الجمعة، 13 مارس 2015

أقوام الرسل

أقوام الرسل

عندما تقتضي السنن الإلهية أن يرسل إلى قوم من الأقوام رسول منهم فإن ربه يزوده بكل ما يلزم من الآيات والبيِّنات ليقيم عليهم الحجج وليتحقق البلاغ المبين، وبالنظر إلى الطبيعة الإنسانية فإن المؤمنين يكونون دائماً أقلية ويتعرضون لشتى ضروب الاضطهاد والسخرية والازدراء، ولكن السنن كانت تحتم دائماً أن ينتصر الرسول ومن آمن معه وأن يهلك الكفار المعاندون، وجزء كبير من القرءان مخصص لبيان ذلك، قال تعالى:
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}يوسف110، {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ{171} إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ{172} وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ{173}الصافات، {فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ{102} ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ{103} {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ{93} وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ{94} كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ{95}هود، {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)} الصافات، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}الروم47،  {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ }يونس13.
ولقد كان إهلاك الكفار يتم عادة بآية كونية، قال تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ{4} فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ{5} وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ{6} سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ{7} الحاقة
ويمكن اعتبار إهلاك الكافرين المتمردين المعاندين العاملين على إحباط دعوة الرسل بمثابة إهلاك الديناصورات لإفساح المجال لكائنات أرقى لتظهر وتسود الأرض وليستمر التطور والرقي العام.
ولا يجوز لأحد هاهنا أن يقول لله تعالى: لماذا لم تترك لهم حرية العقيدة؟ ولماذا تعذبهم وتقضي عليهم؟ لقد أعطاهم هذه الحرية فاختاروا الكفر، والكفر مهلك، وقد زود كل رسول بما يكفي قومه من الحجج والبراهين، فيجب أن يتحمل كل إنسام المسئولية عن اختياره، فمن اختار أن يتجرع السم رغم إعلامه بأنه سيؤدي إلى هلاكه وإثبات ذلك له هو وحده المسئول عما سيحدث له، وليس لأحد أن يقول لله تعالى: لماذا خلقت السم؟ أو لماذا لم تنزع من السم خواصه حتى لا يهلك هذا المسكين؟ أو لماذا تركته يتعاطى السم وقد كان في قدرتك منعه؟ أو لماذا أعطيته الحرية ليختار ما قد يضره؟
فلما جاءت الرسالة الخاتمة كان استعمال الآيات الكونية لإهلاك الضالين المجرمين من أقوام الرسل قد نُسخ، وذلك أمر طبيعي لرسالة قُـدِّر لها أن تكون ملزمة للبشر إلى قيام الساعة وتمَّ بها استخلاف الإنسان في الأرض وتحقيق المقاصد من وجوده، فلم يكن من الممكن أن يستعمل الرسول الذي سيتأسَّى به كل المصلحين من بعد آيةً كونية لإنجاز رسالته، لذلك كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ مكلفاً أيضاً بتحقيق وتفعيل الحكم الإلهي الخاص بأقوام الرسل، وهو ضرورة القضاء والفصل بين من آمن وبين من كفر من قومه في هذه الحياة الدنيا، ولما كان استعمال الآيات المادية قد نُسِخ كان عليه أن يقاتل بمن آمن من كفر في حرب مصيرية وُعِد فيها بالنصر، فلابد دائماً من انتصار الرسول ومن آمن معه، ولكن لابد بين يدي ذلك من تقديم كل ما يلزم من الجهاد والصبر، وهذه الحرب لم تكن بالطبع حربا عدوانية، بل الذي أشعلها هم الكافرون الذين رفضوا الرسالة ورفضوا أن يتركوا الناس ليؤمنوا بها، قال تعالى:
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} يونس47، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ }غافر78، {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ }المجادلة5، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }النساء64، {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً}النساء115، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الأنفال13، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }النحل36، {وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }النحل113، {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضاً وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْداً لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ }المؤمنون44، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ }القصص59، {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}غافر5، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}البقرة214، {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}الأنعام34، {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ }التوبة14، وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ{100} قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ{101} فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ{102} ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ{103}يونس، {وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ{58} وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ{59} وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ{60}هود، {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ{66} وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ{67} كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ{68}}هود، قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ{81} فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ{82} مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ{83}هود، {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ{93} وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ{94} كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ بُعْداً لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ{95} هود، {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}يوسف110، {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}غافر51، {وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً}الفتح3، وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ{171} إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ{172} وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ{173}الصافات، {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ{20} كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ{21} الحديد.
وبالطبع لا يمكن أن يكون الرسول ومن آمن معه من المعتدين، ولكنهم كانوا هم الذين عليهم أن يواجهوا العدوان السافر عليهم بكل ما يملكون من قوة، فليس لهم أن يستسلموا للكافرين ولا أن يتركوهم ليفتنوهم في دينهم، ولم يكن هناك بد من قبول التحدي والدخول في معركة مصيرية مع الكافرين، فالذي يبادر بالعمل العدائي بحكم الطبيعة البشرية من هم متمسكون بما ألفوا عليه آباءهم، وهذا ما يواجهه وسيظل يواجهه كل مصلح أو مجدد للدين.
ولكل ذلك لم يكن ثمة من خيار لقوم الرسول ولم يكن مسموحاً لهم بالبقاء على شركهم وكفرهم فضلا عن المجاهرة به وممارسة طقوسه، قال تعالى:
{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}التوبة5، {قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً }الفتح16، فكما هو واضح إما القتال أو الإسلام، فلابد لهم من الإسلام بمعنى الإذعان والانقياد للأمة المؤمنة بانتظار أن يؤمنوا شيئا فشيئا: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحجرات14، ولكن لابد لهم من إظهار هويتهم الإسلامية: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }التوبة11.
ولقد أعلن الله تعالى أنه لو شاء لانتصر منهم بأية وسيلة من الوسائل المعهودة، ولكنه بالنسبة للرسالة الخاتمة وقوم خاتم النبيين شاء أن تكون هذه الوسيلة هي أن يقاتل المؤمنين الكافرين، وذلك لتحقيق مقاصد عديدة، قال تعالى:
{فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ }محمد4، {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{139} إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ{140} وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ{141} أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ{142}آل عمران
إن الله تعالى لا يرسل رسله برسالته ولا يزودهم بكل ما يلزم من الحجج والآيات والبينات لكي يتم عمل استفتاء بعد ذلك لمعرفة هل يقبلها الناس أم لا، فالرسالة الإلهية لابد أن تقسم الناس بالضرورة إلى قسمين؛ قسم يقبل الرسالة فينجو وينتصر، وقسم يرفضها ولا يقبل بوجود من يقبلها فيصمم على القضاء عليه فيجلب الهلاك على نفسه، ويكون الهلاك إما بآية كونية وإما بأيدي المؤمنين.
ومن باب الرحمة فقد قبل الله تعالى من الأعراب إسلامهم وجعل إعطاء المال للمؤلفة قلوبهم من مصارف الزكاة الشرعية وحرَّم وجرَّم قتل من نطق بالشهادة ولو كان معلوما أنه من عتاة المنافقين.
-------
قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} الروم47
وكذلك قال تعالي: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ(171) إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ(172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ(173)} (الصافات)
إنه لابد من انتصار الرسول ومن آمن معه، والرسول هو رسول بالأصالة ونبي، وهو من بُعث بشريعة من الأمر إلى قومه لتحقيق مقاصد الدين العظمى كلها ومنها إعداد الأمة الخيرة الفائقة، وانتصاره الحتمي إما أن يكون بإهلاك من لم يؤمن من قومه وتحقيق هذا المقصد بمن بقى معه في أرض جديدة يهاجر إليها وإما بأن يؤمن قومه ويحقق بهم هذا المقصد، ولا ظلم في إهلاك من كفر، ذلك لأن الرسول كان يأتيهم عادة بالبراهين الدامغة ويقيم عليهم الحجج الساطعة، أما هم فكانوا يتمادون في الكفر والعصيان والفسوق والإجرام حتى يحق عليهم القول فيتحتم إهلاكهم وإراحة الأرض من شرهم، وهلاك الفئة التي تحجرت وأصبحت عقبة في سبيل التطور هو أمر لازم لظهور كائنات أرقى ولتحقيق المقاصد الوجودية، وهذا ما حدث مع أقوام نوح وعاد وثمود ولوط وشعيب وقوم تبع...الخ، ولا ظلم في ذلك.
أما الأنبياء الذين قد يرسلون ليجددوا شريعة قائمة أو لتحقيق المقصدين الأول والثاني فقط فإنهم قد يتعرضون للقتل على أيدي أقوامهم وعندها يتعين القصاص من تلك الأقوام بأن يسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب أو بأية وسيلة أخرى.
-------
إن الرسل المنصورين هم الذين جاءوا بشريعة جديدة وحملوا رسالة إلى أقوامهم ونيط بهم تحقيق المقصد الأعظم الرابع أي إعداد أمم خيرة فائقة منهم، فأولئك لابد من انتصارهم إما بإيمان أقوامهم أو بإهلاك من لم يؤمن منهم واستخلاص من آمن لبناء أمة جديدة بهم، أما الأنبياء الذين يرسلون لتجديد رسالة قائمة ونسخ ما فيها من إلقاءات شيطانية فقد يقتلهم الناس.
وبعد ختم النبوة فإنه لابد من الانتصار النهائي للجماعة المؤمنة، والمقصود بالجماعة المؤمنة هم من رسخ الإيمان في قلوبهم فأصبح العمل بمقتضاه سجية لهم، ومن أكبر لوازم وتفاصيل الإيمان اللازمة لإحراز النصر الصبر والفقه (بمعناه الحقيقي)، وكلاهما لا يتحقق للمؤمن إلا بعد طول إعمال وتمرس.
إن أمة المؤمنين الحقيقيين هي أمة قوية عزيزة قاهرة غالبة على أمرها، فهي لا يُمكن أن تهزم أبداً إلا هزيمة عابرة تدفعها لمعالجة خلل كانت في غفلة عنه، ولكنها سرعان ما تنهض وتنتصر.
-------
إن الرسول لا يُبعث إلى قومه ويقيم عليهم الحجج والبينات ليدخل معهم في جدل بيزنطي ولا ليفتح الباب لاقتراع عام ولا لمناقشات برلمانية لا تنتهي ولا ليجري استفتاءً بشأن الرسالة التي تلقاها من ربه، لذلك فإن لأقوام الرسل أحكامهم الخاصة، ولا يجوز لمن يأتي من بعدهم أن يعمم هذه الأحكام، فلا يجوز لمتسلط هو أعدى أعداء الدين وهو بأفعاله أكبر صادّ للناس عن سبيله أن يعتدي على قوم آمنين لم يقم بواجب الدعوة تجاههم بحجة نشر الإسلام أو الانتصار له، فيجب العلم بأن القتال ليس من أساليب الدعوة، أما أساليب الدعوة فهي مبينة في القرءان في آيات محكمة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، كما أنها تبين ما يجب على الداعي الالتزام به ردا على ردود أفعال قومه، ومن هذه الآيات:
{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}النحل125،  {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة256،  {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ }يونس99، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ{21} لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ{22} الغاشية، {قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ}الأنعام104،  {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ }ق45.
ويجب على الداعي إلى سبيل الله أن يعمل بمقتضى الآيات الآتية:
{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ{99} وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ{100} قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ{101} فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ{102} ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ{103} قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِنْ أَعْبُدُ اللّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ{104} وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ{105} وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ{106} وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{107} قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ{108} وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ{109} يونس.
ومن بعد الرسول يجب الالتزام بالأحكام العامة والأسس المقررة تماما، وعلى رأسها حرية العقيدة، فالقتال ليس من أساليب الدعوة إلى الإسلام، فكل أساليب الدعوة سلمية، ولأهل الكتاب أحكامهم الخاصة، باعتبار أنهم مشتركون مع المسلمين في أصل الدين الواحد.
*******
الحديث المظلوم الذي أخطأ بشأنه كل المحسوبين على الإسلام:
جاء في البخاري
[ 25 ] حدثنا عبد الله بن محمد المسندي قال حدثنا أبو روح الحرمي بن عمارة قال حدثنا شعبة عن واقد بن محمد قال سمعت أبي يحدث عن بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله".
[ 2786 ] حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري حدثنا سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله رواه عمر وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث يرجع إلى أصل صحيح، وهو بيان لقوله تعالى في سورة التوبة:
{فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [التوبة:5]، {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون} [التوبة:11]
والحديث جاء في سياق الحديث عن "الناس" المعهودين للمخاطبين وهم العرب والأعراب؛ أي قوم الرسول في إطار نهي الرسول لأتباعه عن التعرض لمن أظهر الإسلام بعد أن تكرر تعديهم على أمثال هؤلاء بحجة أنهم لم ينطقوا بكلمة الإسلام إلا على سبيل التقية.
والحديث بيان أن من أظهر القيام بالأركان الثلاثة المذكورة يجب أن يُعامل كمسلم في المجتمع المسلم أو الأمة المسلمة حتى وإن كان يخفي نفاقا عريقا، وهذا ما بيَّنه الرسول في قول آخر هو "هلا شققت عن قلبه؟"
وهذا الحديث المظلوم قد أخطأ بشأنه كل المحسوبين على الإسلام، فقد زعموا أنه رخصة لهم ليقاتلوا كل الناس مطلقا!!!، وقد تصدى لهم المجتهدون الجدد بإنكار الحديث مطلقا!!
أما القتال المشروع فله أسبابه الشرعية الواضحة البينة الواردة في آيات محكمة، وكلها أسباب يقرها القانون الدولي الآن، وليس من حق أحد أن يدعو إلى الإسلام باستعمال العدوان والسلب والنهب والاستيلاء على الديار والنساء والأموال وسفك الدماء والإفساد في الأرض، ولقد ظلت الأمة تدفع وستظل تدفع غاليا ثمن الجرائم التي اقترفها أسلافهم في حق الناس طالما ظلوا مؤمنين بهم ومقدسين لهم ومفتخرين بجرائمهم وآثامهم، فالجرائم ضد الشعوب لابد من القصاص منها في الحياة الدنيا.
ويجب العلم بأن هناك منهجا لاستخلاص الأحكام من القرءان، وهو يقتضي ألا تقتطع عبارة من سياقها لاستخلاص حكم، إنه بذلك يمكن إثبات صحة مقولات الكفار والمشركين والمجرمين، هل يجوز لأحد أن يحتج بالآية {ويل للمصلين} أو بالعبارة {لا تقربوا الصلاة} لنهي الناس عن الصلاة؟ هل يجوز الاحتجاج بالعبارة {المسيح ابن الله} لإثبات صحة العقيدة المسيحية؟ كذلك لا يجوز اعتبار العبارة {فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} أمرا مطلقا بقتل المشركين خاصة وأن كل المحسوبين على الإسلام –إلا قليلا- مشركون كما قال الله تعالى، فهم قد فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ! قال تعالى: {....وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)} الروم.
وبالطبع لا أمل في أن يستجيب لهذا المنهج أحد من المحسوبين على الإسلام إلا قليلا، فقد ركبتهم الشياطين منذ زمن بعيد، وهي تقودهم إلى الهلاك في الدنيا والآخرة، وقد ظهرت بشائره!!!!
فالمروية ترجع إلى أصل صحيح، والناس هنا هم المعهودون أي قومه، وليس الناس كافة، وهذا القول كان بيانا للذين آمنوا حتى يكفوا عن كل من قالوا "لا إله إلا الله" وحتى لا يعتدوا عليهم بحجة أنهم ما قالوها إلا تقية، وهو في نفس الوقت أمر بوجوب قتال قوم الرسول حتى يُسلموا ولو الإسلام الظاهري برجاء أن يدخل الإيمان إلى قلوبهم شيئا فشيئا.  
=======
قال تعالى: {قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً }الفتح16، {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة5
لم تكن حروب الرسول سياسية أبدا، بل كان مأمورا بقتال قومه حتى يسلموا؛ لا خيار لأقوام الرسل!! ما من أمة جاءها رسولها بالبينات إلا وجب عليها الإسلام له، فإن أبت وتمردت واعتدت لابد من معاقبتها والفصل في أمرها في هذه الدنيا، كان ذلك قبل البعثة المحمدية يتم بإهلاك الكفار بآية مادية، واستبدل بذلك القتال في الرسالة الخاتمة.
والكلام عن أقوام الرسل، أما غيرهم فلهم شأن آخر، فالرسول كان مأمورا بقتالهم حتى يسلموا، وليس حتى يؤمنوا!!  
والعدوان محرم تحريما باتا في كل الأحوال، ولكن كفرهم سيدفعهم حتما إلى محاولة فتنة المؤمنين في دينهم، فالمعركة بين أهل الكفر وبين أهل الإيمان حتمية ولابد من حسمها في حياة الرسول نفسه.
=======
{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} الحجرات14
والمقصود أنهم أسلموا الإسلام الظاهري، الذي يعني مسالمة الأمة والانضمام إليها، وهذا هو الحد الأدنى المطلوب من قوم الرسول، أما الإيمان فلا إكراه فيه، وهذا الإسلام هو الذي يضمن للفرد كافة حقوق المسلم في الأمة المسلمة حتى ولو كان منافقا.
-------
قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} البقرة193.
هذه الآية حجة على من اقتطع جزءا منها، فالقتال كان يجب أن يستمر حتى يكون الدين لله ولا يكون هناك فتنة (الأمران معا)، وهذا ما التزم به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ وهذا ما نقول به ولا يجوز لأحد أن يقتطع جزءا من آية لمحاولة إثبات رأي مسبق عنده، بمثل هذا المسلك يمكن إثبات أن الكفر صحيح!!
وبعد فتح مكة قام الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ بتحطيم الأوثان، وأرسل الحملات لتحطيم أصنام القبائل الأخرى، فلم يكن مسموحا لقوم الرسول بالاستمرار في عبادة الأوثان بحجة العمل بحرية العقيدة! هذه بديهيات، لا أدري كيف يماري الناس فيها؟ أما الأقوام والشعوب الأخرى فلهم الأحكام العامة.
وبالطبع لا إكراه في الدين ولا في الإيمان ولكن لم يكن مسموحا بترك قوم الرسول يعبدون الأصنام، وكان يجب تحطيمها، كان لابد وأن يسلموا وإن لم يؤمنوا، هذه بديهيات، وهذا أمر خاص بالنبي وحده ومن اتبعه من قومه، قال تعالى:
{فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً} النساء84
ولذلك قاتل الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ القبائل التي أبت الإسلام بعد فتح مكة مثل ثقيف وحاصرهم في الطائف، ولو لم تأته وفود العرب معلنة الإسلام لوجب عليه قتالهم، ولكن لم يكن يوجد ما يوجب عليه إدماجهم في كيان سياسي واحد.
وعلى المجادل في هذا الأمر أن يتفكر فيما يلي: لماذا أهلك الله تعالى أقوام نوح وعاد وثمود وشعيب وفرعون الذين لم يؤمنوا؟ ولو لم يُفرض القتال على النبي والذين آمنوا معه وأبى قومه الإيمان لأهلك الله تعالى الذين كفروا بآية من عنده!
أما سبب حكمنا بصحة مروية "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإن قالوها عصموا من دماءهم" فهو لاتساقها مع آيات القرءان، ومنها: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}التوبة5، والمقصود بالمشركين من أبى الإيمان من قوم الرسول، والمروية توفر الحماية اللازمة لكل من قال "لا إله إلا الله" وتحميه من بأس من يريد قتله بحجة أنه منافق مثلا.
-------
إن لعصور الرسالات أحكامها الخاصة، فالإيمان مقدم على كل ما هو سواه، ويجب اتخاذ مواقف حاسمة مع من أبى الإيمان، ولذلك أثنى الله تعالى على إبراهيم عليه السلام ومن آمن معه: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }الممتحنة4
وأمر المسلمين بالتأسي بهم، فلابد من الفصل بين الفريقين في زمن الرسالة نفسها أي في الحياة الدنيا، هذه هي سنة الله تعالى في خلقه، وليس لأحد أن يقول لله تعالى: "ولماذا لم تترك لهم حرية الكفر والإيمان؟ أليس من الظلم أن تُهلك قوم عاد لأنهم أبوا الاستماع إلى رسولهم؟ أليس من الظلم أن تغرق قوم نوح؟ ألم تأخذك بهم الشفقة وهم يغرقون؟؟؟!!!"
-------
سنة إلهية ثابتة: إذا أرسل الله تعالى رسولا إلى قوم من المشركين أو الكافرين فلابد من الفصل بين الفريقين في الحياة الدنيا بهلاك من كفر ونجاة من آمن وبانتصار الرسول والمؤمنين، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} الروم47.
وإيمان الكافرين بعد رؤية بأس الله تعالى لا ينفع: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} غافر85، ولو لم يسلم العرب والأعراب لحاقت بهم هذه السنة على أيدي المؤمنين بعد نسخ استعمال الآيات الكونية مع أقوام الرسل، ولذلك أرسل الرسول الحملات لتحطيم أصنام كل القبائل، فأثناء فترة الرسالة لابد من احتدام الصراع الدامي بين الحق والباطل، ولابد من إلحاق عذاب الخزي بمن كفر برسالة الرسول.
-------
إن الله تعالى هو الذي يدبر الأمر ويبتلي الناس بعضهم ببعض، وعندما يرسل رسولا إلى قومه فبحكم الطبيعة البشرية لن يؤمن به إلا قلة منهم، هذا أمر لا ريب فيه، وكل قصص الرسل الواردة في القرءان تثبته، وقد يقول قائل لقد آمن قوم الرسول كلهم في النهاية، هذا ليس بصحيح، قال تعالى: {يس{1} وَالْقرءان الْحَكِيمِ{2} إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ{3} عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{4} تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ{5} لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ{6} لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{7} يس، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}يوسف103، وحتى من آمن لم يخل من شرك: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ }يوسف106، فأكثر قوم الرسول –رغم كل حملات التقديس والتوثين- أسلموا ولم يؤمنوا! ولذلك سرعان ما ارتد أكثرهم بعد انتقال الرسول.
ولكن الله تعالى تعهد بأن ينصر رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا قبل الآخرة، والصراع بين الفريقين أمر حتمي، ولكن الرسول انفرد من بين كافة الرسل بأنه مرسل للناس كافة بالإضافة إلى بعثته الخاصة إلى قومه، هذا ما تذكره آيات القرءان والتي غفل عنها الكثيرون. 
-------
نعم، حرية العقيدة من أقدس أسس الإسلام وقيمه، ولكن لأقوام الرسل أحكامهم الخاصة التي لا يجوز تعميمها، وكان على الرسول والذين آمنوا معه أن يقاتلوا المشركين (لأنهم هم في كل الأحوال معتدون ولا يمكن أن يسمحوا ببقاء الفئة المؤمنة) حتى يسلموا (الإسلام هنا هو الدخول في السلم والنطق بالشهادة، والتوبة عن عبادة الأصنام)؛ وليس حتى يؤمنوا (فلا إكراه في أمر الإيمان بمعنى أنه لا توجد سلطة أرضية تستطيع إدخال الإيمان في قلب من لا يؤمن)، هذه كانت أوامر القرءان، والتي التزم بها الرسول، ولذلك أرسل (بعد فتح مكة) الحملات لتحطيم أصنامهم وحظر الممارسات الشركية، وإلا فلماذا حطَّم أصنام الكعبة بعد فتح مكة؟ لماذا لم يعلن عليهم أنه لا إكراه في الدين وأنه من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر؟ لماذا لم يترك لهم حرية الاختيار؟ هل لأنه هزمهم قرر حظر ديانتهم وإهمال مبدأ حرية الإيمان؟ أم أن الناس هم الذين أساءوا فقه الآيات؟ أما مِن بعدهم فيجب الرجوع إلى الأحكام العامة؛ أي التمسك بحرية الدين والإيمان بل والدفاع عنها، لا يجوز الخلط بين أقوام الرسل وبين غيرهم!
أما بخصوص القتال فهو لا يكون مشروعا إلا عند توفر أسبابه الشرعية: رد العدوان، الدفاع عن المستضعفين، منع فتنة المؤمنين في دينهم، التصدي للبغي، والقتال ليس وسيلة للدعوة أبدا.
ولا يجوز لأحد أن يقول: "ولماذا لم تنزل الأوامر بالقتال إلا في المدينة بينما أُمِر المسلمون بالصبر في مكة؟" والجواب هو: "وهل كنت تظن أن الله تعالى سيأمر المؤمنين بأن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة؟ وكيف كان يمكن أن يتم هذا القتال وهم مختلطون ببعضهم البعض اختلاطاً شديدا؟ وهل نزلت كل أحكام الدين دفعة واحدة؟" وقد يقول قائلهم: "ألا يُعدّ نزول الأمر بقتال المعتدين نسخاً بعد أن كانت الأوامر هي الصبر عليهم؟ والجواب هو: "إن نزول أحكام جديدة لحالات جديدة لم تكن موجودة أصلا لا يُعدّ نسخا للأوامر القديمة الخاصة بحالات أخرى، والحالة الجديدة هاهنا هي أن المؤمنين أُخرِجوا ظلما من ديارهم ونُهبت أموالهم وديارهم واعتُدِي عليهم، فكانت هذه هي المناسبة الصالحة لتنزيل الأمر بقتال الكافرين والذي كان مقدرا سلفا".
-------
إن الرسل لا يرسلون إلى أقوامهم عبثا، إن الرسول يأتي لقومه برسالة الحق معلناً لقومه أنهم على باطل، وهو يبدأ في الدعوة إلى الحق الذي يعرفه، ولا يؤمن به عادة إلا القلة، وأكثرهم عادة من الضعفاء أو المغلوبين على أمرهم مثل العبيد، لذلك هم مأمورون دائما بالصبر، ولكن الملأ من قوم الرسول ومعهم أتباعهم وهم الأكثرية لا يمكن أن يصبروا على ما يتضمن مساسا بدينهم؛ الملأ لدفاعهم عن مصالحهم وسلطانهم، أما العامة فلكونهم متبعين ولا يعلمون، ولكونهم أكثر تمسكا بما ألفوا عليه آباءهم، ولذلك لا محيص من أن يبدأ من رفضوا الرسالة في اضطهاد المؤمنين، وهم عادة يتمادون في الإجرام إلى المدى الأقصى، والسنة الإلهية تقتضي أنه إذا تجاوز الاضطهاد حداً معينا يهدد بقاء الرسالة الجديدة فلابد من حسم الأمر مع الكافرين بإهلاكهم مع تدبير الأمر لنجاة الرسول والذين آمنوا معه، كان ذلك يتم قبل عصر خاتم النبيين بآية كونية، وتم نسخ ذلك في الرسالة الخاتمة، قال تعالى:
{قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ{137} هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ{138} وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{139} إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ{140} وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ{141} آل عمران، {....وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ{7} لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ{8}}الأنفال.
فالتدبير الإلهي يقصد إلى قطع دابر الكافرين من قوم الرسول، ولكن العدوان محرم تحريما باتاً لا ريب في ذلك، ولكن لا يمكن أن يصدر عدوان من الذين آمنوا من قوم الرسول لأنهم قلة، فالعدوان يأتي دائماً من جانب الذين كفروا، وعندها يجب قتالهم حتى يسلموا وحتى يكون الدين لله تعالى وحتى تنتهي الفتنة.
فالسنة الإلهية تقضي بهلاك من كفر بالرسول وبانتصار هذا الرسول ونجاته هو ومن آمن معه، فلا مجال للكلام عن حرية العقيدة في زمن الرسالة ومع قوم الرسول وإلا لما حطّم الرسول أصنامهم ولاكتفى بأن قهرهم وتركهم وشأنهم في أمر دينهم.
هذا هو معنى وفحوى ومنطوق آيات القرءان وحديث الرسول وسيرته، اقرءوا كل القرءان وتدبروا سنة الله مع أقوام الرسل حتى يتبين لكم الحق، قد يكون كل ذلك صادما لمن يريد أن يرى الأمر بمقاييس العصر الحالي أو بمقاييس المجتهدين الجدد أو بمقاييس من يريدون أن يلغوا من الدين كل ما لا يتناسب مع أذواق الغربيين.
ومع كل ذلك فإنه يجب إدراك ما يلي: الدعوة إلى الإيمان شيء، والقتال شيء آخر، كما يجب معرفة أن المطلوب من قوم الرسول ممن أبوا الإيمان كان الإسلام للأمة المؤمنة، وليس إكراههم على الإيمان، ولذلك كان وجود المنافقين حقيقة يجب التعايش معها!!    
أما يهود يثرب وغيرها فهم أهل كتاب، وليسوا من قوم الرسول بالمعنى الخاص، ولذلك تضمن القرءان أنواع من الخطاب؛ منها خطاب موجه إل المشركين من قوم الرسول، ومنها خطاب موجه إلى بني إسرائيل وأهل الكتاب، فأهل الكتاب لهم أحكامهم الخاصة، هي الأحكام المقررة في الرسالة العامة المتعلقة بالناس كافة، أي حرية العقيدة، ووجوب البر والإقساط إليهم طالما سالموا المؤمنين، فهم ملزمون بمسالمة المؤمنين وعدم المظاهرة عليهم، ولهم أن يلتزموا بما تقرره شريعتهم، وكان لهم أن يحتكموا إلى الرسول إذا شاءوا، ولكن إذا انحازوا إلى الكفار وتآمروا معهم ضد الأمة المؤمنة فإنه يتعين على هذه الأمة مواجهة هذا الموقف بدعوتهم سلميا إلى التراجع عن موقفهم فإن أبوا فهم أعداء معتدون، ويجب التصدي لعدوانهم، وحماية الأمة من شرهم، وعندها لا يجوز أن يتوقف القتال إلا بأن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون، والجزية هي غرامة حربية يدفعونها بسبب بغيهم وعدوانهم، أما إذا أسلموا فإنهم يصبحون لتوِّهم إخوانا للمؤمنين وأعضاء في الأمة المؤمنة لهم كافة حقوق المؤمنين.
أما يهود بني قريظة فقد اقترفوا جريمة الخيانة العظمى ضد شركائهم في الوطن، وتحالفوا مع الكفار ضدهم أثناء حصار المدينة وتهديد من فيها بالهلاك التام، وكان على الأمة المؤمنة التصدي لهذا الخطر الداهم، وبالفعل تحرك الجيش المؤمن إلى صياصيهم وحاصرهم، وترتب على ذلك حدوث معركة دامية قُتل أكثر اليهود فيها، أما قادتهم الذين وقعوا في الأسر فحوكموا وحُكم عليهم بالحكم العادل، وليس صحيحا أنه حدثت مجزرة لكل اليهود بعد القتال كما يقول ابن إسحاق عميلهم الدجال، ولكن الصحيح هو أن المعركة معهم كانت شرسة ودامية لأنهم كانوا يعلمون مدى فداحة ما اقترفوه من الخيانة المهلكة ولأن المسلمين كانوا يعلمون ماذا كان من الممكن أن يترتب على خيانتهم.
-        ما هو حكم من اقترف الخيانة العظمى ضد شركائه في الوطن معرضاً إياهم لخطر الاستئصال؟
-        ومع ذلك لم يتعرض للمحاكمة إلا قادتهم وكبراءهم، ولقد حكم فيهم حليفهم الذي اختاروه بأنفسهم.
-        باقي الأسرى جرى عليهم حكم الأسرى؛ المن أو الفداء.
-        أما الأسطورة التي نقلها عنهم ابن إسحاق (دجال الجاجلة كما كان يسميه مالك إمام المذهب المالكي المعروف) فهي منتحلة من قصة يهودية قديمة.
-------
إن طاعة الرسول هي أمر واجب على كل مسلم بصفة عامة، وعلى قومه بصفة خاصة، فلقد كان مرسلاً إليهم بصفة خاصة كما كان أيضاً مرسلا إلى الناس كافة، قال تعالى: {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ}يس6، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قرءاناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}الشورى7، ولابد من حسم أمر أقوام الرسل في هذه الدنيا، فلابد من انتصار الرسول وهلاك من تمرد عليه: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}غافر51، {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ }يونس103، ولذلك هلك أقوام نوح وعاد وثمود بآيات مادية، أما عندما أُرسل خاتم النبيين الذي هو رحمة للعالمين فقد تم نسخ هذا الأمر وتقرر هلاك الكفار بأيدي المؤمنين: {...وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ}محمد4، {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ }التوبة14
وطاعة الرسول هي أيضاً أمر واجب على قومه من حيث أنه كان ولي كافة أمورهم في حين أنه لم يكن ملكا ولا جبارا ولا مصيطرا ولا وكيلا عليهم.
-------
الذي حدث بعد الفتح هو إعلانُ كل من لم يسلم من قوم الرسول إسلامه والمبايعة على ذلك، إلا هوازن التي صممت على القتال فقاتلها المؤمنون في حنين، وثقيف في الطائف التي حاصرها المؤمنون مدة طويلة واستبسلت ثقيف في الدفاع عن مدينتها، ولكنهم أتوا من بعد مسلمين، وكانوا ممن لم يرتدوا من بعد.
ولا يجوز لأحد الآن أن يلغي حرية العقيدة ويقرر محاربة الآخرين لفرض مذهبه عليهم، وإن حاول واعتدى يصبح كف بأسه واجبا على كل من استطاع إلى ذلك سبيلا!
-------
ردود على مجادلين:
-        العهود مع المشركين من قوم الرسول انتهت بمجرد نزول سورة براءة إلا مع من التزم بالعهد الذي كان مبرما مع المؤمنين، ولقد أمرت الآيات المؤمنين بإتمام العهد إلى مدته فقط.
-        أرجو قراءة الآيات وكذلك الرسائل بتدبر وإمعان قبل التعليق حتى لا تضيعوا وقتنا في جدل عقيم!
-        الجدال المثمر يساهم في إعادة عرض الآراء بما يزيل اللبس والشبهات عند الناس، ولكن لا جدوى من جدال مع من لم يقرؤوا الآيات أصلا ولم يتمعنوا في قراءة الرسائل والتعليقات كما ظهر من بعض المجادلين هنا، ويجب على المتابع ألا يحاول إنكار المعاني الظاهرة للآيات، فليس الأمر أمر تأويل، فالآيات التي تقص على الناس الوقائع التاريخية آيات محكمات غير متشابهات، مثلها مثل آيات الأحكام، كما يجب التمييز بين ما يلي: قوم الرسول والناس بصفة عامة، معاني الإسلام المتعددة، معنى الإيمان.
-        وكذلك لا جدوى من الجدال مع من ينكر حقائق التاريخ بحجة أنها أتت عن طريق المرويات! ذلك لأن إثبات الأمور التاريخية يختلف تماماً عن إثبات المرويات التي أحاطها الناس بسياج من القدسية وكان يوجد من لهم كل المصلحة في وضعها أو تزويرها.
-------
إنه بلا شك قد حدث تدرج في فرض الأحكام على القرن الإسلامي الأول الذي عاش في العصر النبوي، فلم يُفرَض عليهم القتال مثلا عندما كانوا أفرادا متناثرين في المجتمع المدني يتعرضون لشتى أنواع الاضطهاد، وإنما أُمروا عندها بالصبر الجميل، ولكن عندما أصبحوا أمة موحدة مالكة لأمرها كُتِب عليها القتال لردّ العدوان ومنع الفتنة والانتصار للمستضعفين، وهذه الأوامر ملزمة للأمة في كل عصر ومصر، ولكن ليس لمجموعة من المسلمين تتعايش مع الناس في دولة غربية الآن مثلا أن تشكل جيشا لمقاتلة جيش البلد الذي يؤويهم، وليس من حقهم أن يتآمروا عليهم، وهذا الأمر ملزم بالأحرى لمن يعيش في بلد أكثر أهله من المسلمين.
ويلاحظ أن التدرج في فرض الأحكام لم يترتب عليه أي نسخ لآية قرءانية أو لحكم قرءاني، فالتدرج لا يعني إلا أن مناسبة التنزيل قد تحققت وأن المؤمنين أصبحوا مهيئين للالتزام بالحكم الجديد فتنزل به آية أو آيات.
-------
هل يجوز مطالبة الفقير الذي يملك بالكاد قوت يومه بأن ينفق أمواله في سبيل الله وبألا يكنز الذهب والفضة أم من الأولى مطالبته بالصبر والسعي الجاد لتحصيل الرزق وزيادة موارده؟ ولكن عندما يثري فإنه يمكن عندئذ مطالبته بالإنفاق، ستكون كل الأوامر في نفس الكتاب، وكل فرد يعلم أنه غير مكلف إلا بما هو في وسعه، وكلما تغيرت أحواله وجد نفسه ملزما بنسق يناسبه من القوانين والأوامر، والقرءان كان بالنسبة لأهل القرن الأول معلما ومزكيا يتدرج بهم وتنزل الأوامر والعلوم كلما أصبحوا مهيئين لها حتى تفعل فيهم فعلها.
-------
إنه عندما يبعث في أمة ما رسول من أنفسهم فإنه لابد من نشوء صراع مصيري بين من آمن به وبين من كفر به ولابد من انتهاء هذا الصراع بانتصار المؤمنين والقضاء علي الكافرين، فتلك سنة إلهية لا تبديل لها ولا تحويل، ولا يمكن أن ينتهي الصراع بتعايش من أي نوعٍ كان بين الفريقين، ولقد بُعث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلي قومه، ولذلك كان لابد من نشوب الصراع المذكور بين من آمن وبين من كفر، فمن آمن بالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المؤمنون أو الذين آمنوا (اصطلاحاً في الكتاب)، ومن كفر فهم المشركون والكافرون والذين كفروا (اصطلاحا)، ولم يكن مسموحاً بانتهاء الأمر بالتعايش بين الطرفين، فلقد كان المشرك محض عدو للمؤمن ونزلت آيات الكتاب مبينة لذلك.
أما أهل الكتاب من العرب فلقد نص القرءان علي ضرورة التعايش معهم ومعاملتهم بالحسنى إلا من ظلم واعتدي منهم، ولقد كان لهؤلاء أحكامهم الخاصة أيضا لخطورتهم علي قاعدة الإسلام الأصلية ولكونهم عربا، أما أسلوب التعامل مع الشعوب الأخرى خارج نطاق الجزيرة العربية فيرتكز على أن السلام هو الأصل وأن القتال هو الاستثناء، فإذا ما توفرت شروط القتال كأن يعتدي شعب من أهل الكتاب مثلاً علي المسلمين لإكراههم مثلا علي ترك دينهم أو لمجرد كونهم مسلمين فلابد من قتالهم، وثمة هاهنا مخرج من استمرار القتال وهو أن يلتزموا صاغرين بدفع الجزية للمسلمين؛ وهي بمثابة غرامة حربية تكفي لردعهم عن تكرار اعتداءاتهم ولتعويض المسلمين عما تحملوه من تكاليف القتال.
أما في حالة وجود مجموعة من البشر في بلدٍ تتعدد أعرافهم وأديانهم ولكن توحدهم الأرض المشتركة والمصير المشترك والمصالح المشتركة في مواجهة الأمم الأخرى -وهو الوضع السائد حاليا- فيجب أن يتعاون الجميع لتحقيق صالح بلدهم، وعلي المسلمين سواء أكانوا أغلبية أم أقلية أن يلتزموا بأرفع القيم الإسلامية في تعاملهم مع الطوائف الأخرى، فعلي المسلمين أن يعاملوا الأقليات في بلادهم بنفس المعاملة التي يرجونها للأقليات الإسلامية في البلدان الأخرى، أما الأقلية الإسلامية في بلدٍ ما فعليها أن تتعايش مع باقي الطوائف في هذا البلد وأن تعمل علي الرقي بنفسها علي كافة الأصعدة وأن تكون عامل دعوة للدين لا سببا في صد الناس عنه، كما أن عليهم أن يقوموا بواجباتهم تجاه أوطانهم، ومن ذلك أن يشتركوا في رد أي عدوان عليها، وهم مطالبون بتكوين أمة أينما كانوا، ولكنهم ليسوا مطالبين بتكوين جيتو، إن الأمة هي البديل الإسلامي عن الجيتو، إنه على المسلمين أن يعملوا بمقتضى أسمى القيم وأن يكونوا مثلاً عليا في الفضائل لأن ذلك هو ما يلزمهم به دينهم وليس بهدف اجتذابهم إليه، إن المسلم يتزكى بالتحلي بالأخلاق الكريمة لأنها تقربه زلفى إلى من له الأسماء الحسنى التي هي مصدر القيم النبيلة والأخلاق الكريمة.
-------
رغم أنه كان محتما هلاك من كفر من قوم الرسول كما جرت السنن، ورغم أن استعمال الآيات الكونية أو المعجزات المادية لتحقيق ذلك قد نُسِخ بما يعني أن هلاكهم أصبح مقررا أن يتمّ على أيدي من آمن فإن الله تعالى دبَّر الأمر بحيث لا يكون المؤمنون معتدين أبداً، ذلك لأن العدوان محرم تحريما باتاً في القرءان، فهو لم يكن ليباح لقرن الرسول، لذلك لم يكتب القتال على المسلمين إلا من بعد أن أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ أي من بعد أن اضطهدوا في دينهم ومنعوا من ممارسته وصودرت أموالهم، لذلك كان لهم الحق في أن يخرجوا ليستولوا من قريش على شيء مما نهبته منهم، فلم يكن يتوفر أية موارد للعيش لهم في المدينة التي تكفي سكانها بالكاد.
أما غزوة أحد فكان القرشيون هم المعتدين فيها وهم الذين حددوا توقيتها، وكذلك الأمر بخصوص غزوة الخندق، وكانت قريش هي التي تمنع المسلمين من الحج إلى بيت الله المقدس عند سائر العرب في حين لم تمنع غيرهم منه، وهي التي تصدت لمحاولتهم فعل ذلك مما ترتب عليه صلح الحديبية الذي نقضته هي مما ترتب عليه قرار فتح مكة وفقا لنفس المعاهدة.
أما الهجمات التي كانت تُشنّ على القبائل الأخرى المحيطة بالمدينة فكانت هجمات استباقية عندما تأتي الأنباء باحتشادهم لمهاجمة المدينة، ومن المعلوم أن قبائل الأعراب المحيطة بالمدينة كانت قبائل غادرة شرسة لا ترقب في مؤمن إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ولا تحترم عهدا ولا ميثاقا، لذلك كان لابد من مقاتلتهم حتى يُسلموا بمعنى أن يذعنوا للأمة الإسلامية والتي كانت تعطيهم كافة حقوق المؤمنين رغم أنه لمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم.
والرسول سنَّ للناس ما يفعلونه فيما يتعلق بالدعوة، فهو كان يكتفي من كل قبيلة بإعلان إسلامها وكان يرسل لها من يعلمها أمور دينها ويقضي بين أفرادها وفقاً لأحكام القرءان ويجمع الصدقات، وقد كان يقبل منهم الإسلام ولم يجبرهم على الإيمان، أما بخصوص العالم الخارجي فمن المعلوم تماما أنه اكتفى بإرسال الرسل إلى كبار المسئولين والقادة فيها يدعوهم إلى الإسلام ويحملهم مسئولية شعوبهم إن أبوا ويطلب منهم الشهادة للأمة الوليدة بأنها أمة مسلمة، وقد قبل الهدايا ممن سالمه منهم وأحسن استقبال رسله، ولكن كان عليه أن يتصدى لمن قتلوا رسله مثلما فعل مع دويلة عرب جنوب الشام الذين كانوا عملاء للروم، أما كسرى الذي مزق رسالته وأظهر الاستخفاف بشأنه وأرسل إلى عامله باليمن ليأتيه به! فاكتفى بالدعاء عليه كما هو معلوم، وهو لم يأمر أحدا بشن حرب شاملة على الفرس وإنما كان يعلم أن الأمور ستسير في هذا الاتجاه.
-------
إنه لا خيار لأقوام الرسل في شأن الدين، ذلك لأن رسولهم كان يُبُعث إليهم بلسانهم ويقيم عليهم الحجج ويقدم لهم البينات التي يرى رب العالمين أنها كافية تماما لإقناع السويّ منهم، لذلك كان لابد من حسم أمر كل واحد منهم على حدة، لقد أراد الله أن يكون للرسالة الخاتمة حَمَلة، ولم يأمر الله ورسوله بقتل المنافقين لأنه كان سيخرج من أصلابهم مؤمنون حقيقيون يحملون الراية ويجاهدون مع من سبقهم بالإيمان، وكذلك قُبِل إسلام الأعراب على أمل أن يتسرب الإيمان إلى قلوبهم شيئاً فشيئا، كذلك لم يكن يجوز لأحدهم أبداً الارتداد عن الإسلام المقترن بالانضمام إلى صفوف الكافرين ومظاهرتهم على المؤمنين، ومع كل ذلك فلقد فُوِّض أمر المرتدين إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لذلك عفا عن بعضهم وأمر بقتل البعض الآخر، ومن أمر بقتلهم كانوا أشدهم خطورة على كيان أمة وأمعنهم في الغدر والخيانة، أما غير أقوام الرسل فحكمهم إلى الله، وحكم الله موجود في كتاب الله.
ولقد جعل الله تعالى للمؤلفة قلوبهم نصيبا من الصدقات، وهذا يبين مدى الحرص على حياة الإنسان في كافة الظروف.
إن الإيمان بالرسالة الخاتمة هو وسيلة الإنسان للفوز في الدنيا والآخرة، ومن المعلوم أن البشر قلَّما يقبلون أن يحمل رسالة الله تعالى إليهم واحد منهم أو أن ينفكوا عما ألفوا عليه آباءهم، وهم عادة لا يكتفون بالرفض وإنما يتصدون بشراسة وإجرام لمن يأتيهم بما لا عهد لهم به كما يضطهدون من يتبعه، فأمثال هؤلاء يجعلون من أنفسهم عقبة كؤود في سبيل تقدم البشرية وخلاصها، لذلك كان يتحتم دائما الخلاص منهم لصالح البشرية من بعدهم.
ويجب العلم بأن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مكلفاً بقتال قومه من العرب والأعراب حتى يسلموا من حيث أنه مرسل إليهم خاصة كما هو مرسل للناس عامة، فثمة أحكام خاصة بأقوام الرسل لا يجوز تعميمها على غيرهم، فلابد من الفصل بين من آمن بالرسول وبين من كفر به في هذه الحياة الدنيا، وتلك هي السنة التي بينها القرءان بأجلى بيان، إنه يجب أن يعلم الناس ما يلي:
1.            أن الرسول كان مرسلاً إلى قومه خاصة كما هو مرسل للناس كافة، وهذه الرسالة الخاصة إلى قومه ثابتة بالقرءان، قال تعالى: {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} يس6، {وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ }الأنعام92، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قرءاناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ }الشورى7.
2.            قدم الرسول لقومه كل ما يلزم من البينات والبراهين، وكل رسول ملزم بذلك، فمن لم يؤمن من قوم الرسل بعدما رأى ما يكفي من البينات والبراهين بل وأخذ يضطهد من آمن فهو مجرم عات يشكل خطرا على البشرية ويجب التخلص منه لصالح تطور وتقدم البشرية كأي مجرم ميئوس منه.
3.            كان القضاء على الكفار المجرمين يتم من قبل باستعمال آية كونية وقد نُسخ ذلك في الإسلام ومع خاتم النبيين.
4.            أعلن القرءان أن الخلاص من الكفار المجرمين سيتم بأيدي من آمن من قوم الرسول فيتحقق الابتلاء للطائفتين ويتم اتخاذ شهداء من المؤمنين، قال تعالى: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ }محمد4، {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }آل عمران140.
5.            لا يجوز تعميم أحكام قوم الرسول على غيرهم، وهذا ما بينه القرءان بأجلى بيان عندما نص على سبل الدعوة والتعامل مع الآخرين، وهذا هو عين العدل فهم لم يروا رسولاً يقدم لهم ما يكفي من الأدلة والبراهين لإثبات صحة الإسلام وإنما رأوا أناساً يسمون أنفسهم بالمسلمين يعتنقون مذاهب مضادة للإسلام ويكفي سلوكهم لصد كافة الأمم عن سبيل الله تعالى.
6.            إنه يجب تماماً العلم بأن القضاء النهائي والفصل التام بين أتباع كافة الأديان والمذاهب لن يكون إلا في يوم الفصل، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }الحج17، {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }السجدة25 {لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }الممتحنة3، {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }يونس19، {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ }الشورى14، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }البقرة113، {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }النساء141، {إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }النحل124، {اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }الحج69.
=======
لقد كان ثمة أحكام خاصة بقوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حيث أن رسالته العامة تتضمن رسالة خاصة إليهم ولقد نص الكتاب صراحة على ذلك، ولذلك نهى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تدوين أقواله وأفعاله لأنه لم يكن مقدرا لتلك الأحكام أن تطبق على الناس كافة، وتلك الأحكام تتضمن أيضا أحكاما خاصة بمعالجة وضع كان قائما وهو وجود فئة قليلة مؤمنة محاصرة من كافة الاتجاهات ببحار من الشرك والقوى المناوئة وثمة معركة مصيرية بين الفريقين لابد أن تنتهي بالنصر التام لطرف مقابل الهزيمة والاستسلام التام من الطرف الآخر.
*******
استشهاد نبي من الأنبياء لا يعني أنه فشل أو هُزم، ونصر الله للرسول والذين آمنوا معه لا يعني بالضرورة أنهم خاضوا معركة عسكرية انتصروا فيها عليهم، فالمعاني الأصلية للنصر تعني الغوث والنجدة، يعني نجاة الرسول ومن آمنوا معه من كيد قومهم وهلاك من لم يؤمن وأمعن في الكيد لهم من قومهم، وهذا ما لا يتحقق بالضرورة للنبي ولا للنبي المرسل
*******
إن لأقوام الرسل خصوصية معينة وهى أنهم لابد من حسم الأمر معهم في الدنيا قبل الآخرة، وذلك بعدما جاءهم رسولهم بالبيانات وأقام عليهم الحجج، فليس لهم إلا أن يؤمنوا أو أن يُستأصلوا بآية كونية، لذلك أُهلك قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم تبع وآل فرعون، وبالمثل أُهلك كل من تصدى للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وبالغ في عداوته وعمل على إحباط دعوته، ولما كان استخدام الآيات الكونية قد نُسخ باكتمال الدين وإتمام استخلاف الإنسان في الأرض فلقد أُمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أن يقاتلهم حتى يسلموا بمعنى أن يذعنوا، فلم يسمح لهم بالبقاء على ما هم عليه ولم يعاملوا معاملة أهل الكتاب وهذا الحكم هو خاص بهم وحدهم ولا يجوز تعميمه، وبالمثل لا يجوز العدوان على الآخرين بحجة دعوتهم إلى الإسلام، ويجب معرفة أيضا أنه كان ثمة أوامر وتشريعات خاصة بقوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين لم يأتهم نذير من قبله.
فلقد كان ثمة أحكام خاصة بقوم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ من حيث أن رسالته العامة تتضمن رسالة خاصة إليهم ولقد نص الكتاب صراحة على ذلك، ولذلك نهى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تدوين أقواله وأفعاله لأنه لم يكن مقدرا لتلك الأحكام أن تطبق على الناس كافة، وتلك الأحكام تتضمن أيضا أحكاما خاصة بمعالجة وضع كان قائما وهو وجود فئة قليلة مؤمنة محاصرة من كافة الاتجاهات ببحار من الشرك والقوى المناوئة وثمة معركة مصيرية بين الفريقين لابد أن تنتهي بالنصر التام لطرف مقابل الهزيمة والاستسلام التام من الطرف الآخر.
أما الشريعة العامة بكل البشر فهي شريعة الحق والرحمة وتقبل بوجود من يختلف عن المسلمين في الدين وتدرك أن سنن الوجود التي لا تبديل لها ولا تحويل هي التي اقتضت هذا الاختلاف وأن الحكم الفصل فيما بين شتي الطوائف هو يوم القيامة وتلزم المسلمين بالبر بمن يحيون بين ظهرانيهم من معتنقي الأديان والمذاهب الأخرى والإقساط إليهم بل وبالدفاع عنهم.

*******




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق