الثلاثاء، 10 مارس 2015

دحض القول بوجود آيات قرءانية منسوخة بالاستناد إلى أسس كلية


دحض القول بوجود آيات قرءانية منسوخة بالاستناد إلى أسس كلية

إن قولهم بوجود آيات قرءانية منسوخة بطل حكمها ولا يُعمل بها هو قول باطل ومدحوض، فلا وجود لآيات منسوخة في القرءان، القرءان به آيات ناسخة لأحكامٍ من الشرائع السابقة، وهو أيضاً الآية الناسخة لما لدى أهل الكتاب الآن ومن الكتب التي أنسيت، والمقصود أنه يغني عنها بما يتضمنه من الهدى والآيات والبينات والأوامر والأحكام، فلم يعد ثمة حاجة إليها فيما يتعلق بدين الحق الملزم للبشرية جمعاء، فالقرءان هو الآية التي نزلها الله تعالى بديلا عن آيات الكتب السابقة. 
إن أكثر المحسوبين على الإسلام يؤمنون إيماناً لا يتزعزع بما يسمونه بالنسخ، وهم يقصدون به أنه توجد في القرءان آياتٌ منسوخة، والآية المنسوخة عندهم هي آية تم إلغاء حكمها إما بآية أخرى وإما بأثر أو مروية مما يسمونه بالسنة، وهذا القول منهم باطل، ولم يأتوا عليه بأوهى دليل، وهو يتضمن لا محالة كفرا بالآية التي يقولون بأنها منسوخة فضلا عما فيه من تجديف وسوء أدب مع القرءان ومع من القرءان كلامُه.
أما نحن فنقول إنه لا توجد في القرءان أيةُ آياتٍ منسوخة، بل توجد فيه آيات ناسخة لبعض أحكام الشرائع السابقة من حيث أن الدين عند الله واحد هو الإسلام الذي بدأ رسميا برسالة إبراهيم عليه السلام، واكتمل وخُتِم بالرسالة المحمدية؛ فهذه الرسالة تتويج لهذا الدين وبها تمَّ واكتمل.
أما الحكم المنسوخ فلا يوجد نص عليه في القرءان، وإنما هو يُدرَك من فحوى الخطاب، وعلى سبيل المثال كان المسلمون يصلون تجاه قبلة معينة قبل أن ينزل الحكمُ الناسخ لذلك والذي يتضمن الأمر بالتوجه شطر المسجد الحرام، فلا توجد في القرءان آيةٌ تأمرهم بالتوجه نحو القبلة القديمة، وإنما توجد في القرءان الآيات التي تأمرهم بالتوجه نحو المسجد الحرام، قال تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُون}[البقرة:144].
أما حقيقةُ القبلة القديمة فلا تعني المسلمين الآن في شيء، وليس من الصعب استنتاج أنها كانت نفس قبلةِ أهل الكتاب؛ أي بني إسرائيل، أي هي المسجدُ الأقصى، وكان موجودا في إيلياء أو أورشليم التي سيسميها المسلمون من بعد بيتَ المقدس، فهو الهيكلُ أو المعبد أو ثاني بيت وُضِع للناس وبارك الله حوله.
ولم تكن هناك مشكلةٌ بالنسبة للمسلمين عندما كانوا في مكة، فكان يمكنهم الجمع بين القبلتين، ولكن المشكلةَ نشأت بعد الهجرة إلى المدينة والتي تقعُ شمال مكة، فلا يمكن الاتجاه شمالا وجنوبا في نفس الوقت، وهذا ما كان يحزُّ في نفوس المؤمنين، وكان تغيير القبلة أمرا مقدرا عند الله تعالى فمن البديهي أن تكون القبلةُ العالمية هي البيتُ المبارك للعالمين في مكة؛ فهو أول بيت وُضع للناس.
وبذلك يتبيَّن الأمر؛ القرءان ليست به آياتٌ منسوخة؛ فلا توجد آيةٌ تأمرهم باتخاذ المسجد الأقصى أو أي مكان آخر قبلة، وإنما توجد الآيات الآمرة بالتوجه شطر المسجد الحرام، وهي ناسخة للحكم السابق غير المنصوص عليه في آية قرءانية.
وكذلك الأمر في حكم الرفث إلى النساء في ليالي الصيام، قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ...}[البقرة:187]، فالآية تنسخ بذلك حكماً غير مذكور صراحة في أية آية قرءانية كان الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِهمْ بمقتضاه محرما عليهم، ولا يهم المسلمين الآن معرفة من أين أتى هذا الحكم، وهو بالتأكيد من ملة إبراهيم أو من شريعة أهل الكتاب، ولكن المهم هو أن القرءان يتضمن الآية الناسخة فقط.
ولقد سمَّى الله تعالي ذلك الكتاب ببعض أسمائه الحسنى فقال إنه عليّ حكيم وكريم وحكيم وعظيم ومجيد ونور ومبين ومهيمن، كما قال بأنه الصدق والحق والذكر وأنه أُنزل بالحق وأنه أحسن تفسيرا وأنه لا اختلاف فيه وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالقول بالنسخ هو مضاد تماماً لكل هذه الأسماء كما هو مضاد لكون الكتاب هدي للمتقين وبرهاناً مبينا، ومضاد لكونه لا اختلاف فيه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ومضاد لكونه مبينا ومبيِّنا وتبيانا لكل شيء.
إنه يجب العلم بأن للقرءان منظومةَ سماتٍ ثابتة بآياته قطعية الورود والدلالة، هذه السمات لها الحكمُ والتقدم على كل ما يُقالُ بخصوص القرءان، ذلك لأن هذه السمات هي من مظاهر أسماء مَنْ القرءان كلامُه، والقول بالنسخ مضاد تماما لمنظومة السمات هذه، فهذا القول بذلك هو من كبائر الإثم ومن الكفر المبين لتعارضه مع سمات ومقتضيات القرءان الكريم.
*******
منظومة سمات القرءان وخصائصه
إن منظومة السمات تتضمن ما وصف به الله القرءان من السمات، فتلك السمات تشكل منظومة متسقة لها الحكم على كل ما يمكن أن يقال بخصوص القرءان، فهي بذلك تستمد الحقانية والمصداقية من القرءان، فيجب أن يضرب بكل ما يخالف عنصراً من عناصرها عرض الحائط، من سمات القرءان وخصائصه المنصوص عليها في القرءان أو التي هي من فحوى آياته:
1.               أنه الكتاب الذي وصفه الله تعالى ببعض سماته، فهو النور والمبين والحكيم والحق والمجيد والعزيز والعلي الحكيم والعظيم والكريم والمهيمن.
2.               أنه هو القرءان والرسالة والكتاب والمبين والحكمة والكريم والمجيد والحكيم والمبارك وهو روح من أمر الله وهو ذكر وذو الذكر وهو ميسر للذكر والمهيمن على سائر الكتب وهو الحق، وهو النور وبه يهتدي الكثيرون ويَضل الفاسقون
3.               أنه كتاب مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء، فهو يبين بعضه بعضا فضلاً عن أنه يبين غيره.
4.               أنه كتاب بمعنى أن ما فيه ثابت راسخ، فهو مكتوب على الناس بمعنى أنه ملزم لهم، وهو مكتوب بمعنى أن ما فيه لا سبيل إلى تبديله.
5.               أنه كتاب مفصَّل على علم؛ فلا حاجة لمن يلم باللسان العربي إلى أي مصدر آخر ليفصله.
6.               هو الذكر الحكيم وهو ميسر للذكر.
7.               هو الحديث وهو أحسن الحديث وهو كتاب متشابه مثان.
8.               أنه المهيمن على كل الكتب الدينية الأخرى، وبالتالي فله الهيمنة على ما هو من دونها.
9.               أنه كِتَابٌ عَزِيزٌ، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.
10.           أنه الحق، وأنه أحسن تفسيرا.
11.           أنه أُنزل بالحق.
12.           أن به الميزان.
13.           أنه المصدر الأوحد لكل الأمور الدينية الكبرى والعظمى.
14.           أنه يتضمن كل الأسماء الحسني التي يجب على كل إنسان أن يعرفها كما يتضمن الآيات المبينة لمعانيها ودلالاتها ومقتضياتها، فهو يتضمن بذلك أسمي ما لدى الإنسان من معرفة بربه الرحمن.
15.           هو كتاب الله تعالى؛ فهو كاتبه ومبينه ومحكمه ومفصله؛ وفيه تتجلى سمات قائله.
16.           هو روح من أمر الله تعالى، ومنه ينفخ في نفوس المؤمنين ما يرقى بهم.
17.           أنه كتاب مبين وتبيان لكل شيء وميسر للذكر.
18.           هو الرسالة التي تتضمن الهدى ودين الحق وكلمة الله التامة.
19.           هو الكتاب والحكيم المصدق لما في الكتب السابقة من الحق من الحق.
20.           هو الكتاب المتشابه أي المتسق اتساقاً مطلقا؛ فآياته يصدق بعضها بعضا ويبين بعضها بعضا.
21.           هو الكتاب المثاني فهو بنفسه يثني نفسه ويصدق نفسه؛ فلا حاجة به إلى أي مصدر آخر.
22.           هو البرهان المبين، فهو يبرهن بنفسه على حقانية نفسه، وهو يتضمن ما يجب اعتباره بمثابة البينات والمسلمات.
23.           أنه يتضمن كل منظومات وعناصر دين الحق الذي هو خاتم الأديان، فهو يتضمن منظومات الأسماء والشئون الإلهية ومنظومات المقاصد والأركان والقيم والسنن.
24.           أنه يتضمن أصدق الأنباء عن عالم الغيب والتي هي لازمة لصلاح أمر الإنسان وتحقيق مقاصد الدين.
25.           أنه كلام من له العلم الكامل المطلق فكل ما أورده عن عالمي الغيب والشهادة هو الصدق المطلق الذي لا اختلاف ولا تناقض.
26.           به تم استخلاف الإنسان في الأرض وبدأ الإنسان مسيرة التقدم الجاد.
27.           ما يتسم به من موسيقي تصويرية داخلية ملائمة لموضوع السورة أو ما تتحدث عنه الآيات.
28.           النظم الفريد الذي لا مثيل له والمتمثل في الأمور اللغوية والمعنوية.
29.           يتضمن من العلوم والأسرار ما يتكشَّف يوما بعد يوم ويتسع مداها كما ونوعا ومن ذلك الإعجاز العلمي والأعجاز العددي.
30.           أنه يتضمن أسمي ما لدي الإنسان من مبادئ قانونية وأخلاقية وتشريعية.
31.           أنه يتضمن الموازين اللازمة لتقويم كل ما هو من دونه من المصادر الأخرى.
32.           أن له الهيمنة على كل ما لدى الناس من كتب سماوية وعلى مصادر المعرفة الأخرى.
33.           أنه كتاب عربي فلا يمكن أن يطلق على أية ترجمة لبعض معانيه قرءانا.
34.           أنه الآية التي حلت محل ما كان قبله من آيات الكتب، لذلك فليست به آيات منسوخة بل هو الناسخ لكل ما خالفه من النصوص الدينية الأخرى من الكتب التي كانت بين يديه.

فلهذه المنظومة الحكم على كل ما يمكن أن يقوله الناس على القرءان، ولا يجوز لأحد أن يصفه بما يخالف أي عنصر من عناصرها، ومن أشد ما يتناقض معها قولهم بأن في القرءان آيات منسوخة، فهذا القول باطل بطلانا مطلقا لتعارضه مع هذه المنظومة.
والقول بالنسخ يعني السماح لكل من هبَّ ودب ولشياطين الإنس –وهم كثر- لكي يضربوا آياتِ الكتاب بعضِها ببعض ولكي يفتعلوا اختلافاً فيها، وكذلك ليجعلوا من أفعالهم وأهوائهم التي أقحموها في الدين في صورة مرويات ناسخة لآيات الكتاب، وهو يتيح المجال لرجال الكهنوت وسدنة المذاهب ليتسابقوا فيما بينهم وليستعرضوا عضلاتهم أو بالأحرى جهالاتهم وسخافاتهم علي آيات ربهم، ولقد بلغ بهم الشطط أن جزؤوا الآية الواحدة إلي أجزاء منسوخة وأجزاء غير منسوخة !! والقول بالنسخ من أكبر أسباب ظهور المذاهب العدوانية الإجرامية اللاإنسانية الشرسة التي حلت محل الإسلام، والتي يجسد الدواعش والوهابية صورتها النقية بلا رتوش ولا تقية.
كل هذا رغم أنه ليس لديهم نص قطعي الدلالة يثبت مزاعمَهم بخصوص النسخ أو يتفقُ مع اصطلاحهم عليه، والقولُ بالنسخ بالمعني الذي اصطلحوا عليه كان من كبائر الإلقاءات الشيطانية التي لوثت وشوهت التراث الإسلامي وتسببت في ظهور تلك المذاهب المحرفة التي قوضت بنيان الأمة وفرقت الدين.
والقرءان هو أولاً الكتاب المهيمن على غيره من الكتب، فليس ثمة من مصدرٍ للعلوم الدينية أعلى من القرءان ليقرر شيئاً ما بخصوصه، وليس فيه هو أي دليل قطعي على أن أية آيةٍ من آياته منسوخة، والقول بالنسخ يتناقض مع عناصر منظومة السمات القرءانية المنصوص عليها في القرءان ويلقي بظلال قاتمة من الشك على الدين كله لأي ناقد محايد، فالقول بوجود آيات قرءانية منسوخة هو إلقاء شيطاني وإفك مبين.
فدحْض القول بوجود آيات قرءانية منسوخة يستند إلى أسس كلية راسخة، ولا حاجة بعد ذلك إلى مناقشة مزاعمهم المتعلقة بالنسخ ولا إلى مناقشة المزاعم المتعلقة بكل آية على حدة، ومع ذلك، فكل الآيات التي زعموا أنها منسوخة لا يمكن أبدا أن تكون كذلك، وهي تتضمن أوامر وأنباءً متعلقة بالعقيدة بحيث يكون القول بنسخها من الكفر المبين، فقد حصَّن الله تعالى آيات كتابه مسبقاً بحيث ينكشف بسهولة أمر أعدائه أو عملائهم من الضالين المغفلين ولا يستمر في التجني بعدها على آياته إلا كل ظالم أو عاتٍ أو عابد شقي لمذهبه الشركي.
إن قولهم بوجود آيات قرءانية منسوخة هو باطل نتيجةً لأسس كلية راسخة هدانا الله تعالى إليها باتباع المنهج القرءاني العلمي المنطقي، فهذه الأسس هي من عناصر ومقتضيات هذا المنهج، فهي لم تُستنتج من التتبع الجزئي لأقوالهم في الآيات التي زعموا أنها منسوخة، ولا من تمحيص وتفنيد أقوالهم في هذا الشأن، بل هي تغني عن الحاجة إلى ذلك، وما فنَّدنا أقوالهم إلا عندما اضطرونا إلى ذلك، ولم نجد من عملٍ أيسر من دحض مفترياتهم بخصوص النسخ! وكم من مرة فاجأني أحدهم بمزاعم لا تخطر إلا على بال شيطان متمرس بخصوص النسخ، فتم دحض كلامه في التوّ واللحظة!
وبطلان وجود آيات منسوخة في القرءان بالاستناد إلى أسس راسخة يمكن بيانه كما يلي:
1.            إن كل مسلم ملزم بالإيمان بكتاب الله تعالى كما هو وليس بعد إلغاء الكثير من آياته بحجة أنها منسوخة.
2.            القرءان هو المصدر الأعلى والمرجع الأعلى مطلقاً للدين والمهيمن على كل ما هو دونه من الكتب، فلا يوجد ما هو أعلى منه لكي يقرر أي شيء بخصوصه، ولا يمكن أبدا استعمال المصادر الثانوية لإلغاء أحكام نصوص في المصدر الأصلي الأعلى خاصة مع إقرارهم بأن دورها هو البيان والتفصيل والتقييد، والإبطال والإزالة ليست من هذه الأمور.
3.            قال الله تعالى إنه لا اختلاف في القرءان لأنه من عنده، فلا يوجد أي اختلاف في القرءان لكي يتولى القول بالنسخ معالجته، وأي تفسير للآيات يجب أن يتم على ضوء هذه الحقيقة، وكذلك أي سعي لاستخلاص أو استنباط القول القرءاني في أية قضية أو مسألة، ومن يقول بالنسخ يسلم بوجود اختلاف لا سبيل إلى دفعه إلا بالقول بالنسخ، فهو منكر لا محالة لقول ربه، ومن نشأ الاختلاف إلا في خياله وذهنه بسبب سوء فقهه.
4.            لقد سمَّى الله تعالي ذلك الكتاب ببعض أسمائه الحسنى فقال إنه عليّ حكيم وكريم وحكيم وعظيم ومجيد ونور ومبين ومهيمن، كما قال بأنه الصدق والحق وأنه لا اختلاف فيه وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالقول بالنسخ هو مضاد تماماً لكل هذه الأسماء ويتضمن تكذيباً لما ذكره الله تعالى.
5.            القول بالنسخ هو مضاد تماماً لكون الكتاب هدي للمتقين وبرهاناً مبينا، ومضاد لكونه لا اختلاف فيه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومضاد لكونه مبينا ومبيِّنا وتبيانا لكل شيء.
6.            للقرءان منظومة سماتً ثابتة بآياته قطعية الورود والدلالة، هذه السمات لها الحكمُ والتقدم على كل ما يُقالُ بخصوص القرءان، ذلك لأن هذه السمات هي من مظاهر أسماء مَنْ القرءان كلامُه، والقول بالنسخ مضاد تماما لمنظومة السمات هذه، فهذا القول بذلك هو من كبائر الإثم ومن الكفر المبين لتعارضه مع سمات ومقتضيات القرءان الكريم، فالقول بالنسخ يتناقض مع عناصر منظومة السمات القرءانية ويلقي بظلال قاتمة من الشك على الدين كله لأي ناقد محايد، وعلى سبيل المثال من سمات القرءان أنه كِتَابٌ عَزِيزٌ، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، فهل ثمة باطل أشد من الزعم أنه في هذا الكتاب العزيز آيات قد بطل حكمها وأُلغي العمل بها؟ وهل يمكن أن يسمح بذلك من هو حكيم حميد؟ هل يمكن لمشرع بشري أن يتضمن القانون الذي يضعه للناس نصوصا باطلة وملغاة ولا حكم لها ولا يجوز العمل بها؟ فالقول بوجود آيات قرءانية منسوخة هو إلقاء شيطاني وإفك مبين.
7.            قال الله تعالى إنه أنزل كتابه بالحق والميزان ولم يجعله مجالا لعبث الشيطان، والقول بالنسخ يجعله عرضة لتلاعب الناس والحكم عليه بأهوائهم.
8.            كل آيات القرءان آيات بينات وعلى نفس الدرجة من الحجية والمصداقية.
9.            لقد تحدَّى الله تعالى بآيات القرءان الجن والإنس، والتحدي لا يكون بألفاظ مرسومة لا حكم لها!
10.        أنواع آيات القرءان مذكورة بكل وضوح في القرءان، ومنها المحكمات والمتشابهات والبينات...الخ، وكلها مبينات ولا يوجد أي نص قرءاني على وجود آيات منسوخات في القرءان مع خطورة هذا القول.
11.        لم يرد فيما نسبوه إلى الرسول من مرويات أي حديث عن وجود آيات قرءانية منسوخة رغم خطورة هذا الأمر، ولقد كان الرسول مأموراً في القرءان بالبلاغ المبين، وكل مسلم ملزم بالإيمان بأنه فعل وبلَّغ.
12.        لقد ذكر الله سبحانه أن في كتابه المنزل آيات محكمات وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، ولكنه لم يذكر أبداً أن في كتابه آيات منسوخات، وذلك رغم أن القول بأن في الكتاب المنزل آيات منسوخات لا يقل في الأهمية والخطورة عن القول بأن فيه آيات متشابهات، فلا يوجد أي نص في القرءان على أن فيه آيات منسوخات.
13.        لا يوجد أي دليل قطعي في القرءان على أن فيه آيات منسوخات، بل يمكن بكل يسر وسهولة دحض أي استدلال على أن فيه شيئا من ذلك، ومن المعلوم أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال فقد بطل به الاستدلال حتى في أهون الأمور فكيف إذا تم دحضه؟ فالآيات التي يحتجون بها لإثبات قولهم بالنسخ لا علاقة لها بكلامهم، ومن الواضح أنهم قالوا قولهم الكفري المترتب على إلقاء شيطاني ثم حاولوا فرضه على الآيات واستنطاقها به.
14.        الآيات التي قالوا بأنها منسوخة مازالت موجودة في المصحف، يتعبد الناس بتلاوتها والعمل بمقتضياتها، وكل قول بنسخ آية يترتب عليه بالضرورة التكذيب بمضمونها أي الكفر بها وبما تتضمنه من الأخبار الإلهية.
15.        كل الآيات التي زعموا أنها منسوخة لا يمكن أبدا أن تكون كذلك، وهي تتضمن أوامر وأنباءً متعلقة بالإيمانيات، وقد تذكر اسما من الأسماء الحسنى أو شأناً إلهيا، بحيث يكون القول بنسخها من الكفر المبين، فقد حصَّن الله تعالى آيات كتابه مسبقاً بحيث ينكشف بسهولة أمر أعدائه أو عملائهم من الضالين المغفلين ولا يستمر في التجني بعدها على آياته إلا كل ظالم أو عاتٍ أو عابد شقي لمذهبه الشركي.
16.        سيقولون إن المراد بالنسخ ليس الآية بل هو حكم الآية!! ثم سيقولون: كلا، كلا! بل إن المراد به نسخ حكم جزء من الآية، وهذا ما ليس عليه أي دليل، ودليلهم لا يسعفهم إلا إذا كانوا يظنون أن لديهم الحق ليستدركوا على رب العالمين.
17.        رغم أنهم أقروا بأن دليلهم يقول بأن الآية تُنسخ بما هو خير منها أو مثلها فإنهم لم يتورعوا عن نسخ آيات قرءانية بمرويات آحادية بل بما لا وجود له !!!! فافتضحوا، وهم بالطبع لا يدركون أنهم أدوات رخيصة بأيدي شياطين الإنس والجن!
18.        القرءان نص قطعي الثبوت، أما المرويات والآثار فهي ظنية الثبوت مهما كابروا بشأنها، وما يسمونه بدرجات أو مراتب الحديث ليس إلا درجات احتمال صحة المروية وفقاً لمقاييس بشرية، فهم لم يجرؤوا على القطع بصحتها، ولا يجوز أبداً تحكيم الظني في القطعي، ولقد أمر الله تعالى باجتناب الظن وندد بمن يتبعون الظن تنديدا شديدا.
19.        وبعد أن طال عبثهم بكتاب الله تعالى ولم يجدوا من يتصدي لإفكهم وضلالهم وبعد أن سحروا أعين الناس واسترهبوهم وأعدوا لكل من يحاول الدفاع عن القرءان كل ما استطاعوا من اتهامات بالخروج على القطيع وخلع الربقة ومفارقة الملة وإنكار السنة لم يتفقوا أبداً !!!! على الآيات المنسوخة!!!!!!؟؟؟؟!!!!! وعددها عندهم يتراوح بين العشرات وبين المئات!!!!!؛ فأعطوا لأعداء الإسلام أمضى سلاح ضد القرءان!!! ولو كان النسخ من الأمر المعلومة بالضرورة لما اختلفوا بشأن الآيات التي زعموا بأنها منسوخة.
إن الله تعالى قد تحدى الإنس والجن بآيات القرءان بمنطوقها ومعناها وفحواها ومقتضياتها والعلومِ والأحكامِ الواردة فيها، وليس بمجرد رسمها، إن قيمة الآية ليس في وجود رسمها مرقوماً في المصحف أو في مجرد التلفظ بها وإنما بما تتضمنه من معلومات وتعليمات وأوامر وأحكام ومعان وقيم هي في ذاتها آيات، لذلك فمن الكفر والنفاق بل ومن الإجرام أن يجردوا الآية من كل ذلك ومن روحها لمجرد أنهم لم يفقهوا معناها أو لظنهم أن فيها اختلافا عما تصوروه أو لاختلافها مع مروية أو مع إجماع مزعوم، ومن التمادي في الإجرام أن يكفِّروا أو يزندقوا من أنكر قولهم بالنسخ أو أن يشبهوه باليهود بينما هم يشكلون النسخة المذهبية الأعرابية من هؤلاء اليهود، ومن أعجب الأمور أن يقولوا إن القرءانَ قديم غير مخلوق وإنه صفة إلهية قديمة وإنه أنزل إلى السماء الدنيا كاملاً في ليلة القدر ثم يقولون إن بعض آياته منسوخة وأن المرويات الظنية بل إجماعُهم يمكن أن ينسخها.
وقد قال المدافعون عن وجود آيات منسوخة في القرءان إن ذلك جائز عقلاً!! ويمكن الرد عليهم بكل ثقة بالقول بأن من علامات الخلل في العقل القول بأنه يوجد نصوص منسوخة في الرسالة الكاملة وكلمة الله تعالى التامة والنهائية إلى البشرية جمعاء! ومن علامات الخلل في العقل أن تقول إنه يوجد نصوص منسوخة في القرءان الذي أنت تؤمن في الوقت ذاته أنه كلام الله وصفته وأنه قديم!
إن القرءان الكريم هو المصدر الأوحد لكل أمور الدين الكبرى، وهو المصدر الرئيس لأمور الدين الثانوية، فهو المصدر الأعلى للعلوم والمعارف الدينية، ولا يوجد مصدر أعلى منه ليقرر شيئاً ما بخصوصه ولا ليصنِّف آياته، إنه لله تعالى وحده حق الحكم على آيات كتابه وتصنيفها؛ فهو كلامه هو وليس كلام غيره، وهو سبحانه لا يخشى أحداً من خلقه.
وعلى سبيل المثال فلقد ذكر سبحانه أن في كتابه المنزل آيات محكمات وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، قال تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ}آل عمران7، ولكنه لم يذكر أبداً أن في كتابه آيات منسوخات، وذلك رغم أن القول بأن في الكتاب المنزل آيات منسوخات لا يقل في الأهمية والخطورة عن القول بأن فيه آيات متشابهات، فلا يوجد أي دليل قطعي في القرءان على أن فيه آيات منسوخات، بل يمكن بكل يسر وسهولة دحض أي استدلال على أن فيه شيئا من ذلك، ومن المعلوم أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال فقد بطل به الاستدلال حتى في أهون الأمور.
ولقد تمكنا بفضل الله تعالى وبكل يسر وسهولة وبدون مجهود يذكر من دحض كل حججهم بخصوص الآيات التي زعموا أنها منسوخة وأثبتنا أن تلك الآيات لها حقانيتها وحجيتها ومصداقيتها الكاملة، وأن يجب العمل بها، بل وأرسلنا هذا التحدي العام لكل شياطين الإنس والجن ومن يتبعهم ممن لم يعرفوا للقرءان الكريم الذي هو كلام الله قدره: ائتونا بآية قرءانية كاملة تستطيعون القطع بأنها كلها منسوخة!!!!!
*******
إن القرءان هو الكتاب الديني الوحيد الموثق توثيقاً تاماً والذي له المصداقية الكاملة، فلا يوجد كتاب ديني آخر يدانيه في الموثوقية أو المصداقية ليقرر شيئاً ما بخصوصه فضلا عن أن يقول إن جزءاً كبيرا من آياته قد بطل العمل بها، ولأن القرءان هو الكتاب الذي لم يتمكن إنسان أو شيطان من أن يحذف منه شيئا أو يضيف إليه شيئا فلقد اكتشف العلماء المجتهدون وسيظلون يكتشفون فيه ألوانا من الإعجاز العددي المتعلق بعدد حروفه وكلماته، ولقد اكتشفنا نحن بفضل الله تعالى فيه ارتباطاً بين عدد كلمات آيات المثاني وبين تواريخ الوقائع الكبرى المتعلقة بالعصر النبوي ونشرناه في كتبنا.
*******
إن من أخطر ما حاق بمسيرة هذا الدين تحريف المصطلحات أو إعطاءها مدلولات لم تكن لها أو هي بعيدة تماما عن طبيعة القرءان وروحه، وعلى سبيل المثال فالنسخ طبقا لاصطلاح السلف الصالح كان لا يعني إلا الاستثناء أو إيضاح المبهم في آية بآية أخرى أو تفصيل المجمل في آية بآية أخرى أو تقييد المطلق في آية بآية أخرى وما إلى ذلك بحيث يتحقق القول بأن القرءان ككيان واحد هو مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء، ولم يكن يراد به أبداً وجود آية في كتاب الله قد بطل حكمها والعمل بها، ومن قال بذلك فقد زعم أن ثمة لغواً في القرءان، ومن العجب أن يقولوا بأن الآية قد أزيلت وهي مازالت محفوظة في كتاب الله تُتلى وتفسر، ومن العجيب أن يقولوا بوجود آيات منسوخة وهم يعلمون أن زعمهم لا يمسّ إلا حكم جزء من آية وليس الآية الكاملة!!!! إنها الرغبة الشيطانية الدفينة في التطاول على القرءان والإلقاء بظلال الشك والباطل حوله، إنه يجب العلم والإيمان بأن القرءان ككل واحد هو مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء كما ذكر الله تعالى وهو الأصدق حديثاً، فمن وجد بالنسبة لنفسه غموضاً في آية فسيجد ما يزيل هذا الغموض في آية أخرى.
أما النسخ في اصطلاح أهل الباطل ومن اتخذوا القرءان مهجورا ومن تقبلوا الإلقاءات الشيطانية فيعني إلغاء أو إزالة حكم بعض آيات القرءان!!! هذا رغم أن هذه الآيات مازالت في القرءان!!! وهذا رغم أن الآية التي يحتجون بها وهي: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} البقرة 106 تتكلم عن نسخ آية وليس عن نسخ حكم آية، هذا فضلا عن أن اللفظ المفرد "آية" لا يعني بالضرورة آية قرءانية، ولقد استعمل للدلالة على أمور أخرى عديدة في القرءان، وهو هنا يشير إلى عنصر من نصوص أو شرائع أو أحكام أهل الكتاب وغيرهم، أما الآية الأخرى التي يحتجون بها فتتكلم عن تبديل آية مكان آية وليس إلغاء حكم آية أو إلغاء آية، وهذا يبيِّن أنهم أحدثوا أو تلقوا تصوراً باطلاً ثم أرادوا فرضه على كتاب الله العزيز.
*******
إن مجرد النص على أن القرءان الكريم كتاب مبين وأن آياته بيِّنة مبيِّنة وأنه كتاب أُحكمت آياته ثم فُصِّلت وأنه أُنزل تبياناً لكل شيء يدحض مزاعم كل القائلين بنسخ بعض آياته.
ومجرد النص على أن القرءان هو الذكر وأنه ذو الذكر يعني أنه لا يمكن أن تنسى أية آية من آياته.
=======
إن كل آية قرءانية تتحدث عن أمرٍ ما يجب أن تُفقه في سياق كل الآيات التي تتحدث عن نفس الأمر؛ فكلها متكافئة وكل منها يلقي مزيداً من الضوء على هذا الأمر ويجلي بعض جوانبه؛ وكمثال: لا يجوز الأخذ بآية واحدة تتحدث عن القتال مثلا وإهمال باقي الآيات التي تتحدث عنه بحجة أن الآية المختارة قد نسختها كلها، والحق هو أن من يفعل ذلك يكون قد كفر بالآيات التي قال إنها منسوخة، ومن كفر ببعض الكتاب فقد كفر به كله، ذلك لأنه قد عمل على تجاهل المنهج القرءاني، ومن المعلوم أنه يمكن دائما -عن طريق انتقاء آية أو جزء من آية وتجاهل باقي الآيات- فرض رأي مسبق أو تضليل الناس أو لبس الحق بالباطل أو إثبات أي شيء أو إثبات الشيء ونقيضه، كما أن من يقول بالنسخ يكون قد قطع بوجود اختلاف في القرءان لا سبيل إلى دفعه إلا بالقول بالنسخ، وهو في ذلك يكون مكذبا بما وصف الله به القرءان.
=======
إن القول بوجود آيات قرءانية منسوخة (بالمعنى الذي اصطلح عليه المبطلون) كان من شر الإلقاءات الشيطانية التي ابتليت بها الأمة واستعملت لصد الناس عن القرءان واتخاذه مهجورا والتي جُعلت فتنة لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ، قال الله تعالى:
{لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ{53} وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{54} وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ{55}} الحج
فسيظل الضالون من الخلف الذين هرعوا على آثار الخلف الطالح في مرية من الحق ويتطاولون على القرءان ويتعاملون معه باستخفاف وعدم مسئولية حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ.
=======
إن من يزعم أن ثمة آيات في القرءان الذي بين يدي الناس الآن قد نُسِخت أو أنسيت هو كذاب مضلّ فما زالت تلك الآيات التي زعم لها ذلك موجودة ومحفوظة في كتاب الله، أما إن زعم أن المراد هو نسخ مضمون الآية من الأحكام -وهو ما لم يأت عليه بدليل يُعتدّ به- فهو كذاب مضل أيضاً، ذلك لأن الآيات التي زعم أنها منسوخة أو منساة تتضمن أحكاما ثابتة ملزمة للمسلمين هذا فضلاً عما تتضمنه من المعلومات والبينات الصادقة التي لا يمكن أن يقول بنسخها إلا كفَّار أثيم، فمن يصر على هذا الزعم ويقول بأن ثمة آيات في الكتاب قد نُسخت أو نُسخ حكمها وبطل العمل بها وبقيت كعبارات أثرية للتلاوة فقط فإنما يكون قد افترى إثماً مبيناً وكفر ببعض الكتاب وجحد بعض أحكامه وفرق بين آياته وقال على الله تعالى ما لم يعلم، لقد جاء القائلون بالنسخ بإفك مبين واستكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً وضلوا وأضلوا وهلكوا وأهلكوا، ولقد آن للمتكسبين بمثل هذا الإفك وبمثل هذه المفتريات أن يثوبوا إلي رشدهم وأن يتوبوا إلي ربهم وأن يتطهروا مما هم عليه من الفسق وأن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق وأن يعرفوا لكل آية قرءانية حقها وقدرها.
=======
إن القول بالنسخ بالمعنى الذي اصطلحوا عليه يعني الكفر ببعض الآيات وتعطيل أحكامها وإبطال مضمونها، ولقد فتح هذا القول ثغرة هائلة للكهنوت ولعبيد السلطة مكَّنتهم من فرض أنفسهم وأعطتهم الذريعة ليحولوا بين الناس وبين كتاب ربهم، وكذلك مكنتهم من صياغة تلك المذاهب العدوانية الجهلوتية الغاشمة التي حلت محلّ الإسلام.
=======
إن ما نُسخ أو أُنسي لم يعد له وجود لا في الكتاب المقروء ولا في الكتاب المشهود، والمنسي لم يعد له ذكر، والمنسوخ قد أزيل وإن بقي له ذكر بطريقةٍ ما قد تتضمنه الآية الناسخة، والآية لا تعني بالضرورة الجملة أو العبارة القرءانية طبقا لنصوص القرءان ذاته، فالقرءان المحفوظ ذو الذكر لا يتضمن آية نسخت أو أنسيت وإنما يتضمن آيات ناسخة لما قبلها من شرائع أهل الكتاب التي التزم بها المسلمون لأي سببٍ من الأسباب.
=======
سيقولون كيف تقولون إن الشيطان قد تمكن من خداع السلف في قولهم بالنسخ في القرءان وفي غير ذلك؟ ولكن ما العجب في ذلك؟ ولم تهوِّنون من قدرات الشيطان؟ ألم يستزل من هو خير من السلف؟ ألم يخدع آدم الذي كرمه الله وأسجد له الملائكة رغم أن الله تعالى قد حذَّر آدم تحذيراً مباشراً وصريحا من إبليس الذي رفض أن يطيع ربه في حين أطاعته الملائكة وهم خير من إبليس؟ ولقد اتخذوا من الآثار المنسوبة إلى أهل القرن الأول والتي تبين تهيبهم من القول في القرءان بغير علم وسيلة لصد الناس عن القرءان وإلزامهم باتخاذه مهجورا.
*******
إنه لا توجد آية قرءانية تسمح للرجل بالزنا ولا بتعاطي الخمر ولا بالاتجاه إلى بيت المقدس في الصلاة ولا برجم الزاني المحصن ولا بإباحة الرفث إلى النساء في ليلة الصيام.....الخ، فلا نسخ في القرءان، وبخصوص آية الأمر بالصيام فالذي كُتب على المسلمين كما كتب على الذين من قبلهم هو الصيام ولم يكتب عليهم أن يتبعوهم في تفاصيله الدقيقة، ولقد نسخ القرءان وعدل بعض هذه التفاصيل وأوجب على المسلمين صيام رمضان، فالقرءان يتضمن الآيات الناسخة المعدِّلة وليس المنسوخة.
ومن العجيب أن يزعم الضالون أن آيات القرءان يُمكن أن تُنسخ بالمرويات الظنية التي يسمونها بالسنة أو بإجماعهم!! مع أنهم يستدلون بآية تقول إن نسخ آية يكون بخير منها؛ فهم بذلك يجعلون المروية الظنية أو رأي أئمتهم خيرا من آيات الكتاب، فيا لهم من جهلة مضللين!

*******



هناك تعليقان (2):