الثلاثاء، 3 مارس 2015
الفتوحات العربية الإسلامية
الفتوحات العربية الإسلامية
إنه لدى مطلع نور
الإسلام لم يكن ثمة مفر من التصدي لقوى البغي والاستكبار التي كانت تتربص به
وبأمته الوليدة، ولو تريث المسلمون قليلا لهاجمهم الفرس والرومان في عقر دارهم
ولما استطاعت مدن الحجاز غير المحصنة وقليلة الموارد الصمود الطويل أمامهم، ولقد
رأى الناس من بعد كيف فشلت كل الثورات التي اتخذت من الحجاز مقراً لها رغم براعة
وأسطورية القادة الذين تزعموها، لقد فشلت ثورة أهل المدينة ضد اللعين يزيد الأموي،
كما فشلت ثورة عبد الله بن الزبير الأولى ضد نفس اليزيد وتم فيها تدمير الكعبة، ولم
ينقذ الأمر إلا هلاك يزيد، ولكن عندما استقر الأمر لعبد الملك بن مروان لم يجد
قائده المجرم الشهير الحجاج بن يوسف أية صعوبة في إلحاق الهزيمة بابن الزبير
وتدمير الكعبة للمرة الثانية، كما فشلت ثورة محمد النفس الزكية؛ القائد الفذ
الأسطوري وتم صلب كل أتباعه على جوانب الطرق في المدينة أيام المجرم العتيد أبي
جعفر المنصور العباسي مثلما فعل الرومان بسبارتاكوس والعبيد الثائرين من قبل، فلا
يمكن لمكة أو المدينة أن تكون قاعدة آمنة لأمة مستهدفة! ولم يكن من الممكن انتظار
هجوم الرومان أو الفرس الساحق على حاضرة الإسلام في عصر لم تكن توجد فيه أية
مواثيق دولية وكان القوي يفترس كل ضعيف بجانبه.
ولقد أعلن الفرس
والرومان عن عزمهما على التصدي لانتشار الإسلام بل كان كسرى الفرس قد أرسل من قبل
رسالة إلى عامله على اليمن يأمره فيها بإرسال قوة للقبض على الرسول، وكان العرب في
الشرق بقيادة بني شيبان مشتبكين بالفعل مع الفرس في صراع مرير، كما كان يمكن
للرومان سادة البحار في ذلك العصر إنزال جيش قوي على شاطئ الحجاز ومداهمة مركز
الأمة الإسلامية، فهكذا كانت طبيعة العلاقات في العصور الوسطى، الكل يتربص بالكل، والقوي
يفترس الضعيف، ولا تكف دولة عن مهاجمة الدولة المجاورة إلا مضطرة! كان حق الغزو
حقا مقررا، وكانت شريعة الغاب هي السائدة في التعاملات الدولية، لذلك كانت كل دول
الشرق الأوسط العريقة خاضعة للإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية ولم يكن يوجد أي
أمل لها في أن تتحرر.
وبداية يجب العلم أن
كل ما حدث من بعد انتقال الرسول يدخل في نطاق الأمور التاريخية، ولا يجوز أبدا
اتباع سنة بني إسرائيل الذين جعلوا تاريخهم بما فيه من المخازي والآثام دينا، ولا
يجوز لأحد أن يحمِّل الإسلام وزر أتباعه أو المحسوبين عليه.
إن الفتوحات
الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين كانت حروبا دفاعية عادلة خاضها المسلمون ضد
قويً ظالمة جائرة أبت الإذعان لصوت الحق وأبت أن تترك رعاياها وشأنهم ليروا رأيهم
في هذا الدين الجديد، وإذا كنت تعلم أن عدوك يتربص بك شرا وأنه لن يرقب فيك إلا
ولا ذمة إذا تمكن منك يكون الهجوم عندها خير وسائل الدفاع، وكذلك كانت تلك الحروب
استجابة لاستغاثات المستضعفين في الأرض من شعوب الشرق الأدنى الذين تسلط عليهم
الفرس والبيزنطيون المتغطرسون.
ولكن الإسلام ليس
مسؤولا عما شاب هذه الفتوحات من تكالب على الغنائم والأسلاب، فلم يكن كل المقاتلين
على نفس الدرجة من الرقي والسمو الخلقي والتشبع بتعاليم الإسلام حتى في العهد
النبوي، إنه يجب العلم بأن حوالي 117 ألف من أصل 120 ألف مسلم لم يسلموا إلا بعد
فتح الحديبية، ولم يهاجروا بالطبع إلى المدينة ليتعلموا شيئا يُعتد به عن الإسلام
أو ليتزكوا على يد الرسول.
أما القلة التي أسلمت
من قبل الفتح فقد بذل الرسول كل ما في وسعه ليخرجهم من الظلمات والنور وليعلمهم
وليزكيهم وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين، ولقد كان تنافسهم على الغنائم وولعهم
بها سبباً في نزول آيات تُتلى كما كان سببا في هزيمة أحد، وسيكون الولع بالغنائم
سبباً لهزيمة المسلمين من بعد في بواتييه، ولقد حذَّرهم الكتاب العزيز من التكالب
على الغنائم وعلى عرض الدنيا تحذيرا شديدا.
ولقد ندد القرءان بمن
يريدون بالقتال عرض الدنيا وكشف حقيقتهم لكل الناس ولأنفسهم، وجعل ذلك قرءاناً
يُتلى حتى يتطهر الناس منه، والرسول لم يرسل جنوده للاستحواذ على أراضي الآخرين
وإنما أبقى الوضع على ما هو عليه في كل إقليم طالما أسلم أهله وأقاموا الصلاة
وأدوا ما عليهم من صدقات، أما استيطان البلاد المفتوحة بعد طرد الروم وزوال سلطان
الفرس وانهيار عروشهم فكان أمراً مستحدثا واجتهاداً من أولي الأمر في ذلك العصر لا
يُسأل الإسلام عنه وليس على الأمة من بعد أن تلتزم به، ولكنه كان أيضاً ضرورة
اقتضاها عصرهم، فكان لابد من وجود جيش قوي في كل بلد مفتوح ليتصدى لمحاولات القوى
القديمة استعادة نفوذها، ومن المعلوم أن كل عربي مسلم في ذلك العصر كان جنديا في
الجيش، وأن إقامته الدائمة في البلد المفتوح كانت تستدعي أن تكون أسرته هناك أيضا،
ومن هنا نشأت فكرة المدن العسكرية التي أقيمت على أطراف الأراضي العامرة والمأهولة
أو المدن التي كانت قائمة، ومن هنا أيضا جاء الحظر على العرب من أن يقوموا بأعمال
مثل أعمال سكان البلاد الأصليين من زراعة وصناعة وغيرهما من الحرف.
أما من ظنوا أن لهم
الحق في اقتسام تلك البلدان كما تُقسَّم غنائم المعركة المنقولة فقد كانوا بعيدين
عن مقاصد الدين الحقيقية وطبيعته بقدر حرصهم على حطام الحياة الدنيا وكانوا طليعة
من ظن أن الدين سلاح أُعطى لهم لإشهاره في وجوه الآخرين واستباحة أراضيهم ونهب
أموالهم وسبي نسائهم, وما ظنوه هو في الحقيقة شريعة الغزو القديمة والتي ورثوها عن
الرومان وعن أهل الجاهلية وورثها من بعدهم شعوب أوروبا الإمبريالية، ولقد أحسن عمر
بن الخطاب والإمام عليّ والأنصار عندما تصدوا لأصحاب هذا الاتجاه وحملوهم علي
الإذعان للحق، ولقد حذَّر الرسولُ في خطبة حجة الوداع المسلمين من التنافس في
الدنيا من بعد أن تقبل عليهم وأعلن أن هذا هو ما يخشاه عليهم.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
تاريخ
ردحذفجميل
ردحذفأزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذف