الخميس، 5 مارس 2015

التزكِّي: تزكية الكيـان الإنساني، ج1

التزكِّي: تزكية الكيـان الإنساني، ج1

هذا الركن يقتضي تزكية الكيان الإنساني بكل ما يتضمنه من قلب (بشعبتيه الوجدانية والذهنية) ولطائف ونفس وجسد وذلك بالعمل على التطهر من كل عناصر وآثار منظومة الأخلاق والصفات الشيطانية وعلى تنمية واكتساب كل ما تتضمنه المنظومة المعنوية الإسلامية من القيم والمبادئ والمثل والسمات الحسنى ومكارم الأخلاق، ومن الأركان الفرعية التحقق بالتقوى والصبر والحكمة والإحسان والشكر والذكر والصلاح، وتزكية الملكات الذهنية (الفقه، الفهم، الفكر، التدبر، العقل) والطلب المستمر للعلم.
والتزكي هو من أهم السبل إلى تحقيق المقصد الديني الأعظم الثاني؛ إعداد الإنسان الرباني الصالح المفلح، والذي هو لب المقاصد الدينية.
إن التزكي هو من أركان الدين الجوهرية، وهو يتضمن تزكية الكيان الإنساني بكل ما يتضمنه من قلب (بشعبتيه الوجدانية والذهنية) ولطائف ونفس وجسد، وهذا الركن هو من الأركان العظمى ذات الأثر الأبقى، وهو بمثابة المقصد من جل الأركان الأخرى، وللقيام بهذا الركن يجب معرفة المنظومة الأمرية الرحمانية أي المنظومة المعنوية الإسلامية والعمل على اكتساب عناصرها وترسيخها في الكيان الإنساني، كذلك يجب معرفة منظومة الصفات الشيطانية والعمل على التطهر من عناصرها وآثارها ومقتضياتها.
فالقيام بهذا الركن يستلزم العمل علي تزكية وتنمية الملكات القلبية الوجدانية والذهنية وأن يكون الإنسان حريصا علي الإفادة الأمثل من الوقت وتجنب إهداره عبثا وعلى طلب العلم والانتفاع به، وعلي رأس ما يجب طلبه العلم بكتاب الله وما يتضمنه من الحكمة والعلم بأسماء الله وبالأمور الغيبية وبمقاصد الدين وأركانه وسننه وبكل ما يلزم للقيام بكل ذلك، وكذلك العلم بالآيات الكتابية والكونية وما تتضمنه وما يسري فيها من السنن الإلهية والكونية، والمعلومات التي هي مجال العلم تتسع وتتنوع بالتقدم، فكل مسلم ملزم بالاستزادة الدائمة من العلم ومن كل ما يستجد من المعلومات فذلك أمر لازم للقيام بسائر الأركان الأخرى.
ومن مكارم الأخلاق التي يجب التحلي بها: تقوي الله والشكر لله والصبر والحلم والعفو عن الناس (عند المقدرة عليهم) والصفح الجميل وكظم الغيظ والإعراض عن الجاهلين والشجاعة والقوة والعزة والأمانة والصدق ومودة المؤمنين ورحمتهم والحلم والتواضع وخفض الجناح للمؤمنين والتفكر والتدبر والتفقه وحب العلم والاستقامة والرأفة والرحمة والحياء والإحسان والأمانة والتوكل على الله والعدل واللين والرفق والأمانة والمصابرة والشدة على الكافرين والمنافقين والفقر إلى الله، ويجب العمل علي اكتساب الحكمة وتنمية ملكة الفقه، واكتساب الحكمة هو الذي يؤدي بالإنسان إلي فقه مقاصد الدين العظمي ومقاصد الأحكام والأوامر الكلية والجزئية وكذلك معرفة أفضل السبل لتحقيقها وتفعيلها بالنظر إلي حالة الواقع وحالة الناس.
والفقه هو ملكة قلبية لدي الإنسان، وهو أيضا صفة تعني تفوق الملكات الذهنية لديه وقدرته على إعمالها والإفادة منها، فالفقيه هو من يجيد استعمال ملكاته لتحقيق مقاصده، فبتنمية ملكة الفقه يمكن للإنسان معرفة الأوزان الحقيقية للأمور والإدراك السليم للحقائق، والفقه هو من الشروط اللازمة لتحقيق الغلبة والنصر على كافة المستويات.
ومما يعين على تزكية النفس مصاحبة عباد الله الصالحين المخلصين له الذين يريدون وجهه، ومن علامات السائر على درب التزكية أنه إذا ذكر الله أمامه وجل قلبه وإذا ذكر هو الله اطمأن قلبه وإذا تليت عليه آياته زادته إيمانا.
ومن كبائر الإثم المضادة لركن التزكية أن يكون أمر الإنسان فرطا وألا يبذل ما في وسعه لتزكية نفسه وأن يعمل علي اكتساب الأخلاق السيئة أو أن يتركها لتستفحل وأن يصاحب أهل الظلم والفسق وأن يركن إليهم، ولقد توعد الكتاب من يركن إلي من ظلم بعذاب النار فكيف بمن يركن إلي الظالم أم كيف بمن يظلم الناس.
والصبر هو ركن فرعي هام وهو من أوجب الصفات وهو أيضاً من لوازم ومقاصد أركان أخري، ولقد شدد الكتاب علي أهميته الفائقة، وهو الصفة المعبرة عن متانة البنيان النفسي، وهو يعني الجلد والتماسك والقدرة علي متابعة العمل والتحمل علي كافة المستويات ومن ذلك تحمل أعباء القيام بأركان الدين والصمود في مواجهة الشدائد والبأساء والضراء والمحن والابتلاءات، ويعني كذلك أيضاً القدرة علي مواجهة المشاعر النفسية المخربة مثل الغضب والحقد والرغبة في الانتقام، ويضاد هذا الركن الجزع والهلع علي المستوي الصفاتي والارتداد علي الأعقاب والنكوص والإخلاد إلي الأرض والفرار من الجهاد أو القتال علي المستوي العملي.
أما تزكية الجسد فمن لوازمها التطهر ووقاية الجسد من كل ما يمكن أن يؤدي إلي تدهور أحواله مما هو معلوم ومما يمكن أن تستجد معرفته، ولقد عرف الإنسان في العصر الحديث مخاطر الميكروبات والفيروسات مثلاً، لذلك فهو ملزم بوقاية جسده منها، ومن لوازم تزكية الجسد الحرص على سلامته وعلي زيادة كفاءته وممارسة الأنشطة البدنية على أسس علمية.
*******
إن التزكي هو ركن رئيس من أركان الدين، وهو يستلزم تزكية الكيان الإنساني، ويترتب عليه تحقيق المقصد الديني الأعظم الثاني وهو أن يكون الإنسان إنسانا ربانيا فائقا (صالحا مفلحا محسناً شاكرا)، ولكي يتحقق ذلك يجب ألا يترك الإنسان ثغرة في بنيانه النفسي تسمح للشيطان بالتسلل إلى داخله وألا يترك أية نقطة ضعف مهما صغرت في هذا البنيان، والطريقة الأمثل لتحقيق ذلك هي العمل على اكتساب يقين صادق بوجود الإله الذي له الأسماء الحسنى المذكورة في القرءان وكذلك اكتساب الإحساس الصادق بحضوره والعمل وفق مقتضيات تلك الأسماء الحسنى، وبكل ذلك يتحقق الإنسان بالتقوى فيكتسب تلك المشاعر السامية العارمة التي تطرد عن نفسه الصفات الذميمة وتطهرها من آثارها وتكسبه مكارم الأخلاق، ذلك لأن من يحب ربه ويجله ويخشاه ويهابه ويعظم قدره ويستشعر حضوره معه سيعتصم به وسيلوذ به ولن يعصى له أمرا، بل لن تخطر المعصية بباله أصلا.
*******
إن ركن تزكية الكيان الإنساني هو من أركان الدين العظمي بل من أمهات الأركان، ذلك لأنه يقتضي ويستلزم أركاناً أخري مثل تطهير النفس من الأخلاق الذميمة والبعد عن كل ما يؤكدها ويكرسها وكذلك العمل علي اكتساب الأخلاق الحسنى، لذلك كانت التزكية من المهام الأربع التي نيط بالرسول الأعظم تحقيقها بالنسبة إلي قومه، قال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }البقرة151، ولأهمية هذه المهام أكدها الله تعالى في آيات أخرى مثل: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة2، بل لقد كان هذا هو ما طلبه الرسولان الكريمان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لذريتهما من قبل: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)} البقرة

ويجب العلم بأن كل أنساق المنظومات والأوامر والمعلومات الدينية مرتبطة ارتباطاً عضويا، والشؤون الإلهية تقتضي صفات حسنة على الإنسان أن يكتسبها وأن يتطهر مما يناقضها، وكذلك تقتضي سنناً على الإنسان أن يعرفها وأن يتوافق معها وأن يعمل وفق مقتضياتها وبذلك تعمل كل القوانين والآلات الوجودية لصالحه فيفوز بالسعادة والفلاح، وكذلك تقتضي أوامر شرعية على الإنسان الالتزام بها وطاعتها والانتهاء عما يناقضها.
*******
إن الإنسان مأمور بأن يتزكَّى، والتزكي هو جماع كل ما يلزم لإعداد الإنسان الرباني الفائق الصالح المفلح المحسن، وهو يتضمن ما يلي:
1-      التعلم؛ أي اكتساب وتحصيل كل ما يلزم لذلك من معلومات متعلقة بهذا الأمر.
2-      التـطهر من كل ما يعوق تزكية الملكات الوجدانية مثل الأخلاق والصفات ذميمة والعقائد المضللة والمعلومات الخاطئة والوجدانيات زائفة.
3-      التـطهر من كل ما يعوق تزكية الملكات الذهنية مثل رفض استعمال هذه الملكات بالتشبث بالأمور غير الموضوعية وبتراث السلف أو تعللا بأية ذريعة أخرى.
4-      اكتساب كل ما يساعد على التزكي من الأمور الحسنة والحقانية ومن ذلك الاستعمال الفعال للملكات الذهنية.

لذلك فعلي الإنسان مثلاً أن يوجه مشاعره بعيدا عن الأمور السيئة وفي اتجاه الأمور الحميدة وأن يجعل مجال اهتمامه الأمور الحقانية وليس الأمور الباطلة، وأن يتطهر من المعلومات الزائفة والخاطئة وأن يعمل علي اكتساب وتحصيل المعلومات الحقانية والصحيحة، فالتزكي هو التطهر من كل أمر عدمي والتمسك بكل أمر وجودي، والأمور الوجودية تتضمن الحق والصواب والإيجابية والفاعلية، والأمور العدمية تشمل الباطل والخطأ والسلبية والتقاعسية، والميزان اللازم للتمييز بين ما هو حق وصادق وصحيح وحميد من ناحية وبين ما هو عكس ذلك من ناحية أخرى هو القرءان الكريم، ولذلك سُمِّي أيضا بالفرقان، فالقرءان يتضمن كل ما يلزم من مقاييس ومعايير ومعلومات وبيِّـنات ليتم التمييز والتفريق.

والآيات الآتية تبين أهمية ومكانة هذا الركن:
قال سبحانه وتعالى:  {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى(14)وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى(15)} (الأعلى)  *   {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ(151) (البقرة)  * { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ(164)} (آل عمران)  *  {ومَنْ تَـزَكَّى فإنَّمَا يتَـزكَّى لِنفْسِه وإلَي اللهِ المَصِير} (فاطر: 18)  *  {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ(2) (الجمعة)  *  { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)} (الشمس)  *  {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا(75)جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى(76)} طه  *  {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى }عبس3  *  {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى }عبس7  *  {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى}الليل18  *  {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَـئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}البقرة174  *  {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }آل عمران77  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}النور21.

------------
لقد استهان الناس بأمر الأخلاق وظنوا أن كل ما هو مطلوب منهم هو أداء الأركان المشهورة ثم الخوض في الدنيا كما يتراءى لهم، فيكذبون ولا يبالون ويفجرون لدي الخصام ويسيئون العمل ويغفلون عن ذكر الله، وكل ذلك ارتكانا إلي الشفاعة التي تضمن الجنة –كما يظنون- لكل من تلفظ بالشهادة خاصة إذا كان من أهل الكبائر، والحق هو أن من يكذب مثلا ويتحرى الكذب سترتد عليه آثار فعله وسيسود بها وجه قلبه، فإذا ما بلغ ذلك نصاباً معلوما فسد قلبه وكتب كذابا بمعنى أن الكذب سيكون طبعاً لازماً له لا مفر منه ولا فكاك له عنه فيكون بذلك منافقا مآله إلي الدرك الأسفل من النار إذ سيؤدي نفاقه هذا إلي فساد كيانه الجوهري وسيقوده فساده هذا إلي الكفر والضلال إذ سرعان ما سيضيق ذرعا بالأركان التي يؤديها بطريقة شكلية وستسوء بذلك عاقبته، فالأمر جد وليس بالهزل.
وإذا كان المسلم الذي يأخذ نفسه بالعزائم في أمر دينه ملزما بألا يأمن مكر الله تعالي وألا يرتكن إلي عمل قدمه فكيف يطمع في النجاة من ألقى بنفسه في المعاصي وتحري الاتصاف بكل خلق سيئ، لذلك فعلى الناس أن يعلموا أن سريان السنن التي لا تبديل لها ولا تحويل سيؤدي إلي أن يكون الدرك الأسفل من النار هو مآل كل كاذب غادر خائن فاجر مهما فعل، وقد ينجو البعض لأن اكتسابه لهذه الصفات كان أمراً عارضاً لنشأته في بيئة خبيثة مثلا بحيث أن آثارها لم تأخذ بكل تلابيب قلبه ولذلك عاش يعاني من وطأة تلك الأخلاق الذميمة وما يترتب عليها من ممارسات ويود الخلاص منها، فمثل هذا قد تدركه شفاعة تعطيه مدداً إضافيا يمكنه من التوبة النصوح فينجو، ولكن حالة كهذه لا يصح القياس عليها.
------------
إن لكل إنسان كياناً جوهرياً أولياً، وهذا الكيان بحكم طبيعته قابل للتغير اللانهائي وفقاً لآثار أعمال الإنسان الاختيارية، والكيان الأولي هو تحقيق لماهية أصلية من الماهيات الممكنة في عالم الأمر، وهذه الماهية هي أمر كلي محكم، ولكن يمكن تصور أنها ائتلاف مجموعة من الصفات أو المعاني الأولية بقدر معلوم، وبتحقق الإنسان تظهر تلك الصفات، ولكن كل صفة من تلك الصفات قابلة للنمو أو للاضمحلال وفقاً لأعمال الإنسان الاختيارية.
إن الذي يبقي مع الإنسان هو ما اكتسبه كيانه الجوهري من سمو ورقي بالعمل بمقتضى الأوامر الإلهية وبإعمال ملكاته في آيات الله وسننه، والآيات تتضمن الظواهر الطبيعية، ورغم أن الأرض ستفني وأن السماوات ستطوى فسيبقى للإنسان ما اكتسبه من الرقي والسمو.

*******




هناك 4 تعليقات:

  1. احسنت بارك الله فيك وسدد مسعاك

    ردحذف
  2. زادك الله نوراًوعلماً حضرة المعلم

    ردحذف
  3. الله أكبر
    زادك الله علماً وبركه
    وتفضل علينا بالتزكي بكل ما هو حسن
    والتطهر من كل خبث
    حبيبي يا دكتور حسني ♥️

    ردحذف