الخميس، 12 مارس 2015

ملامح منظومة القيم الغربية

ملامح منظومة القيم الغربية

إن نجاح الدول الغربية وتقدمها ليس بسبب الديمقراطية وحدها، بل إن الديمقراطية هي من نواتج التقدم ومن الدوافع إليه في نفس الوقت، وإنما تقدم الغرب بسبب منظومة القيم السائدة في دوله والتي يتربى عليها الغربي ويتشرب بها حتى إنه يصعب عليه إمكانية تخيل نمط حياة بدونها، وهذه المنظومة تضمن لكل شعب غربي بل لكل الشعوب الغربية الإفادة من كل إنجاز أو مجهود يبذله أدني فرد فيهم مهما كانت ضآلة هذا الإنجاز أو المجهود، ومن ملامح المنظومة المعنوية الغربية:
1-          أنها تتعامل مع الإنسان كما هو لا كما ينبغي أن يكون عليه؛ فهي تأخذ في الاعتبار أن الإنسان يتطلع إلي الاستحواذ علي أعظم قدر من الثروات المادية وكذلك أكبر قدر من الجاه والتقدير المعنوي وأن الإنسان يتطلع إلي الحصول علي أعظم قدر من الأشياء بأقل مجهود ممكن ولو كان علي حساب الآخرين، ولما كان هذا قد أدي ومن الممكن أن يؤدي إلي صراعات لا نهاية ولا حصر لها فلقد عمدوا إلي إحداث آليات تجعل هذا الصراع سلمياً قانونيا بنَّاءا، لذلك ظهرت النقابات وغيرها لتحاول أن تحصل للمنتمين إليها علي أكبر قدر مما يريدون تحت شتي المسميات والذرائع.
2-          إدراك أن الإنسان هو أثمن الثروات الطبيعية التي يجب الإفادة القصوى منها.
3-          إعمال كافة الملكات الإنسانية إلى أقصى مدى ممكن والتصدي لكل محاولة للحد من هذا الإعمال.
4-          الإيمان المطلق بحرية الفكر والعقيدة وبحرية إعلان كافة الآراء والمعلومات والعقائد والدعوة إليها.
5-          سيادة القانون وتساوي الجميع أمامه وهذا ما يجعل من كل إنسان أو كيان رقيباً على الآخر.
6-          الاعتراف بالتفاوت والتنوع الهائل بين الناس في القدرات والإمكانات والعمل على الإفادة من كل إنسان بقدر وسعه وفي المجال الملائم له.
7-          رعاية ذوي الإمكانات المتميزة في شتي المجالات وإعطاؤهم كل ما يلزم لتنمية إمكاناتهم وحسن استثمارها وتمكين كل واحد منهم من أخذ المكان اللائق به.
8-          انشاء وتفعيل آليات تسمح باكتشاف الإمكانات والقدرات الخاصة بكل إنسان بهدف توجيهه إلى العمل الذي يلائمه ويحتاجه المجتمع.
9-          تهيئة الأمور وتفصيل الآليات التي يترتب عليها الاستفادة القصوى من إمكانات كل إنسان وحواسه في شتي المجالات مما يسهل الوصول إلى الحل الأمثل لكل مشكلة من المشكلات بالإعمال الحقيقي للشورى.
10-      لا يتولى أي أمر إلا من هو مؤهل له طبقا لقواعد معلومة لابد من الالتزام بها وتسمح له بإجادة الأمر الذي يريد أن يتولاه واكتساب كل ما يلزم لذلك من علوم وخبرات.
11-      الإيمان بالإخاء والمساواة بين الناس (ولو في بلادهم فقط) وبأن البشر متكافئون، وهذا ما يدفعهم إلى احتقار وازدراء الدكتاتورية والطغيان والاستبداد والنظر إليها كصفات بشعة يعمل الكل علي البعد عنها والتبرؤ منها.
12-      وجود التشريعات والآليات التي تحمي الناس من أن يتسلط عليهم من كان غير سوي وغير مؤهل.
13-      التجانس العام في الثقافة والتوجهات.
14-      عدم وجود سلطة لطبقة كهنوتية تجسم على أنفاس الناس وتملي عليهم معتقداتهم وتتطفل علي العلاقة بينهم وبين ربهم وتربطهم دائما بالماضي وتمنعهم من النظر إلي المستقبل.
15-      الإيمان المطلق بجدوى العلم والأبحاث العلمية النظرية والعملية وإعلاء شأن كل مشتغل بتلك الأمور.
16-      الإيمان المطلق بأهمية وجدوى المعرفة بكافة صورها وأشكالها حتى تلك التي قد يعتبرها البعض أمورا قد انتهي زمانها، وهذا ما يدفعهم إلى البحث والتخصص في لغات قد انقرض المتكلمون بها أو في كائنات وكيانات لم يعد لها من وجود مثلا.
17-      الإيمان المطلق بجدوى التقنية وضرورة الاستثمار فيها وتحسينها دائما وتطويرها.
18-      الشوق الدائم إلى المعرفة بكافة صورها والاهتمام الهائل بكافة الظواهر الكونية والإنسانية والبحث الدؤوب بل المحموم والمثابر للوصول إلى كافة القوانين التي تحكم كل تلك الظواهر.
19-      الثراء الفكري والثقافي والفني الهائل.
20-      الكراهية العميقة للجهل والتخلف والخرافات والخزعبلات والطاغوت والكهنوت وكذلك ازدراء كل من يحاول أن يتكسب بمثل هذه الأمور.
21-      التصدي الحاسم لرجال الدين وللكهنوت وإلزامهم حدودهم.
22-      أخذ أمور الحياة بالجدية اللازمة.
23-      كراهية عميقة للغيبيات والايمان فقط بالأمور المادية الملموسة.
24-      السماح بالاختلافات والتعددية.
25-       الاستفادة القصوى من شتى الآراء والمعلومات.
26-      الإيمان بحتمية الصراع والتدافع بين الناس على كافة المستويات وبأن هذا الصراع لا يبقي فيه إلا الأقوى والأقدر على التكيف مع الظروف والأحوال ومع متطلبات المستقبل.
فهذه بعض ملامح التيار العام للحضارة الغربية، وبالطبع ثمة خروج طفيف علي تلك الأسس العامة هنا أو هناك، وهو لا يؤثر بذلك علي التيار العام وإن كان يساعد علي التنفيس عما هو مكبوت لدي الناس مما لا يلائم هذا التيار، ذلك لأن هذا التيار مندفع جارف قاسٍ لا يرحم ولا يبالي، وهو لذلك لا يلائم إلا الإنسان في سنوات فتوته وقدرته علي العطاء، وبالطبع ثمة محاولات لتجميل هذا التيار ولكنها ليست من طبيعته ولم تكن يوماً ما من أسسه، وتكوُّن الأحزاب في مجتمع كهذا أمر طبيعي، وهو البديل الراقي عن الصراع الدموي الذي جربوه كثيراً وعرفوا وخبروا ويلاته، وتلك الأحزاب تختلف فيما بينها ولكنها لا تشكل إلا صوراً ممكنة لما هو سائد من تيار عام فهي تنبع منه وتصب فيه، أما أي تجسيد لتيار آخر آت من مصدر آخر أي نابع من منظومة قيم مختلفة فهو غير مسموح له بالوجود إلا مهمشاً أو كصورة فلكورية.
*******
ومن أسباب تقدم الغرب:
1-          انحصار مجموعة كبيرة من الشعوب ينتمون إلى قوميات مختلفة ذات خصائص متنوعة وتتحدث بألسنة عديدة في بيئة طبيعية متصلة غنية وإن كانت تتطلب بذل الجهد الكبير في سبيل البقاء مما استحث وأزكي صراعاً مريراً طويل الأمد وإن كان غير ماحق بين تلك الشعوب، ولقد تعلموا كثيراً وأفادوا كثيراً من هذا الصراع.
2-          الاختلاط والتمازج الهائل بين تلك الشعوب نتيجة الهجرات المستمرة والغزوات الكاسحة مما أدي إلى تكون سلالات قوية صلبة أصلح للبقاء والتكيف مع البيئة.
3-          الصراع المستمر الدامي مع كنيسة تعتنق مذهباً يمثل أقصي تحد ممكن للمنطق والعقل البشري والسنن الكونية مما دفعهم إلى أشد ضروب التمسك بالعقل والمنطق والكراهية الشديدة للخرافات والأساطير والكهنوت والرغبة الشديدة في التعرف علي السنن الكونية.
4-          الصراع المستمر مع المسلمين والذي لم يضرهم إذ كان يجري في مجمله في أطراف أوروبا بعيدا عن قلبها فاستفادوا من ثمار ذلك الصراع واستمدوا من المسلمين العقلانية والطرق والمناهج العلمية التجريبية والاستقراء والعلوم الطبيعية النافعة والقيم الايجابية مثل الجرأة والإقدام والفروسية، كما شككتهم هزائمهم في مذاهبهم الضالة فتنكروا لها، والتنكر لمذهب ضال أفضل من التمسك به إذ بذلك يقترب الإنسان من دين الفطرة.
5-          وقد ساهم المحسوبون على الإسلام في إزكاء شعورهم الداهم بالخطر وملأهم حقدا على الإسلام والمسلمين، ففجر ذلك في أنفسهم طاقات هائلة من التحدي دفعهم إلى اقتحام الأهوال واكتشاف كافة أرجاء الكرة الأرضية والعالم الجديد، وكان هدفهم الأصلي محاصرة العالم الإسلامي وحرمانه من التحكم في التجارة العالمية، وكانت النتيجة أن تعملق القزم الغربي وأصبح قوة غلابة مسيطرة.
6-          إنهم وإن لم يشعروا عملوا بمقتضى أوامر قرآنية أهملها المسلمون مثل السير في الأرض والنظر في آيات الله في الآفاق والأنفس والنظر في عواقب الأمم السابقة وفي الإنسان وهاجروا في أرض الله الواسعة حماية لمذاهبهم المستحدثة وفراراً من اضطهاد معتنقي المذاهب القديمة، وتعلموا بالصراع وشتى السبل كثيرا من القيم الإيجابية التي جاء بها الإسلام والتي تلقاها المسلمون دون عناء فلم يقدروها قدرها بل أعرضوا عنها وكفروا بها بل وقدسوا من امتهنها وزعم لنفسه العلو عليها، ولما أحيوا ما أمات المحسوبون ظلماً علي الإسلام فازوا بثمار ذلك في حياتهم الدنيا.
7-          استفادوا من القوانين العامة للوجود ومنها أن من كرس نفسه لأمر ما واستقام في سبيله وعقد العزم عي نيله وسلك كل طريق ممكن إليه فلا بد له منه، وهؤلاء طلبوا متاع الدنيا بكل ما لديهم من وسع وإمكانات ففازوا به وإن كان في ذلك أيضاً استدراج لهم.
8-          أجادوا الانتفاع بحضاراتهم القديمة؛ اليونانية والرومانية إلى المدى الأقصى، بينما رفض المحسوبون على الإسلام كل حضارات أسلافهم القديمة وشروها بثمن بخس وكانوا فيها من الزاهدين، وهكذا نسب الغربيون لأنفسهم مثلا حضارة الإسكندرية الرائعة وإنجازات علمائها الأفذاذ، ولقد كانت الشعوب المحسوبة على الإسلام أول من دمر آثار حضارات أسلافهم، ولم يحم ما تبقى منها إلا الغربيون!!!!!!
9-          اعتبروا أنفسهم أمة ذات رسالة بل خير أمة أخرجت للناس؛ فانتحلوا صفات الأمة الإسلامية الحقيقية؛ فانتشروا شرقا وغربا مسلحين بذلك الاعتقاد الذي دفعهم إلى استعمار العالم فاستولوا على أراض وثروات طائلة وموارد هائلة ساعدتهم في تحقيق تقدمهم.
10-      التزمت كل شعوب أوروبا بصفة عامة – من بعد القضاء على نفوذ الكهنوت –بتقديس أبطالها وأبنائها الموهوبين والمتميزين مما جعلهم المثل العليا للإنسان هناك، هذا في حين صار المثل الأعلى في العالم المحسوب على الإسلام إما لمجرم طاغية وإما لخامل متماوت وإما لعاكف على تراث وإما لمقدس لماض وإما لشويعر متزلف منافق وكلهم يزعم علوه على القوانين والسنن.
11-      الجدية في تناول أمور الحياة والإقبال عليها بكل ما لديهم من ملكات وقدرات وطاقات.
12-      شدة الاعتداد بالنفس بإزاء أبطالهم التاريخيين مما دفعهم إلى نقضهم والتطاول عليهم والرغبة في التفوق عليهم بينما أقصى أمل عبيد نعال السلف في البلدان المحسوبة ظلماً على الإسلام أن يكون تراباً عالقاً بنعل أحد الأسلاف المقدسين.

*******


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق