السبت، 7 مارس 2015

الركن الديني الثاني (ج1)

الركن الديني الثاني (ج1)
عبادة الله بإخلاص وذلك بطاعته والاستجابة له؛ أي القيام بحقوق أسمائه الحسنى

أسماء أخرى لهذا الركن:
السعي للقيام بحقوق أسماء الله الحسنى والعيش وفق مقتضياتها ومتطلباتها.
وبطريقة أكثر تفصيلا: عبادة الله بإخلاص وذلك بطاعته والاستجابة له أي بالعمل بمقتضيات سننه وأوامره والقيام بحقوق أسمائه الحسنى والتوجه إليه بالدعاء.
وهذا الركن يقتضي عبادةَ الله تعالى بإخلاصٍ وذلك بطاعته والاستجابةِ له أي بالعمل بمقتضيات سننه وأوامره والقيامِ بحقوق أسمائه الحسنى والسعيِ للحياة وفق مقتضياتها ومقابلة تجلياتها بالأدب اللائق والتوجهِ إلى الله بالدعاء وإسلامِ الوجه له والشكرِ له والاستقامةِ كما أمر، والإخلاصُ يعني ابتغاءَ وجه الله في كل عمل.
ويقتضي أيضاً أن يعقد الإنسان العزم على طاعة الله في كل أمر إلهي بلغه وأن يعتبر كل أمر إلهي أثمن هدية من ربه المحب له الرحيم به يفتح بها له طريقا نحو الفلاح والسعادة.
*******
قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }البينة5.
فالآية تذكر عبادةَ الله تعالى بإخلاص كركن من أركان الدين يتقدم على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهما ركنان دينيان معلومان، وهما من العبادة بلا شك، ولذلك فللعبادة مفهومان:
1.      العبادة بالمعنى العام، وهي كل عمل يصدر عن الإنسان قاصداً بذلك أن يطيع الله بمعنى أن يلبي أمراً قرءانيا، وهي بذلك تشمل العمل بمقتضى كل النصوص الدينية، وهذا يتضمن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة.
2.      العبادة بالمفهوم الخاص، وهي التوجه إلى الله تعالى بالدعاء وطلب الهداية منه والاستعانة به والاستجابة المناسبة لمقتضيات كل اسم من الأسماء الحسنى، والدعاء يكون أيضاً بالأسماء الحسنى، فهذه العبادة تتضمن العلم بالأسماء الحسنى والعمل على القيام بحقوقها.
*******
إن العبادة هي الاسم الجامع لكل الأعمال والأنماط السلوكية التي تصدر عن الإنسان استجابة للأوامر الإلهية، فهذا الركن يعني الاستجابة لله؛ وهذا يعني العمل بمقتضيات الركن الأول أي القيام بحقوق الأسماء الحسنى أي أن تكون حياته وفق متطلباتها وأن يتحقق بمقتضياتها وأن يقابل بالآداب اللازمة تجلياتها، وهذا الركن من أركان الدين الجوهرية.
ومن مقتضيات الإيمان بأن لله الأسماء الحسنى والقيام بحقوقها والعيش وفق مقتضياتها:
دعوة الله تعالي بتلك الأسماء وذكر الله بها والتبتل إلي الله، تقوى الله، خشية الله، الاستعانة بالله، الاستغفار، التسبيح بحمد الله، التسبيح لله، القنوت لله، طاعة الله، الشكر لله والإقرار بنعمته وذكرها والتحديث بها، التطلع إلى ما عند الله، إسلام الوجه لله، إخلاص الدين لله، ألا يخشى أحدا إلا الله، الاكتفاء بالله تعالى واستمداد الأمن منه واتخاذه وليا، خشوع القلب لذكر الله وما نزل من الحق، الصبر ابتغاء وجه الله، الحمد لله، الثناء على الله، الشهادة لله، حب الله، تقوى الله، الدعوة إلى الله، تعظيم حرمات الله، النظر في آيات الله، إجلال وتوقير سنن الله، .....
ومن كبائر الإثم المضادة لهذا الركن الشرك والنفاق والاستجابة للشيطان وحزبه والرياء واقتراف الذنوب والإصرار عليها والإعراض عن آيات الله.
*******
العبادة والدعاء
إن العبادة تستلزم من الإنسان أن يعلم أنه ملك خالص لله تعالى ظاهرا وباطنا، فهي القيام بالحقوق الاسم الرب، وهو من الأسماء الجامعة الكبرى، وذلك بمعنى أن من لوازمه الكثير من الأسماء الحسنى، فإدراك الإنسان أنه عبد لله تعالى يعني أن تكون له المكانة العظمى في قلبه وأن تكون حياته له، وكما يخضع جسده لسنن الله الكونية يجب أن تخضع نفسه المخيرة لسننه الدينية، وبذلك يكتسب الحياة الجوهرية الحقيقية، ولكي يتحقق له ذلك يجب أن يقوي من صلاته بربه، ومن لوازم ذلك أن يدعوه دائما، فما من عبد يقول: "ربي، ربي"، إلا ولابد من أن يأتيه النداء: "عبدي، عبدي"، والله سبحانه يقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}، ألا يكفي الإنسان شرفا ومجدا أن يذكره رب العالمين المحيط بكل شيء والقادر على كل شيء والقاهر فوق عباده؟ لذلك وجب على الإنسان الذي يريد الفوز بالنجاة والأمن والسعادة في الدنيا والآخرة أن يعبد ربه وأن يتحلى بتقواه وحبه.  
والآيات الآتية تتحدث عن العبادة بمفهوميها، قال تعالى:
{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي }طه14، {وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }يس61، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }غافر60، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة21  *  {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ }الزمر11، {....إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف40  *  {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً }الإسراء23  *  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }الحج77،  {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا }النجم62  *  {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ }البينة5  *  {إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ }الأعراف206  *  {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ}مريم65،  {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ }البقرة83  * {فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}النحل114  *  {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}الأنبياء25  *  {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ }الأنبياء92  *  {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً...}النور55  *  {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} العنكبوت56.
والدعاء يجب أن يكون بأسماء الله الحسنى، ويجب الحذر من الإلحاد في أسماء الله:
{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون} [الأعراف:180]
*******
الاستقامة، (اتباع صراط الله المستقيم، اجتناب السبل الأخرى):
الاستقامة هي من لوازم ركن العبادة، وهي كصفة من أركان منظومة القيم الإسلامية، فالاستقامة صفة وأعمال بمقتضى الصفة، وهي من الأخلاق التي يقتضي ركن التزكي العمل على اكتسابها والتطهر مما يناقضها، وهي مقتضى الحرص علي اتباع الصراط المستقيم -صراط الله تعالى- والاعتصام به واجتناب ما هو من دونه من السبل، والصراط المستقيم يتضمن كل مقتضيات منظومة أسماء الهدى والإرشاد، فهو يتضمن كل ما يوثق صلة الإنسان بربه، أي كل ما يؤدي إلى تحقيق مقاصد الدين، هذا الصراط هو دين الحق بكل أركانه وسننه، وهو صراط واحد، لا مجال فيه للاختلاف، والاستقامة هي سبيل الإنسان الوحيد لكي ينجو بنفسه ويفلح ويحقق كماله المنشود في الدنيا والآخرة؛ أي يحقق مقاصد الدين العظمى، فالاستقامة تعني الحرص على اتباع الصراط المستقيم.
ومن أكبر مظاهر الاستقامة أن يكون الإنسان معتصماً بربه: {وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} آل عمران101، والاعتصام بكتاب الله الذي هو حبل الله هو عين الاعتصام بالله.
وبالاستقامة يتحقق للإنسان المقصد الديني الأعظم الخاص بالفرد، وهو أن يكون إنسانا ربانيا فائقا (صالحا مفلحا محسنا شاكر) يحظى بتأييد الملأ الأعلى ويحيا في أمن وسعادة وفرح دائم متجدد: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} فصلت30، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} الأحقاف13.
ولبيان أهمية الاستقامة:
{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ.....}الشورى15، {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }هود112، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ }فصلت30  * {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }الأحقاف13  * {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً }الجن16  * {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ }الفاتحة6  * {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }الأنعام153  * {إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }آل عمران51  * {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }آل عمران101  * {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }النساء175  * {يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }المائدة16
*******
الإخلاص: (ابتغاء وجه الله، اجتناب الشرك)
الإخلاص هو روح العبادة وسر حياتها، فهو من لوازم ركن الدين الأكبر الثاني، وبه يكون لها ثمرتها على الكيان الإنساني الجوهري، والإخلاص كما تبين آيات الكتاب أن يبتغي المتعبد بعمله وجه الله تعالى وألا يشرك به شيئا وألا يجعل له ندا، وكل ما يضاد الإخلاص من أفعال هو من كبائر الإثم، فمن كبائر الإثم: الشرك، النفاق، الرياء، إيثار الحياة الدنيا، وكل هذه الأمور محبطة للعمل، والصفات التي اقتضت هذه الأفعال هي نجاسات معنوية وهي أشد خطرا بكثير من النجاسات الحسية، فهي تجتذب الشياطين إلى الكيان الإنساني، ولا يمكن التحقق بالمعية الإلهية الخاصة والإنسان لا يسعى سعيا جادا للتطهر منها.
قال تعالى:
{إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ }الزمر2، {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ }الزمر11، {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي }الزمر14، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ....}الكهف28، {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ....}الأنعام52، {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى{17} الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى{18} وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى{19} إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى{20} الليل، {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً....}النساء36 {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً.....}الأنعام151، {.....لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }لقمان13، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً }النساء48، {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} النساء116، {.....إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}المائدة72.
*******
الاستجابة لله
هي ركن عظيم من أركان الدين، قال تعالى:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}البقرة186  *  {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }الشورى38  * {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24  *  {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ }الرعد18  *  {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ }الشورى47
والاستجابة لله تعالى تتضمن الاتصاف والعمل وفق مقتضيات أسمائه الحسنى، فيجب أن يعلم الإنسان ما تقتضيه منه الأسماء، أمثله: الحق: (الصدق في القول والعدل في الحكم والقيام بالقسط والشهادة لله وطلب العلم الحقاني الصحيح، الأحد: (الاتساق الذاتي بين مكونات الكيان الإنساني)، الواحد: (تنمية الشخصية والفردية والتميز)، الرحمن: (تعلم القرءان لأنه الجامع لقوانين وسنن وأوامر الرحمن، تبجيل السنن الإلهية والكونية والتعرف عليها والعيش وفق مقتضياتها، تعلم البيان)، الإله: (العبودية التامة)، الرحيم: (الرحمة وصلة الرحم)، القوي العزيز: (الحرص علي الاستزادة من أسباب القوة والعزة علي كافة المستويات، بحيث لا يستطيع أعداؤه الظاهريون أو الباطنيون أن ينالوا منه وبحيث يستطيع أن يتغلب عليهم إذا ما حاولوا الاعتداء عليه)، الرؤوف: الرأفة بالكائنات الأخرى، الغفور: (الصفح الجميل والمغفرة والتسامح ولين الجانب)، الأعلى: (الإيمان بالعلو المطلق لله تعالى فوق كل التصورات والمفاهيم والأفكار والأكوان والمخلوقات، السجود لله)، العظيم: (الإيمان بعظمة الله في ذاته، الركوع لله)، العليم الحكيم: (تنمية ملكات الاستقراء والتركيب والاستنباط واستخلاص القوانين من الظواهر والعبر من الأحداث والوقائع)، العفوّ (العفو والصفح الجميل وكظم الغيظ).....، والتحقق بمقتضيات الأسماء يستلزم التطهر مما يناقض مقتضياتها: أمثلة: الاسم الحق يقتضي اجتناب الكذب والباطل والجور والظلم والأمور غير الموضوعية......الخ.
والاتصاف والعمل وفق مقتضيات أسمائه الحسنى يعني الاتصاف والعمل وفق المنظومة الأمرية الرحمانية؛ أي وفق منظومة القيم الإسلامية.
*******
طاعة الله
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }النساء59  * {قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }آل عمران32  *  {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }آل عمران132  *   {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ }المائدة92  *  {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }الأنفال1 
وكل هذا يقتضي الإقرار بأن الحكم لله، {.....إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ }الأنعام57، {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف40، {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }يوسف67
*******
ولقد أعلن الله تعالى أنه ما خلق الإنسان إلا ليعبده أي ليتخذه وحده رباً وليكون هو لربه عبدا، فالإنسان ملزم بالعمل بمقتضي عبوديته لله تعالي، والعبد ملزم بطاعة سيده وربه، ومجال الطاعة هو الأوامر الإلهية التي يتضمنها الكتاب المنزل وما يصدقه مما هو منسوب إلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، والمنتفع بالطاعة المذكورة هو الإنسان نفسه، فبها يتزكي كيانه ويصبح مؤهلا للعيش السعيد في الدنيا والآخرة.
*******
إن العبادة هي الاسم الجامع لكل الأعمال والأنماط السلوكية التي تصدر عن الإنسان استجابة للأوامر الإلهية، وهذا يعني العمل بمقتضيات الركن الأول أي القيام بحقوق الأسماء الحسنى أي أن يتحقق الإنسان بمقتضياتها وأن يقابل بالآداب اللازمة تجلياتِها، ومن الأوامر الإلهية السيرُ في الأرض للنظر في كيفية بدء الخلق والنظر في كيفيات خلقِ السماوات والأرض والدواب ورفع الأجرامِ الفلكية ونصب الجبالِ واختلافِ الليل والنهار أي النظر في كل الظواهر والكيانات الطبيعية لإدراك أنها آيات إلهية.
*******
إن العبادة هي طاعة الله تعالى بالاستجابة له وامتثال ما أمر به والانتهاء عما نهي عنه، فهي اسم جامع لكل ما يحبه ويرضاه لعباده من أقوال وأفعال وأحوال، وأصلها هو التذلل والخضوع، فهي التجسيد العملي للإسلام في معناه الجوهري، وهي لذلك لا تكون إلا لله رب العالمين، لذلك فالإخلاص هو شرط لقبولها، وهذا يعني بالضرورة أن كل ما استحقه الله تعالى من عبادة من حيث هو رب لا يجوز لغيره.
*******
إن من أركان الإسلام عبادةَ الله تعالى بإخلاص وذلك بالاستجابة له أي بالعمل بمقتضيات أوامره وسننه، وبتصحيح القصد والنية يصبحُ كل عمل يصدر عن الإنسان عبادة لله رب العالمين، فكون العبادة هي ركن من أركان الدين يعني أن العبادة هي أسلوب حياة خاصّ متميز، وهذا يقتضي أن يكون الإنسان على يقين مستمر ودائم أنه عبد لرب خالق وقادر يريده أن يلتزم بقوانينه وسننه ويحيى بمقتضاها.
والعبادة أيضا هي كلُّ فعل يصدر عن أي كيان إنساني مثل الإنسان أو الأمة  يستلزمها العملُ على تحقيق مقاصد الدين العظمى والفرعية، لذلك فالعبادة هي كل ما يلزم لتزدادَ معرفة الإنسان بربه ويزدادَ هو قربا منه ويؤدي إلى أن يكون الإنسان إنساناً ربانياً فائقا مفلحاً محسنا ويؤدي إلى إعداد وبناء الأمة الخيرة الفائقة، وكذلك يمكن تعريف العبادة بأنها كل عمل يقتضيه كون الإنسان متصفاً بالأخلاق الإسلامية أو يسعي لاكتسابها أو يسعى للتحقق بالقيم الإسلامية والعمل وفق مقتضياتها.
*******
إن العبادة هي كل ما يصدرُ عن الإنسان بمحض اختياره قياما بحقوق الأسماء الإلهية الحسنى، وهذا يعنى التزامَ الإنسانِ بالعمل بمقتضى نسق التعليمات والأوامر الدينية الخاصة به، فيعرف لربه حقه ويؤدي الشعائر ويعملُ على أن يتصف بمكارم الأخلاق، ولكي يؤدي كلَّ عمل الأداء الأمثل يجب أن يعرف المقصد منه، أي أن يعرف الثمرة المرجوة منه أى الحكمة من الأمر به حتى يحكمَ على نفسه بنفسه ويقوِّمَ نفسَه بنفسه ويكونَ على بصيرة من أمره، والحكمةُ من العمل إما أن يكونَ منصوصاً عليها فى الكتاب العزيز وإما أنه يمكن استنباطُها منه، وبذلك يمكنُ للإنسان أن يكون حسيباً على نفسه وأن يكون على بصيرةٍ من أمره.
*******
إن عبادةَ الله تعالى تتضمنُ كل سعيٍ أو عمل يؤدي إلي تحقيقِ مقاصد الدين العظمي، وبتصحيح القصدِ والنية يكونُ كل عمل يصدر عن الإنسان عبادةً لله رب العالمين، فالعبادة إذاً هي كل عمل أو سلوك يؤدى إلى تحقيق المقصد الديني الأعظم وهو الوصول بالإنسان إلى كماله المنشود، وكل ضروب العبادة لا بد من أن تُؤدَّى طوعاً لا كرها وإلا لانتشر الرياء والنفاق دون أن تسبب نفعا، ويجب العلم بأن تلاوة آيات الكتاب هي من العبادات المقدمة على سائر العبادات:
{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ} العنكبوت: 45، {إنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ(29)} فاطر، والتلاوة هاهنا لا تعني التلاوة اللفظية فقط بل تعني اتخاذ كتاب الله إماماً واتباعه، فكلُّ تفاصيلِ العبادةِ تدورُ حول كتاب الله، ولذلك كان به تحقيق المهام العظمى للبعثة النبوية: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ(2)} الجمعة.
*******
إن العبادةَ هي العمل بمقتضي الأوامر والتعليمات الإلهية وهي لذلك تعني العملَ علي القيام بحقوق الأسماء الحسني، والإنسان بإدراكه أنه عبد لله إنما يعرف حقيقةَ مركزِه في هذا الكون فيستطيع أن يعرفَ الطريق السليم والصراطَ المستقيم ويستطيع أن ينجو من العذاب الأليم وأن يفوز بالنعيم المقيم.
والعبادة هي كل ما يترتب على علم الإنسان بحقيقة وضعه في هذا الوجود، فهو عبد مقيد لرب مطلق، فعليه دائماً أن يقدم فروض الطاعة والولاء لربه الذي هو جدير بكل طاعة وإجلال وحب.
وهذا يعني أيضا أن يتنزه الإنسان عن إظهار ضروب العبادة بكافة صورها لغير الله تعالى، فمن أراد أن يعبد أحدا فليعبد الله وحده، وما لدى الإنسان من نزعة تقديس ينبغي أن يوجهها كلها وأن يشبعها بالاتجاه نحو الله وحده، وهذا بالطبع يستلزم تقديس كل القيم العليا التي هي مقتضيات أسمائه الحسنى.
*******
إن حفظ حدود الله هو من تفاصيل ركن عبادة الله والاستجابة له، ولقد اختزل البعض حدود الله وأنزلوها إلى مجرد أشكال العقوبات، والحق هو أن حدود الله هي أوامره ونواهيه، فهي ما حده لهم ليعرفوا الصراط المستقيم ويسلكوا فيه ولا يتعدوه.
*******
إن الإنسان هو عبد الله وخليفة في الأرض، وركن العبادة يقتضي أن يتخذ الإنسان من الله رباً، وهذا يعني الاستجابة السريعة والجادة لكل أمر من أوامره وتعظيم شأنه.
*******
من ضروب العبادة والتزكي والذكر التوجه إلى الله تعالى بالمشاعر، وذلك بأن يستحضر الإنسان في قلبه ما يجب أن يحتفظ لربه من المشاعر واحدا بعد الآخر، وقد يستلزم ذلك جلسات متعددة، ومن أهم هذه المشاعر: التقوى، الحب، الإجلال، الهيبة، الأمل، الرغبة، الرهبة، الخوف، التعظيم، الإعجاب، التعلق التام، التوكل، الاستسلام، التفويض، الثقة، الخضوع، الخشوع،.....
كل هذه المشاعر هي أيضاً من لوازم القيام بحقوق الأسماء الحسنى.
*******
إن كافة المذاهب (الفقهية) تجعل الشكلَ الخارجي للعبادات هو مقياسَ صحتِها وسقوطِ المطالبة بها دون أن يوضحوا للناس عند من ستسقط تلك المطالبة، ولكنهم عادة يدعون لأنفسهم سلطة التحدث نيابة عن ربهم، أما الله عز وجل فقد ذكر لكل عباده مقاصدها التي يكون تحققها مقياساً لقبولها، وهذا بالطبع لا يقلل من أهمية الشكل الخارجي للعبادات.
إن صحة الشكل الخارجي لأداء العبادات كالصلاة والصوم والواردة في كتب (الفقه) لا تغني عن ضرورة صحتها وفقاً لمعايير دين الحق والتي تتضمن الشكل والمضمون معا وتعطي الوزن الأكبر لروح العبادة وجوهرها ومقاصدها.
*******
إن الله تعالى هو الغني المطلق، فلا حاجة به إلى عبادة من أحد ولا لجهاد من أحد، {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ}الأنعام133، {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }العنكبوت6، {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69، {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{7}}الزمر، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }فاطر15، {هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}محمد38، {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}الحديد24.
وهو إنما شرع العبادة للناس رحمة بهم  وليعلمهم بما يلزمهم لكي يصلح ويزكي كلٌّ منهم كيانه الجوهري، ولقد اقتضت سننه التي لا تبديلَ لها ولا تحويل ألا ينتفعَ إنسان إلا بعمل أقدم عليه بمحض اختياره، ولولا ذلك لآتي كل نفس هداها ولهدى الناس جميعا، فالذي هو بحاجة إلي الايمان وعمل الصالحات هو الإنسان ليتحقق بكماله المنشود وليفوز في الآخرة، ولذلك لا تملك نفس لنفس إحداث الهداية أو الإيمان فيها، وإنما تملك الدلالة عليها، وما أعلن الله أنه ليس لرسول نبي لن يعطيه لما هو من دونه من كيانات أخرى، لذلك فإن القانون المنصوص عليه في الآية: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}البقرة256، هو قانون كوني يقتضي قانوناً شرعيا، فلا يجوز لأي كيان إكراه إنسان علي تغيير دينه أو علي اعتناق مذهب أو آراء معينة.
إنه بعد الالتزام بالأوامر القرءانية وسنن الرسول العملية فإن العبادة هي أمر ذاتي إبداعي لكل إنسان أن يظهر فيه سماتِه وخصائصَه، فلا حرج أن يذكر الإنسان ربه وأن يعبر له عن إجلاله له وحبه بكل ما استطاع من أقوال أو أفعال أو أدب أو فن.
*******
إن الله تعالى قد خلق الجن والإنس ليعبدوه، ولقد ذكر ذلك في القرءان مبيناً بذلك مقاصده، والرب يستخدم العبد ليحقق به مقاصده، فكل كائن هو بالأصالة عبد لله تعالى لأنه يستخدمُه لتحقيق مقاصده الوجودية والكونية، وتلك المقاصد هي مقتضيات المنظومة الكلية للأسماء الحسنى وهي متحققةٌ لا محالة، وثمة مقاصد دينية شرعية هي مقتضيات منظومة الهدي والإرشاد والرحمة ومجالها الكائنات المخيرة  وهم مجال ومحالّ تحققها، ولابد من سعيٍ من جانب الكائن المخير لتتحقق له تلك المقاصد، وجماع كل المساعي المؤدية إلى تحقيق هذه المقاصد هو العبادة، ولقد اقتضت نفس المنظومة مجموعة من الأوامر الشرعية التي يجب أن يعمل بمقتضاها الكائن المخير ليكون عبداً حقيقياً لربه، فجماع كل تلك المقتضيات هو العبادة، ويمكن بعبارات أخرى القول بأن العبادة  هي كل ما يصدر عن الإنسان بمحض اختياره قياما بحقوق الأسماء الحسنى، وهذا يعني التزام الإنسان بكافة الأوامر الدينية؛ فيؤدي الشعائر ويعمل على أن يتصف بمكارم الأخلاق ويعرف لربه حقه، ولكي يؤدي كل عمل الأداء الأمثل يجب أن يعرف المقصد من العمل حتى يحكم على نفسه ويكون على بصيرة من أمره، إنه بتصحيحِ القصد والنية يصبح كل عمل يصدر عن الإنسان عبادة لله رب العالمين، فكل إنسان يسعى لصالح الآخرين وتحقيق آمالهم المشروعة وتحسين أحوالهم والرقي بهم والقيام بالقسط والحكم بالعدل بينهم هو متعبد لله تعالى بأفعاله هذه.
وهذا الركن يقتضي أن يتخذ الإنسان ربه وليا، ففي دين الحق لا ولاء لأشخاص من سلف أو خلف، الولاء أولا هو لله تعالى، والولاء لمن هم من دونه هو بقدر كونهم أولياء له، ومن أعظم أركان هذا الولاء لله الولاء للقيم العليا التي هي مقتضيات الأسماء الحسنى الإلهية، فالقداسة في دين الحق هي لهذه القيم، ومنها: الصدق، الحق، العدل، القسط، الوفاء بالعهد، البر، التقوى، العلم، الحكمة، الفقه (بمعناه الحقيقي)، الصبر (بمعناه الحقيقي)، الحب، الإخلاص، إيثار السلام، أداء الأمانات إلى أهلها، احترام حقوق وكرامة الإنسان، الرجولة (بمعناها الحقيقي)، الإحساس بالمسئولية عن الأرض ومن عليها، الإيثار، التعاون على البر والتقوى... الخ.

*******



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق