الأحد، 8 مارس 2015

مطلع سورة عبس

مطلع سورة عبس

إن الرسول الأعظم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ كان حريصاً أشد الحرص على نجاح دعوته، وانشغاله بمحاولة إقناع صناديد قريش بالإيمان رغم استغنائهم وإعراضهم هو جزء من عمله الذي كان مكلفاً به، وهذا هو سبب إعراضه عن الأعمى الذي جاءه ليعلمه، فهو لم يعرض عنه لغرض شخصي أو استجابة لأهواء نفسه، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يلقن البشرية جمعاء دروساً هائلة سيظلون يتعلمون منها إلى يوم الدين، ومنها
أن الداعي إلى الله تعالى ينبغي أن يختص بجهده أولئك الذين يعرفون لدعوته قدرها ويسعون بكل إخلاص إلى التعرف عليها والعمل بها والتي يمكن أن تثمر معهم وينتفعوا بها ويتزكوا بها مهما تدنت مكانتهم في نظر الناس أو كانوا هم الأراذل في نظر الناس.
أما من لا يقيم لتلك الدعوة وزنا ولا يسعى من تلقاء نفسه للتعرف عليها فلا ينبغي أن ينشغل الداعية كثيرا بأمره، ذلك لأنه مهما ارتفعت مكانته عند الناس فلا وزن له عند ربه، ومثل هذا ينبغي أن يترفع الداعية عليه وألا يداهنه في أمر دينه وألا يجامله على حساب المؤمن الحقيقي.
وتبين الآيات من مطلع سورة (عبس) أن كرامة المؤمن من أعظم الأمور عند الله تعالي وأن لكل ساع إلي التزكي والتذكر حقاً على من لديه الإمكانات اللازمة لذلك من أهل الذكر الحقيقيين، إن الناس ينقسمون بالنسبة إلى الداعي إلى طوائف عدة، ولكن ثمة طائفتين رئيستين: الباحثون عن الحقيقة بكل قوي وجودهم والمعرضون الذين استغنوا ولا يعنيهم أمر الحقيقة في قليل أو كثير.
وتبين الآيات أن الحفاظ على كرامة الإنسان المؤمن هي ركن من أركان الدين، ذلك لأن هذا الإنسان هو المؤهل لحمل رسالة الحق إلي غيره من الناس خاصة إذا كان حريصاً علي طلب العلم والتزكي كما كان شأن هذا الرجل من السابقين الأولين الذي تحدثت الآيات عنه.
والآيات تظهر بكل جلاء أن الرسول كان مخيرا في أفعاله، فهو لم يكن مجرد آلة لا تتحرك إلا بالوحي كما يزعم عبيد المرويات ليمرروا مروياتهم التي تقوِّض الدين، فالآيات حجة عليهم، ولم يكن الله تعالى ليوحي إلى رسوله الحبيب سرا ما سيعاتبه عليه جهراً وفي قرءان يُتلى.
والآيات تثبت بكل جلاء أن هذا القرءان هو من عند الله تعالى، وأن الرسول هو نبي ورسول حقا، ولو كان هذا القرءان من عنده لما سجل على نفسه واقعة كهذه أبدا، ومن المعلوم أن بعض المحسوبين على الإسلام يستغلون مثل هذه الأمور لمحاولة إثبات أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ليس أفضل الرسل، والحق هو أنه هو أفضل خلق الله تعالى، وكان من مقاصد مثل هذه الآيات ألا يتخذه الناس إلهاً مع الله خاصة وأنه الوحيد من أولي العزم الذي نجح نجاحا مطلقا في رسالته والذي هو الرسول إلى الناس كافة.


*******

هناك تعليق واحد: