الاثنين، 2 مارس 2015

الاسم الإلهي الخَالـِق

الاسم الإلهي الخَالـِق
أَحْسَنُ الْخَالِقِيـنَ

قالَ تعالى:
{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}الزمر62، {ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }الأنعام102، {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}غافر62، {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }الرعد16.
{أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} الصافات125، {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} المؤمنون14
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} الحجر28، {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ} ص71، {أَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} الواقعة59

فالاسم الإلهي الخالـق هو من أسماء النسق الأول من الأسماء الحسنى.

إن لمصطلح الخلق معانيه العديدة في القرءان فهو قد يعنى التقدير أو التأليف من معانٍ أو عناصر وقد يشير إلى المادة التي صنع منها الكيان وقد يشير إلى التحويل من طور إلى آخر، وثمة كائنات هي بمثابة آلات وأدوات للاسم الخالق بها يتم أمره في العوالم التفصيلية.
فالخالق هو الذي قدر لكل ماهية ما يمكن أن تفصَّل إليه من مقادير الصفات وكل ما يلزمها من المواد لتتحقق وتصدر عنها آثارها، وهو الذي جمع بين اللطائف والكثائف وألف بينها بما يتفق مع مقادير الصفات المركوزة في الحقائق والماهيات.
وفعل الخلق هو في عالم الأمر التقدير، أما في عالم الخلق فينتج عنه كيان مادي ظاهر ومؤلف من المواد الملائمة وقد ينتج عنه أيضا انتقال الكائن من طور إلى طور آخر، فمن حيث هذا الاسم هو يخلق الشيء أو يقدِّره، والتقدير هنا هو التصميم (To Design) طبقاً للاستعمال المعاصر، فمن مقتضياته في هذا العالم: المهندس المصمِّم، ومحلُّ الشيء من حيث هو مصمَّم هو العالم العلمي الباطن والذي هو من عالم الغيب بالنسبة إلى الإنسان.
والخلق يتضمن التطوير أي النقل من طور إلى طور، وخلق شيء من شيء يتضمن أيضا جعل السابق مادة للاحق، والخلق يعنى أيضا الجعل.
والرمز يشير إلى أن تعين الأشياء بعد إبهامها وتحققها وتقديرها إنما يتم بتأثير سمات الكمال الباطنة وبذلك يتحقق ظهورها، وبذلك أيضاً تتعين الماهيات وتتحقق فتبرز الكائنات ويتحقق العلم السابق المقدر ويتم تفصيل الكمال، فهو الفعل الذي يؤدي إلى اتصال الكيان الخفي بما يؤدي إلى بروزه المؤقت على صفحة العدم، انبثاق، نمو، بلوغ ذروة، تهاوي، عودة إلى المستوى العدمي الأول بعد نصف دورة، مثل نصف الدائرة على خط مستقيم.
*******
إن (الخلق من شيء) له في القرءان معانيه العديدة، فقد يشير إلي المواد التي خلق منها الجسم الإنساني مثل الماء أو التراب أو الطين أو الصلصال أو الحمأ المسنون، وقد يشير إلي طور من الأطوار التي مر بها هذا الجسم أو ابتدأ بها أو منها مثل النطفة أو العلقة أو المضغة أو العظام…..إلخ، وقد يشير إلي حالة كان عليهم الجسم مثل الضعف أو القوة أو إلي صفة لازمة للإنسان مثل العَجَل…، فالخلق من طين لا يعني بالضرورة عمل تمثال طيني للإنسان ثم نفخ الروح فيه، هذا فضلا عن أن الروح لا يُنفَخ وإنما ينفخ منه في كيان، ولقد خاطب القرءان العرب وأخبرهم أنهم خُلِقوا من تراب ومن طين فلم يكذبوا النبأ رغم أنهم لم يروا ترابا ولا طينا يتحول أمامهم إلي بشر، وقديما قال صالح عليه السلام لقومه: (هو الذي أنشأكم من الأرض) فلم يستريبوا ولم يكذبوا قوله، وكذلك قال القرءان: (والله أنبتكم من الأرض نباتا)، فلم يطالب العرب الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بأن يريهم إنسانا ينبت من الأرض، ولقد فقهوا المراد وهو أن مادة الجسم الإنساني إنما يعود أصلها إلي الأرض المروية بالماء أي إلي الطين.
والحق هو أن الإنسان قد نبت من الأرض من قديم بطريقة ما –أي عبر سلسلة من التطورات- وكذلك سيخرج منها يوم القيامة بطريقة أخري، ذلك لأنه نبت من قبل علي غير مثال سابق وسيبعث أيضا من بعد علي غير مثال سابق، فأمرٌ مثل الخلق من طين أو من ماء أو من تراب أو من صلصال أو من ماء مهين أو من نطفة أو من علق إنما يشير إلى مادة وأصول وأطوار الكيان المادي للإنسان الذي أنبتت فيه النفس، وهذا لا يعني بالضرورة إثباتاً لنظرية الخلق المباشر ولا يمنع أن يكون البشر قد نشئوا أصلاً من كيانات أدنى منهم سبق أن نبتت من الأرض، فالإسلام ليس مطالباً بتبني أساطير أهل الكتاب ولا من نقل عنهم من العرب والأعراب.
فكل الآيات التي تتناول أمر الخلق متسقة متعاضدة يلقي كل منها مزيدا من الضوء على حقيقة مصطلح الخلق الذي هو بالأصالة سمة إلهية تقتضي فعلا إلهيا له نفس الاسم باللغة العربية، ومن المعلوم في العربية أن اسم المعنى يُطلق على مجاله أيضا.
--------------------
إن الخلق من شيء إنما يشير إلى مادة صياغة الكائن أو إلي جزء من كيانه أو إلى مادة من المواد التي صيغ منها أو إلى طور من الأطوار التي مر بها هو أو أسلافه، والخلق هو أمر واحد لمن ارتفع عن أحكام الزمكان ولم يتقيد به، ولكن الأمر العلوي لا يظهر في عالم إلا مقيدا بأحكام هذا العالم ووفق قوانينه وسننه، لذلك كان كل عالم من الأمور اللازمة للتفصيل والظهور، ولما سبق فإن خلق وتصوير آدم يعني ويتضمن خلق وتصوير كل البشر لمن جلّ عن  أحكام الزمان والمكان وأحاط بهما، وهذا الخلق مفصَّل بكل خلق لإنسان جديد إلى قيام الساعة، كما أن آدم الذي هو الإنسان المعلوم هو أيضا جماع الكيانات الإنسانية وهو مفصل بكل ما سيظهر من بشر إلى قيام الساعة ومن يسجد له من الملائكة هم مفصلون بكل من سيظهر من ملائكة الأرض المسخرين لخدمة أهل الأرض من البشر، أما إبليس الذي تمرد فهو مفصل بكل شيطان سيظهر ويتمرد ويكيد للإنسان.
--------------------
إن الكيانات الأمرية كالسنن والتدبيرات والتقديرات والحقائق والآيات هي من مقتضيات الأسماء وهي ليست مصنوعة من المواد المألوفة، وبالتالي فهي غير خاضعة لعملية الخلق بالمعني المعلوم.
--------------------
ولقد ذكر القرءان أيضاً أن كل البشر مخلوقون من نفس واحدة أي من نوع واحد وأن الأزواج مخلوقون من نفس النوع، أي أن الصورتين الممكنتين للكيان المادي للإنسان تنتميان إلى نفس النوع، ومنشأ اللبس الذي يقع فيه الناس هو في الاستخدامات الممكنة المتعددة لكلمة (نفس)، والنفس الإنسانية من حيث هي لا تتسم بذكورة أو بأنوثة وإنما يظهر النوع من حيث الجسد، فإنما هي نفس واحدة ظهرت في صورتين ممكنتين ثم تم بث من هاتين الصورتين رجالا كثيرا ونساءا، والكل سواء أمام الأوامر الشرعية والكل مطالبون بتحقيق مقاصد الدين العظمي.
*******
إن منظومة الأسماء الحسنى تقتضى أن يخلق الرب سبحانه كائنات مقيدة نسبية لا آلهة أخرى، فإن الإله ليس بمخلوق، كما أنه ليس ثمة ما يدعو إلي صنع ملايين النسخ المتطابقة من الكائنات المطيعة المؤمنة لأن ذلك يتنافى مع السعة الإلهية ومع طلاقة القدرة على الإبداع ومع الأحدية التي تقتضى أن لا يتكرر شيء في الوجود، لكل هذا فالنقص الذاتي هو أمر لازم لكل ماهية لكي تتعين وتظهر وتتحقق، ذلك لأنه لا يمكن أن تتميز الماهيات إلا من حيث تفاوتها في الصفات أو بافتقاد صفة ما عند إحداها بالنسبة إلى الأخرى، ولو كان لدى كائن ما كل الصفات المطلقة لكان إلهاً آخر، وهذا هو المستحيل بعينه، فإن الكائن المخلوق لم يكن موجوداً فوجد، ولا بد له لذلك من موجد، ولابد له من بداية ولابد من أن تكون صفاته غير ذاتية وكفى بذلك نقصاً ومحدودية، فافتقار كل ما هو غير وسوي إلي الموجد هو نقص ذاتي لازم لا يرتفع أبدا، ولما كان لابد للكائن المخلوق من نقص ذاتي لازم، فلابد من آثار لهذا النقص فيما يصدر عنه من أفعال وأقوال، فالنقص الظاهر في الأفعال يرجع إلى محدودية الإنسان ونقصه الذاتي الذي كان من لوازم تكون ماهيته، ولذا فإن ظهور النقص في أفعال الإنسان لا ينال من طلاقة القدرة وإنما يظهرها.
ويظن الناس أن عملية الخلق تكون بأن يقرر الحق أن يخلق إنساناً ما مثلاً ثم يختار لهذا الإنسان بعد ذلك مجموعة من الصفات الخلقية والخلقية وكذلك عمره ودينه ... الخ، وبالتالي يود كل إنسان لو كان قد خلق بطريقة أفضل مما هو عليه أو قد يقول لم قدر على كذا أو كذا؟ أما حقيقة الأمر فهي أنه بسريان القوانين والسنن وتتابع الوقائع والأحداث في العالم المخلوق تتعين حقائق أو ماهيات إنسانية، كل منها يمكن اعتبارها وكأنها تتألف من مجموعة من الصفات بقدر معلوم هي في الحقيقة الصفات التي يمكن أن تفصل إليها في حال تحققها، ومن حيث التناسق الوجودي العام فإن ثمة أمراً قدسياً قد استوجب ذلك لإتمام تفصيل الكمالات، فلما سمح لتلك الماهية بالوجود قرنت بكل ما يلزم من المواد فترتب على ذلك وجود إنسان ذي أنية معينة أطلق عليه الناس اسماً خاصاً، فلما أصبح واعياً بوجوده ظن أن الوجود أمر ذاتي له أو أن له وجوداً قبل وجوده فطالب لنفسه بصفات أفضل، والحق هو أن هيئته الظاهرة أو الباطنة ليست إلا تمثالاً لماهيته التي برز هو معبراً عنها، وبالتالي لم يكن له أن يكون إلا كما هو عليه أو أن يبقى في طي العدم ويظهر غيره بدلا منه، وليس في ذلك جبرية ما، فالتوافق بين مظهر الإنسان وأفعاله وبين حقيقته الذاتية هو عين العدل كما أن عمل الإنسان وفق طبيعته الذاتية هو عين الحرية.
*******
إن مصطلح الخلق يطلق علي أمور عديدة، ولابد للخلق الذي يترتب عليه تحقق الشيء وظهوره من مادة، فالخلق هاهنا هو إعادة صياغة مادة موجودة مسبقاً سواء أكانت لطيفة أم كثيفة وفق حقيقة أو ماهية متعينة، ويطلق هذا المصطلح أيضاً على تطوير الكيان الناتج ونقله من حال إلى حال، والخلق هو بالأصالة فعل من الأفعال الإلهية ولكنه ليس بالفعل الإلهي الوحيد، وكل ما سوي الله هو من مقتضيات أسمائه ومن آثار أفعاله.
--------------------
إن الله تعالى هو خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، لذلك فهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ، وله مقاليد السماوات والأرض، فمن خلق شيئا هو الأعلم بكل ما هو فيه وبكل ما يتضمنه ويتحكم فيه، لذلك على الإنسان أن يفقه هذه الحقيقة وأن يتوافق معها، لذلك وجب عليه التوكل على ربه، فذلك من مقتضيات القيام بحقوق الاسمين الإلهيين الخالق والوكيل.
ومجال فعله كخالق هو ما هو دونه من الماهيات والحقائق، فذاته وأسماؤه وسماته ليست مجالاً لفعله كخالق، وكل الأسئلة الهرائية التي يتشدق بها الملحدون والمرتابون تنطلق من جهلهم بهذه الحقيقة الراسخة، فالأشياء التي هي مجال لهذا الفعل هي نواتج المنظومة الكلية للأسماء الحسنى، أي هي نواتج سريان قوانينه وسننه وبها تتعين، وبمضي العالم تتولد وتستجد ماهيات وحقائق داخلة في مجال هذا الاسم، فيختار منها الله سبحانه ما يخلقه، فهذا من سماته وسلطاته كإله، قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }القصص68
فهذا المجال هو له وحده، فليس لأحد أن يقترح عليه شيئاً بخصوصه، وقد يظن الإنسان أن أمراً ما هو هيِّن وهو عند الله عظيم، وقد يظن أم أمراً ما هو ممكن، وهو عنده مستحيل، فأسماؤه سبحانه في اتساق وتوافق تام، وهي من لوازم حقيقته الذاتية، فلا يمكن أن تتناقض معها، ولا يمكن لأحد أن يحمله على فعل ما لا يتوافق معها أو لا يتسق مع كنهه الذاتي، فطلاقة الأسماء هي من حيث اتساقها التام فيما بينها.
*******
إن كل مخلوق هو معلومة من معلومات الله سبحانه وهو أيضا أثر من آثار الأسماء الحسنى وهو يشير إلى اسم رباني أو كمال إلهي ولابد أن ثمة شأناً إلهياً اقتضى وجوده لتحقيق مقاصد معلومة عنده، وكل ذلك يوجب احترام المخلوق من حيث هو كذلك، وأولى الخلائق بالاحترام والتكريم هو الإنسان لأن حقيقته جامعة وقابلة للتطور مع ثبات الأنية، وهو بذلك أداة التفصيل المثلي، وبالمثل فلابد أن وراء كل واقعة أو حدث من أسرار وتدبيرات يجب البحث عنها.
*******
إن فعل الخلق ومشتقاته يشير إلى:
1.     المادة التي صنع منها الكائن، ومن الآيات التي تبين ذلك: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِين}[السجدة:7]، {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُون}[الأنعام:2]، {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِب}[الصافات:11]، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُون}[الروم:20]، {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} [النور:45]، {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (14) وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ (15)} الرحمن.
2.      الأطوار المختلفة التي مرَّ بها الكائن، ومن الآيات التي تبين ذلك: {وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير}[فاطر:11]، وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون.
3.      الحالات المختلفة التي مرَّ بها الكائن والصفات المركوزة فيه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير} [الروم:54]، {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُون} [الأنبياء:37]
4.      تقدير الماهية وكذلك تقدير صفاتها اللازمة.
5.      صياغة المواد الملائمة وفق هذا التقدير ليبرز ما يكون مظهراً لتلك الماهية.
فالقول بأنه خلق كائناً ما من شيءٍ ما يمكن أن يعني أنه جعل هذا الشيء مادة له أو حالة ابتدائية له أو طورا سابقا عليه، ولذا فإن كل إنسان مخلوق من طين ومن تراب ومن ماء ومن صلصال ومن ضعف ومن نطفة ومن علقة، فكل طور من تلك الأطوار يقتضي خلقا بمعنى التقدير وخلقا بمعنى صياغة المواد لتوافق هذا التقدير وتحققه، والإنسان مخلوق من الطين دون أن يعني ذلك بالضرورة أن الرب سبحانه قد صنع تمثالاً طينيا ثم نفخ فيه أمراً ما فأصبح إنسانا، بل إن ذلك إشارة إلى المادة التي خلق منها جسمه المادي، ولذا فكل إنسان مخلوق من طين وليس آدم فقط؛ وإن كان آدم قد نبت من طين بالفعل، فالطين هو مصدر كل ما يتكون منه  جسم الإنسان وكل ما يلزمه لنموه, أما من أراد أن يعرف كيف بدأ الخلق فعليه أن يسير في الأرض وأن ينظر وأن يبحث وأن يتفقه وأن يتدبر الآيات لا أن يعكف على أساطير أهل الكتاب التي يبرأ الإسلام منها ولا يتحمل وزرها، وليس على المسلمين أن يدافعوا عنها بل عليهم أن يتبرؤوا منها, فليس في القرءان ما يشير إلى أنه سبحانه صنع تمثالا ثم نفخ فيه من روحه فصار إنسانا، إن تلك المقولة هي من الأسباب التي دفعت أهل الغرب إلى الكفر بالأديان، فالخلق بدأ وفق قوانين وسنن يمكن البحث عنها ومعرفتها والنظر فيها، فالرب سبحانه لا يكلف عباده بالمحال، وكذلك سيتم البعث وفق قوانين وسنن لا يعلمها الإنسان ولا يمكن أن يعلمها الآن لأنها خارج نطاق مألوفاته، ولذا لا تعارض بين الآيات الخاصة بخلق الإنسان، فكل آية تشير إلى طور من أطواره أو حالة من حالاته أو وصف من أوصافه أو مادة من المواد التي صنع منها، والحق سبحانه ليس بملزم بعمل تماثيل طينية لكل أصناف الكائنات ثم النفخ فيها، بل إن خلق الكائنات الأرضية إنما بدأ في بيئات طينية، ولذا فقد بدأت الحياة في أبسط صورها الممكنة, ثم توالى شيئا فشيئا ظهور كائنات أرقى، وكان هذا التطور بأمر الله تعالى وبمقتضى قوانينه وسننه، فهو الذي يدفع هذا التطور دفعا يؤدي إلى ظهور هذه الكائنات ذات التنوع المذهل، ولقد نشأت الخلايا الحية الأولية حاملة لإمكانات لا حصر لها لتتنوع وتتكاثر وتتطور وتتحد مع غيرها أو تستوعبه وكل ذلك من مقتضيات أسمائه، ذلك لأن الظهور التفصيلي لكماله المطلق يقتضي أن تتطور الكائنات وأن ترقى لتمهد لظهور الإنسان الذي هو أداة التفصيل التام, فالذي اقتضى التطور هو ترتب الأسماء في أنساق تتفاوت من حيث الإحاطة والإحكام وكذلك حتمية ظهور كمالها المطلق، وتلك الحتمية تقتضي من التفاصيل ما لا يتناهى كما تقتضي ظهور كائن تتضمن حقيقته الإرادة الحرة والاختيار وكذلك الملكات القلبية العليا، وتتضمن أن يكون لهذا الكائن السيادة علي الأرض بحكم أن لنسق الأسماء الذي اقتضاه الإحاطة بالأنساق الأخرى.
فكل إنسان موجود الآن إنما خلق من تراب وماء أي من طين، ولا يعني ذلك أبدا أن الحق سبحانه فعل مثلما كان يفعل سيدنا عيسى عليه السلام أي أنه نزل إلى الأرض قديما وقام بعمل تمثال طيني لذلك الإنسان ثم نفخ فيه من روحه فصار لتوه إنسانا، وإنما يعني أن الطين هو المادة التي صنع منها جسم الإنسان الذي أنبت من هذه الأرض نباتا، وبالمثل فإن كل ما هو على ظهر الأرض من دابة إنما خلق من طين وفقا لقوانين وسنن معلومة لديه سبحانه أتيحت لها الأحوال الملائمة للسريان والعمل في العصور الأولى، إن التصورات التي لدى الناس عن كيفية بدء الخلق إنما جاءتهم من أهل الكتاب الذين تتلمذ الأسلاف عليهم ونقلوا أساطيرهم إلى التراث الإسلامي، وكانت تلك الأساطير ألغاماً انفجرت من بعد في وجوه المسلمين وحالت بينهم وبين البحث العلمي الجاد وبين الالتزام بالنهج القرءاني أي حالت بينهم وبين معرفة أسباب القوة والأخذ بها.
وهذا الاسم من الأسماء التي اقتضت ملكات الإنسان الذهنية وله تأثيره على الكيان الإنساني، وعلى الإنسان أن يزكي نفسه بالتحلي بمقتضيات هذا الاسم.
*******
قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل}[الزمر:62]، {...اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّار}[الرعد:16]،
الشيء هاهنا هو ما نتج عن فعل المشيئة، وهذا يعني أن كل ما هو مخلوق فالله هو خالقه، والخلق يكون من فعل منظومة الأسماء، والاسم الوجودي الخالق هو الذات من حيث سمة الخلق، والاسم اللفظي الخالق يشير إلى هذا الاسم الوجودي، ولقد أذن الله لخلقه أن يدعوه به ليزدادوا قرباً منه وليوثقوا صلتهم به، ولكن ثمة كيانات صدرت عن الله كمقتضى لسمات أخري أو بفعل أسماء أخري أو كنواتج لأفعال أخري كالكلام والقول والنفخ والوحي والأمر والحكم والرزق والحساب والعقاب والهدي والإضلال....
ولقد قال بعض الأشاعرة إن الخلق هو الإيجاد من العدم، ولذلك نفوه عن الإنسان، والحق هو أنه ليس لديهم من دليل قرءاني أو من أي مصدر آخر على هذا القول، والخلق في القرءان كان دائماً من شيء آخر، بل إن نقل الكيان الذي سيكون إنساناً من طور إلى طور يعبر عنه في القرءان بالخلق، ولذلك من الممكن أن ينسب فعل الخلق إلى الإنسان، وإذا كان الإنسان لا يخلق إلا بالتوافق مع السنن الكونية فكذلك الأمر في كل أفعاله، فهو لا يأكل ولا يشرب ولا يمشي إلا بالتوافق مع السنن الكونية، وكون الإنسان يجهل القوانين الحقيقية التي تصاحب تحقق كل فعل من أفعاله لا ينفي صدورها عنه ولا تحقق آثارها بالنسبة إليه.
------
إن القول بأن الله تعالى هو خالق جميع ما في الكون لا يلزم عنه الجبر المطلق، فالخالق هو اسم من الأسماء الإلهية التي تعمل باتساق مع سائر الأسماء، ولقد اقتضت المنظومة الكلية للأسماء أن يكون للإنسان من الإرادة الحرة والاختيار والمشيئة ما يليق بمرتبته.
واللَّهُ تعالى هو أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، وهذا القول يتضمن أن بعض مخلوقاته يمكن أن يكونوا مزودين بهذه القدرة، ومن هؤلاء آلاته وأدواته من الملائكة، والإنسان أيضا لديه القدرة على خلق بعض الأشياء من المواد المتوفرة، وكذلك لديه ملكة التقدير، ولكن سمة الخلق الإلهية هي سمة واجبة ذاتية مطلقه، أما كل ما لدى المخلوقات من صفات وقدرات فإنما هي محدودة مقيدة، وهي لا تُعدّ شيئا مذكورا مقارنة بالقدرة الإلهية، وإنما هي من آثار الأسماء الإلهية، وما يمكن أن يفعله الإنسان إنما هو في إطار قوانين الله وسننه وبإذنه.

*******




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق