإنسان، فلسعي الإنسان دور هام فيما يناله من رزق، ولكنه ليس السبب الوحيد!
ومن العوامل الأخرى المحددة للرزق أو المسببة له الأقضية المتعلقة بالكيانات الإنسانية الأكبر التي ينتمي إليها وكذلك الأصغر التي قد يكون مسئولاً عنها، فقد يتسبب ولد يكون مقدرا له أن ينشأ مرفها في اتساع رزق والده!
وإذا ما تحصَّل الإنسان على رزقه من وسائل غير مشروعة لا يجوز القول بأن الإنسان قد رزقه ربه من حرام وإنما يقال إن الإنسان هو الذي أخذ أو نال رزقه من حرام، فلا يجوز أن يُنسب الشر إلى الله تعالى بأي حالٍ من الأحوال، وإنما يُنسب الفعل إلى الله تعالى من حيث أنه تأثير محض أو كمال.
------
الرزق هو ما به القوام المادي للجسم اللطيف أو الكثيف، فالأرزاق اللطيفة والمعنوية للجسم اللطيف والأرزاق الحسية للجسم الكثيف، والاسم "الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" هو المتكفِّـل بضمان الأرزاق لسائر الكائنات وبإيصالها لكل كائن على حدة، ولا بد لكل رزق مهما كان نوعه من وجود لطيف سابق قبل أن يتعيَّن ويتحقق في هذا العالم، ولذلك قال تعالى: {وَفي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ(22)} (الذاريات)، وفي الآية حث للناس على التوجه إلى من بيده الرزق، ومن هو صادق الوعد، وأن يعلموا أن الكائنات الأرضية لا تملك شيئاً معه، ولا تتحرك إلا بإذنه ووفق قوانينه وسننه.
ولا بدَّ لمن تكفَّـل لكل كائن برزقه من قوة هائلة لا يمكن تخيُّلها أو تصورها، لذلك، فلهذا الاسم القوة المطلقة والمتانة أي الشدة البالغة والتماسك المطلق، وهذا التماسك هو ما يكون ملازماً للتجانس المطلق المشار إليه بالصمدية، ولذا كان هو المقصود لمن طلب رزقا، وكان هو غير محتاج إلي طعام أو مدد خارجي، فتلك القوة هي أمر متجانس واحد لا يمكن أن يعتريه فتور أو نقص أو لغوب أو تغير، فمن استحضر في ذهنه  الأعداد الهائلة للكائنات الطالبة للرزق والتي لا تـتناهى نوعاً أو كماً أو كيفاً علم شيئاً عن مدى عظمة هذا الاسم وعظيم سطوته، فهذا الاسم هو حلقة إلهية تحيط بكل الكائنات، فتدبير الأرزاق وإيصالها عمليا لتلك الكائنات يتطلب تلك السمة المفصَّلة بالقوة و المتانة فلا يعتورها فتور أو نقصان مهما تضاعفت أعداد الكائنات وتقادم الزمان، وهو سبحانه يسخر لأمر الأرزاق أعدادا هائلة من الملائكة كما يستخدم ما شاء لإيصال الأرزاق إلى كل ما يشاء.
-------
إن مصطلح الرزق يطلق على الفعل كما يطلق على مجاله أو مواده، وبالمعنى الثاني فهو جماع العناصر اللازمة للكائن  للحفاظ علي بقائه في عالمه، والرزق بالمعنى الأول هو عملية سوق هذه المواد إلى الكائن لتكون في متناوله وذلك بعد أن يتم تخصيصها له.
------
إن الرزق هو فعل كسائر الأفعال الإلهية، والرزق هو فعل مختلف عن خلق مواد الرزق والتي تسمى أيضاً بالرزق، وهو مقتضي اسم من الأسماء الإلهية، فالله سبحانه هو المتكفل بتزويد كل كائن بما يلزمه لاستمرار حياته، فهذا من كمالاته ومن مظاهر صمديته وقدوسيته، والرزق من حيث هو فعل وتأثير هو من كمالاته اللازمة، وهو يستعمل آلاته من مخلوقاته لإيصال الأرزاق إلي بعضهم البعض، فثمة آلات لا اختيار لها، وثمة آلات لها إرادة ومشيئة واختيار مثل الإنسان، ومن لوازم الحقيقة الإنسانية النقص الذي يترتب عليه مخالفات تشوب عملية الحصول على الرزق وتوزيعه، فوزرها يقع على من قام بها وظهرت منه، ولابد من أثر للصفات الإنسانية اللازمة في عملية الرزق كسائر الأمور الأخرى المتعلقة بالإنسان، فكما يكون الاختيار من شروط كثير من الأفعال الصادرة عن الإنسان كذلك يكون هذا الاختيار وغيره من صفات الإنسان من شروط تحصيل رزقه.
والسعي هو عنصر من العناصر التي يمكن أن تأتي بالرزق (أي مواده)، ولكنه ليس بالعنصر الوحيد، والأمر أمر حلقات كونية متداخلة وخصائص ذاتية كما سبق بيانه، ويمكن القول بأن السعي هو العنصر الشرعي والمعتمد والمضبوط للحصول على الرزق، ومن العناصر الأخرى الابتلاء؛ فقد تُفتح للإنسان أبواب الرزق ابتلاءً له.
-------
إن الله سبحانه من حيث الأسماء المذكورة هاهنا هو الذي يمد كل كائن بما يلزمه للحفاظ على وجوده وللقيام بالمهام المنوطة به على كافة المستويات، أما هو فليس بحاجة إلى مادةٍ ما لأن لكيانه المتانة المطلقة والصمدية المطلقة، فالذي يحتاج إلى الرزق هو كل كيان مركب، أو كل كيان يمكن أن يقابله كيان آخر.
وهو سبحانه يرزق من يشاء أي وفقا للقوانين والسنن التي هي مقتضيات أسمائه فالرزق لا يتم عبثا أو بطريقة عشوائية، وما يناله الإنسان من رزق قد يكون قد ناله بسبب شرعي فيكون حلالا أو بسبب مخالف للشرع فيكون حراما.
وليس لأحد أن يتعلل بسعة رزقه ليزعم لنفسه حظوةً ما عند ربه، فالرزق هو من الأمور التي يمكن أن يبتلى بها الإنسان ببسطه أو بقبضه، وبالنظر إلى ما سبق فإن للناس أو لأولى الأمر حق محاسبة كل إنسان على مصادر دخله، وليس لأحد أن يتعلل بأن ما لديه هو رزق ساقه الله إليه.
-------
والرمز (رزق) يشير إلى حاجة كل ما هو من دون الله من الكائنات إلي مدد مستمر من كل ما يقيم أودها ويحفظ لها حياتها وبقاءها، وهو يشير إلي أن ما تحتاجه فيه خير وشر ونفع وضر بالنظر إلي حالتها؛ فمن حيث ما فيه من خير ونفع فإن أصله هو سمات الكمال الإلهية، وتقدير الأرزاق وإيصالها إلي الكائنات يستلزم قوة لانهائية يشار إليها بالحرف (ق)، وهذا الرمز يشير أيضاً إلي الحلقات الإلهية اللازمة لتدبير أمر الأرزاق وإلي الحلقات الكونية التي هي من مقتضياتها. 
-------
إن الله تعالى هو خالق كل شيء، وهو لذلك قد تكفل برزق كل مخلوق طوال الفترة التي منحها له وجاد بها عليه لينعم بالوجود في عالمه، قال تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} هود6، {وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} العنكبوت60.
ومن الواجب على كل إنسانٍ أن يقوم بواجب الشكر لربه على كل ما رزقه به، وعليه أيضاً ألا يقصِّر في التوجه إلى ربه بالأسماء التي تتولى أمر الرزق، فهو بذلك يستحث القوانين الحاكمة على أمر الرزق لتعمل لصالحه، وعليه أن يعلم أن الأرزاق اللطيفة والمعنوية هي خير وأبقى من الأرزاق الكثيفة الحسية، فعليه أن يعرف لنعمة ربه قدرها.
وعندما يتفكَّر الإنسان في أمر الرزق فسيدرك أن ما وصله من رزق كان نتيجة لكل الأفعال الإلهية، ولكل التدبيرات والتصريفات، ولسريان كل القوانين والسنن، وأنه لو تغير شيء يسير في مجريات الوقائع والأحداث لما وصل إليه رزقه الذي ينعم به الآن.
-------
ومن تفاصيل تلك الحلقة الاسم (ذُو الْقُوَّةِ)، وهو بعينه الاسم (القوي) الذي لم يرد أيضاً بمفرده وإنما ورد للإشارة إلى سمة يمكن أن يفصل إليها المثني (الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) والمثنى (قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وذلك لتنوع وتعدد مجالات تلك السمة.
ولا بدَّ لمن تكفَّـل لكل كائن برزقه من قوة هائلة لا يمكن تخيلها أو تصورها، فذلك الاسم من الأسماء الفعالة القوية شديدة التأثير.
ومن تفاصيل تلك الحلقة الاسم (المتين)، فهو من نسق الأسماء الحسنى المفردة.
والمتين هو الذي لا توجد في كيانه ثغرة أو تفاوت أو فراغ، ذلك لأنه لا تركيب فيه، وهو ليس مكوناً من وحدات أولية تتماسك بفعل قوى مادية، لذلك فتماسكه ذاتي للتماثل المطلق لكيانه المطلق، وهو ليس بفعل أمرٍ خارجي، فهذا التماثل هو تماثل مطلق وليس أمراً نسبياً كما هو الحال في كل ما هو من دونه، ويترتب على ذلك أن يكون هو السند والصمد والركن المتين.
فالمتانة هي من لوازم الصمدية التي تشير إلى أن له البساطة المطلقة فليس ثمة تركيب في ذاته، وبالتالي فالمتانة هي ثباته المطلق على ما هو عليه وثبات كل ما هو له أو ما هو منسوب إليه، فالمتانة هي التماسك الشديد غير القابل للخرق إذ لا ثغرات فيه ولا تركيب.
فالمتين هو من له التماسك المطلق من حيث الكيان والكنه والسمات فكيانه غير قابل لزيادة ولا لنقصان ولا يمكن أن ينفصل شيء عنه ولا أن يضاف إليه فلا يمكن أن يتجزأ أو يتبعَّض ولا أن يتخلله شيء، فليس ثمة تركيب في ذاته إذ له البساطة المطلقة، فالمتانة المطلقة هي تفصيل لصمديته المطلقة، لذلك فليست به حاجة إلى ما خلق وإنما هم المفتقرون إليه الافتقار الذاتي المطلق.
والاسم المتين يشير إلى أن الله هو الذي يرزق ولا يحتاج إلى رزق ويطعم ولا يحتاج إلي طعام، فهو لا يستهلك شيئاً من كيانه عند ممارسته أفعاله ولا يحتاج إلي استبدال شيء منه، وهو الكامل كمالاً مطلقاً فلا يحتاج إلي طعامٍ ما لينمو.
وكل كيان ظاهر في الكون هو كيان قابل مستهلك، فلابد لهذا الكون إذاً من كيان رازق متين مطلق، فهذا الكيان هو الذات الإلهية الحية والقائمة بنفسها التي ليست بحاجة إلي مددٍ ما من غيرها.

واللَّهُ تعالى هو خَيْرُ الرَّازِقِينَ، وهذا يتضمن أن بعض مخلوقاته يمكن أن يكونوا مزودين بهذه القدرة، ومن هؤلاء آلاته وأدواته من الملائكة والناس، فبعض الناس قد جُعلوا سببا لإيصال الرزق لبعضهم الآخر، فهم بذلك آلات وأدوات للاسم الرزاق، ولكن السمات الإلهية هي سمات واجبة ذاتية مطلقة، أما كل ما لدى المخلوقات من صفات وقدرات فإنما هي محدودة مقيدة، وهي لا تُعدّ شيئا مذكورا مقارنة بالسمات الإلهية، وإنما هي من آثار الأسماء الإلهية، وما يمكن أن يفعله الإنسان إنما هو في إطار قوانين الله وسننه وبإذنه، فلا يجوز لإنسان أن ينشغل بسبب الرزق الظاهر عمَّن هو الرزاق الحقيقي، وليس معنى ذلك تجاهل من جُعل سببا للرزق، ولكن عليه ألا يحتجب به عن ربه وألا ينشغل به عن أداء واجب الشكر له.

*******


هناك تعليق واحد: